النَّهي عن الصلاة في الأوقات المنهيِّ عنها ؟
A-
A=
A+
الشيخ : ... لكن قبل ذلك نأتي إلى الأحاديث التي تنهى عن الصلاة في الأوقات الثلاثة : عند طلوع الشمس ، وعند استوائها في وسط السماء ، وعند ... الغروب .
هذه نصوص عامة ولا شك قد تعارَضَها نصوص أخرى ، فيها بيان - وعليكم السلام - فيها بيان لجواز بعض الصلوات في هذه الأوقات ؛ مثلًا الحديث الذي جاء في " سنن الترمذي " وغيره أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لمَّا سلم ذات يوم من صلاة الفجر ، قام رجل يصلي فقال له : أصلاتان معًا ؟ لما سلم الرجل قال : يا رسول الله ، دخلت المسجد وقد أقيمت الصلاة ، ولم أكُنْ قد صليت ركعتي الفجر وهما ركعتان . فأقرَّه - عليه الصلاة والسلام - ، فصار من السنة أنَّ من دخل المسجد ولم يكن قد صلى السنة ؛ ومعلوم أنه لا يُشرع له أن يستأنف صلاة السنة وقد أقيمت الصلاة ؛ لقوله - عليه السلام - : ( إذا أُقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ) ؛ فهل يجوز له أن يصليها بعد الفريضة ؟ هذا الحديث دلَّ على الجواز ؛ إذًا قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ) طرأ عليه بهذا التخصيص .
كذلك - مثلًا - قوله - عليه السلام - : ( من نَسِيَ صلاة أو نام عنها فليُصلِّها حين يذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك ) ، أيضًا هذا الحديث يُخصِّص أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة ، والأحاديث في هذا الصَّدد كثيرة ، كان أحد علماء الحديث بالهند قد جمعها في كتاب وهو كتاب قيم أنصح بقراءته والتفقُّه به ؛ ألا وهو " إعلام أهل العصر بأحكام ركعتي ثبوت الفجر " ، هناك تتبَّع النصوص التي جاءت تخصِّص أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة .
ابن تيمية الآن . نعم ؟
السائل : ما اسمه هذا المؤلف ؟
الشيخ : ... اسمه شمس الدين الآبادي .
الشيخ : فابن تيمية الآن يُعالج بهذه القاعدة مسألة تحية المسجد ، كثيرًا ما يتفق أنَّ أحدنا يدخل المسجد في وقت من هذه الأوقات المنهي عن الصلاة ؛ أفيصلِّيها وفي ذلك معارضة لنصوصٍ عامَّة أم لا يصليها ؟! ويذهب إلى ما ذهب إليه الإمام الشوكاني - رحمه الله - الذي قال بأنه لا يصلي ولا يجوز . ابن تيمية يقول : يصلِّي ولو كان في وقت الكراهة ؛ لماذا ؟ لأنَّ قوله - عليه السلام - : ( إذا دخل أحدكم المسجد ؛ فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ) ، وفي الرواية الأخرى : ( فليصلِّ ركعتين ثم ليجلس ) ، يقول : هذا نصٌّ عامٌّ قد عارَضَه النص العام وأقرَّه النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة ، لكن هذا النَّصُّ من النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة قد دخله تخصيص من جوانب كثيرة ، وبعضها ... ، بينما الأمر بتحية المسجد لم يدخله تخصيصٌ إطلاقًا فيُسلَّط على النَّصِّ العام ، فيزداد النَّصُّ العامُّ ضعفًا ، فيظلُّ النَّصُّ الآخر على عمومه وشموله .
ونؤكِّد نحو ذلك باستنباط آخر ؛ لعلكم جميعًا تعلمون ما جاء في " صحيح مسلم " أن النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يخطب يوم جمعة لما دخل سليك الغطفاني فجلس ، فقال له - عليه الصلاة والسلام - - قطع خطبته بطبيعة الحال - : ( يا فلان ، أصلَّيت ؟ ) . قال : لا . قال : ( قم فصلِّ ركعتين ) . إلى هنا نقف قليلًا ... نجد أن النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قد اهتمَّ بتحية المسجد اهتمامًا بالغًا ؛ حيث قطع خطبته ، وأمر ذلك الجالس بأن ينهض بعد جلوسه - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - أمره أن ينهض ويصلي ركعتين ... ... ، فلا يقال كما قد قيل ، سبحان الله ! كأن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان ربُّنا قد أنبأه أو أوحى إليه بأنه سيأتي ناس يقومون و ... أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بـ ... القيام ليضربَ أمام الناس بأنه كان محتاجًا ، ولم يأمره بالصلاة ؛ لأن الصلاة ينبغي أن تُصلَّى ولو كان الخطيب على المنبر ، لتعطيل هذا الذي قد يقع وقد وقع فعلًا من بعض الصحابة في المدينة يعللون هذا الأمر من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بسليك الغطفاني بأنَّه أمره بالقيام ؛ لأنه كان ... بمثل هذا التأويل الذي هو تعطيل لدلالة الحديث ، قال - عليه الصلاة والسلام - موجِّهًا خطابه للجالسين عمومًا فقال : ( إذا دخل أحدكم أو إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليصلِّ ركعتين ، وليتجوَّز فيهما ) ، هذا خطاب لكلِّ داخل يوم الجمعة أن لا يجلس ولو كان الخطيب يخطب ، هذا يدلُّنا على شيء ، وهو يؤكد ما ذهب إليه ابن تيمية من تخصيص النَّصِّ العام المُخصَّص بالنَّصِّ العام غير المُخصَّص .
فيه بيان أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أكَّد الأمر بصلاة الركعتين والخطيب يخطب ، بينما نهى عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخطيب يخطب ، كما تعلمون في الحديث الصحيح : ( إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب : أنصت ؛ فقد لغوت ) ، فقول القائل : أنصت والإمام يخطب هو أمر بالمعروف ، نهى الرسول - عليه الصلاة والسلام - عن ذلك ، بينما أمر بالتحية ؛ فهذا يؤكد أن التحية واجبة على الرَّاجح عندنا ، وهي على الأقل مؤكَّدة سنة مؤكَّدة ولو في وقت كراهة الصلاة ، هنا الشاهد في القرآن ؛ ذلك بأنه لا يجوز لأحد إذا قام الخطيب يخطب أن يتنفَّل بأن يصلي ركعتين ؛ حتى ولو تحية مسجد إذا كان جلس عامدًا ثم قام يريد أن يصلي ؛ فحينئذٍ لا تصح هذه الصلاة ؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما دونه من المواطن أولى بالنهي ، فإن أمر بتحية المسجد في هذا الوقت الذي لا يشرع فيه التنفُّل ، فمعنى ذلك أن تحية المسجد تُشرع في الأوقات المكروهة خلافًا للمواطن الأخرى .
