حكم تشغيل مكبِّر الصوت في المساجد لأجل الإقامة ولأجل خطبة الجمعة .
A-
A=
A+
الشيخ : والمسألة الأخرى تتعلق بمكبِّر الصوت هذا ؛ فقد اعتاد المسلمون اليوم أن يستغلُّوا هذه الوسيلة التي خلقها الله - تبارك وتعالى - في العصر الحاضر ، فاستعملوه فيما ينبغي وفيما لا ينبغي ، وهنا التنبيه الثاني ، لا شك أنه يُشرع للمؤذِّن أن يكون صيِّتًا ، وأن يكون جهوريَّ الصوت ؛ لأنه قد جاءت أحاديث كثيرة تؤكد ذلك ، بل وتذكر أن صوت المؤذِّن مهما بلغ من حجرٍ أو شجرٍ أو مدرٍ إلا كان له شاهدًا يوم القيامة ؛ ولذلك جاء في قصة ابتداء شرعية الأذان ، ولعل الكثيرين منكم يعرفها ، أو قرأها من كتب السنة ، أو على الأقل سمع بها من بعض العلماء الفضلاء ، خلاصة تلك القصة : أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما كان يصلي بالناس جماعة لم يكن قد شُرِعَ الأذان بعد ، فكان بعضهم يذكِّر بعضًا بمثل ما يفعل بعض الناس اليوم في بعض البلاد من قولهم : الصلاة الصلاة ، هكذا كان قبل شرعية الأذان ، ثم بدا للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يتخذ وسيلة يُعلِمُ بها الناس بحضور وقت الصلاة ، فجمعهم ، وأتمروا وتشاوروا ، فأبدى كلُّ فرد ما كان عنده من رأيٍ ، فكان من هذه الآراء ثلاثة :
الرأي الأول : أن تُوقد نار عظيمة تبدو للناس البعيدين ، فيفهمون من ذلك أن هذه شعار لحضور وقت الصلاة ، فرفض النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذلك رفضًا باتًّا ، وقال : ( هذه شعار المجوس ) .
وثانٍ اقترح بالضرب بالبوق ، قال - عليه السلام - : ( هذا شعار اليهود ) .
وثالث قال : نضرب عليه بالناقوس ، فأبى ذلك - أيضًا - - عليه الصلاة والسلام - وقال : ( هذا شعار النصارى ) .
ثم انفضَّ المجلس دون أن يتَّخذوا قرارًا ، فرأى أحد الصحابة الذين كانوا من جملة مَن حضر المجلس رأى في المنام أنه بينما كان يمشي في طريق من طرق المدينة رأى رجلًا في يده ناقوس ، فقال له : أَتبيعني هذا الناقوس يا عبد الله ؟ قال : لم ؟ قال : لنضرب عليه في وقت الصلاة . قال : أفلا أدلُّك على ما هو خير من ذلك ؟ ثم وقف أو قام على جذم جدر ؛ أي : على جدار مهدوم ، وقد بقي منه شيء فوق الأرض ، فعَلَا عليه ، ووضع أصبعيه في أذنيه ، وقال : الله أكبر الله أكبر ، هذا الأذان المعروف لديكم والحمد لله ، ثم نزل من ذلك الجذم إلى الأرض ، وأقام الصلاة ، فلما أصبح الرجل قصَّ رؤياه على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : ( إنها رؤيا حق ، فألقِه ) - هنا الشاهد - قال - عليه السلام - : ( إنها رؤيا حق ، فألقِهِ على بلال ؛ فإنه أندى صوتًا منك ) . لذلك اتفق العلماء على أن المؤذِّن ينبغي أن يكون صيِّتًا نديَّ الصوت ، جهوريَّ الصوت ؛ بحيث أنه يبلغ إلى أبعد مكان عن المسجد ، فلما وُجدت هذه الوسيلة التي تُبلغ الصوت إلى مسافات بعيدة ما شاء الله أجمع العلماء عمليًّا على شرعية اتِّخاذ هذه الوسيلة ؛ لأنها تؤكِّد تلك الغاية التي شَرَحَها الرسول - عليه السلام - في الأحاديث المشار إليها ؛ وهي تبليغ الصوت إلى أبعد مكان ممكن ، فهذا في الأذان أمر مرغوب مشروع ، استعمال هذه الوسيلة في الأذان فقط أمر مرغوب مشروع ؛ لأنه يحقِّق غاية مشروعة ، لكن ليس الأمر كذلك في أمرين اثنين ؛ مما واقع في هذه المساجد التي تُستعمل فيها هذه الوسيلة :
