في مسابقة الإمام بقول : ( آمين ) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
في مسابقة الإمام بقول : ( آمين ) .
A-
A=
A+
الشيخ : إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرورِ أنفسنا و من سيِّئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلَّ له ، ومن يُضلل فلا هادي له ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)) ، (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّه كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) ، أما بعد :

فإن خيرَ الكلام كلامُ اللهِ - تعالى - ، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشرَّ الأمور محدثاتُها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

قال - تعالى - : (( وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين )) ، ولقد تنبَّهت في ليلتكم المباركة هذه إن شاء الله إلى التنبيه والتذكير لمسألتين اثنتين رأيتُهما في كثير من البلاد التي طفْتُ فيها مخالفةً للشرع ؛ إحداهما تُخالف نصَّ الحديث الصحيح الصريح ، والأخرى تُخالف بعض الآداب الإسلامية التي جرت بعض التقاليد الحديثة على الاستهتار بها وعدم الاهتمام لها .

أما المسألة الأولى ؛ فهي أن جماهير المصلين المقتدين وراء الإمام في الصلاة الجهرية يقعون في مسابقة الإمام في قضيَّة هي كما لو أن الشارع الحكيم فرضَها عليهم على ما هم عليه من الخطأ ؛ أعني بذلك مسابقة جماهير المصلين لإمامهم بالصلاة الجهرية بقولهم : ( آمين ) قبل أن يشرع الإمام بقوله : ( آمين ) ، وهذه قضيَّة رأيتُها مع الأسف في أكثر البلاد الإسلامية لا نُحاشي ولا نستثني منها بعضَ البلاد المقدسة كمكة والمدينة ؛ فإن الناس عن هذه السنة بل عن هذا الأمر النَّبوي هم من الغافلين ؛ ذلك هو قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا ؛ فإنَّه مَن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه ) . هذا الحديث جاء تطبيقًا لقاعدة وأصل أصَّله النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - في ربط الإمام بالمأموم المأموم بالإمام ، وعدم جواز مسابقة هذا المأموم لذاك الإمام ؛ ذلك هو قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتمَّ به ) ، زاد في رواية : ( فلا تختلفوا عليه ؛ فإذا كبَّر فكبِّروا ، وإذا ركع فاركعوا ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده ؛ فقولوا : ربنا ولك الحمد ، وإذا سجد فاسجدوا ، وإذا صلى قائمًا فصلوا قيامًا ، وإذا صلى جالسًا فصلوا جلوسًا أجمعين ) ، فكما قال - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث : ( إنما جُعِلَ الإمام لِيُؤتمَّ به ؛ فإذا كبَّر فكبِّروا ) إلى آخر الحديث ، كذلك قال في الحديث الأول : ( إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا ) ، فكما أنه لا يجوز للمقتدي أن يُسابق الإمام في شيء مما سبق ذكره في الحديث الثاني : ( إذا كبَّر فكبِّروا ، وإذا ركع فاركعوا ) كذلك لا يجوز للمقتدين أن يُسابقوا الإمام بقولهم : ( آمين ) ، والغفلة في هذه القضية عامة في أكثر البلاد التي رأيتها ، ولذلك فينبغي على عامة المصلين أن أولًا : أن يستحضروا عقولهم وألبابهم في الصلاة ، ولا يكونوا من الغافلين عن ذكر الله فيها ؛ فإن مسابقة الإمام في ( آمين ) تنشأ من قضيتين اثنتين : ... لأمور دنياهم في صلاتهم . والأخرى : جهلهم في هذا الحكم الشرعي الصريح في هذا الحديث الصحيح : ( إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا ) .

لقد تكلم شُرَّاح الحديث في هذه الجملة من الحديث فقالوا : ( إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا ) له معنيان :

المعنى الأول - وهو المعنى الراجح والله أعلم - : إذا شرع الإمام في ( آمين ) فاشرعوا أنتم بدوركم في : ( آمين ) .

والمعنى الثاني : إذا انتهى الإمام من ( آمين ) فابدؤوا أنتم بقولكم : ( آمين ) .