من هنا جاء علماء الشافعية بعبارة تجمع القول في هذه المسألة ؛ حيث قالوا : النوافل قسمان : ذوات أسباب ، ونوافل مطلقة ليس لها أسباب ، فما كان من القسم الأول فصلاتها تُشرع ولو في الأوقات المكروهة ؛ لأن تركها يكون ... مناسبتها ، وأما ما كان من النافلة المُطلقة فالإنسان يستطيع أن يتنفَّل في غير هذه الأوقات المنهي عنها ، هذا مثال خارج عن موضوعنا السابق ، كيف وُفِّق بين نصٍّ عامٍّ دخله التخصيص وبين نصٍّ عامٍّ لم يدخله التخصيص ، فغُلِّب هذا النَّصُّ العام غير المُخصَّص على النَّصِّ العام المُخصَّص ، وكان في ... ذلك أن يُقال : لا صلاة بعد الفجر إلا - مثلًا - تحية المسجد ، وكذلك سائر الصلوات ، أو سائر الأوقات ، مع الصلوات ذات النوافل .
نعود إلى بحثنا السابق ، وهو نصَّان عامَّان تعارضا ؛ (( فإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا )) نصٌّ عامٌّ ، ( لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) نصٌّ عامٌّ ، وجدنا النَّصَّ الأول لم يدخله تخصيص ، ووجدنا النَّصَّ الآخر قد دخله التخصيص ، شيء من هذا التخصيص يكاد يكون إجماعًا بين مَن جاء بعض الصحابة وهو أقوى إجماع في عهد الصحابة ؛ أعني بذلك أنَّ من جاء والإمام راكع فاقتدى به أدرك الركعة ... الإمام راكعًا ؛ مع أنه لم يقرأ فاتحة الكتاب ، إذًا ماذا فعلنا بالحديث : ( لا صلاة ) ؟ أيضًا أدخلنا عليه تخصيصًا ، فقلنا : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) حتى في الصلاة السرية التي يجوز قراءة الفاتحة فيها ؛ فضلًا عن الصلاة الجهرية وفيها ما نحن بصدده من خلاف ، إذا أدرك الإمام راكعًا فقد أدرك الركعة كلها ، ولا يجب عليه إعادتها ، فيكون الحديث مُخصَّصًا في مثل هذه الحالة ؛ لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إلا في حالة عدم تمكُّنه من قراءة الفاتحة بمثل إدراكه الإمام راكعًا ، فيركع ، فتحسب له الركعة .
هذا فيه بعض الأحاديث التي رُوي شيء منها في " سنن أبي داود " بسند فيه ضعف ، ورُوي بإسناد آخر فيه قوَّة ، قد ذكرت ذلك في بعض الكتب ، ثم تأكَّد ذلك بمجيء ما تضمَّنه الحديث من أن مدرك الركوع وراء الإمام مدركًا للركعة أنه ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة دون أن يُعرف لهم مخالف ، على رأسهم أبو بكر الصديق ، ثم عبد الله بن مسعود ، ثم زيد بن ثابت ، ثم عبد الله بن عمر ، وقد يكون لهم موافقون آخرون لا أستحضر غيرهم الآن ، وهؤلاء أكثرهم بأسانيد بذلك إليهم صحيحة ، كما كنتُ ذكرتُ ذلك في بعض المؤلفات ، ومنها فيما أذكر " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " ؛ فإذًا قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) مُخصَّص حتى عند الذين يقولون بأن هذا الحديث يخصص الآية ، فكان تخصيصهم ... خلاف القاعدة ... التي أشرت إليها آنفًا ، فيكون القول الراجح كما قلت في أول هذا الكلام ما ذهب إليه إمام السنة وابن تيمية ومَن وافقهما على ذلك هو الأولى بالأخذ والتفقُّه فيه ، وبذلك ننجو من مشاكل كثيرة وكثيرة جدًّا إذا تأمَّلها المسلم لا يجد له مخرجًا إلا بتبنِّي هذا الرأي ، وهو السكوت وراء الإمام إذا كان يقرأ جهرًا ، وإذا لم يدرك قراءة الفاتحة وإنما أدرك الإمام راكعًا ، فيُعتبر مدركًا للركوع . ولما كان كثير من أولئك العلماء الذين تبنَّوا إيجاب قراءة الفاتحة بالجهرية كان يجدون في أنفسهم ولا شك تردُّدًا في هذا ... ؛ لأنهم ... ولو ... الآية : (( فاستمعوا له وأنصتوا )) فضلًا عن مثل قوله - عليه السلام - : ( إنما جُعل الإمام لِيُؤتمَّ به ، فإذا كبَّر فكبِّروا ، وإذا قرأ فأنصتوا ) ، ثم كانوا يجدون في أنفسهم شيئًا من التردُّد في هذا الحكم أوجدوا لهم مخرجًا بأن أوجدوا شيئًا لا نجد له أصلًا في السنة ؛ وهو أنَّهم طلبوا من كل إمام أن يسكتَ سكتةً طويلةً بعد قراءة الفاتحة لكي يتمكَّن المقتدي من القيام بفرضه ؛ ألا وهو قراءة الفاتحة ، وذلك لأنه - كما نشعر جميعًا - في الحقيقة ... فيما أعتقد ، وإلا ما كان ينبغي لهم أن يُوجدوا لأنفسهم هذا المخرج ، فليس واردًا في السنة .
متى يقرأ المقتدي الفاتحة ؟ - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - إن قيل بأنه يقرأ الفاتحة مع قراءة الإمام الفاتحة ؛ فلِمَ الجهر بها ؟ وما الحكمة من ذلك ؟ هذا لا وجود له بالإسلام ؛ أن يقول الشارع الحكيم للإمام ارفع صوتك بقراءة الفاتحة في بعض الصلوات يسكت ، أو اقرأ في ... بعضها ، ما الفرق حينئذٍ بين رفع صوته وبين إسراره بصمته ؛ والمقتدي على كلِّ حال يجب أن يقرأ الفاتحة حين قراءة الإمام للفاتحة ؟!
