(( يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ )) ما حكم تغطية الوجه ؟
A-
A=
A+
السائل : يا شيخ ، (( يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ )) ، ما حكم الوجه ؟
الشيخ : هذا في الأمس القريب جرى البحث فيه ، ويبدو أن الأمر يتطلَّب التكرار ، المشهور في بلادكم تفسير يدنين يغطِّين ، وهذا خطأ واضح ، وقد أجرينا تجربة بالأمس مع بعض الحاضرين ، وقلنا له : قم ، وهذا هو جلباب العباءة - مثلًا - التي أنت تتعبَّأ بها ، ألقها على رأسك ، قام وألقى العباءة على رأسه ، طيِّب ؛ غطِّ وجهك غطَّى وجهه بالعباءة ، قلت له : امشِ . قال : لا أستطيع . قلت : إذًا كيف تفرضوه على النساء شيئًا أنتم لا تستطيعونه وأنتم الرجال ؟ فكيف تفهمون يدنين بمعنى يغطِّين ، الإدناء هو التقريب ، وهو واضح جدًّا من معرفة ما كان عليه العرب في الجاهلية ، أو بالأحرى نساؤهنَّ ؛ كنَّ إذا خرجن وضعن كما تفعل بعض العراقيات إذا رأيتموهنَّ ، تضع الجلباب هكذا الصَّدر مبيِّن ، كذلك كنَّ في الجاهلية ، فقال الله - عز وجل - : (( يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ )) ، إذا فهمنا يدنين يغطِّين لا مجال للتغطية إطلاقًا ، لكن ما قال ربنا إلَّا يدنين ، الإدناء يكون هكذا ، هذا الإدناء مُطلق غير مقيَّد ، وهنا يأتي البيان في السنة ، ونحن نقرأ في كتب التفسير روايتين اثنتين ، إحداهما ضعيفة ، وهي رواية ابن عباس أنَّ ذَكَرَ هذه الآية قال : (( يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ )) وفعل بالعباءة هكذا ؛ أي خبَّأ عين واحدة ، وهذا أمر طبيعي جدًّا وهو ينافي تغطية الوجه ، أو بعبارة أوضح ينافي تفسير الإدناء بالتغطية ، وبخاصَّة حينما تُذكر هنا بعض الكلمات أنا أعتبرها فلسفة لا ينبغي أن تُذكر في الأحكام الشرعية ؛ لأنها ستُقابل بفلسفة أخرى ؛ وهي يقولون : بأن أجمل ما في المرأة وجهها ، وهذا ظاهر ، لكن لماذا نُدخل هذه الفلسفة في مسألة تعبديَّة شرعيَّة محضة لا مجال لإدخال لعقل فيها ، إن كان هناك نصٌّ يأمر المرأة بأن تغطِّي وجهها اتَّبعناه ، وإلا لا نتفلسف ؛ لأن هذه الفلسفة ستُقابل بمثلها ، وقد قلت فعلًا إذا كان أجمل ما في المرأة وجهها ؛ فما أجمل ما في الوجه من المرأة ؟ فيكون الجواب عيناها ، فإذًا إذا كانت الفلسفة الأولى تعني أنه يجب على المرأة أن تغطِّي وجهها لأن هذا الوجه هو أجمل ما في المرأة ؛ فإذًا يجب عليها - أيضًا - أن تغطِّي عينَيها مع الوجه ؛ لأنَّ العينين أجمل ما في الوجه ، وهذا لا قائل به إطلاقًا .
