كيف تردُّ على من يستدلُّ على بدعته بقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " نعمت البدعة هذه " ؟
A-
A=
A+
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فضيلة الشيخ ، كيف تردُّ على من يستدل على بدعته بقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " نعم البدعة هي " ؟
الشيخ : قول عمر هذا : " نعمت البدعة هذه " أخرجه الإمام البخاري في " صحيحه " ، والمناسبة هناك - أيضًا - تبيِّن هذه الكلمة كما بيَّنَت مناسبة حديث جرير المعنى الصحيح للحديث المرفوع فيه ( من سنَّ سنَّة حسنة ، ومن سنَّ سنَّة سيِّئة ) .
تعلمون جميعًا - إن شاء الله تبارك وتعالى - أن قيام الليل الأصل فيه أنَّها من النافلة التي لا يُشرع التَّداعي فيها إلى صلاتها جماعة ، وإنما يجوز ذلك أحيانًا دون تداعي ، وهذا له تفصيل آخر ، ولذلك فلم يكن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يحيي شيئًا من صلاة الليل مع جماعته كما لو كان يصلي الفريضة معهم ؛ إلا في آخر رمضان من حياته - عليه الصلاة والسلام - ؛ فقد خرج ليلةً من الليالي فصلى في المسجد صلاة القيام ، فانتبه لصلاته بعض الصحابة الحاضرين فاقتدوا به ، ثم شاعَ هذا الخبر في المدينة ، فلما خرج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الليلة الثانية خرج - أيضًا - وصلى صلاة القيام مع جماعة من الصحابة هم أكثر من الجماعة الأولى ، ثم خرج - عليه الصلاة والسلام - الليلة الثالثة ، فغصَّ المسجد بالمصلين ؛ لأن الخبر شاع أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى في الليلة الفائتة - وهي الليلة الثانية - صلاة الجماعة مع قيام رمضان ؛ أي : صلاة التراويح ، فلما كانت الليلة الرابعة وانتظر الناسُ خروجَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فلمَّا تأخَّر عن عادته في تلك الليالي الثلاث لم يصبِرْ بعضهم ، ولعله كان حديث عهد بالإسلام ، ولم يعرف كيف يُمكنه أن يقدِّر ويوقِّر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فأخذ بعض الحصيات يرمي بها بابَ الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ظنًّا منه لعله نائم ، فخرج - عليه الصلاة والسلام - عليهم مرغمًا ، وقال : ( أما إنه لم يخفَ عليَّ مكانكم هذا ، إني فعلت ذلك عمدًا ، إني خشيت أن تُكتب عليكم ؛ فصلوا أيها الناس في بيوتكم ؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) .
وتُوفِّي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في ربيع الأول ولم يُدرك رمضان الآخر ، وجاءت خلافة أبي بكر والناس في كل خلافته التي كانت نحو سنتين ونصف يصلون في المسجد زرافات ووحدانًا ؛ ليس هناك إمام يجمعهم إلى أن جاءت خلافة عمر بن الخطاب والناس كذلك ، وتعلمون أن من هديه - رضي الله عنه - أنه كان يتحسَّس أحوال المسلمين ليس في المسجد فقط ؛ بل وفي الأسواق ، وذلك من عدله وفضله ، فلما رآهم يصلون متفرِّقين قال : لو جمعناهم على إمام واحد ، ثم عزم على ذلك ، فأمر أبيَّ بن كعب أن يصلي بالناس إمامًا فصلى ، فخرج عمر - رضي الله عنه - كعادته يتفقَّد المسلمين في المسجد ، فرآهم خلاف ما كانوا عليه من قبل في أوَّل خلافته في خلافة أبي بكر الصديق ؛ رآهم يصلون خلف إمام واحد وبجماعة واحدة ، فقال - رضي الله عنه - بهذه المناسبة : " نعمت البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل " .
يشير بقوله - رضي الله عنه - : " والتي ينامون عنها أفضل " إلى أن تأخير صلاة الليل أفضل من التعجيل بها ، ولكن الأمر كما قال - عليه الصلاة والسلام - : ( لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ، ولَأخَّرت صلاة العشاء إلى نصف الليل ) ؛ لأنه هو الأفضل ، ولكن دفعًا للمشقَّة كان - عليه الصلاة والسلام - لا يؤخِّرها ، ولما أجمعَ عمر بن الخطاب أمرَه على أن يجمع المسلمين وراء إمام واحد كان من مقتضى الحكمة ألَّا يجعل هذا التجميع آخر الليل ؛ لأن ليس كل الناس يستطيعون ذلك ، ولذلك فهو جَمَعَ بين التشريع الميسَّر أو إعادة المسلمين إلى التشريع الميسَّر وهو في أول الليل ، مع التَّنبيه إلى أن التأخير هو أفضل ، وقال بهذه المناسبة : " نعمت البدعة هذه " .
