بالنسبة لطالب العلم الذي ضعَّف حديث كان الحديث كله يدور حول " الصحيحين " .
A-
A=
A+
السائل : بالنسبة لطالب العلم الذي ضعَّف حديث ، طبعًا كان الحديث كله يدور حول " الصحيحين " ، طبعًا هو لم يضعِّف حديث خارج " الصحيحين " ، فنقول مثلًا أن هذه الأحاديث لعلها ما مرت على كثير من العلماء وكثير من الشُّرَّاح ، لكن الصحيحين يعني يوجد فيهما ميزة ، وهنا أنهما منذ أن أُلِّفا والعلماء يتدارسونها إما في حلق العلم ، وإما في الشرح ، وإما في الانكباب عليها قراءة ، حتى إن الدارقطني - رحمه الله - أخذ بعض المؤاخذات على ما في " الصحيحين " كما هو معلوم ، ومن أتى من بعده بعضهم لم يأخذ هذه المؤاخذات ، ولعل كلمة الذهبي التي ذكرتها في الحديث الذي كان قبل الإفطار وهي أنه قال : " وفي النفس منه شيء لو لا مهابة " الصحيحين " " ، وهو حديث أبي الزبير ، وكذلك بيَّنت - يا شيخ - أن هناك من سبقك كأبي حسن القطان - رحمه الله - ، لكن طالب العلم هذا الذي لم يسبقه في انتقاد هذه الرواية أحدٌ من العلماء المتقدمين ؛ كما حصل بماذا ؟ كما حصل لأبي الزبير - رحمه الله - ، وهذين الكتابين يعني هذان الكتابان مرَّ على معامل كثيرة من العلماء ، ما بين شرح وما بين إلى آخره ، وإلى غريب وإلى آخره ؛ فهل نقول له أنه يطلق لك التضعيف كونك طالب علم ، وكونك متمكن ، حتى وإن لم يسبقك أحد ، في حين الذين سبقوه من الأئمة الذين درسوا هذه الكتب وشرحوها فلو تبين لنا ذلك - بارك الله فيك - ؟
الشيخ : ليس عندي شيء جديد جوابًا على سؤالك ، إنما هو إعادة الماضي ، ولكن بفلسفة جديدة ؛ وهي ، نقول لك : الآن جدلًا طالب العلم هذا لا يجوز له ، زين ؟
السائل : زين .
الشيخ : طالب العلم هذا لا يجوز له ؛ فهل هناك أحد يجوز له ؟
السائل : يا شيخ ، هذه المسألة تختلف عن مسائل أخرى مثل المسائل الفقهية أو غيرها .
الشيخ : بلاش " دُوبلة " ، أجب جوابًا صريحًا ، سؤال مختصر : هل هناك من يجوز له ؟ الجواب : نعم لا .
السائل : هناك من يجوز له ، وقد فعل الدارقطني .
الشيخ : اسمح شويَّه ، ما صفة هذا الجائز له ؟
السائل : أن يكون عالمًا من العلماء الذين تمكنوا .
الشيخ : وهذا الذي دندنتُ حوله ورجعتَ أنت إليه أخيرًا .
السائل : لا مو هذه القضية .
الشيخ : قلت تمكَّن ( يضحك الشيخ - رحمه الله - ) ، لكن الفرق بيني وبينك أنني ما سميت طالب العلم عالمًا ، أما أنت فتجرَّأت على كلامي وقلت عالمًا متمكنًا ، قلتَ عالمًا متمكنًا ، إذًا الخلاف بيني سابقًا في كلامي وبينك أنت لاحقًا خلاف لفظي ، بدليل أنك الآن ستوافق على القولة الجديدة التي ما وجَّهتها آنفًا إلى السائل السابق قبلك ، فسأقول لك يجوز نقد أحاديث " الصحيحين " من عالمٍ متمكِّنٍ ، الآن لست تجد ما تعارضني به ؛ أليس كذلك ؟
السائل : يا شيخ ، أنا قصدي .
الشيخ : ما هذا جواب .
السائل : يا شيخ ، أنا قصدي - بارك الله فيك - أن أحاديث " الصحيحين " محصورة من واحد إلى كذا .
الشيخ : الآن بتحكي غير الكلام السابق - بارك الله فيك - ولَّا هو إعادة يعني إدارة " الكوانة " ، بتعرف " الكوانة " ؟
السائل : لا ... .
الشيخ : ( يضحك الشيخ - رحمه الله - ) . في شيء جديد عندك ؟
السائل : والله يا شيخ ، ترى مسألة " الصحيحين " يعني مسألة ليست بالهينة ؛ لأن " الصحيحين " أحاديثها محددة من واحد إلى كذا ومحصورة ، ومرت عليها شروح ، ومرَّ عليها قوافل العلماء ، فلما يأتينا شخص .
الشيخ : - يرحمك الله - .
السائل : - يرحمك الله - . فلما يأتينا شخص ينتقد شيء لم تنتقده هذه القوافل على هذا الكم المحصور يعني النفس ما ترتاح كثيرًا ، - بارك الله فيك - .
الشيخ : طيب ، المهم ليس عندي جديد ، وأنت مثلي أو أنا مثلك ، يعني ما عندنا شيء جديد ، لكن عندي شيء جديد الآن ، عندي شيء جديد الآن ، أنت حينما تقول جاءت هذه القوافل من العلماء ودرسوا " الصحيحين " و و و إلى آخره ، تُرى هذا الطالب المتمكِّن في العلم في تعبيري ، أو ذاك العالم المتمكِّن في علمه في تعبيرك أنت ؛ هل أحاط علمًا بهذه القافلة ؟ أجبني ؛ بس أشترط بدون حَيدة ؟
السائل : قد يكون أحاط ، وقد لا يكون ما أحاط .
الشيخ : هذه الحيدة يا أخي ! قد وقد هذه تقال للتشكيك .
السائل : نفع الله بك ، قد يكون اطَّلع على بعض هذه القوافل ، وقد يكون لم يطَّلع .
الشيخ : أرأيت ما قلت ؟ على بعض ؟ وأنا أسأل عن البعض الآخر ؛ هل اطَّلع على الكل ؟ قل : لا .
السائل : لا .
الشيخ : إذًا ما يُفيدك قولك اطَّلع على البعض ؟ مفهومه أنه ما اطَّلع على البعض الآخر .
السائل : نعم .