بعض الناس ممن لا يعرفون الأدلة الواردة في هذا الخصوص يلجأ للخلاص من هذا الإيراد بأن يفرض شيئًا لم يكن معهودًا في ذلك الزمن ؛ وهو أن تضع - مثلًا - نظَّارة معتمة ، فلا يبدو عيناها ، وفي الوقت نفسه ترى طريقها ، أو تضع منديلًا - كما هو معروف اليوم - تُسدله على وجهها وليس يكون كثيفًا يكون شفَّافًا بعض الشيء ؛ بحيث أنها ترى الطريق ولا يُرى وجهها ، وهذا المنديل لم يكن في ذلك الزمن - أيضًا - ، كلُّ ما كان إنما هو النقاب ، ولا يزال النقاب معروف حتى اليوم ، وقد ذكره الرسول - عليه السلام - في الحديث الصحيح حين قال : ( لا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفازين ) ، فمفهوم الحديث بأنَّ غير المحرمة تنتقب وتلبس القفَّازين ، وهذا يعني أن هذا كان موجودًا في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وهذا معروف ، ولكن تفسير (( يدنين )) بتغطية الوجه وفيهما العينان هذا لا يمكن أن يقول به إنسان يتنبَّه لما يلزم من قوله هو ، لهذا قلت : رُوي أثران ؛ أحدهما عن ابن عباس - وهو ضعيف - بأنها تكشف عن عين واحدة ، في أثر ثاني عن عبيدة السلماني وهو تابعي ، تلا هذه الآية فوصفَ عملية الحجاب ، فكشف عن عينيه كليهما ، فإذًا أين التغطية التي بها تُفسَّر الآية ؟ لم يبقَ هناك تغطية كاملة ، وإنما تغطية ناقصة ؛ أي : تغطية ما عدا الوجهين إذا وقفنا عند هذين الأثرين ؛ الأثر الأول عن ابن عباس ، ولو صح لَكان حجَّة ؛ لأنه ترجمان القرآن ، كما شهد له عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه - ، لكن السند إليه ضعيف فيه انقطاع ، وفيه ضعف .
السائل : ... .
الشيخ : نعم ؟
السائل : كما شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
الشيخ : كما إيش ؟
السائل : شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
الشيخ : بأيش ؟
سائل آخر : لابن عباس .
الشيخ : بماذا ؟
السائل : بأنه ترجمان القرآن .
الشيخ : لأ ، ترجمان القرآن ما جاء عن الرسول ، الذي جاء عن الرسول الدعاء له بأن يفقِّهه في الدين ويعلمه التأويل ، أما شهد له بأنه ترجمان القرآن ؛ فهذا ليس عن الرسول - عليه السلام - ، إنما هو عن ابن مسعود ، فلم يصحَّ هذا الأثر عن ابن عباس .
أما الأمر الثاني فهو صحيح عن عبيدة هذا ، ولكن لو كان مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن فيه حجَّة ؛ لأنه يكون مرسلًا ، فكيف وهو موقوف عليه ؟ أي : هو مقطوع باصطلاح علماء الحديث .
المهم أنه لم يأتِ تفسير للآية الكريمة (( يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ )) عن السلف بوجوب ستر الوجه ، ولا يمكن هذا كما وصفنا آنفًا بأنه يستلزم ستر العينين - أيضًا - ، ولا يمكن ذلك للمرأة إذا ما خرجت إلى السوق تريد أن تقضي حاجة تشتري بضاعة ونحو ذلك ، بل قد ثبت عن ابن عباس وعن ابن عمر وغيرهما من السلف أن قوله - تعالى - : (( ولا يبدين زينتهنَّ إلا ما ظهر منها )) قال : " هو الوجه والكفَّان " ، فرجع الأمر إلى أن ترجمان القرآن لا يرى ولا يفهم من الآية آية الجلباب أن الوجه عورة ، بل يرى أن ذلك مُستثنى من عورة المرأة ، وعلى هذا أكثر العلماء من الفقهاء المعروفين المشهورين .
