حديث النبي في إطلاقه إزرار قميصه ، ما المقصود بالأزرار في الحديث ؟
A-
A=
A+
السائل : هناك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في إطلاقه إزراره - إزرار قميصه - ، هل المقصود الإزرار بكامل الأزارير عدة أزارير أم إزرار فقط ، ما المقصود بكلمة إزرار في الحديث ؟
الشيخ : أزرار - أخي - جمع زر .
السائل : نعم .
الشيخ : لكن هذا الحديث في فهمي أنا ليس من الأمور التعبديَّة ، وإذ الأمر كذلك فلا ينبغي الخوض فيه وفي معرفة تفاصيله ، والظاهر أن فكَّ الرسول - عليه السلام - لأزرار قميصه إنما كان من باب الترويح والشعور بشيء من حرارة الجوِّ خاصة في الحجاز هناك ، ففعل ذلك ، فليس هو من العبادات ، إنما هو من العاديات ، وفي الأمور العادية المسلم مخيَّر كل الخيرة أن يفعل منها ما شاء وأن يدع منها ما يشاء ؛ مثلًا من الثابت أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يكره أكل لحم الضَّبِّ ، وقصَّته مع خالد بن الوليد لمَّا رآه يأكل بشراهة غريبة ، ونظر إليه متعجِّبًا حتى ظنَّ خالد - رضي الله عنه - أن في هذا الأكل شيء ، فقال : أحرام هو يا رسول الله ؟ قال : ( لا ، ولكنه لم يكن بأرض قومي ، فأجد نفسي تعافُه ) ، الآن نفس الرسول - صلى الله عليه وسلم - عافَتْ أكل لحم الضَّبِّ ؛ فهل يصبح حرامًا ؟ الجواب : لا ، وعلى العكس من ذلك أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يحبُّ العسل ، فإذا كان بعض الناس وأنا أعرف منهم مَن يكره أن يسمع اسم العسل ؛ فضلًا عن أن يلحسَه وأن يأكلَه ، في بلادنا السورية نبات أخضر يُسمَّى الملوخية معروف عندكم منه ؟
السائل : نعم .
الشيخ : هذه الملوخيَّة بعض النساء يحسِنَّ طبخها وبعضهنَّ لا ، ومن هذا النوع الثاني إذا أخذْتَ يعني بعضًا من هذه الطبخة التي لم يُحسَنْ طبخها تصير تنزّ كما لو كان لعابًا ، هذا يُضرب المثل ببعض الناس عندنا في سوريا يكره أن يسمع هذا الاسم ، ويتندَّر الناس معه أن يسمعوه هذا الاسم ليهرب بعيدًا عنهم ، وأناس آخرين يأكلونه ويجدونه طعامًا وطبيخًا جيِّدًا ، فبعضهم في العسل هذا شأنهم كالملوخية بالنسبة لبعض الآخر ؛ فهل نقول هذا الذي لا يحبُّ العسل خالف السنة ؟ لا ، هذه أمور جبليَّة لا تتعلق بالشريعة الإسلامية ، من أحبَّ العسل فهو مباح ، ومن لم يحب فما ترك مستحبًّا ، كذلك فيما يتعلَّق ببعض الألبسة ، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يفكُّ أزرار قميصه ، وكان له نعلان لهما قبالان ، فإذا لبس اللابس اليوم بعض الأحذية المعروفة والتي ... تستر مقدِّمة القدم كله وليس هناك سِيرين ؛ ما نقول أنُّو هذا خالف السنة ؛ لأنَّ هذا لباس يتعلَّق بالعادة ، بل هناك ما هو أدقُّ في المسألة ، كان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يربِّي شعره حتى يبلغ شحمتي الأذنين ، فإن طال فإلى رؤوس المنكبين ، ودخل مكة وله أربع غدائر ، وهذا ثابت في " صحيح مسلم " ، فلا يقول فقيه بأن إطالة الشعر سنَّة مستحبَّة ؛ يعني عبادة ، أو أن حلق الشعر هو عبادة إلا في الحجِّ طبعًا وليس كلامنا هنا ، بل صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه نهى عن القزع ، وقال : ( احلقوه كلَّه أو اتركوه كلَّه ) ، فإذًا حلقه كله كتركه كله ، سواء إن شاء فعل هذا وإن شاء فعل هذا ، فما الذي يربِّي شعره وينمِّيه بأفضل من الذي يحلقه ويرميه ؛ كلاهما سواء ، كلاهما فعل أمرًا مباحًا مستوي الطرفين ، فمن حلق شعره مثلًا وادَّعى في ذلك أنه يتَّبع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو مغالٍ ؛ لأن هذه من سنن العادة وليست من سنن العبادة ، وعلى العكس تمامًا ؛ من ربَّى شعره وادَّعى أن هذا أفضل فهو كالأول ادَّعى