الشيخ : إذًا - جزاك الله خير - أطلتَ عليَّ الجواب ، أنا سألتك سؤالًا (( بلسان عربيٍّ مبين )) ؛ هل تتصوَّر أنُّو هذا الطالب في تعبيري ، أو ذاك العالم في تعبيرك أحاط علمًا بكلِّ من تكلم على " الصحيحين " سواء من الناحية الحديثية أو غيرها ؟ الجواب : لا ، بداهةً الجواب لا ، إذا لماذا تفترض أن الجواب بلى ؟ لأنك حينما تضخِّم الإشكال وتقول أنه مرَّت قوافل على هذه الكتب ودرسوها ونقدوها و إلى آخره ، وهذا جاء في الزمن الأخير ينقد ما لم ينقده السابقون الأولون ؛ لماذا تدَّعي هكذا ؟ وأخيرًا بعد المناقشة الهادئة العلمية تقول لا ، ليس الأمر كذلك ، هذه مشكلة الشباب الناشئ اليوم في العلم ، يضخِّم الأمور ، فبارك الله فيكم ؛ إذا عرفتم أن العلم وأن حجة الله قائمة على مرِّ الزمان والدهور ، وأن العلم لا ينقطع أبدًا ، وإلا تقوم الساعة على الناس ؛ ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحقِّ لا يضرُّهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) ، ( حتى تقوم الساعة ) ، روايات كثيرة في هذا الحديث .
الشاهد فإذا نحن اشترطنا أن يكون على حدِّ تعبيرك عالمًا متمكنًا ؛ فما هو الخوف ؟ وقد اتفقنا أننا لا نستطيع أن نقول أننا أحطنا بكل هؤلاء العلماء الذين كانوا مع تلك القوافل العالمة والدَّارسة للكتابين ، ثانيًا مثل الإمام الذهبي - رحمه الله - الذي ذكرته آنفًا مذكِّرًا بقولي أنا ، كويس ، تُرى جاز للإمام الذهبي أن يقول تلك الكلمة ؟ أجبني بدون حيدة ، جاز أم لم يَجُزْ ؟
السائل : جاز وقالها .
الشيخ : هل قالها أحد قبله من تلك القوافل ؟
السائل : أبو الحسن القطان كما ذكرت .
الشيخ : ما أجبتني ، هل قال أجد يعني في " صحيح مسلم " لأبي الزبير أحاديث في القلب منها شيء ، هل قالها غيره ؟
السائل : لا .
الشيخ : طيب جاز له أن يقول ؟
السائل : جاز .
الشيخ : طيب فما الفرق بينه وبين مثله فيما إذا جاء متأخرًا عنه ببضع سنين أو بقرن أو بقرون ؟! لا فرق ، المهم في الموضوع أن يكون الناقد عالمًا ، وانتهى الأمر .
السائل : نفع الله بك .
الشيخ : خلصت ؟
السائل : بارك الله بك ، نفع الله بك .
الشيخ : جزاك الله خيرًا ، شغَّلت الجلسة بالعلم ، الحمد لله .
سائل آخر : في بعض الاستشكالات تنتج عن ما ينقل عن الإجماع على حديث " الصحيحين " التي لم تنتقد ولم يتكلم في حديثها ، وسؤال الأخ في البداية حول الأحاديث التي لم يتكلَّم عليها أحد من الحفاظ ، وجاء أحد المتأخرين على أن الإجماع قد انعقد على الأحاديث التي لم يتكلم عليها ، فهذا يعني إشكال ينتج عنه هذا السؤال وغيره ؟
الشيخ : الإشكال سبق الجواب عنه .
السائل : لا ، الإجماع ، يعني بعض الناس الآن ينقلون ويقولون أحاديث " الصحيحين " التي لم يتكلم عليها بعد أن تكلم الحافظ الدارقطني على الأحاديث أجمعت الأمة على صحة ما سواها ، ينقله بعض الناس ويتحرَّج بعض الناس في الكلام على بعض الأحاديث من أجل هذا الإجماع المنقول .
الشيخ : أخي ، سبق الجواب عن هذا ، لكن ليس مباشرة ، هل يمكن حصر الأحاديث التي تُكلم فيها آنفًا ، ذكر أحد إخواننا الحاضرين وهو الذي قبلك بأن الإمام الدارقطني انتقد من " الصحيحين " ثلاث مائة حديث وزيادة ، ثم الذين جاؤوا من بعده ، لم يسلموا للناقد الدارقطني إلا في أفراد من الأحاديث ؛ ألا يمكن أن يكون هذا المتأخر هذا الطالب الذي دار الحديث آنفًا حوله ؛ ألا يمكن أن يكون انتقد حديثًا من تلك الأحاديث التي انتقدها الإمام الدارقطني ، ولكن العلماء لم يعرِّجوا على نقده ؟ يمكن أم لا ؟
السائل : ممكن ، لكن سجلت هذه الأحاديث ، الأحاديث التي انتقدها الدارقطني مسجلة معروفة .
الشيخ : معروفة ، لكن هل كل ناقد وكل سائل يعرفها ؟
السائل : ليس كل سائل ، ولكن هم يقولون أن هناك إجماع .
الشيخ : أنا أريد أن أقول : الإجماع على ما دون ما نقده الدارقطني ؟ أم زايد ما نقده الدارقطني ولم يُسلَّم له ؟ مفهوم السؤال ؟
السائل : نعم مفهوم .
الشيخ : ما هو الجواب ؟
السائل : الإجماع على غير الأحاديث التي تكلم عليها سواء سُلِّم أو لم يُسلَّم .
الشيخ : أحسنت إذا ففي هناك أحاديث الآن عمليًّا جارية مجرى المقبولة من الأحاديث ، ولو كان فيها شيء مما انتقده الدارقطني ، طيب فإذًا حصيلة الجواب ليس عندنا كلام واضح جدًّا ، لو فرضنا " صحيح البخاري " مطبوع طبعة جيدة بأرقام متسلسة ، وجاء الإجماع الذي تشير إليه ليقول الأحاديث المرقمة بكذا وكذا وكذا - وهي الألوف المؤلفة - هذه تلقَّتها الأمة بالقبول ؛ لأنها لم تُنتقد ، وما سوى ذلك فهي التي انتقدها الدارقطني وغير الدارقطني ، لو كان مثل هذا البيان وهذا التحرير الدقيق كان يمكن أن يُتَّخذ هذا حجة ، مع ذلك هناك تحفظ سبق بيانه آنفًا ، وهو حينما افترضنا هذه الصورة نسخة من " صحيح البخاري " مطبوعة طبعة عصرية مرقمة بأرقام متسلسلة ، وفرضنا أن هذا الترقيم كان موجودًا في عصر ادِّعاء الإجماع ، ونُصَّ على أرقام هذه الأحاديث التي أجمع عليها العلماء ؛ فنقول الآن : ألا يمكن أن يكون هناك ناس من أهل العلم - كالدارقطني مثلًا - نقدوا أحاديث أخرى غير أحاديث الدارقطني ؟
السائل : ممكن .