خلاصة القول : الذي قرَّرته قديمًا وحديثًا أن ستر المرأة لوجهها هو الأشرف والأفضل لها ، وبخاصَّة إذا كان زمن الفاتنة كما هو الواقع الآن ، أما أن نقول يحرم عليها ؛ فهذا لا دليل عليه في الشرع ، وحين ذاك يجب التورع عن إطلاق التحريم ، مَن شاءت من النساء أن تغطِّي وجهها وكفَّيها ؛ فذلك هو الأفضل لها ، ومن شاءت أن تترخَّص وتكشفَ عن وجهها فلها ذلك بشرط ألا تجمِّلَ وجهها بزينة اصطناعية .
الشيخ : هذا في الأمس القريب جرى البحث فيه ، ويبدو أن الأمر يتطلَّب التكرار ، المشهور في بلادكم تفسير يدنين يغطِّين ، وهذا خطأ واضح ، وقد أجرينا تجربة بالأمس مع بعض الحاضرين ، وقلنا له : قم ، وهذا هو جلباب العباءة - مثلًا - التي أنت تتعبَّأ بها ، ألقها على رأسك ، قام وألقى العباءة على رأسه ، طيِّب ؛ غطِّ وجهك غطَّى وجهه بالعباءة ، قلت له : امشِ . قال : لا أستطيع . قلت : إذًا كيف تفرضوه على النساء شيئًا أنتم لا تستطيعونه وأنتم الرجال ؟ فكيف تفهمون يدنين بمعنى يغطِّين ، الإدناء هو التقريب ، وهو واضح جدًّا من معرفة ما كان عليه العرب في الجاهلية ، أو بالأحرى نساؤهنَّ ؛ كنَّ إذا خرجن وضعن كما تفعل بعض العراقيات إذا رأيتموهنَّ ، تضع الجلباب هكذا الصَّدر مبيِّن ، كذلك كنَّ في الجاهلية ، فقال الله - عز وجل - : (( يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ )) ، إذا فهمنا يدنين يغطِّين لا مجال للتغطية إطلاقًا ، لكن ما قال ربنا إلَّا يدنين ، الإدناء يكون هكذا ، هذا الإدناء مُطلق غير مقيَّد ، وهنا يأتي البيان في السنة ، ونحن نقرأ في كتب التفسير روايتين اثنتين ، إحداهما ضعيفة ، وهي رواية ابن عباس أنَّ ذَكَرَ هذه الآية قال : (( يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ )) وفعل بالعباءة هكذا ؛ أي خبَّأ عين واحدة ، وهذا أمر طبيعي جدًّا وهو ينافي تغطية الوجه ، أو بعبارة أوضح ينافي تفسير الإدناء بالتغطية ، وبخاصَّة حينما تُذكر هنا بعض الكلمات أنا أعتبرها فلسفة لا ينبغي أن تُذكر في الأحكام الشرعية ؛ لأنها ستُقابل بفلسفة أخرى ؛ وهي يقولون : بأن أجمل ما في المرأة وجهها ، وهذا ظاهر ، لكن لماذا نُدخل هذه الفلسفة في مسألة تعبديَّة شرعيَّة محضة لا مجال لإدخال لعقل فيها ، إن كان هناك نصٌّ يأمر المرأة بأن تغطِّي وجهها اتَّبعناه ، وإلا لا نتفلسف ؛ لأن هذه الفلسفة ستُقابل بمثلها ، وقد قلت فعلًا إذا كان أجمل ما في المرأة وجهها ؛ فما أجمل ما في الوجه من المرأة ؟ فيكون الجواب عيناها ، فإذًا إذا كانت الفلسفة الأولى تعني أنه يجب على المرأة أن تغطِّي وجهها لأن هذا الوجه هو أجمل ما في المرأة ؛ فإذًا يجب عليها - أيضًا - أن تغطِّي عينَيها مع الوجه ؛ لأنَّ العينين أجمل ما في الوجه ، وهذا لا قائل به إطلاقًا .