الأمر الأول : إذاعة الإقامة بهذا الجهاز ، هذا لا يُشرع ؛ لأن الأذان لم يكن بمكان للمؤذن ؛ لأنه ليس المقصود - بأن الإقامة - لم تكن في مكان الأذان ؛ لأنه ليس المقصود بالإقامة إبلاغها إلى أبعد مدًى كما هو الشأن في الأذان ، وإنما الإقامة إعلامٌ خاصٌّ للذين في المسجد ، فهم ينهضون للصلاة ، وليس هناك حاجة إلا نادر جدًّا جدًّا في مسجد كبير ، ويكون المصلون فيه جمعًا غفيرًا جدًّا ؛ بحيث أن كثيرين ممن هم بعيدين في يمين الصف أو شماله ؛ في مثل هذا المسجد الكبير يمكن أن يُقال باستعمال هذا المكبِّر للصوت في الإقامة ، أما في المساجد التي ليست بتلك التوسعة فلا ينبغي أن نُشغل الناس خارج المسجد بمثل هذه الإقامة ؛ لأن الإقامة إعلامٌ خاصٌّ متعلق بمن كان في داخل المسجد ، ولا ينبغي لنا أن نحسِّن ما لم يحسِّنه الشارع ، فنقول - كما قيل لي في بعض ما ذكَّرت بهذا - قيل : أليس من الأحسن أن نُسمع الاقامة - أيضًا - لمن كان خارج المسجد ؟
نقول : من مثل هذا التَّحسين فُتِحَ على المسلمين باب الابتداع في الدين ، ومن هنا جاء ما يُعرف عند علماء الكلام أن المعتزلة يقولون بالتحسين والتقبيح العقليَّين ، المعتزلة من الأمور التي خالفوا فيها أهل السنة أنهم يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين ، معنى ذلك يصرِّحون بما يأتي من البيان يقولون : ما حسَّنه العقل فهو حسن ، وما قبَّحه العقل فهو قبيح ، وأهل السنة يقولون بخلاف ذلك ، وقولهم هو الحقُّ ؛ ما حسَّنه الله - تبارك وتعالى - فهو الحسن ، وما قبَّحه الله فهو القبيح ؛ فلا يجوز للمسلمين أن يُدخلوا عقولهم في التحسين والتقبيح العقليين ، من ذلك ما نحن في صدده الآن ، وقد قيل بهذا القول ... بما يأتي ؛ قيل : ما المانع من أن نُسمع الإقامة كما نُسمع الأذان ؟ الجواب : لماذا فرَّق الشارع الحكيم بين الإقامة فجعلها على ظهر المسجد أو في مكان مرتفع ، وجعل الإقامة في المسجد ؛ أليس هو أعلم بما ينفع الناس ؟ لا شك في ذلك أبدًا ، ولذلك ينبغي أن نؤمن إيمانًا جازمًا أن هذا التشريع الإلهي الذي جاء به نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - هو تشريع كامل لا مجال لأحد أن يستدركَ عليه قيد شعرة ، كيف وقد قال ربُّنا - تبارك وتعالى - : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا )) ، وقال نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - : ( ما تركت شيئًا يقرِّبكم إلى الله إلا وأمرتكم به ، وما تركت شيئًا يبعِّدكم عن الله ويقرِّبكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه ) ، فتفريق الشارع الحكيم بين الأذان والإقامة هو فيه حكمة ؛ سواء نحن أدركناها أو لم ندركها ، علينا أن نقف كما قال - تعالى - : (( وتلك حدود الله فلا تعتدوها )) ؛ فالأذان الذي شرعه الرسول - عليه السلام - كان على ظهر مسجد لتحقيق الغاية ؛ وهي تسميع الناس إلى أبعد مسافة ، أما الاقامة فلأمر ما جعلها في المسجد داخل المسجد ولم يجعلها على ظهر المسجد ، فنحن اليوم - وهنا بيت القصيد كما يُقال - حينما نُذيع الأذان بمكبِّر الصوت نحقِّق غاية شرعية ، ولكننا حينما نُذيع الإقامة بمكبِّر الصوت هذا نخالف حكمًا شرعيًّا ؛ فنرجو الانتباه لهذا حتى لا نتعدَّى شريعة الله - تبارك وتعالى - .