فعلى كلٍّ من الوجهين أو الشرحين فمعنى ذلك أن الإمام ينبغي أن يتأخر =

-- عفوًا لو نزَّلت هذا لتحت ... الثقل كثيرًا ، أيوا --

= فعلى كلٍّ من التفسيرين لهذا الحديث فهما يلتقيان بأن المقتدي ينبغي أن يتأخَّر عن الإمام في الشروع بـ ( آمين ) ، وعلى هذا فينبغي على كلِّ مصلٍّ أن يراقب قراءة الإمام ، وأن يكون قلبه ولبُّه معه ؛ فإذا وصل الإمام إلى قوله : (( غير المغضوب عليهم ولا الضالين )) لا يبادر المقتدي إلى قوله : ( آمين ) ، وإنما يحبسُ نفسه إلى أن يبدأ يسمع شروع الإمام بـ ( آمين ) ، فهو بعد ذلك يشرع في ( آمين ) ، هذا الحديث صريح جدًّا في هذا الحكم الذي خالفه جماهير المقتدين ، ولذلك فينبغي ملاحظة ذلك حتى لا نقعَ في أمرين اثنين :

الأمر الأول - وهو الأهم بلا شك بالنسبة للتعبد لله لعباده بما شاء من أحكام شريعته - ؛ ألا وهو ألَّا نقعَ في مخالفة قوله - عليه السلام - ( إذا أمَّنَ الإمام فأمِّنوا ) .

والأمر الآخر ؛ وهو في الحقيقة ممَّا يسعى إليه كل مسلم في هذه الحياة الدنيا العادلة الفانية ليهتبلَها فرصة ليكسب فيها مرضاة الله - تبارك وتعالى - ؛ حيث قال : ( فمن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه ) ، فهذا أجر عظيم تُشَدُّ - كما كانوا يقولون - إليه الرحال ؛ أي : تُتكبد كلُّ المشاق في سبيل الوصول إلى مرتبة الله - تبارك وتعالى - ، وأنتم تعلمون الأحاديث الصحيحة التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - من حديث المغيرة بن شعبة وغيره من أصحابه أنه قام حتى تفطَّرت قدماه ، فقالوا : يا رسول الله ، قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( أفلا أكون عبدًا شكورًا ؟! ) .

الشاهد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قام حتى تفطَّرت قدماه ، لماذا هذا القيام ؟ ولماذا هذه المشقة ؟ لينال مغفرة الله - تبارك وتعالى - ، فمن فضل الله - عز وجل - على هذه الأمة المحمدية أنه - عز وجل - تفضَّل على عباده بأسباب ميسَّرة مُذلَّلة تكون سببًا للحصول على مغفرة الله - تبارك وتعالى - ، من هذه الأسباب ما جاء في الحديث الصحيح ألَّا يسابق المقتدي إمامه بقوله : ( آمين ) ، وانما يأتي بالتأمين كما ذكرنا آنفًا بعد أن يشرع الإمام بقول : ( آمين ) ، فقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( فمَن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة ) ؛ أي : إن الملائكة الذين وُصِفُوا بقوله - تعالى - : (( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون )) إنهم ليسوا كهؤلاء الناس الذين يسابقون الامام بـ ( آمين ) ، وإنما يتأخرون عنه على ما ذكرناه آنفًا ، فمن كان من المصلين من البشر موافقًا في تأمينه تأمينَ الملائكة ؛ أي : لم يسابق الإمام بالتأمين ، وإنما تأخر عنه كما تتأخر الملائكة ؛ فمن وافق تأمينه تأمينَ الملائكة غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه ؛ أفلا تُشَدُّ الرحال إلى الحصول على هذه الفضيلة وعلى هذه المغفرة مهما كانت الصِّعاب والمشاق ؟ لا شك أن الأمر ... ؛ فكيف والأمر ميسَّر مذلَّل لا يحتاج إلا إلى شيء من الانتباه لقراءة الإمام وحبس النفس إذا ما انتهى هذا الإمام من قراءته : (( ولا الضالين )) ، ينطق كلُّ فرد لفظه ، ولا يقول : ( آمين ) إلا بعد أن يشرع الإمام : ( آمين ) ، هذه هي المسألة الأولى .

وأنا بتجربتي الخاصة فتشعرون أنه ليس من السَّهل بعد أن اعتاد الجماهير على تلك المخالفة والمسابقة ، فإن لم تُراقبوا هذه القضية وقعتم في مخالفة أمر الرسول - عليه السلام - أولًا ، وخسرتم الغاية التي أراد الرسول - عليه السلام - أرادها الرسول - عليه السلام - للمسلمين باتباعهم لهذا الأمر النبوي الكريم ؛ ألا وهي الحصول على مغفرة ربِّ العالمين ، فأرجو أن تلاحظوا أنفسكم وأن تنتبهوا لأخطائكم ، لعل الله - عز وجل - يغفرها لكم ، هذه هي المسألة الأولى .
  • رحلة النور - شريط : 31
  • توقيت الفهرسة : 00:36:56
  • نسخة مدققة إملائيًّا

مواضيع متعلقة