ما ليس له ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( احلقوه كله أو اتركوه كله ) ، كذلك من ربَّى شعره بحكم العادة وجعل منه ظفائر وغدائر ، وهذه عادة لا تزال موجودة في بعض البوادي في سورية وغيرها ، فمن ربَّى شعره واتخذ منها أربع غدائر ما يكون أفضل من الذي سدلَ شعره ولم يتَّخذ منه غدائر ؛ كلاهما سواء ، وكلاهما يأتون بعادة لا يُحمد عليها ولا يذمُّ ، إنما يأتي الذَّمُّ فيما إذا قصد بالعادة ما لم يقصِدْه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وهنا في ظنِّي - زادك الله من فضله ، بس - هنا يأتي التنبيه الواجب ؛ وهو أنه إذا عرف المسلم عادةً من عادات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فليس له أن يغالي فيها إما سلبًا أو إيجابًا ؛ فيقول يُستحب فعله ما دام أن الرسول - عليه السلام - فعله ، أو لا يُستحب ، ولا يجوز فعله وإن كان الرسول فعله ، كلٌّ منهما مغالٍ ، المغالاة بالنسبة لمن يدَّعي الاستحباب يأتي من جهة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قصد الاستحباب ، ولا قصد التقرُّب بها الى الله - تبارك وتعالى - ، والذي يقول لا يجوز الفعل يقول ويحرِّم ما فعله الرسول ؛ وهذا لا يجوز بداهةً إلا ان يكون هناك دليل ، وهذا فيما يتعلق بالأمور العاديات أمر نادر جدًّا ؛ كمثل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوَّج بأكثر من أربعة من النساء ، فلا يجوز للمسلم أن يقول هذا يجوز فعله ؛ لأنها من خصوصيات الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، لكن يمكن أن يقول أن الأفضل أن يثنِّي أن يتزوَّج الثانية أو الثالثة أو الرابعة لما هناك من أدلة تنصُّ على أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حضَّ المسلم أن يتزوَّجَ الولود الولود ، وعلَّل ذلك - عليه الصلاة والسلام - بقوله : ( فإني مباهٍ بكم الأممَ يوم القيامة ) ؛ ( تزوَّجوا الولود الودود ؛ فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة ) .
الشاهد أن أفعال النبيِّ قسمان : قسم قصد به التقرُّب إلى الله فهي قربى ، وقسم فعله بحكم العادة أو الجبلَّة فهي ليست قربة ، والتقرب إلى الله بهذا النوع يكون بدعة في الدين ؛ مثلًا : هناك ناس في بعض البلاد العربية يبالغون في الحضِّ على اتخاذ العمامة ، ولا سيما العمامة التركية التي هي عبارة عن تكوير الثوب الأبيض الذي يسمَّى في بعض البلاد بالشاش كورات عديدة على القلنسوة ؛ فهذا عادة وليس بعبادة ، والغُفرة هذه التي تستعملونها في هذه البلاد من حيث اللغة العربية هي العمامة ؛ لأنها تعمُّ الرأس وتغطِّي الرأس ، وهذه عادة وليست بعبادة ، فسواءٌ كان الرجل يضع على رأسه العمامة مباشرةً ليس تحتها قَلنسوة ، أو وضعها على القلنسوة ، أو وضع القلنسوة دون عمامة ؛ كلُّ ذلك من العاديات ، لا فرق بين هذه الصورة وهذه الصورة والصورة الأخرى ، يعني هناك ثلاث صور هذي واحدة ، والثانية ما تفعلونه ، والثالثة العمامة على الرأس مباشرة ، لا يقال في شيء من هذه الأشياء أن المستحبَّ كذا ، المستحب هو ما يصلح لهذا الإنسان في الحرِّ والقرِّ ، وقد يمشي حافي الرأي أحيانًا ، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في " صحيح مسلم " : أنه خرج ذات يومٍ من بيته مسرعًا وليس على رأسه شيء " ، فهذه كلها تدخل في دائرة العاديات وليس في قسم العبادات ، فيكون من الغلوِّ في الدين أن نتقرَّب إلى الله بما لم يتقرَّب إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وهذا يجب أن يكون منَّا على ذكرٍ ؛ حتى لا نقع في مثل هذا الغلو الذي يقوله بعض العلماء ؛ كمثل الحديث الضعيف : ( صلاة بعمامة تفضل سبعين صلاة بغير عمامة ) .