والتنبيه الثاني أهمُّ من هذا ؛ وهو يتعلق بنفس هذا المكبر ؛ وهو أن عامة الائمة في المساجد يُذيعون قراءتهم بمكبر الصوت ، فيحرِّجون الأمر على الناس الذين يكونون في بيوتهم وفي محلَّاتهم وفي مصانعهم ومعاملهم ، والنساء في البيوت قد يكنَّ في شغلٍ شاغل ، ويكون الناس كذلك الذين هم خارج المسجد لا يستطيعون أن يحقِّقوا أدبًا قرآنيًّا ؛ حيث يقول ربنا - تبارك وتعالى - : (( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون )) ، وقد وقع شيء من هذا الإشكال لنا ونحن في الطائف ، فقد كنا مسافرين ، وعزمنا أن نجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير ، فتهيَّأنا ، ولما دخلنا في صلاة المغرب أظن وإذا بالإمام دخل في صلاة العشاء ، وصوته بقراءة القرآن شوَّشَ علينا ؛ فضلًا عن أنه شوَّش على غيرنا ممَّن لا يكون عنده استعداد لسماع القرآن ، فإذاعة صوت الإمام حينما يقرأ القرآن في المسجد إلى خارج المسجد هو - أيضًا - اعتداء وتجاوز لحدود الله ، وإحراج للناس ، وإيقاعهم في أحد أمرين ؛ إما أن يَدَعُوا حديثهم أن يَدَعُوا عملهم ليتفرَّغوا لتحقيق الآية السابقة ، وإما أن يظلُّوا كما هو الواقع سادرين ماضين في كلامهم في أعمالهم ؛ فإذًا هذا التسميع لهذه الآيات لمن ؟ ينبغي أن يكون محصورًا لمن كان في المسجد ؛ فلذلك أنا أقترح أحد شيئين على حسب المسجد ؛ إن كان المسجد ليس فيه جمع كبير وصوت الإمام جهوري فلا حاجة لاستعمال هذا المكبر ، وإن كان مسجد كبير والناس كثير فحينئذٍ يرفع الصوت بمقدار مَا يُسمع مَن كان مقتديًا وراء الإمام ، ولا يخرج الصوت إلى خارج المسجد .
هذا ما أردت التذكير به ، وأرجو الله - عز وجل - أن ينفعنا بما نذكِّر به بعضنا بعضًا ، فالآن هات ما عندك .
السائل : جزاك الله خير .
سائل آخر : خطبة الجمعة يعني هل يشملها ؟ تشملها خطبة الجمعة يسأل ؟
سائل آخر : خطبة الجمعة .
الشيخ : خطبة الجمعة ؟ أي : إذاعتها أيضًا ؟ هو كذلك ما ينبغي أن تُذاع ، كلُّ ما كان خاصًّا بالمسجد لا يُخرج خارج المسجد ، وما كان شاملًا لمن كان خارج المسجد ؛ فكما قلنا بالنسبة للأذان يشرع إذاعته بالمذياع .
نعم .
الرأي الأول : أن تُوقد نار عظيمة تبدو للناس البعيدين ، فيفهمون من ذلك أن هذه شعار لحضور وقت الصلاة ، فرفض النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ذلك رفضًا باتًّا ، وقال : ( هذه شعار المجوس ) .
وثانٍ اقترح بالضرب بالبوق ، قال - عليه السلام - : ( هذا شعار اليهود ) .
وثالث قال : نضرب عليه بالناقوس ، فأبى ذلك - أيضًا - - عليه الصلاة والسلام - وقال : ( هذا شعار النصارى ) .