فقوله : البدعة ليس المقصود بها البدعة الشرعية التي ... الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ذمَّها فيما تقدَّم من أحاديث ، وبخاصة القاعدة : ( كل بدعة ضلالة ) ، حاشا لعمر أن يعني هذا المعنى ، فقوله : " نعمت البدعة " إنما هي بدعة لغوية ، وليست البدعة بدعة شرعية هنا ؛ لِمَا ذكرنا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خرج لأصحابه ثلاث ليالي ، وأنه إنما ترك ذلك خشيةَ أن يتوهَّم الصحابة بمتابعة الرسول - عليه السلام - في كل ليالي رمضان التَّجميع هذا في القيام تركَ دفعًا لهذا المحذور ، ولما انتقل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الرفيق الأعلى وانتهت أحكام الشريعة ؛ فلم يبقَ لأحد أن يغيِّر أو يبدِّل ؛ لذلك فتحَ الله على قلب أمير المؤمنين فأحيا هذه السنة ، وباعتبار حث الرسول - عليه السلام - لها ، واستمرار أبي بكر في كل حياته ، وعمر - أيضًا - في أول حياته على هذا ... ؛ سمَّى هذا ... بدعة ؛ أي : جديدًا باعتبار ما قبل ذلك ، لكنها ليست بدعة لغويَّة يشملها عموم قوله - عليه السلام - ؛ لأن النبي سنَّها بفعله كما ذكرنا ... حديث أخرجه الإمام أبو داود في " سننه " من حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من صلَّى صلاة العشاء مع الإمام ، ثم قام معه حتى ينصرف ؛ كتب الله له قيام ليلة ) ، بمجرَّد صلاته صلاةَ الجماعة صلاة العشاء مع الجماعة والقيام معه كتبَ الله له كأنه قام الليل كله ؛ ففي هذا حضٌّ من قوله - عليه الصلاة والسلام - لإحياء صلاة التراويح مع الإمام ؛ فلا يمكن أن يُفسَّر قول عمر : " نعمت البدعة " بأنه يعني البدعة الشرعية ، كيف وقد فعلها رسول الله وحضَّ عليها رسول الله ؟ فهي سنَّة فعلية وسنة قولية أيَّدها - عليه السلام - بهذا الحديث الصحيح .
فضيلة الشيخ ، كيف تردُّ على من يستدل على بدعته بقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " نعم البدعة هي " ؟
الشيخ : قول عمر هذا : " نعمت البدعة هذه " أخرجه الإمام البخاري في " صحيحه " ، والمناسبة هناك - أيضًا - تبيِّن هذه الكلمة كما بيَّنَت مناسبة حديث جرير المعنى الصحيح للحديث المرفوع فيه ( من سنَّ سنَّة حسنة ، ومن سنَّ سنَّة سيِّئة ) .
تعلمون جميعًا - إن شاء الله تبارك وتعالى - أن قيام الليل الأصل فيه أنَّها من النافلة التي لا يُشرع التَّداعي فيها إلى صلاتها جماعة ، وإنما يجوز ذلك أحيانًا دون تداعي ، وهذا له تفصيل آخر ، ولذلك فلم يكن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يحيي شيئًا من صلاة الليل مع جماعته كما لو كان يصلي الفريضة معهم ؛ إلا في آخر رمضان من حياته - عليه الصلاة والسلام - ؛ فقد خرج ليلةً من الليالي فصلى في المسجد صلاة القيام ، فانتبه لصلاته بعض الصحابة الحاضرين فاقتدوا به ، ثم شاعَ هذا الخبر في المدينة ، فلما خرج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في الليلة الثانية خرج - أيضًا - وصلى صلاة القيام مع جماعة من الصحابة هم أكثر من الجماعة الأولى ، ثم خرج - عليه الصلاة والسلام - الليلة الثالثة ، فغصَّ المسجد بالمصلين ؛ لأن الخبر شاع أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - صلى في الليلة الفائتة - وهي الليلة الثانية - صلاة الجماعة مع قيام رمضان ؛ أي : صلاة التراويح ، فلما كانت الليلة الرابعة وانتظر الناسُ خروجَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فلمَّا تأخَّر عن عادته في تلك الليالي الثلاث لم يصبِرْ بعضهم ، ولعله كان حديث عهد بالإسلام ، ولم يعرف كيف يُمكنه أن يقدِّر ويوقِّر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فأخذ بعض الحصيات يرمي بها بابَ الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ظنًّا منه لعله نائم ، فخرج - عليه الصلاة والسلام - عليهم مرغمًا ، وقال : ( أما إنه لم يخفَ عليَّ مكانكم هذا ، إني فعلت ذلك عمدًا ، إني خشيت أن تُكتب عليكم ؛ فصلوا أيها الناس في بيوتكم ؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ) .