الشيخ : ممكن ، إذًا ادِّعاء الإجماع في مثل هذه المسألة تشبه تمامًا ادعاء الإجماع في مسائل فقهية كثيرة ، يُدَّعى فيها الإجماع ثم يتبيَّن بعد الفحص والبحث أن هناك مخالفين كثيرين ، فيسقط .
سائل آخر : ... .
الشيخ : نعم ؟ فيسقط حينئذٍ ادعاء الإجماع ، ولهذا فنحن نقول حديث " الصحيحين " الأصل فيهما القبول لعامة المسلمين ، أما أهل العلم وأهل الاختصاص فلهم مجالهم العلمي الخاص بهم ، فقد يثبت لديهم علَّة في بعض الأحاديث لم يذكرها الأولون ، الذي يدرس " شرح صحيح البخاري " للحافظ ابن حجر العسقلاني يجد انتقادات لا يجدها فيما انتقده الإمام الدارقطني أبدًا ، وابن حجر هو الذي ينقل مثل هذا الكلام أنه ما سوى ما انتقده الدارقطني ، فالأمة تلقَّتها بالقبول .
الآن أنا أضرب لكم مثالًا في بعض الأحاديث الموجودة في " صحيح مسلم " ، وربما بعضه الآخر في " صحيح البخاري " ، في " صحيح مسلم " وهذا من غرائب الموجود في " صحيح مسلم " ، ويتسائل المتسائل كيف هذا ؟! الحديث المعروف والذي يُعزى في الكتب الجامعة بين " الصحيحين " وغيرها ، يُعزى هذا الحديث للشيخين ؛ فيقال متفق عليه ، ما هو ؟ الحديث المشهور من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( سبعة يظلُّهم الله تحت ظله ، يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل ، وشاب نشأ في طاعة الله ... ) ذكر السبعة ، وذكر أخيرًا : ( ورجل تصدَّق بيمينه حتى ما تعلم شماله ما أنفقت يمينه ) ، قد تستغربون جدًّا ، أو على الأقل جلُّكم ، أو أقل من القليل فبعضكم ، تستغربون ما سأقول لكم ، الحديث حتى اليوم في " صحيح مسلم " يُروى بلفظ : ( حتى ما تعلمَ يمينه ما أنفقت شماله ) ، هذا نوع من علم الحديث يُسمَّى بالحديث ماذا ؟
سائل آخر : المقلوب .
الشيخ : المقلوب ، هذا الحديث موجود في " صحيح مسلم " مقلوبًا ، على من انقلب ؟ أَعَلى المؤلف ؟ أم على شيخه ؟ أم أم إلى آخره ؟ وجاءنا " صحيح مسلم " هكذا ، يا تُرى وقوع مثل هذا الخطأ في حديث يدلُّ معناه على خطئه فضلًا عن أنه روي في " صحيح البخاري " على الصواب ، ووقوع مثل هذا الخطأ الجلي المجسَّم المجسَّد أقرب ولَّا وقوع بعض الأخطاء في الرواية خفية لا يتنبَّه لها إلا أولو العلم ؟ لا شك أن مثل هذا الخطأ المجسَّد المجسَّم وقوعه في " صحيح مسلم " أشكل بكثير من وقوع بعض الأخطاء التي لا تخفى إلا على أهل العلم ، فبماذا يُعلَّل ؟
بكلمة تُروى عن الإمام الشافعي - رحمه الله - ألا وهو قوله : " أبى الله أن يتمَّ إلا كتابه " ، هذه حقيقة ، حقيقة نلمسها لمس اليد " أبى الله أن يتمَّ إلا كتابه " ، لا يهمُّني أبدًا أن أُثبت لكم هذه الكلمة عن الإمام الشافعي كما أثبت لكم الأحاديث النبوية الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حسبنا أن نعتقد أن هذا المعنى من الكلام لا يمكن أن يختلف فيه اثنان " أبى الله أن يتم إلا كتابه " ، ما دام أن المسلمين قد اتفقوا أن في " الصحيحين " ما هو منتقد بحقٍّ ، وهناك انتقاد بخطأ ، إذًا صدق مَن قال : " أبى الله أن يتم إلا كتابه " ، وهذا معجزة من معجزات القرآن ، أن أيَّ كتاب ألَّفه مؤلف ما ؛ مهما كان حريصًا في انتقائه ، وفي توثيقه ، وفي تصحيحه ؛ فهو ليس من الله ، " أبى الله أن يتم إلا كتابه " ، فلذلك ليس موضع استغراب واستنكار إذا ما توجَّه بعض العلماء على مرِّ الزمان والدهور في انتقاد بعض الأحاديث التي جاءت في " الصحيحين " بالعلم ، وليس بالجهل ، وليس بالهوى ، وليس بالتأثر بتربية أو فلسفة غربية أو شرقية كما يفعل بعض الكتاب المعاصرين اليوم ، الذين لم يشمُّوا رائحة العلم ، ولا عرفوا مراتب العلماء والرواة في رواة الأحاديث ، فيتجرَّؤون على نقد الأحاديث لمجرَّد أن هذا الحديث ما دخل في مخُّو ، ما قبلته نفسه ، وهو يرفضها ويرميها أرضًا لأتفه الأسباب ، فهذا هو خروج عن هدي الإسلام والمسلمين جميعًا ، أما كما نقول وندندن حول ما نقول : رجل عالم مما مضى أو أتى أو يأتي متمكِّن في هذا العلم ، ولا ينقد إلا اتباعًا لقواعد هذا العلم واعتمادًا على علماء الجرح والتعديل ، فأنا أتمنَّى أن يُوجد في علماء المسلمين عشرات ، بل مئات من أمثال هؤلاء العلماء النُّقَّاد ؛ لأن بأمثالهم تقوم حجة الله على عباده ، أما بالتقليد ؛ قال