ومن آثار هذا الغلوِّ في بعض البلاد كسورية - مثلًا - قد غلبَ عليهم عادة الكفار ؛ أن يمشوا في الطرقات حُسَّرًا ليس على رؤوسهم شيء ، فإذا دخل المسجد وصلى أخرج منديلًا من جيبه وعقده على رأسه ، هذه يعني أشبه ما يكون بطقوس النصارى ؛ لأنهم إذا دخلوا الكنيسة دخلوها بأزياء خاصَّة بهم - زعموا - ، والمسلم يصلِّي في نفس الثياب التي ينبغي أن يتزيَّن بها وأن يخرج بها ، وليس له ثوب من أجل الصلاة وثوب من أجل خارج الصلاة ، لكن الاحاديث الضعيفة تعمل عملَها في صفوف الناس ، فتُوحي إليهم بالإتيان بأعمال ليس لها أصل في السنة ، فالعمامة عادة وليست عبادة ؛ سواء صلى بها أو صلى دونها ؛ لأن الرسول - عليه السلام - كان تارةً يتعمَّم وتارةً لا يتعمَّم ، لباس هذا ، وعلى ذلك فلا ينبغي التقرُّب إلى الله بإطالة الشعر ، من رأى أن مصلحة جسده وإقليمه الذي يعيش فيه أن يُحافظ على شعره ليدفعَ عن رأسه شرَّ الحرِّ والقرِّ فله ذلك ، أما أن يفعل ذلك اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فليس هذا من أمور العبادات حتى يقتديَ به - عليه الصلاة والسلام - ، وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين .
الحاضرون : جزاك الله خير .
الشيخ : أزرار - أخي - جمع زر .
السائل : نعم .
الشيخ : لكن هذا الحديث في فهمي أنا ليس من الأمور التعبديَّة ، وإذ الأمر كذلك فلا ينبغي الخوض فيه وفي معرفة تفاصيله ، والظاهر أن فكَّ الرسول - عليه السلام - لأزرار قميصه إنما كان من باب الترويح والشعور بشيء من حرارة الجوِّ خاصة في الحجاز هناك ، ففعل ذلك ، فليس هو من العبادات ، إنما هو من العاديات ، وفي الأمور العادية المسلم مخيَّر كل الخيرة أن يفعل منها ما شاء وأن يدع منها ما يشاء ؛ مثلًا من الثابت أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يكره أكل لحم الضَّبِّ ، وقصَّته مع خالد بن الوليد لمَّا رآه يأكل بشراهة غريبة ، ونظر إليه متعجِّبًا حتى ظنَّ خالد - رضي الله عنه - أن في هذا الأكل شيء ، فقال : أحرام هو يا رسول الله ؟ قال : ( لا ، ولكنه لم يكن بأرض قومي ، فأجد نفسي تعافُه ) ، الآن نفس الرسول - صلى الله عليه وسلم - عافَتْ أكل لحم الضَّبِّ ؛ فهل يصبح حرامًا ؟ الجواب : لا ، وعلى العكس من ذلك أنه - عليه الصلاة والسلام - كان يحبُّ العسل ، فإذا كان بعض الناس وأنا أعرف منهم مَن يكره أن يسمع اسم العسل ؛ فضلًا عن أن يلحسَه وأن يأكلَه ، في بلادنا السورية نبات أخضر يُسمَّى الملوخية معروف عندكم منه ؟
السائل : نعم .