قيل : إنما يقرأ الفاتحة بعد أن يفرغ الإمام من قراءتها ، ويبدأ بقراءة آيات ؛ أي سورة ، حينئذٍ يُقال : لم يقرأ الإمام هذه الآيات جهرًا ؟ أليسَ لهؤلاء المقتدين به ؟ هم مشغولون عنه ! لا يستطيعون أن يجمعوا بين أن يقرؤوا الفاتحة بأنفسهم وبين أن يتدبَّروا القرآن الذي يُتلى عليهم من قبل إمامهم ، لما وجدوا هذه المشاكل لم يجدوا جوابًا تطمئن النفس المؤمنة عليه ، فأوجدوا لهم ذلك المخرج ؛ اسكت أيها الإمام حتى يتمكَّن المقتدون من قراءة الفاتحة ، ثم ماذا كان بعد ذلك ؟ سكتوا وما سكتوا ؛ لأنك لن تجدَ إمامًا يسكت بحيث يستطيع المقتدي أن يقرأ الفاتحة ، ما يوجد مثل هذا في الإسلام السمح السهل الميسَّر لكل الناس ؛ لذلك كان أعدل المذاهب - كما يقول ابن تيمية رحمه الله - وأوسطها في هذه المسألة ما ذهب إليه إمام السنة الإمام أحمد ؛ ننصت في الجهرية ونقرأ في السرية ، وهذا هو الجواب إن شاء الله - تبارك وتعالى - .
فإذًا حديث عبادة بن الصامت من رواية مكحول ؛ أولًا : فيه تلك العلة العنعنة ، وإذا لم يعنعن ... واسطة وهو مردود ؛ هذا من حيث ثبوته ، ومن حيث دلالته فدلالته مرجوحة كما ذكرنا من حيث التعبير ، ثم جاء اللفظ الثاني في " مسند أحمد " يؤكِّد : ( إلا أن يقرأ عليكم بفاتحة الكتاب ) هذا مرجوح ، لهذا كان الحديث الذي كنا ذكرناه ... من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نازعوه القرآن قال لهم : ( ما لي أُنازع القرآن ؟! ) . قال أبو هريرة : فانتهى الناس عن القراءة وراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما كان يجهر فيهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وأنا حين أذكر هذا لا يغيب عن بالي بأن هذه الزيادة قد تُكلِّمَ فيها كثيرًا ، ولكني حينما خرَّجتها وجدتُ أن جماعةً أتبعوه بتمام الحديث وبعضهم نسبه إلى الإمام الزهري ، ولو فرضنا أن هذا هو الواضح ؛ أي : أن الحديث في هذه الزيادة مرسل ؛ لأن الزهري تابعي صغير ، فإذا قال الزهري : فانتهى الناس ؛ أي : انتهى الصحابة عن القراءة وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما كان يجهر فيه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فهذا أسوأ أحواله أن يكون حديثًا مرسلًا ، والحديث المرسل إذا جاء له شواهد وبخاصَّة الآية الكريمة والحديث الثاني الذي ذكرته ... : ( فإذا قرأ الإمام فأنصتوا ) ، لا شك أن هذا المرسل في كل من يُؤتى به يكون حجة في هذا المكان ، هذا ما نعتقده وندين الله به ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .
السائل : ... .
الشيخ : ماذا أقول هذا حديث مرفوع أم موقوف ؟
السائل : ... .
الشيخ : ما سألتك مَن رواه ، أسألك موقوف أم مرفوع ؟ هو موقوف وليس بمرفوع ؛ أكذلك ؟
السائل : نعم .
الشيخ : تأمَّل ، هو حديث موقوف ، والصحابة في هذه المسألة مختلفون - أيضًا - ، وما كان الاختلاف بين الأئمة إلا أثرًا لذاك الاختلاف ، وحينئذٍ فإذا اختلف الصحابة فلا ينبغي أن يختلف المسلمون ويتعصَّب كل جماعة منهم ببعض أولئك الصحابة ؛ لأن للفريق المخالف أن يقول : هذا ابن مسعود يقول - مثلًا - : " لا قراءة وراء الإمام " ، وأمثاله كثير ، إنما ينبغي أن نتجرَّد الآن عن الخلاف الذي كان قائمًا بين الصحابة و ... توارثه من بعدهم ، لكن نحن قد نختلف عن الأولين ؛ لأنَّنا استطعنا أن نعرف أدلَّة المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي وأيضًا مذاهب أخرى ؛ لأن السنة وفَّر الله - تبارك وتعالى - لها من الأئمة ما جمعوا الحديث وسهَّل الوصول إليه بأعمارهم المباركة وبجهودهم الكثيرة والكثيفة ؛ حيث طافوا البلاد شرقًا وغربًا ، وقدَّموه لنا لقمةً سائغةً ، فينبغي أن نعرف أيَّ اختلاف سواء كان قديمًا أو حديثًا على هذه السنة كما هو صريح القرآن في قوله - تعالى - : (( فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر )) ، فالصحابة لا يستطيع أحد أن يقول بأنهم اتَّفقوا على وجوب القراءة في الصلاة الجهرية ، أو اتفقوا - وهذا مذهب الشافعية - ، أو أنهم اتَّفقوا على وجوب السكوت في الصلاة الجهرية كما هو مذهب أحمد بن حنبل ومَن تَبِعَه كابن تيمية وغيره ، أو أنهم اتفقوا على أنه يجب السكوت وراء الإمام مطلقًا في الجهرية والسرية كما يقول الحنفية ، لا أحد يستطيع أن يدَّعي أن الصحابة كلهم جميعهم كانوا على مذهب من هذه المذاهب الثلاثة ، كل ما نستطيع أن نقطعَ به أنهم كانوا من قائل بوجوب قراءة بالفاتحة وراء الإمام ، أو بوجوب السكوت وراء الإمام في الصلاة الجهرية ؛ فحينئذٍ ما دام أن المسألة اختلفوا وتنازعوا فالآية المذكورة آنفًا فُرِضَ علينا ، وعلى ضوء ذلك ينبغي أن ندرس الأحاديث ... ، ما نحط ببالنا أن أبو هريرة قال كذا بخلاف ما إذا روى ، الرواية شيء والرأي شيء آخر ، لذلك كان من الأصول والقواعد التي اختلفها الظهور مع الحنفية فيها أنهم إذا جاء حديث مرفوع عن صحابي مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم جاء رأي هذا الصحابي ما يخالف روايته ؛ فالعبرة حينها بروايته أم برأيه ؟ قولان . نعم ؟
السائل : ... .
الشيخ : الرواية ، لكن الحنفية قالوا لا ، العبرة برأيه ما بروايته ، فهذه القاعدة - أيضًا - يجب أن نضعها أمامنا حينما نريد أن نعالج مسألة خلافية بين الصحابة ؛ فضلًا عن أنها خلافية لمن جاء بعدهم ، فأبو هريرة في حديث مسلم أرجو الانتباه أنه يُعطي رأيه ولا يُعطي رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وإذ الأمر كذلك ؛ فهو معالج بأقوال بعض الصحابة الآخرين كجابر - مثلًا - بن عبد الله الأنصاري الذي يقول : قراءة الإمام ... ، وبهذا النص استدلَّ الحنفية أخذوا هذا الكلام على إطلاقه وتمامه ، فقالوا حتى في السرية يسكت المقتدي ولا يقرأ ، وهذا مذهب مرجوح ليس هناك ما يؤيِّده من المرفوع .