البخاري كذا ، رواه البخاري كذا ، هذا ليس علمًا ، وأنا يؤسفني جدًّا أن بعض المتحمِّسين من الإسلاميين ، وهذه حقيقة وقعت قد يكون بعضكم على علم بها ، كنتُ قرأت منذ أكثر من عشر سنوات بحثًا لأحد الكُتَّاب المصريين الذين لا علم عندهم ، هذا البعض من الكتاب في " مجلة العربي " التي تصدر في الكويت بحثًا عنوانه خطير جدًّا ، ليس كل حديث في " صحيح البخاري " صحيح ، وكتب صفحات تحت هذا العنوان الخطير ، وَلَأن تتذكَّروا معي أن عرض مثل هذا البحث وفي " مجلة العربي " التي لا أكون مبالغًا إذا قلت المجلة اللادينية !! لو كانت مجلة دينية كانت مجلة شرعية كبعض المجلات مثلًا " الوعي الإسلامي " ونشر فيه هذا المقال ؛ كنا نقول والله المقصود به توعية الأمة المسلمة المتدينة ، أَمَا وهذا المقال ينشر في مجلة تحارب الإسلام في كثير من مقالاتها وعنوانها " ليس كل حديث في البخاري صحيح " ، ثم يتكلم الكاتب كثيرًا ، ومن جهل الكاتب أنه جاء إلى حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُباشرني وهو صائم " ، ففهم هذا الكاتب الأحمق الجاهل من كلمة " يباشرني " يجامعني ، وحينئذٍ نصبَ الخلاف بين الحديث وبين إجماع الأمة وبين قوله - تعالى - : (( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن )) فأجمعت الأمة على أن مباشرة الصائم لزوجته بمعنى المجامعة في رمضان ؛ هذا أولًا حرام لا يجوز ، وثانيًا مبطل للصيام ، يقول هذا المُعلِّق وبالتعبير السوري " المعلِّك " ، العَلك يعني هو الكلام الفارغ الفاضي ، يقول : كيف يصحُّ حديث يُنسب إلى الرسول أنه كان يُجامع عائشة وهو صائم في رمضان ؟
هذا أُتِيَ من جهله ؛ لأن المباشرة قد تكون بمعنى المجامعة ، وحينئذٍ تكون من باب المجاز والتلطُّف بالتعبير كما جاء عن ابن عباس - رضي الله عنه - حينما فسر قوله - تعالى - : (( أو لامستم النساء )) قال : " إن القرآن لطيف التعبير ، فكنى عن الجماع باللَّمس " ، وهذا أسلوب قرآني رائع جدًّا ، فهو فسر المباشرة بالحديث بالجماع ، وحينئذٍ فعلًا لو كان هذا هو معنى الحديث يكون حديثًا باطلًا ، ولو أنه اتفق عليه العلماء ، ثم جاء بأحاديث أخرى وهذا أمر - أيضًا - أعجب من الأول ، لأنها ليست في " الصحيحين " ، وأنا أدرى الناس بها ؛ لأني كنت خرجت بعضها في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " ، وهو الحديث الذي يقول أن أبا طلحة الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - رُؤي في رمضان وهو يأكل البَرَد النازل من السماء ، قالوا له : كيف تأكل بَرَد وأنت صائم ؟ قال هذا ليس بطعام ، هذه بركة من السماء ، يأكل ويتبرَّد ، ويقول في زعم الرواية هذا ليس بطعام ! هذه بركة من السماء ! الحديث جاء من حيث الرواية على وجهين : إحداهما - وهي الأرجح - أنها موقوفة ، والأخرى أنها مرفوعة ، المرفوعة جاء أنس إلى الرسول يقول أبو طلحة فعل كذا وكذا ، وقال إنها ليست بطعام ، وإنما هي بركة من السماء ، قال له - عليه السلام - في زعم الرواية الضعيفة ( خُذها من عمِّك ) أي : هذا فقه ، ( خذها من عمِّك ) ، كُلْ بَرَد في رمضان وأنت صائم ولست بمفطر ، جاء هذا الكاتب الجاهل فنسب هذا الحديث إلى " الصحيح " ، وليس له أولًا علاقة بالصحيح بصورة خاصة يعني " صحيح البخاري " ، " صحيح مسلم " ، بل ليس له علاقة بالصحيح على الإطلاق ؛ لأنه ضعيف ، وليس بصحيح ، ولذلك كنتُ خرَّجته في أول " السلسلة الضعيفة " .
الشاهد " خبط خبطة عشواء في الليلة الظلماء " كما كان يقولون قديمًا ، جاء بعض الأفراد من بعض الجمعيات الإسلامية في الكويت ، تحمَّس على هذا المقال فنشر رسالة مطبوعة " كل ما في صحيح البخاري صحيح " ، هل هذا درسَ شيئًا من علم الحديث ؟ درسَ نقد الدارقطني وما سُلِّم له وما لم يُسلَّم له ؟ لا ، وإنما الحماس العاطفي والشائع أن ما في " الصحيحين " صحيح عند عامة الناس ، فراحَ وألَّف رسالة عنوانها على النقيض تمامًا " كل ما في صحيح البخاري فهو صحيح " ، والعلماء حقًّا يعلمون أولًا أن ما كان من الأحاديث المرفوعة في " صحيح البخاري " هي عنده على قسمين :
- قسم مسند ، وهذا القسم هو الأكثر ، وهو الصحيح عند المؤلف ، وهو الذي انتُقد منه ما انتُقد ، وسُلِّم من هذا المنتقد ما سُلِّم للإمام الدارقطني .