الشيخ : هذه الملوخيَّة بعض النساء يحسِنَّ طبخها وبعضهنَّ لا ، ومن هذا النوع الثاني إذا أخذْتَ يعني بعضًا من هذه الطبخة التي لم يُحسَنْ طبخها تصير تنزّ كما لو كان لعابًا ، هذا يُضرب المثل ببعض الناس عندنا في سوريا يكره أن يسمع هذا الاسم ، ويتندَّر الناس معه أن يسمعوه هذا الاسم ليهرب بعيدًا عنهم ، وأناس آخرين يأكلونه ويجدونه طعامًا وطبيخًا جيِّدًا ، فبعضهم في العسل هذا شأنهم كالملوخية بالنسبة لبعض الآخر ؛ فهل نقول هذا الذي لا يحبُّ العسل خالف السنة ؟ لا ، هذه أمور جبليَّة لا تتعلق بالشريعة الإسلامية ، من أحبَّ العسل فهو مباح ، ومن لم يحب فما ترك مستحبًّا ، كذلك فيما يتعلَّق ببعض الألبسة ، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يفكُّ أزرار قميصه ، وكان له نعلان لهما قبالان ، فإذا لبس اللابس اليوم بعض الأحذية المعروفة والتي ... تستر مقدِّمة القدم كله وليس هناك سِيرين ؛ ما نقول أنُّو هذا خالف السنة ؛ لأنَّ هذا لباس يتعلَّق بالعادة ، بل هناك ما هو أدقُّ في المسألة ، كان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يربِّي شعره حتى يبلغ شحمتي الأذنين ، فإن طال فإلى رؤوس المنكبين ، ودخل مكة وله أربع غدائر ، وهذا ثابت في " صحيح مسلم " ، فلا يقول فقيه بأن إطالة الشعر سنَّة مستحبَّة ؛ يعني عبادة ، أو أن حلق الشعر هو عبادة إلا في الحجِّ طبعًا وليس كلامنا هنا ، بل صح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه نهى عن القزع ، وقال : ( احلقوه كلَّه أو اتركوه كلَّه ) ، فإذًا حلقه كله كتركه كله ، سواء إن شاء فعل هذا وإن شاء فعل هذا ، فما الذي يربِّي شعره وينمِّيه بأفضل من الذي يحلقه ويرميه ؛ كلاهما سواء ، كلاهما فعل أمرًا مباحًا مستوي الطرفين ، فمن حلق شعره مثلًا وادَّعى في ذلك أنه يتَّبع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهو مغالٍ ؛ لأن هذه من سنن العادة وليست من سنن العبادة ، وعلى العكس تمامًا ؛ من ربَّى شعره وادَّعى أن هذا أفضل فهو كالأول ادَّعى ما ليس له ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( احلقوه كله أو اتركوه كله ) ، كذلك من ربَّى شعره بحكم العادة وجعل منه ظفائر وغدائر ، وهذه عادة لا تزال موجودة في بعض البوادي في سورية وغيرها ، فمن ربَّى شعره واتخذ منها أربع غدائر ما يكون أفضل من الذي سدلَ شعره ولم يتَّخذ منه غدائر ؛ كلاهما سواء ، وكلاهما يأتون بعادة لا يُحمد عليها ولا يذمُّ ، إنما يأتي الذَّمُّ فيما إذا قصد بالعادة ما لم يقصِدْه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - .
وهنا في ظنِّي - زادك الله من فضله ، بس - هنا يأتي التنبيه الواجب ؛ وهو أنه إذا عرف المسلم عادةً من عادات النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فليس له أن يغالي فيها إما سلبًا أو إيجابًا ؛ فيقول يُستحب فعله ما دام أن الرسول - عليه السلام - فعله ، أو لا يُستحب ، ولا يجوز فعله وإن كان الرسول فعله ، كلٌّ منهما مغالٍ ، المغالاة بالنسبة لمن يدَّعي الاستحباب يأتي من جهة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قصد الاستحباب ، ولا قصد التقرُّب بها الى الله - تبارك وتعالى - ، والذي يقول لا يجوز الفعل يقول ويحرِّم ما فعله الرسول ؛ وهذا لا يجوز بداهةً إلا ان يكون هناك دليل ، وهذا فيما يتعلق بالأمور العاديات أمر نادر جدًّا ؛ كمثل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تزوَّج بأكثر من أربعة من النساء ، فلا يجوز للمسلم أن يقول هذا يجوز فعله ؛ لأنها من خصوصيات الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، لكن يمكن أن يقول أن الأفضل أن يثنِّي أن يتزوَّج الثانية أو الثالثة أو الرابعة لما هناك من أدلة تنصُّ على أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حضَّ المسلم أن يتزوَّجَ الولود الولود ، وعلَّل ذلك - عليه الصلاة والسلام - بقوله : ( فإني مباهٍ بكم الأممَ يوم القيامة ) ؛ ( تزوَّجوا الولود الودود ؛ فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة ) .