السائل : ... رفع حديثًا ، ... فقال : لا تفعلوا إلا بأمِّ القرآن .
الشيخ : ما كان معنا الرجل ؟
سائل آخر : لا .
الشيخ : نعم ؟ أنت ما كنت معنا ؟
السائل : لا ، أنا ما كنت .
الشيخ : سبق الكلام عن هذا الحديث ، فلتسمعني ... إن شاء الله الجواب حتى لا نكرِّر الكلام الماضي على الحاضرين .
السائل : ... .
الشيخ : طيب ... .
السائل : ... ... .
الشيخ : قبل هذا ، قبل هذا ، قبل أن تتمَّ ، كأنني أشعر أننا لا بد من أن نُعيد كلامنا السابق ، وهي أنت تقرأ من كتاب أو رسالة ، فأنت تقول إن هذا الحديث ... مَن يرويه عن ... ؟
السائل : ... .
الشيخ : طيب ؛ ... ولو كنت سمعت ... ، قلنا : إن مكحول مدلِّس ؛ وهو تارةً يروي عن عبادة مباشرة ، وتارةً عن محمود هذا ، ومحمود مجهول ، ولذلك فالحديث مُعلَّل تارةً بالعنعنة ، وتارةً بالجهالة ، فلا ... الحديث لو كان فيه حجة ، ثم الحديث يذكِّرني ما قرأته آنفًا بأن فيه بعض الإسراف ، الآن أنت قرأتَ وأسمعتَنا أنه دُلِّسَ عليه ؛ ماذا يعني ؟
السائل : ... .
الشيخ : ليه ؟ لماذا ؟
السائل : ... يقرأ مع قراءته .
الشيخ : طيب .
السائل : فثبتت عليه القراءة ... .
الشيخ : لماذا ؟ لأنه قرأ خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ، طيب .
السائل : لكنه لم يجهر بها ... .
الشيخ : اصبر عليَّ قليلًا ، نحن نلاحظ بالتجربة أن ضبط قراءة الناس وراء الإمام لا ينضبط بحيث يقرأ بنفسه كما جاء في أثر أبي هريرة الذي في " صحيح مسلم " ؛ أليس كذلك ؟ فبعضهم قد يجهر بالقراءة فيقع التنبيه ، هذا شيء ، فيُمكن أن يُقال هنا أنه لو صح الحديث فالمعنى كما قلنا قبل أن تأتي : أن هذا فيه الإشارة إلى جواز قراءة الفاتحة وراء الإمام ، وهذا كالتمهيد لرفع هذا التدليس بما قد يترتَّب من وراء القراءة وراء الإمام من التدليس ، الآن أقول : متى يكون قرأ هذا الذي رفعَ صوته بالقراءة وراء الرسول - عليه السلام - ؟ أوراء أم ساعة كان الرسول يقرأ الفاتحة أم كان ساعة يقرأ ما وراء الفاتحة ؟ ماذا تظنُّون ؟
السائل : قراءة الفاتحة .
الشيخ : يعني الفاتحة دُلِّست على الرسول ؟
السائل : هذا جائز .
الشيخ : لكن هذا أبعد من السنة ، لأن قراءة الفاتحة أسهل ما يكون على عامة المسلمين ، فيضعف جدًّا أن يُلبَّس الأمر على الرسول - عليه السلام - في قراءة الفاتحة ، وحتى لو أن الأمر كذلك ؛ فمتى يقرأ المقتدي إذًا الفاتحة وراء الامام ؟ حينما يقرأ الإمام ؛ أليس كذلك ؟
السائل : .. هذا لا يشمل خلاف .
الشيخ : هذا يشمل الخلاف ، نحن الآن نقول : متى يقرأ المقتدي وراء الإمام في الصلاة الجهرية الفاتحة ؛ أليس حين يقرأ الإمام الفاتحة ؟
السائل : ... .
الشيخ : ... لا تنقلنا في مكان تنقلنا إلى مكان آخر ، الآن نحن نتفاهم مع بعض ، هذا الحديث يدل على ماذا ؟ أن القارئ الذي صوَّت على النبي قرأ بعد فراغ الرسول - عليه السلام - من قراءة الفاتحة أم في أثناء قراءته للفاتحة ؟
السائل : هو في القراءة .
الشيخ : هو يقول : في أثناء الفاتحة ؛ أليس كذلك ؟ أنا أستبعد ذلك ، فعلى كل حال سواء قلت هذا أو قلت الآخر الذي نحن نراه ؛ فقراءة المقتدي وراء الإمام في أثناء الفاتحة تُوحي بأن شرعيَّة قراءة الإمام للفاتحة جهرًا لا معنى لها ، وهذا مما يترفَّع عنه الشارع الحكيم ؛ لأنه حينما شرع القراءة الجهرية وإنما شرعها ليسمع الناس ، وأين هؤلاء التابعون وهم مشغولون بقراءة الفاتحة بأنفسهم ؟ لا يوجد مثل هذا الحكم في الشرع ، وإن قيل - كما نرى نحن - أن هذا قرأ بعد أن فرغ الرسول - عليه السلام - من قراءة الفاتحة ، لأن ما متسع جدًّا أن نتصور لو كان الحديث صحيحًا أن الرسول لم يُحسن قراءة الفاتحة بسبب أن بعض المقتدين خلفه رفعوا أصواتهم بقراءتها والرسول يقرأ الفاتحة ، هذا نستبعده ، والأقرب أنه ... عليه قراءةَ الفاتحة قراءةً ... بعد الفاتحة .
وعلى كل حال سواء كان هذا أو ذاك فنحن نقول : إن هذا الحديث مُعلَّل بالعنعنة أو بالجهالة كما ذكرنا آنفًا ، ثم ليس فيه إيجاب قراءة الفاتحة وراء الإمام ؛ لأن النهي عن الشيء بصورة عامَّة ثم الأمر به أو ببعضه بصورة خاصة لا يعني وجوب هذا للمأمورين ، وإنما يعني جوازه ، كقوله - تعالى - : (( فإذا حللتم فاصطادوا )) ، الأمر هنا بالصيد لا يُفيد الوجوب ، والأمر هنا بقراءة الفاتحة لا يفيد الوجوب ؛ لأنه جاء بعد النهي ( فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ) ، وهذا على كل حال تكرار لما مضى ، من أجل خاطرك أنت لأنك جئت متأخِّرًا .