- القسم الثاني الأحاديث المعروفة في علم المصطلح بالأحاديث المعلَّقة ، هذه الأحاديث المعلقة عند البخاري نفسه بعضها غير صحيح ، فكيف يُؤلِّف مسلم يتحدَّى الفاسق الضال برسالة عنوانها : " كل ما في صحيح البخاري فهو صحيح " ، والبخاري نفسه لا يُؤمن بهذا الكلام ، لأنه في كثير من الأحيان يعلق حديثًا ثم يردُّه فيقول : " والأول أصحُّ " ، يعني ما ذكره مسندًا أصح من الذي ذكره معلقًا ؛ لأنه يعارض الحديث الصحيح ، فإذًا يجب أن نتكلَّم بعلم ، هنا العبرة ؛ أن لا نتكلم بعاطفة جيَّاشة فوَّارة في سبيل الحرص على سلامة " الصحيحين " من النقد الْـ - ما نسميه - النقد اللَّاعلمي هذا ، العشوائي ، في سبيل أن لا نتكلم في نقد " الصحيحين " نقدًا عشوائيًّا نسدُّ الباب أمام النقد العلمي ، لا ، الأمر وسط بين هؤلاء وهؤلاء ، من تكلَّم فعليه أن يتكلم بكلام أهل العلم وإلا فليصمت ، وكما قال - عليه الصلاة والسلام - : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ؛ فليقل خيرًا أو ليصمت ) .
والآن - يا أستاذ - اسمح لنا بالانصراف لنستعدَّ للصلاة - إن شاء الله - ، ولو أننا كنا على غير هذا الوقت لاستمرَرْنا معكم إلى ما شاء الله . وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
الشيخ : ليس عندي شيء جديد جوابًا على سؤالك ، إنما هو إعادة الماضي ، ولكن بفلسفة جديدة ؛ وهي ، نقول لك : الآن جدلًا طالب العلم هذا لا يجوز له ، زين ؟
السائل : زين .
الشيخ : طالب العلم هذا لا يجوز له ؛ فهل هناك أحد يجوز له ؟
السائل : يا شيخ ، هذه المسألة تختلف عن مسائل أخرى مثل المسائل الفقهية أو غيرها .
الشيخ : بلاش " دُوبلة " ، أجب جوابًا صريحًا ، سؤال مختصر : هل هناك من يجوز له ؟ الجواب : نعم لا .
السائل : هناك من يجوز له ، وقد فعل الدارقطني .
الشيخ : اسمح شويَّه ، ما صفة هذا الجائز له ؟
السائل : أن يكون عالمًا من العلماء الذين تمكنوا .
الشيخ : وهذا الذي دندنتُ حوله ورجعتَ أنت إليه أخيرًا .
السائل : لا مو هذه القضية .
الشيخ : قلت تمكَّن ( يضحك الشيخ - رحمه الله - ) ، لكن الفرق بيني وبينك أنني ما سميت طالب العلم عالمًا ، أما أنت فتجرَّأت على كلامي وقلت عالمًا متمكنًا ، قلتَ عالمًا متمكنًا ، إذًا الخلاف بيني سابقًا في كلامي وبينك أنت لاحقًا خلاف لفظي ، بدليل أنك الآن ستوافق على القولة الجديدة التي ما وجَّهتها آنفًا إلى السائل السابق قبلك ، فسأقول لك يجوز نقد أحاديث " الصحيحين " من عالمٍ متمكِّنٍ ، الآن لست تجد ما تعارضني به ؛ أليس كذلك ؟
السائل : يا شيخ ، أنا قصدي .
الشيخ : ما هذا جواب .
السائل : يا شيخ ، أنا قصدي - بارك الله فيك - أن أحاديث " الصحيحين " محصورة من واحد إلى كذا .
الشيخ : الآن بتحكي غير الكلام السابق - بارك الله فيك - ولَّا هو إعادة يعني إدارة " الكوانة " ، بتعرف " الكوانة " ؟
السائل : لا ... .
الشيخ : ( يضحك الشيخ - رحمه الله - ) . في شيء جديد عندك ؟
السائل : والله يا شيخ ، ترى مسألة " الصحيحين " يعني مسألة ليست بالهينة ؛ لأن " الصحيحين " أحاديثها محددة من واحد إلى كذا ومحصورة ، ومرت عليها شروح ، ومرَّ عليها قوافل العلماء ، فلما يأتينا شخص .
الشيخ : - يرحمك الله - .
السائل : - يرحمك الله - . فلما يأتينا شخص ينتقد شيء لم تنتقده هذه القوافل على هذا الكم المحصور يعني النفس ما ترتاح كثيرًا ، - بارك الله فيك - .
الشيخ : طيب ، المهم ليس عندي جديد ، وأنت مثلي أو أنا مثلك ، يعني ما عندنا شيء جديد ، لكن عندي شيء جديد الآن ، عندي شيء جديد الآن ، أنت حينما تقول جاءت هذه القوافل من العلماء ودرسوا " الصحيحين " و و و إلى آخره ، تُرى هذا الطالب المتمكِّن في العلم في تعبيري ، أو ذاك العالم المتمكِّن في علمه في تعبيرك أنت ؛ هل أحاط علمًا بهذه القافلة ؟ أجبني ؛ بس أشترط بدون حَيدة ؟
السائل : قد يكون أحاط ، وقد لا يكون ما أحاط .
الشيخ : هذه الحيدة يا أخي ! قد وقد هذه تقال للتشكيك .
السائل : نفع الله بك ، قد يكون اطَّلع على بعض هذه القوافل ، وقد يكون لم يطَّلع .
الشيخ : أرأيت ما قلت ؟ على بعض ؟ وأنا أسأل عن البعض الآخر ؛ هل اطَّلع على الكل ؟ قل : لا .
السائل : لا .
الشيخ : إذًا ما يُفيدك قولك اطَّلع على البعض ؟ مفهومه أنه ما اطَّلع على البعض الآخر .
السائل : نعم .
الشيخ : إذًا - جزاك الله خير - أطلتَ عليَّ الجواب ، أنا سألتك سؤالًا (( بلسان عربيٍّ مبين )) ؛ هل تتصوَّر أنُّو هذا الطالب في تعبيري ، أو ذاك العالم في تعبيرك أحاط علمًا بكلِّ من تكلم على " الصحيحين " سواء من الناحية الحديثية أو غيرها ؟ الجواب : لا ، بداهةً الجواب لا ، إذا لماذا تفترض أن الجواب بلى ؟ لأنك حينما تضخِّم الإشكال وتقول أنه مرَّت قوافل على هذه الكتب ودرسوها ونقدوها و إلى آخره ، وهذا جاء في الزمن الأخير ينقد ما لم ينقده السابقون الأولون ؛ لماذا تدَّعي هكذا ؟ وأخيرًا بعد المناقشة الهادئة العلمية تقول لا ، ليس الأمر كذلك ، هذه مشكلة الشباب الناشئ اليوم في العلم ، يضخِّم الأمور ، فبارك الله فيكم ؛ إذا عرفتم أن العلم وأن حجة الله قائمة على مرِّ الزمان والدهور ، وأن العلم لا ينقطع أبدًا ، وإلا تقوم الساعة على الناس ؛ ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحقِّ لا يضرُّهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) ، ( حتى تقوم الساعة ) ، روايات كثيرة في هذا الحديث .