الشاهد أن أفعال النبيِّ قسمان : قسم قصد به التقرُّب إلى الله فهي قربى ، وقسم فعله بحكم العادة أو الجبلَّة فهي ليست قربة ، والتقرب إلى الله بهذا النوع يكون بدعة في الدين ؛ مثلًا : هناك ناس في بعض البلاد العربية يبالغون في الحضِّ على اتخاذ العمامة ، ولا سيما العمامة التركية التي هي عبارة عن تكوير الثوب الأبيض الذي يسمَّى في بعض البلاد بالشاش كورات عديدة على القلنسوة ؛ فهذا عادة وليس بعبادة ، والغُفرة هذه التي تستعملونها في هذه البلاد من حيث اللغة العربية هي العمامة ؛ لأنها تعمُّ الرأس وتغطِّي الرأس ، وهذه عادة وليست بعبادة ، فسواءٌ كان الرجل يضع على رأسه العمامة مباشرةً ليس تحتها قَلنسوة ، أو وضعها على القلنسوة ، أو وضع القلنسوة دون عمامة ؛ كلُّ ذلك من العاديات ، لا فرق بين هذه الصورة وهذه الصورة والصورة الأخرى ، يعني هناك ثلاث صور هذي واحدة ، والثانية ما تفعلونه ، والثالثة العمامة على الرأس مباشرة ، لا يقال في شيء من هذه الأشياء أن المستحبَّ كذا ، المستحب هو ما يصلح لهذا الإنسان في الحرِّ والقرِّ ، وقد يمشي حافي الرأي أحيانًا ، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في " صحيح مسلم " : أنه خرج ذات يومٍ من بيته مسرعًا وليس على رأسه شيء " ، فهذه كلها تدخل في دائرة العاديات وليس في قسم العبادات ، فيكون من الغلوِّ في الدين أن نتقرَّب إلى الله بما لم يتقرَّب إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وهذا يجب أن يكون منَّا على ذكرٍ ؛ حتى لا نقع في مثل هذا الغلو الذي يقوله بعض العلماء ؛ كمثل الحديث الضعيف : ( صلاة بعمامة تفضل سبعين صلاة بغير عمامة ) .
ومن آثار هذا الغلوِّ في بعض البلاد كسورية - مثلًا - قد غلبَ عليهم عادة الكفار ؛ أن يمشوا في الطرقات حُسَّرًا ليس على رؤوسهم شيء ، فإذا دخل المسجد وصلى أخرج منديلًا من جيبه وعقده على رأسه ، هذه يعني أشبه ما يكون بطقوس النصارى ؛ لأنهم إذا دخلوا الكنيسة دخلوها بأزياء خاصَّة بهم - زعموا - ، والمسلم يصلِّي في نفس الثياب التي ينبغي أن يتزيَّن بها وأن يخرج بها ، وليس له ثوب من أجل الصلاة وثوب من أجل خارج الصلاة ، لكن الاحاديث الضعيفة تعمل عملَها في صفوف الناس ، فتُوحي إليهم بالإتيان بأعمال ليس لها أصل في السنة ، فالعمامة عادة وليست عبادة ؛ سواء صلى بها أو صلى دونها ؛ لأن الرسول - عليه السلام - كان تارةً يتعمَّم وتارةً لا يتعمَّم ، لباس هذا ، وعلى ذلك فلا ينبغي التقرُّب إلى الله بإطالة الشعر ، من رأى أن مصلحة جسده وإقليمه الذي يعيش فيه أن يُحافظ على شعره ليدفعَ عن رأسه شرَّ الحرِّ والقرِّ فله ذلك ، أما أن يفعل ذلك اقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فليس هذا من أمور العبادات حتى يقتديَ به - عليه الصلاة والسلام - ، وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين .
الحاضرون : جزاك الله خير .
- رحلة النور - شريط : 8
- توقيت الفهرسة : 00:17:50
- نسخة مدققة إملائيًّا