سائل آخر : جزاك الله خيرًا .
الشيخ : وإياك .
هذه نصوص عامة ولا شك قد تعارَضَها نصوص أخرى ، فيها بيان - وعليكم السلام - فيها بيان لجواز بعض الصلوات في هذه الأوقات ؛ مثلًا الحديث الذي جاء في " سنن الترمذي " وغيره أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لمَّا سلم ذات يوم من صلاة الفجر ، قام رجل يصلي فقال له : أصلاتان معًا ؟ لما سلم الرجل قال : يا رسول الله ، دخلت المسجد وقد أقيمت الصلاة ، ولم أكُنْ قد صليت ركعتي الفجر وهما ركعتان . فأقرَّه - عليه الصلاة والسلام - ، فصار من السنة أنَّ من دخل المسجد ولم يكن قد صلى السنة ؛ ومعلوم أنه لا يُشرع له أن يستأنف صلاة السنة وقد أقيمت الصلاة ؛ لقوله - عليه السلام - : ( إذا أُقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة ) ؛ فهل يجوز له أن يصليها بعد الفريضة ؟ هذا الحديث دلَّ على الجواز ؛ إذًا قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ) طرأ عليه بهذا التخصيص .
كذلك - مثلًا - قوله - عليه السلام - : ( من نَسِيَ صلاة أو نام عنها فليُصلِّها حين يذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك ) ، أيضًا هذا الحديث يُخصِّص أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة ، والأحاديث في هذا الصَّدد كثيرة ، كان أحد علماء الحديث بالهند قد جمعها في كتاب وهو كتاب قيم أنصح بقراءته والتفقُّه به ؛ ألا وهو " إعلام أهل العصر بأحكام ركعتي ثبوت الفجر " ، هناك تتبَّع النصوص التي جاءت تخصِّص أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة .
ابن تيمية الآن . نعم ؟
السائل : ما اسمه هذا المؤلف ؟
الشيخ : ... اسمه شمس الدين الآبادي .
الشيخ : فابن تيمية الآن يُعالج بهذه القاعدة مسألة تحية المسجد ، كثيرًا ما يتفق أنَّ أحدنا يدخل المسجد في وقت من هذه الأوقات المنهي عن الصلاة ؛ أفيصلِّيها وفي ذلك معارضة لنصوصٍ عامَّة أم لا يصليها ؟! ويذهب إلى ما ذهب إليه الإمام الشوكاني - رحمه الله - الذي قال بأنه لا يصلي ولا يجوز . ابن تيمية يقول : يصلِّي ولو كان في وقت الكراهة ؛ لماذا ؟ لأنَّ قوله - عليه السلام - : ( إذا دخل أحدكم المسجد ؛ فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ) ، وفي الرواية الأخرى : ( فليصلِّ ركعتين ثم ليجلس ) ، يقول : هذا نصٌّ عامٌّ قد عارَضَه النص العام وأقرَّه النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة ، لكن هذا النَّصُّ من النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة قد دخله تخصيص من جوانب كثيرة ، وبعضها ... ، بينما الأمر بتحية المسجد لم يدخله تخصيصٌ إطلاقًا فيُسلَّط على النَّصِّ العام ، فيزداد النَّصُّ العامُّ ضعفًا ، فيظلُّ النَّصُّ الآخر على عمومه وشموله .
ونؤكِّد نحو ذلك باستنباط آخر ؛ لعلكم جميعًا تعلمون ما جاء في " صحيح مسلم " أن النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يخطب يوم جمعة لما دخل سليك الغطفاني فجلس ، فقال له - عليه الصلاة والسلام - - قطع خطبته بطبيعة الحال - : ( يا فلان ، أصلَّيت ؟ ) . قال : لا . قال : ( قم فصلِّ ركعتين ) . إلى هنا نقف قليلًا ... نجد أن النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قد اهتمَّ بتحية المسجد اهتمامًا بالغًا ؛ حيث قطع خطبته ، وأمر ذلك الجالس بأن ينهض بعد جلوسه - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - أمره أن ينهض ويصلي ركعتين ... ... ، فلا يقال كما قد قيل ، سبحان الله ! كأن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان ربُّنا قد أنبأه أو أوحى إليه بأنه سيأتي ناس يقومون و ... أمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بـ ... القيام ليضربَ أمام الناس بأنه كان محتاجًا ، ولم يأمره بالصلاة ؛ لأن الصلاة ينبغي أن تُصلَّى ولو كان الخطيب على المنبر ، لتعطيل هذا الذي قد يقع وقد وقع فعلًا من بعض الصحابة في المدينة يعللون هذا الأمر من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بسليك الغطفاني بأنَّه أمره بالقيام ؛ لأنه كان ... بمثل هذا التأويل الذي هو تعطيل لدلالة الحديث ، قال - عليه الصلاة والسلام - موجِّهًا خطابه للجالسين عمومًا فقال : ( إذا دخل أحدكم أو إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليصلِّ ركعتين ، وليتجوَّز فيهما ) ، هذا خطاب لكلِّ داخل يوم الجمعة أن لا يجلس ولو كان الخطيب يخطب ، هذا يدلُّنا على شيء ، وهو يؤكد ما ذهب إليه ابن تيمية من تخصيص النَّصِّ العام المُخصَّص بالنَّصِّ العام غير المُخصَّص .
فيه بيان أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أكَّد الأمر بصلاة الركعتين والخطيب يخطب ، بينما نهى عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والخطيب يخطب ، كما تعلمون في الحديث الصحيح : ( إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والإمام يخطب : أنصت ؛ فقد لغوت ) ، فقول القائل : أنصت والإمام يخطب هو أمر بالمعروف ، نهى الرسول - عليه الصلاة والسلام - عن ذلك ، بينما أمر بالتحية ؛ فهذا يؤكد أن التحية واجبة على الرَّاجح عندنا ، وهي على الأقل مؤكَّدة سنة مؤكَّدة ولو في وقت كراهة الصلاة ، هنا الشاهد في القرآن ؛ ذلك بأنه لا يجوز لأحد إذا قام الخطيب يخطب أن يتنفَّل بأن يصلي ركعتين ؛ حتى ولو تحية مسجد إذا كان جلس عامدًا ثم قام يريد أن يصلي ؛ فحينئذٍ لا تصح هذه الصلاة ؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما دونه من المواطن أولى بالنهي ، فإن أمر بتحية المسجد في هذا الوقت الذي لا يشرع فيه التنفُّل ، فمعنى ذلك أن تحية المسجد تُشرع في الأوقات المكروهة خلافًا للمواطن الأخرى .