ثم انفضَّ المجلس دون أن يتَّخذوا قرارًا ، فرأى أحد الصحابة الذين كانوا من جملة مَن حضر المجلس رأى في المنام أنه بينما كان يمشي في طريق من طرق المدينة رأى رجلًا في يده ناقوس ، فقال له : أَتبيعني هذا الناقوس يا عبد الله ؟ قال : لم ؟ قال : لنضرب عليه في وقت الصلاة . قال : أفلا أدلُّك على ما هو خير من ذلك ؟ ثم وقف أو قام على جذم جدر ؛ أي : على جدار مهدوم ، وقد بقي منه شيء فوق الأرض ، فعَلَا عليه ، ووضع أصبعيه في أذنيه ، وقال : الله أكبر الله أكبر ، هذا الأذان المعروف لديكم والحمد لله ، ثم نزل من ذلك الجذم إلى الأرض ، وأقام الصلاة ، فلما أصبح الرجل قصَّ رؤياه على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : ( إنها رؤيا حق ، فألقِه ) - هنا الشاهد - قال - عليه السلام - : ( إنها رؤيا حق ، فألقِهِ على بلال ؛ فإنه أندى صوتًا منك ) . لذلك اتفق العلماء على أن المؤذِّن ينبغي أن يكون صيِّتًا نديَّ الصوت ، جهوريَّ الصوت ؛ بحيث أنه يبلغ إلى أبعد مكان عن المسجد ، فلما وُجدت هذه الوسيلة التي تُبلغ الصوت إلى مسافات بعيدة ما شاء الله أجمع العلماء عمليًّا على شرعية اتِّخاذ هذه الوسيلة ؛ لأنها تؤكِّد تلك الغاية التي شَرَحَها الرسول - عليه السلام - في الأحاديث المشار إليها ؛ وهي تبليغ الصوت إلى أبعد مكان ممكن ، فهذا في الأذان أمر مرغوب مشروع ، استعمال هذه الوسيلة في الأذان فقط أمر مرغوب مشروع ؛ لأنه يحقِّق غاية مشروعة ، لكن ليس الأمر كذلك في أمرين اثنين ؛ مما واقع في هذه المساجد التي تُستعمل فيها هذه الوسيلة :
الأمر الأول : إذاعة الإقامة بهذا الجهاز ، هذا لا يُشرع ؛ لأن الأذان لم يكن بمكان للمؤذن ؛ لأنه ليس المقصود - بأن الإقامة - لم تكن في مكان الأذان ؛ لأنه ليس المقصود بالإقامة إبلاغها إلى أبعد مدًى كما هو الشأن في الأذان ، وإنما الإقامة إعلامٌ خاصٌّ للذين في المسجد ، فهم ينهضون للصلاة ، وليس هناك حاجة إلا نادر جدًّا جدًّا في مسجد كبير ، ويكون المصلون فيه جمعًا غفيرًا جدًّا ؛ بحيث أن كثيرين ممن هم بعيدين في يمين الصف أو شماله ؛ في مثل هذا المسجد الكبير يمكن أن يُقال باستعمال هذا المكبِّر للصوت في الإقامة ، أما في المساجد التي ليست بتلك التوسعة فلا ينبغي أن نُشغل الناس خارج المسجد بمثل هذه الإقامة ؛ لأن الإقامة إعلامٌ خاصٌّ متعلق بمن كان في داخل المسجد ، ولا ينبغي لنا أن نحسِّن ما لم يحسِّنه الشارع ، فنقول - كما قيل لي في بعض ما ذكَّرت بهذا - قيل : أليس من الأحسن أن نُسمع الاقامة - أيضًا - لمن كان خارج المسجد ؟
نقول : من مثل هذا التَّحسين فُتِحَ على المسلمين باب الابتداع في الدين ، ومن هنا جاء ما يُعرف عند علماء الكلام أن المعتزلة يقولون بالتحسين والتقبيح العقليَّين ، المعتزلة من الأمور التي خالفوا فيها أهل السنة أنهم يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين ، معنى ذلك يصرِّحون بما يأتي من البيان يقولون : ما حسَّنه العقل فهو حسن ، وما قبَّحه العقل فهو قبيح ، وأهل السنة يقولون بخلاف ذلك ، وقولهم هو الحقُّ ؛ ما حسَّنه الله - تبارك وتعالى - فهو الحسن ، وما قبَّحه الله فهو القبيح ؛ فلا يجوز للمسلمين أن يُدخلوا عقولهم في التحسين والتقبيح العقليين ، من ذلك ما نحن في صدده الآن ، وقد قيل بهذا القول ... بما يأتي ؛ قيل : ما المانع من أن نُسمع الإقامة كما نُسمع الأذان ؟ الجواب : لماذا فرَّق الشارع الحكيم بين الإقامة فجعلها على ظهر المسجد أو في مكان مرتفع ، وجعل الإقامة في المسجد ؛ أليس هو أعلم بما ينفع الناس ؟ لا شك في ذلك أبدًا ، ولذلك ينبغي أن نؤمن إيمانًا جازمًا أن هذا التشريع الإلهي الذي جاء به نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - هو تشريع كامل لا مجال لأحد أن يستدركَ عليه قيد شعرة ، كيف وقد قال ربُّنا - تبارك وتعالى - : (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا )) ، وقال نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - : ( ما تركت شيئًا يقرِّبكم إلى الله إلا وأمرتكم به ، وما تركت شيئًا يبعِّدكم عن الله ويقرِّبكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه ) ، فتفريق الشارع الحكيم بين الأذان والإقامة هو فيه حكمة ؛ سواء نحن أدركناها أو لم ندركها ، علينا أن نقف كما قال - تعالى - : (( وتلك حدود الله فلا تعتدوها )) ؛ فالأذان الذي شرعه الرسول - عليه السلام - كان على ظهر مسجد لتحقيق الغاية ؛ وهي تسميع الناس إلى أبعد مسافة ، أما الاقامة فلأمر ما جعلها في المسجد داخل المسجد ولم يجعلها على ظهر المسجد ، فنحن اليوم - وهنا بيت القصيد كما يُقال - حينما نُذيع الأذان بمكبِّر الصوت نحقِّق غاية شرعية ، ولكننا حينما نُذيع الإقامة بمكبِّر الصوت هذا نخالف حكمًا شرعيًّا ؛ فنرجو الانتباه لهذا حتى لا نتعدَّى شريعة الله - تبارك وتعالى - .