الشاهد فإذا نحن اشترطنا أن يكون على حدِّ تعبيرك عالمًا متمكنًا ؛ فما هو الخوف ؟ وقد اتفقنا أننا لا نستطيع أن نقول أننا أحطنا بكل هؤلاء العلماء الذين كانوا مع تلك القوافل العالمة والدَّارسة للكتابين ، ثانيًا مثل الإمام الذهبي - رحمه الله - الذي ذكرته آنفًا مذكِّرًا بقولي أنا ، كويس ، تُرى جاز للإمام الذهبي أن يقول تلك الكلمة ؟ أجبني بدون حيدة ، جاز أم لم يَجُزْ ؟
السائل : جاز وقالها .
الشيخ : هل قالها أحد قبله من تلك القوافل ؟
السائل : أبو الحسن القطان كما ذكرت .
الشيخ : ما أجبتني ، هل قال أجد يعني في " صحيح مسلم " لأبي الزبير أحاديث في القلب منها شيء ، هل قالها غيره ؟
السائل : لا .
الشيخ : طيب جاز له أن يقول ؟
السائل : جاز .
الشيخ : طيب فما الفرق بينه وبين مثله فيما إذا جاء متأخرًا عنه ببضع سنين أو بقرن أو بقرون ؟! لا فرق ، المهم في الموضوع أن يكون الناقد عالمًا ، وانتهى الأمر .
السائل : نفع الله بك .
الشيخ : خلصت ؟
السائل : بارك الله بك ، نفع الله بك .
الشيخ : جزاك الله خيرًا ، شغَّلت الجلسة بالعلم ، الحمد لله .
سائل آخر : في بعض الاستشكالات تنتج عن ما ينقل عن الإجماع على حديث " الصحيحين " التي لم تنتقد ولم يتكلم في حديثها ، وسؤال الأخ في البداية حول الأحاديث التي لم يتكلَّم عليها أحد من الحفاظ ، وجاء أحد المتأخرين على أن الإجماع قد انعقد على الأحاديث التي لم يتكلم عليها ، فهذا يعني إشكال ينتج عنه هذا السؤال وغيره ؟
الشيخ : الإشكال سبق الجواب عنه .
السائل : لا ، الإجماع ، يعني بعض الناس الآن ينقلون ويقولون أحاديث " الصحيحين " التي لم يتكلم عليها بعد أن تكلم الحافظ الدارقطني على الأحاديث أجمعت الأمة على صحة ما سواها ، ينقله بعض الناس ويتحرَّج بعض الناس في الكلام على بعض الأحاديث من أجل هذا الإجماع المنقول .
الشيخ : أخي ، سبق الجواب عن هذا ، لكن ليس مباشرة ، هل يمكن حصر الأحاديث التي تُكلم فيها آنفًا ، ذكر أحد إخواننا الحاضرين وهو الذي قبلك بأن الإمام الدارقطني انتقد من " الصحيحين " ثلاث مائة حديث وزيادة ، ثم الذين جاؤوا من بعده ، لم يسلموا للناقد الدارقطني إلا في أفراد من الأحاديث ؛ ألا يمكن أن يكون هذا المتأخر هذا الطالب الذي دار الحديث آنفًا حوله ؛ ألا يمكن أن يكون انتقد حديثًا من تلك الأحاديث التي انتقدها الإمام الدارقطني ، ولكن العلماء لم يعرِّجوا على نقده ؟ يمكن أم لا ؟
السائل : ممكن ، لكن سجلت هذه الأحاديث ، الأحاديث التي انتقدها الدارقطني مسجلة معروفة .
الشيخ : معروفة ، لكن هل كل ناقد وكل سائل يعرفها ؟
السائل : ليس كل سائل ، ولكن هم يقولون أن هناك إجماع .
الشيخ : أنا أريد أن أقول : الإجماع على ما دون ما نقده الدارقطني ؟ أم زايد ما نقده الدارقطني ولم يُسلَّم له ؟ مفهوم السؤال ؟
السائل : نعم مفهوم .
الشيخ : ما هو الجواب ؟
السائل : الإجماع على غير الأحاديث التي تكلم عليها سواء سُلِّم أو لم يُسلَّم .
الشيخ : أحسنت إذا ففي هناك أحاديث الآن عمليًّا جارية مجرى المقبولة من الأحاديث ، ولو كان فيها شيء مما انتقده الدارقطني ، طيب فإذًا حصيلة الجواب ليس عندنا كلام واضح جدًّا ، لو فرضنا " صحيح البخاري " مطبوع طبعة جيدة بأرقام متسلسة ، وجاء الإجماع الذي تشير إليه ليقول الأحاديث المرقمة بكذا وكذا وكذا - وهي الألوف المؤلفة - هذه تلقَّتها الأمة بالقبول ؛ لأنها لم تُنتقد ، وما سوى ذلك فهي التي انتقدها الدارقطني وغير الدارقطني ، لو كان مثل هذا البيان وهذا التحرير الدقيق كان يمكن أن يُتَّخذ هذا حجة ، مع ذلك هناك تحفظ سبق بيانه آنفًا ، وهو حينما افترضنا هذه الصورة نسخة من " صحيح البخاري " مطبوعة طبعة عصرية مرقمة بأرقام متسلسلة ، وفرضنا أن هذا الترقيم كان موجودًا في عصر ادِّعاء الإجماع ، ونُصَّ على أرقام هذه الأحاديث التي أجمع عليها العلماء ؛ فنقول الآن : ألا يمكن أن يكون هناك ناس من أهل العلم - كالدارقطني مثلًا - نقدوا أحاديث أخرى غير أحاديث الدارقطني ؟
السائل : ممكن .
الشيخ : ممكن ، إذًا ادِّعاء الإجماع في مثل هذه المسألة تشبه تمامًا ادعاء الإجماع في مسائل فقهية كثيرة ، يُدَّعى فيها الإجماع ثم يتبيَّن بعد الفحص والبحث أن هناك مخالفين كثيرين ، فيسقط .
سائل آخر : ... .