من هنا جاء علماء الشافعية بعبارة تجمع القول في هذه المسألة ؛ حيث قالوا : النوافل قسمان : ذوات أسباب ، ونوافل مطلقة ليس لها أسباب ، فما كان من القسم الأول فصلاتها تُشرع ولو في الأوقات المكروهة ؛ لأن تركها يكون ... مناسبتها ، وأما ما كان من النافلة المُطلقة فالإنسان يستطيع أن يتنفَّل في غير هذه الأوقات المنهي عنها ، هذا مثال خارج عن موضوعنا السابق ، كيف وُفِّق بين نصٍّ عامٍّ دخله التخصيص وبين نصٍّ عامٍّ لم يدخله التخصيص ، فغُلِّب هذا النَّصُّ العام غير المُخصَّص على النَّصِّ العام المُخصَّص ، وكان في ... ذلك أن يُقال : لا صلاة بعد الفجر إلا - مثلًا - تحية المسجد ، وكذلك سائر الصلوات ، أو سائر الأوقات ، مع الصلوات ذات النوافل .
نعود إلى بحثنا السابق ، وهو نصَّان عامَّان تعارضا ؛ (( فإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا )) نصٌّ عامٌّ ، ( لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) نصٌّ عامٌّ ، وجدنا النَّصَّ الأول لم يدخله تخصيص ، ووجدنا النَّصَّ الآخر قد دخله التخصيص ، شيء من هذا التخصيص يكاد يكون إجماعًا بين مَن جاء بعض الصحابة وهو أقوى إجماع في عهد الصحابة ؛ أعني بذلك أنَّ من جاء والإمام راكع فاقتدى به أدرك الركعة ... الإمام راكعًا ؛ مع أنه لم يقرأ فاتحة الكتاب ، إذًا ماذا فعلنا بالحديث : ( لا صلاة ) ؟ أيضًا أدخلنا عليه تخصيصًا ، فقلنا : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) حتى في الصلاة السرية التي يجوز قراءة الفاتحة فيها ؛ فضلًا عن الصلاة الجهرية وفيها ما نحن بصدده من خلاف ، إذا أدرك الإمام راكعًا فقد أدرك الركعة كلها ، ولا يجب عليه إعادتها ، فيكون الحديث مُخصَّصًا في مثل هذه الحالة ؛ لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إلا في حالة عدم تمكُّنه من قراءة الفاتحة بمثل إدراكه الإمام راكعًا ، فيركع ، فتحسب له الركعة .
هذا فيه بعض الأحاديث التي رُوي شيء منها في " سنن أبي داود " بسند فيه ضعف ، ورُوي بإسناد آخر فيه قوَّة ، قد ذكرت ذلك في بعض الكتب ، ثم تأكَّد ذلك بمجيء ما تضمَّنه الحديث من أن مدرك الركوع وراء الإمام مدركًا للركعة أنه ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة دون أن يُعرف لهم مخالف ، على رأسهم أبو بكر الصديق ، ثم عبد الله بن مسعود ، ثم زيد بن ثابت ، ثم عبد الله بن عمر ، وقد يكون لهم موافقون آخرون لا أستحضر غيرهم الآن ، وهؤلاء أكثرهم بأسانيد بذلك إليهم صحيحة ، كما كنتُ ذكرتُ ذلك في بعض المؤلفات ، ومنها فيما أذكر " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " ؛ فإذًا قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) مُخصَّص حتى عند الذين يقولون بأن هذا الحديث يخصص الآية ، فكان تخصيصهم ... خلاف القاعدة ... التي أشرت إليها آنفًا ، فيكون القول الراجح كما قلت في أول هذا الكلام ما ذهب إليه إمام السنة وابن تيمية ومَن وافقهما على ذلك هو الأولى بالأخذ والتفقُّه فيه ، وبذلك ننجو من مشاكل كثيرة وكثيرة جدًّا إذا تأمَّلها المسلم لا يجد له مخرجًا إلا بتبنِّي هذا الرأي ، وهو السكوت وراء الإمام إذا كان يقرأ جهرًا ، وإذا لم يدرك قراءة الفاتحة وإنما أدرك الإمام راكعًا ، فيُعتبر مدركًا للركوع . ولما كان كثير من أولئك العلماء الذين تبنَّوا إيجاب قراءة الفاتحة بالجهرية كان يجدون في أنفسهم ولا شك تردُّدًا في هذا ... ؛ لأنهم ... ولو ... الآية : (( فاستمعوا له وأنصتوا )) فضلًا عن مثل قوله - عليه السلام - : ( إنما جُعل الإمام لِيُؤتمَّ به ، فإذا كبَّر فكبِّروا ، وإذا قرأ فأنصتوا ) ، ثم كانوا يجدون في أنفسهم شيئًا من التردُّد في هذا الحكم أوجدوا لهم مخرجًا بأن أوجدوا شيئًا لا نجد له أصلًا في السنة ؛ وهو أنَّهم طلبوا من كل إمام أن يسكتَ سكتةً طويلةً بعد قراءة الفاتحة لكي يتمكَّن المقتدي من القيام بفرضه ؛ ألا وهو قراءة الفاتحة ، وذلك لأنه - كما نشعر جميعًا - في الحقيقة ... فيما أعتقد ، وإلا ما كان ينبغي لهم أن يُوجدوا لأنفسهم هذا المخرج ، فليس واردًا في السنة .
متى يقرأ المقتدي الفاتحة ؟ - وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته - إن قيل بأنه يقرأ الفاتحة مع قراءة الإمام الفاتحة ؛ فلِمَ الجهر بها ؟ وما الحكمة من ذلك ؟ هذا لا وجود له بالإسلام ؛ أن يقول الشارع الحكيم للإمام ارفع صوتك بقراءة الفاتحة في بعض الصلوات يسكت ، أو اقرأ في ... بعضها ، ما الفرق حينئذٍ بين رفع صوته وبين إسراره بصمته ؛ والمقتدي على كلِّ حال يجب أن يقرأ الفاتحة حين قراءة الإمام للفاتحة ؟!