والتنبيه الثاني أهمُّ من هذا ؛ وهو يتعلق بنفس هذا المكبر ؛ وهو أن عامة الائمة في المساجد يُذيعون قراءتهم بمكبر الصوت ، فيحرِّجون الأمر على الناس الذين يكونون في بيوتهم وفي محلَّاتهم وفي مصانعهم ومعاملهم ، والنساء في البيوت قد يكنَّ في شغلٍ شاغل ، ويكون الناس كذلك الذين هم خارج المسجد لا يستطيعون أن يحقِّقوا أدبًا قرآنيًّا ؛ حيث يقول ربنا - تبارك وتعالى - : (( وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون )) ، وقد وقع شيء من هذا الإشكال لنا ونحن في الطائف ، فقد كنا مسافرين ، وعزمنا أن نجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير ، فتهيَّأنا ، ولما دخلنا في صلاة المغرب أظن وإذا بالإمام دخل في صلاة العشاء ، وصوته بقراءة القرآن شوَّشَ علينا ؛ فضلًا عن أنه شوَّش على غيرنا ممَّن لا يكون عنده استعداد لسماع القرآن ، فإذاعة صوت الإمام حينما يقرأ القرآن في المسجد إلى خارج المسجد هو - أيضًا - اعتداء وتجاوز لحدود الله ، وإحراج للناس ، وإيقاعهم في أحد أمرين ؛ إما أن يَدَعُوا حديثهم أن يَدَعُوا عملهم ليتفرَّغوا لتحقيق الآية السابقة ، وإما أن يظلُّوا كما هو الواقع سادرين ماضين في كلامهم في أعمالهم ؛ فإذًا هذا التسميع لهذه الآيات لمن ؟ ينبغي أن يكون محصورًا لمن كان في المسجد ؛ فلذلك أنا أقترح أحد شيئين على حسب المسجد ؛ إن كان المسجد ليس فيه جمع كبير وصوت الإمام جهوري فلا حاجة لاستعمال هذا المكبر ، وإن كان مسجد كبير والناس كثير فحينئذٍ يرفع الصوت بمقدار مَا يُسمع مَن كان مقتديًا وراء الإمام ، ولا يخرج الصوت إلى خارج المسجد .
هذا ما أردت التذكير به ، وأرجو الله - عز وجل - أن ينفعنا بما نذكِّر به بعضنا بعضًا ، فالآن هات ما عندك .
السائل : جزاك الله خير .
سائل آخر : خطبة الجمعة يعني هل يشملها ؟ تشملها خطبة الجمعة يسأل ؟
سائل آخر : خطبة الجمعة .
الشيخ : خطبة الجمعة ؟ أي : إذاعتها أيضًا ؟ هو كذلك ما ينبغي أن تُذاع ، كلُّ ما كان خاصًّا بالمسجد لا يُخرج خارج المسجد ، وما كان شاملًا لمن كان خارج المسجد ؛ فكما قلنا بالنسبة للأذان يشرع إذاعته بالمذياع .
نعم .
- رحلة النور - شريط : 32
- توقيت الفهرسة : 00:08:23
- نسخة مدققة إملائيًّا