وتُوفِّي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في ربيع الأول ولم يُدرك رمضان الآخر ، وجاءت خلافة أبي بكر والناس في كل خلافته التي كانت نحو سنتين ونصف يصلون في المسجد زرافات ووحدانًا ؛ ليس هناك إمام يجمعهم إلى أن جاءت خلافة عمر بن الخطاب والناس كذلك ، وتعلمون أن من هديه - رضي الله عنه - أنه كان يتحسَّس أحوال المسلمين ليس في المسجد فقط ؛ بل وفي الأسواق ، وذلك من عدله وفضله ، فلما رآهم يصلون متفرِّقين قال : لو جمعناهم على إمام واحد ، ثم عزم على ذلك ، فأمر أبيَّ بن كعب أن يصلي بالناس إمامًا فصلى ، فخرج عمر - رضي الله عنه - كعادته يتفقَّد المسلمين في المسجد ، فرآهم خلاف ما كانوا عليه من قبل في أوَّل خلافته في خلافة أبي بكر الصديق ؛ رآهم يصلون خلف إمام واحد وبجماعة واحدة ، فقال - رضي الله عنه - بهذه المناسبة : " نعمت البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل " .
يشير بقوله - رضي الله عنه - : " والتي ينامون عنها أفضل " إلى أن تأخير صلاة الليل أفضل من التعجيل بها ، ولكن الأمر كما قال - عليه الصلاة والسلام - : ( لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ، ولَأخَّرت صلاة العشاء إلى نصف الليل ) ؛ لأنه هو الأفضل ، ولكن دفعًا للمشقَّة كان - عليه الصلاة والسلام - لا يؤخِّرها ، ولما أجمعَ عمر بن الخطاب أمرَه على أن يجمع المسلمين وراء إمام واحد كان من مقتضى الحكمة ألَّا يجعل هذا التجميع آخر الليل ؛ لأن ليس كل الناس يستطيعون ذلك ، ولذلك فهو جَمَعَ بين التشريع الميسَّر أو إعادة المسلمين إلى التشريع الميسَّر وهو في أول الليل ، مع التَّنبيه إلى أن التأخير هو أفضل ، وقال بهذه المناسبة : " نعمت البدعة هذه " .
فقوله : البدعة ليس المقصود بها البدعة الشرعية التي ... الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ذمَّها فيما تقدَّم من أحاديث ، وبخاصة القاعدة : ( كل بدعة ضلالة ) ، حاشا لعمر أن يعني هذا المعنى ، فقوله : " نعمت البدعة " إنما هي بدعة لغوية ، وليست البدعة بدعة شرعية هنا ؛ لِمَا ذكرنا أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - خرج لأصحابه ثلاث ليالي ، وأنه إنما ترك ذلك خشيةَ أن يتوهَّم الصحابة بمتابعة الرسول - عليه السلام - في كل ليالي رمضان التَّجميع هذا في القيام تركَ دفعًا لهذا المحذور ، ولما انتقل النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الرفيق الأعلى وانتهت أحكام الشريعة ؛ فلم يبقَ لأحد أن يغيِّر أو يبدِّل ؛ لذلك فتحَ الله على قلب أمير المؤمنين فأحيا هذه السنة ، وباعتبار حث الرسول - عليه السلام - لها ، واستمرار أبي بكر في كل حياته ، وعمر - أيضًا - في أول حياته على هذا ... ؛ سمَّى هذا ... بدعة ؛ أي : جديدًا باعتبار ما قبل ذلك ، لكنها ليست بدعة لغويَّة يشملها عموم قوله - عليه السلام - ؛ لأن النبي سنَّها بفعله كما ذكرنا ... حديث أخرجه الإمام أبو داود في " سننه " من حديث حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال : قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من صلَّى صلاة العشاء مع الإمام ، ثم قام معه حتى ينصرف ؛ كتب الله له قيام ليلة ) ، بمجرَّد صلاته صلاةَ الجماعة صلاة العشاء مع الجماعة والقيام معه كتبَ الله له كأنه قام الليل كله ؛ ففي هذا حضٌّ من قوله - عليه الصلاة والسلام - لإحياء صلاة التراويح مع الإمام ؛ فلا يمكن أن يُفسَّر قول عمر : " نعمت البدعة " بأنه يعني البدعة الشرعية ، كيف وقد فعلها رسول الله وحضَّ عليها رسول الله ؟ فهي سنَّة فعلية وسنة قولية أيَّدها - عليه السلام - بهذا الحديث الصحيح .
- رحلة النور - شريط : 39
- توقيت الفهرسة : 00:07:59
- نسخة مدققة إملائيًّا