قيل : إنما يقرأ الفاتحة بعد أن يفرغ الإمام من قراءتها ، ويبدأ بقراءة آيات ؛ أي سورة ، حينئذٍ يُقال : لم يقرأ الإمام هذه الآيات جهرًا ؟ أليسَ لهؤلاء المقتدين به ؟ هم مشغولون عنه ! لا يستطيعون أن يجمعوا بين أن يقرؤوا الفاتحة بأنفسهم وبين أن يتدبَّروا القرآن الذي يُتلى عليهم من قبل إمامهم ، لما وجدوا هذه المشاكل لم يجدوا جوابًا تطمئن النفس المؤمنة عليه ، فأوجدوا لهم ذلك المخرج ؛ اسكت أيها الإمام حتى يتمكَّن المقتدون من قراءة الفاتحة ، ثم ماذا كان بعد ذلك ؟ سكتوا وما سكتوا ؛ لأنك لن تجدَ إمامًا يسكت بحيث يستطيع المقتدي أن يقرأ الفاتحة ، ما يوجد مثل هذا في الإسلام السمح السهل الميسَّر لكل الناس ؛ لذلك كان أعدل المذاهب - كما يقول ابن تيمية رحمه الله - وأوسطها في هذه المسألة ما ذهب إليه إمام السنة الإمام أحمد ؛ ننصت في الجهرية ونقرأ في السرية ، وهذا هو الجواب إن شاء الله - تبارك وتعالى - .
فإذًا حديث عبادة بن الصامت من رواية مكحول ؛ أولًا : فيه تلك العلة العنعنة ، وإذا لم يعنعن ... واسطة وهو مردود ؛ هذا من حيث ثبوته ، ومن حيث دلالته فدلالته مرجوحة كما ذكرنا من حيث التعبير ، ثم جاء اللفظ الثاني في " مسند أحمد " يؤكِّد : ( إلا أن يقرأ عليكم بفاتحة الكتاب ) هذا مرجوح ، لهذا كان الحديث الذي كنا ذكرناه ... من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نازعوه القرآن قال لهم : ( ما لي أُنازع القرآن ؟! ) . قال أبو هريرة : فانتهى الناس عن القراءة وراء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيما كان يجهر فيهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وأنا حين أذكر هذا لا يغيب عن بالي بأن هذه الزيادة قد تُكلِّمَ فيها كثيرًا ، ولكني حينما خرَّجتها وجدتُ أن جماعةً أتبعوه بتمام الحديث وبعضهم نسبه إلى الإمام الزهري ، ولو فرضنا أن هذا هو الواضح ؛ أي : أن الحديث في هذه الزيادة مرسل ؛ لأن الزهري تابعي صغير ، فإذا قال الزهري : فانتهى الناس ؛ أي : انتهى الصحابة عن القراءة وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما كان يجهر فيه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فهذا أسوأ أحواله أن يكون حديثًا مرسلًا ، والحديث المرسل إذا جاء له شواهد وبخاصَّة الآية الكريمة والحديث الثاني الذي ذكرته ... : ( فإذا قرأ الإمام فأنصتوا ) ، لا شك أن هذا المرسل في كل من يُؤتى به يكون حجة في هذا المكان ، هذا ما نعتقده وندين الله به ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم .
السائل : ... .
الشيخ : ماذا أقول هذا حديث مرفوع أم موقوف ؟
السائل : ... .
الشيخ : ما سألتك مَن رواه ، أسألك موقوف أم مرفوع ؟ هو موقوف وليس بمرفوع ؛ أكذلك ؟
السائل : نعم .
الشيخ : تأمَّل ، هو حديث موقوف ، والصحابة في هذه المسألة مختلفون - أيضًا - ، وما كان الاختلاف بين الأئمة إلا أثرًا لذاك الاختلاف ، وحينئذٍ فإذا اختلف الصحابة فلا ينبغي أن يختلف المسلمون ويتعصَّب كل جماعة منهم ببعض أولئك الصحابة ؛ لأن للفريق المخالف أن يقول : هذا ابن مسعود يقول - مثلًا - : " لا قراءة وراء الإمام " ، وأمثاله كثير ، إنما ينبغي أن نتجرَّد الآن عن الخلاف الذي كان قائمًا بين الصحابة و ... توارثه من بعدهم ، لكن نحن قد نختلف عن الأولين ؛ لأنَّنا استطعنا أن نعرف أدلَّة المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي وأيضًا مذاهب أخرى ؛ لأن السنة وفَّر الله - تبارك وتعالى - لها من الأئمة ما جمعوا الحديث وسهَّل الوصول إليه بأعمارهم المباركة وبجهودهم الكثيرة والكثيفة ؛ حيث طافوا البلاد شرقًا وغربًا ، وقدَّموه لنا لقمةً سائغةً ، فينبغي أن نعرف أيَّ اختلاف سواء كان قديمًا أو حديثًا على هذه السنة كما هو صريح القرآن في قوله - تعالى - : (( فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر )) ، فالصحابة لا يستطيع أحد أن يقول بأنهم اتَّفقوا على وجوب القراءة في الصلاة الجهرية ، أو اتفقوا - وهذا مذهب الشافعية - ، أو أنهم اتَّفقوا على وجوب السكوت في الصلاة الجهرية كما هو مذهب أحمد بن حنبل ومَن تَبِعَه كابن تيمية وغيره ، أو أنهم اتفقوا على أنه يجب السكوت وراء الإمام مطلقًا في الجهرية والسرية كما يقول الحنفية ، لا أحد يستطيع أن يدَّعي أن الصحابة كلهم جميعهم كانوا على مذهب من هذه المذاهب الثلاثة ، كل ما نستطيع أن نقطعَ به أنهم كانوا من قائل بوجوب قراءة بالفاتحة وراء الإمام ، أو بوجوب السكوت وراء الإمام في الصلاة الجهرية ؛ فحينئذٍ ما دام أن المسألة اختلفوا وتنازعوا فالآية المذكورة آنفًا فُرِضَ علينا ، وعلى ضوء ذلك ينبغي أن ندرس الأحاديث ... ، ما نحط ببالنا أن أبو هريرة قال كذا بخلاف ما إذا روى ، الرواية شيء والرأي شيء آخر ، لذلك كان من الأصول والقواعد التي اختلفها الظهور مع الحنفية فيها أنهم إذا جاء حديث مرفوع عن صحابي مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم جاء رأي هذا الصحابي ما يخالف روايته ؛ فالعبرة حينها بروايته أم برأيه ؟ قولان . نعم ؟
السائل : ... .
الشيخ : الرواية ، لكن الحنفية قالوا لا ، العبرة برأيه ما بروايته ، فهذه القاعدة - أيضًا - يجب أن نضعها أمامنا حينما نريد أن نعالج مسألة خلافية بين الصحابة ؛ فضلًا عن أنها خلافية لمن جاء بعدهم ، فأبو هريرة في حديث مسلم أرجو الانتباه أنه يُعطي رأيه ولا يُعطي رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وإذ الأمر كذلك ؛ فهو معالج بأقوال بعض الصحابة الآخرين كجابر - مثلًا - بن عبد الله الأنصاري الذي يقول : قراءة الإمام ... ، وبهذا النص استدلَّ الحنفية أخذوا هذا الكلام على إطلاقه وتمامه ، فقالوا حتى في السرية يسكت المقتدي ولا يقرأ ، وهذا مذهب مرجوح ليس هناك ما يؤيِّده من المرفوع .