الشيخ : نعم ؟ فيسقط حينئذٍ ادعاء الإجماع ، ولهذا فنحن نقول حديث " الصحيحين " الأصل فيهما القبول لعامة المسلمين ، أما أهل العلم وأهل الاختصاص فلهم مجالهم العلمي الخاص بهم ، فقد يثبت لديهم علَّة في بعض الأحاديث لم يذكرها الأولون ، الذي يدرس " شرح صحيح البخاري " للحافظ ابن حجر العسقلاني يجد انتقادات لا يجدها فيما انتقده الإمام الدارقطني أبدًا ، وابن حجر هو الذي ينقل مثل هذا الكلام أنه ما سوى ما انتقده الدارقطني ، فالأمة تلقَّتها بالقبول .
الآن أنا أضرب لكم مثالًا في بعض الأحاديث الموجودة في " صحيح مسلم " ، وربما بعضه الآخر في " صحيح البخاري " ، في " صحيح مسلم " وهذا من غرائب الموجود في " صحيح مسلم " ، ويتسائل المتسائل كيف هذا ؟! الحديث المعروف والذي يُعزى في الكتب الجامعة بين " الصحيحين " وغيرها ، يُعزى هذا الحديث للشيخين ؛ فيقال متفق عليه ، ما هو ؟ الحديث المشهور من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( سبعة يظلُّهم الله تحت ظله ، يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل ، وشاب نشأ في طاعة الله ... ) ذكر السبعة ، وذكر أخيرًا : ( ورجل تصدَّق بيمينه حتى ما تعلم شماله ما أنفقت يمينه ) ، قد تستغربون جدًّا ، أو على الأقل جلُّكم ، أو أقل من القليل فبعضكم ، تستغربون ما سأقول لكم ، الحديث حتى اليوم في " صحيح مسلم " يُروى بلفظ : ( حتى ما تعلمَ يمينه ما أنفقت شماله ) ، هذا نوع من علم الحديث يُسمَّى بالحديث ماذا ؟
سائل آخر : المقلوب .
الشيخ : المقلوب ، هذا الحديث موجود في " صحيح مسلم " مقلوبًا ، على من انقلب ؟ أَعَلى المؤلف ؟ أم على شيخه ؟ أم أم إلى آخره ؟ وجاءنا " صحيح مسلم " هكذا ، يا تُرى وقوع مثل هذا الخطأ في حديث يدلُّ معناه على خطئه فضلًا عن أنه روي في " صحيح البخاري " على الصواب ، ووقوع مثل هذا الخطأ الجلي المجسَّم المجسَّد أقرب ولَّا وقوع بعض الأخطاء في الرواية خفية لا يتنبَّه لها إلا أولو العلم ؟ لا شك أن مثل هذا الخطأ المجسَّد المجسَّم وقوعه في " صحيح مسلم " أشكل بكثير من وقوع بعض الأخطاء التي لا تخفى إلا على أهل العلم ، فبماذا يُعلَّل ؟
بكلمة تُروى عن الإمام الشافعي - رحمه الله - ألا وهو قوله : " أبى الله أن يتمَّ إلا كتابه " ، هذه حقيقة ، حقيقة نلمسها لمس اليد " أبى الله أن يتمَّ إلا كتابه " ، لا يهمُّني أبدًا أن أُثبت لكم هذه الكلمة عن الإمام الشافعي كما أثبت لكم الأحاديث النبوية الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، حسبنا أن نعتقد أن هذا المعنى من الكلام لا يمكن أن يختلف فيه اثنان " أبى الله أن يتم إلا كتابه " ، ما دام أن المسلمين قد اتفقوا أن في " الصحيحين " ما هو منتقد بحقٍّ ، وهناك انتقاد بخطأ ، إذًا صدق مَن قال : " أبى الله أن يتم إلا كتابه " ، وهذا معجزة من معجزات القرآن ، أن أيَّ كتاب ألَّفه مؤلف ما ؛ مهما كان حريصًا في انتقائه ، وفي توثيقه ، وفي تصحيحه ؛ فهو ليس من الله ، " أبى الله أن يتم إلا كتابه " ، فلذلك ليس موضع استغراب واستنكار إذا ما توجَّه بعض العلماء على مرِّ الزمان والدهور في انتقاد بعض الأحاديث التي جاءت في " الصحيحين " بالعلم ، وليس بالجهل ، وليس بالهوى ، وليس بالتأثر بتربية أو فلسفة غربية أو شرقية كما يفعل بعض الكتاب المعاصرين اليوم ، الذين لم يشمُّوا رائحة العلم ، ولا عرفوا مراتب العلماء والرواة في رواة الأحاديث ، فيتجرَّؤون على نقد الأحاديث لمجرَّد أن هذا الحديث ما دخل في مخُّو ، ما قبلته نفسه ، وهو يرفضها ويرميها أرضًا لأتفه الأسباب ، فهذا هو خروج عن هدي الإسلام والمسلمين جميعًا ، أما كما نقول وندندن حول ما نقول : رجل عالم مما مضى أو أتى أو يأتي متمكِّن في هذا العلم ، ولا ينقد إلا اتباعًا لقواعد هذا العلم واعتمادًا على علماء الجرح والتعديل ، فأنا أتمنَّى أن يُوجد في علماء المسلمين عشرات ، بل مئات من أمثال هؤلاء العلماء النُّقَّاد ؛ لأن بأمثالهم تقوم حجة الله على عباده ، أما بالتقليد ؛ قال البخاري كذا ، رواه البخاري كذا ، هذا ليس علمًا ، وأنا يؤسفني جدًّا أن بعض المتحمِّسين من الإسلاميين ، وهذه حقيقة وقعت قد يكون بعضكم على علم بها ، كنتُ قرأت منذ أكثر من عشر سنوات بحثًا لأحد الكُتَّاب المصريين الذين لا علم عندهم ، هذا البعض من الكتاب في " مجلة العربي " التي تصدر في الكويت بحثًا عنوانه خطير جدًّا ، ليس كل حديث في " صحيح البخاري " صحيح ، وكتب صفحات تحت هذا العنوان الخطير ، وَلَأن تتذكَّروا معي أن عرض مثل هذا البحث وفي " مجلة العربي " التي لا أكون مبالغًا إذا قلت المجلة اللادينية !! لو كانت مجلة دينية كانت مجلة شرعية كبعض المجلات مثلًا " الوعي الإسلامي " ونشر فيه هذا المقال ؛ كنا نقول والله المقصود به توعية الأمة المسلمة المتدينة ، أَمَا وهذا