السائل : ... رفع حديثًا ، ... فقال : لا تفعلوا إلا بأمِّ القرآن .
الشيخ : ما كان معنا الرجل ؟
سائل آخر : لا .
الشيخ : نعم ؟ أنت ما كنت معنا ؟
السائل : لا ، أنا ما كنت .
الشيخ : سبق الكلام عن هذا الحديث ، فلتسمعني ... إن شاء الله الجواب حتى لا نكرِّر الكلام الماضي على الحاضرين .
السائل : ... .
الشيخ : طيب ... .
السائل : ... ... .
الشيخ : قبل هذا ، قبل هذا ، قبل أن تتمَّ ، كأنني أشعر أننا لا بد من أن نُعيد كلامنا السابق ، وهي أنت تقرأ من كتاب أو رسالة ، فأنت تقول إن هذا الحديث ... مَن يرويه عن ... ؟
السائل : ... .
الشيخ : طيب ؛ ... ولو كنت سمعت ... ، قلنا : إن مكحول مدلِّس ؛ وهو تارةً يروي عن عبادة مباشرة ، وتارةً عن محمود هذا ، ومحمود مجهول ، ولذلك فالحديث مُعلَّل تارةً بالعنعنة ، وتارةً بالجهالة ، فلا ... الحديث لو كان فيه حجة ، ثم الحديث يذكِّرني ما قرأته آنفًا بأن فيه بعض الإسراف ، الآن أنت قرأتَ وأسمعتَنا أنه دُلِّسَ عليه ؛ ماذا يعني ؟
السائل : ... .
الشيخ : ليه ؟ لماذا ؟
السائل : ... يقرأ مع قراءته .
الشيخ : طيب .
السائل : فثبتت عليه القراءة ... .
الشيخ : لماذا ؟ لأنه قرأ خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ، طيب .
السائل : لكنه لم يجهر بها ... .
الشيخ : اصبر عليَّ قليلًا ، نحن نلاحظ بالتجربة أن ضبط قراءة الناس وراء الإمام لا ينضبط بحيث يقرأ بنفسه كما جاء في أثر أبي هريرة الذي في " صحيح مسلم " ؛ أليس كذلك ؟ فبعضهم قد يجهر بالقراءة فيقع التنبيه ، هذا شيء ، فيُمكن أن يُقال هنا أنه لو صح الحديث فالمعنى كما قلنا قبل أن تأتي : أن هذا فيه الإشارة إلى جواز قراءة الفاتحة وراء الإمام ، وهذا كالتمهيد لرفع هذا التدليس بما قد يترتَّب من وراء القراءة وراء الإمام من التدليس ، الآن أقول : متى يكون قرأ هذا الذي رفعَ صوته بالقراءة وراء الرسول - عليه السلام - ؟ أوراء أم ساعة كان الرسول يقرأ الفاتحة أم كان ساعة يقرأ ما وراء الفاتحة ؟ ماذا تظنُّون ؟
السائل : قراءة الفاتحة .
الشيخ : يعني الفاتحة دُلِّست على الرسول ؟
السائل : هذا جائز .
الشيخ : لكن هذا أبعد من السنة ، لأن قراءة الفاتحة أسهل ما يكون على عامة المسلمين ، فيضعف جدًّا أن يُلبَّس الأمر على الرسول - عليه السلام - في قراءة الفاتحة ، وحتى لو أن الأمر كذلك ؛ فمتى يقرأ المقتدي إذًا الفاتحة وراء الامام ؟ حينما يقرأ الإمام ؛ أليس كذلك ؟
السائل : .. هذا لا يشمل خلاف .
الشيخ : هذا يشمل الخلاف ، نحن الآن نقول : متى يقرأ المقتدي وراء الإمام في الصلاة الجهرية الفاتحة ؛ أليس حين يقرأ الإمام الفاتحة ؟
السائل : ... .
الشيخ : ... لا تنقلنا في مكان تنقلنا إلى مكان آخر ، الآن نحن نتفاهم مع بعض ، هذا الحديث يدل على ماذا ؟ أن القارئ الذي صوَّت على النبي قرأ بعد فراغ الرسول - عليه السلام - من قراءة الفاتحة أم في أثناء قراءته للفاتحة ؟
السائل : هو في القراءة .
الشيخ : هو يقول : في أثناء الفاتحة ؛ أليس كذلك ؟ أنا أستبعد ذلك ، فعلى كل حال سواء قلت هذا أو قلت الآخر الذي نحن نراه ؛ فقراءة المقتدي وراء الإمام في أثناء الفاتحة تُوحي بأن شرعيَّة قراءة الإمام للفاتحة جهرًا لا معنى لها ، وهذا مما يترفَّع عنه الشارع الحكيم ؛ لأنه حينما شرع القراءة الجهرية وإنما شرعها ليسمع الناس ، وأين هؤلاء التابعون وهم مشغولون بقراءة الفاتحة بأنفسهم ؟ لا يوجد مثل هذا الحكم في الشرع ، وإن قيل - كما نرى نحن - أن هذا قرأ بعد أن فرغ الرسول - عليه السلام - من قراءة الفاتحة ، لأن ما متسع جدًّا أن نتصور لو كان الحديث صحيحًا أن الرسول لم يُحسن قراءة الفاتحة بسبب أن بعض المقتدين خلفه رفعوا أصواتهم بقراءتها والرسول يقرأ الفاتحة ، هذا نستبعده ، والأقرب أنه ... عليه قراءةَ الفاتحة قراءةً ... بعد الفاتحة .
وعلى كل حال سواء كان هذا أو ذاك فنحن نقول : إن هذا الحديث مُعلَّل بالعنعنة أو بالجهالة كما ذكرنا آنفًا ، ثم ليس فيه إيجاب قراءة الفاتحة وراء الإمام ؛ لأن النهي عن الشيء بصورة عامَّة ثم الأمر به أو ببعضه بصورة خاصة لا يعني وجوب هذا للمأمورين ، وإنما يعني جوازه ، كقوله - تعالى - : (( فإذا حللتم فاصطادوا )) ، الأمر هنا بالصيد لا يُفيد الوجوب ، والأمر هنا بقراءة الفاتحة لا يفيد الوجوب ؛ لأنه جاء بعد النهي ( فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ) ، وهذا على كل حال تكرار لما مضى ، من أجل خاطرك أنت لأنك جئت متأخِّرًا .
سائل آخر : جزاك الله خيرًا .
الشيخ : وإياك .
- رحلة النور - شريط : 11
- توقيت الفهرسة : 00:00:36
- نسخة مدققة إملائيًّا