المقال ينشر في مجلة تحارب الإسلام في كثير من مقالاتها وعنوانها " ليس كل حديث في البخاري صحيح " ، ثم يتكلم الكاتب كثيرًا ، ومن جهل الكاتب أنه جاء إلى حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُباشرني وهو صائم " ، ففهم هذا الكاتب الأحمق الجاهل من كلمة " يباشرني " يجامعني ، وحينئذٍ نصبَ الخلاف بين الحديث وبين إجماع الأمة وبين قوله - تعالى - : (( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن )) فأجمعت الأمة على أن مباشرة الصائم لزوجته بمعنى المجامعة في رمضان ؛ هذا أولًا حرام لا يجوز ، وثانيًا مبطل للصيام ، يقول هذا المُعلِّق وبالتعبير السوري " المعلِّك " ، العَلك يعني هو الكلام الفارغ الفاضي ، يقول : كيف يصحُّ حديث يُنسب إلى الرسول أنه كان يُجامع عائشة وهو صائم في رمضان ؟
هذا أُتِيَ من جهله ؛ لأن المباشرة قد تكون بمعنى المجامعة ، وحينئذٍ تكون من باب المجاز والتلطُّف بالتعبير كما جاء عن ابن عباس - رضي الله عنه - حينما فسر قوله - تعالى - : (( أو لامستم النساء )) قال : " إن القرآن لطيف التعبير ، فكنى عن الجماع باللَّمس " ، وهذا أسلوب قرآني رائع جدًّا ، فهو فسر المباشرة بالحديث بالجماع ، وحينئذٍ فعلًا لو كان هذا هو معنى الحديث يكون حديثًا باطلًا ، ولو أنه اتفق عليه العلماء ، ثم جاء بأحاديث أخرى وهذا أمر - أيضًا - أعجب من الأول ، لأنها ليست في " الصحيحين " ، وأنا أدرى الناس بها ؛ لأني كنت خرجت بعضها في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " ، وهو الحديث الذي يقول أن أبا طلحة الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - رُؤي في رمضان وهو يأكل البَرَد النازل من السماء ، قالوا له : كيف تأكل بَرَد وأنت صائم ؟ قال هذا ليس بطعام ، هذه بركة من السماء ، يأكل ويتبرَّد ، ويقول في زعم الرواية هذا ليس بطعام ! هذه بركة من السماء ! الحديث جاء من حيث الرواية على وجهين : إحداهما - وهي الأرجح - أنها موقوفة ، والأخرى أنها مرفوعة ، المرفوعة جاء أنس إلى الرسول يقول أبو طلحة فعل كذا وكذا ، وقال إنها ليست بطعام ، وإنما هي بركة من السماء ، قال له - عليه السلام - في زعم الرواية الضعيفة ( خُذها من عمِّك ) أي : هذا فقه ، ( خذها من عمِّك ) ، كُلْ بَرَد في رمضان وأنت صائم ولست بمفطر ، جاء هذا الكاتب الجاهل فنسب هذا الحديث إلى " الصحيح " ، وليس له أولًا علاقة بالصحيح بصورة خاصة يعني " صحيح البخاري " ، " صحيح مسلم " ، بل ليس له علاقة بالصحيح على الإطلاق ؛ لأنه ضعيف ، وليس بصحيح ، ولذلك كنتُ خرَّجته في أول " السلسلة الضعيفة " .
الشاهد " خبط خبطة عشواء في الليلة الظلماء " كما كان يقولون قديمًا ، جاء بعض الأفراد من بعض الجمعيات الإسلامية في الكويت ، تحمَّس على هذا المقال فنشر رسالة مطبوعة " كل ما في صحيح البخاري صحيح " ، هل هذا درسَ شيئًا من علم الحديث ؟ درسَ نقد الدارقطني وما سُلِّم له وما لم يُسلَّم له ؟ لا ، وإنما الحماس العاطفي والشائع أن ما في " الصحيحين " صحيح عند عامة الناس ، فراحَ وألَّف رسالة عنوانها على النقيض تمامًا " كل ما في صحيح البخاري فهو صحيح " ، والعلماء حقًّا يعلمون أولًا أن ما كان من الأحاديث المرفوعة في " صحيح البخاري " هي عنده على قسمين :
- قسم مسند ، وهذا القسم هو الأكثر ، وهو الصحيح عند المؤلف ، وهو الذي انتُقد منه ما انتُقد ، وسُلِّم من هذا المنتقد ما سُلِّم للإمام الدارقطني .
- القسم الثاني الأحاديث المعروفة في علم المصطلح بالأحاديث المعلَّقة ، هذه الأحاديث المعلقة عند البخاري نفسه بعضها غير صحيح ، فكيف يُؤلِّف مسلم يتحدَّى الفاسق الضال برسالة عنوانها : " كل ما في صحيح البخاري فهو صحيح " ، والبخاري نفسه لا يُؤمن بهذا الكلام ، لأنه في كثير من الأحيان يعلق حديثًا ثم يردُّه فيقول : " والأول أصحُّ " ، يعني ما ذكره مسندًا أصح من الذي ذكره معلقًا ؛ لأنه يعارض الحديث الصحيح ، فإذًا يجب أن نتكلَّم بعلم ، هنا العبرة ؛ أن لا نتكلم بعاطفة جيَّاشة فوَّارة في سبيل الحرص على سلامة " الصحيحين " من النقد الْـ - ما نسميه - النقد اللَّاعلمي هذا ، العشوائي ، في سبيل أن لا نتكلم في نقد " الصحيحين " نقدًا عشوائيًّا نسدُّ الباب أمام النقد العلمي ، لا ، الأمر وسط بين هؤلاء وهؤلاء ، من تكلَّم فعليه أن يتكلم بكلام أهل العلم وإلا فليصمت ، وكما قال - عليه الصلاة والسلام - : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ؛ فليقل خيرًا أو ليصمت ) .
والآن - يا أستاذ - اسمح لنا بالانصراف لنستعدَّ للصلاة - إن شاء الله - ، ولو أننا كنا على غير هذا الوقت لاستمرَرْنا معكم إلى ما شاء الله . وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
- رحلة الخير - شريط : 6
- توقيت الفهرسة : 00:15:14
- نسخة مدققة إملائيًّا