بعض الناس ممن لا يعرفون الأدلة الواردة في هذا الخصوص يلجأ للخلاص من هذا الإيراد بأن يفرض شيئًا لم يكن معهودًا في ذلك الزمن ؛ وهو أن تضع - مثلًا - نظَّارة معتمة ، فلا يبدو عيناها ، وفي الوقت نفسه ترى طريقها ، أو تضع منديلًا - كما هو معروف اليوم - تُسدله على وجهها وليس يكون كثيفًا يكون شفَّافًا بعض الشيء ؛ بحيث أنها ترى الطريق ولا يُرى وجهها ، وهذا المنديل لم يكن في ذلك الزمن - أيضًا - ، كلُّ ما كان إنما هو النقاب ، ولا يزال النقاب معروف حتى اليوم ، وقد ذكره الرسول - عليه السلام - في الحديث الصحيح حين قال : ( لا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفازين ) ، فمفهوم الحديث بأنَّ غير المحرمة تنتقب وتلبس القفَّازين ، وهذا يعني أن هذا كان موجودًا في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وهذا معروف ، ولكن تفسير (( يدنين )) بتغطية الوجه وفيهما العينان هذا لا يمكن أن يقول به إنسان يتنبَّه لما يلزم من قوله هو ، لهذا قلت : رُوي أثران ؛ أحدهما عن ابن عباس - وهو ضعيف - بأنها تكشف عن عين واحدة ، في أثر ثاني عن عبيدة السلماني وهو تابعي ، تلا هذه الآية فوصفَ عملية الحجاب ، فكشف عن عينيه كليهما ، فإذًا أين التغطية التي بها تُفسَّر الآية ؟ لم يبقَ هناك تغطية كاملة ، وإنما تغطية ناقصة ؛ أي : تغطية ما عدا الوجهين إذا وقفنا عند هذين الأثرين ؛ الأثر الأول عن ابن عباس ، ولو صح لَكان حجَّة ؛ لأنه ترجمان القرآن ، كما شهد له عبد الله ابن مسعود - رضي الله عنه - ، لكن السند إليه ضعيف فيه انقطاع ، وفيه ضعف .
السائل : ... .
الشيخ : نعم ؟
السائل : كما شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
الشيخ : كما إيش ؟
السائل : شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
الشيخ : بأيش ؟
سائل آخر : لابن عباس .
الشيخ : بماذا ؟
السائل : بأنه ترجمان القرآن .
الشيخ : لأ ، ترجمان القرآن ما جاء عن الرسول ، الذي جاء عن الرسول الدعاء له بأن يفقِّهه في الدين ويعلمه التأويل ، أما شهد له بأنه ترجمان القرآن ؛ فهذا ليس عن الرسول - عليه السلام - ، إنما هو عن ابن مسعود ، فلم يصحَّ هذا الأثر عن ابن عباس .
أما الأمر الثاني فهو صحيح عن عبيدة هذا ، ولكن لو كان مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يكن فيه حجَّة ؛ لأنه يكون مرسلًا ، فكيف وهو موقوف عليه ؟ أي : هو مقطوع باصطلاح علماء الحديث .
المهم أنه لم يأتِ تفسير للآية الكريمة (( يدنين عليهنَّ من جلابيبهنَّ )) عن السلف بوجوب ستر الوجه ، ولا يمكن هذا كما وصفنا آنفًا بأنه يستلزم ستر العينين - أيضًا - ، ولا يمكن ذلك للمرأة إذا ما خرجت إلى السوق تريد أن تقضي حاجة تشتري بضاعة ونحو ذلك ، بل قد ثبت عن ابن عباس وعن ابن عمر وغيرهما من السلف أن قوله - تعالى - : (( ولا يبدين زينتهنَّ إلا ما ظهر منها )) قال : " هو الوجه والكفَّان " ، فرجع الأمر إلى أن ترجمان القرآن لا يرى ولا يفهم من الآية آية الجلباب أن الوجه عورة ، بل يرى أن ذلك مُستثنى من عورة المرأة ، وعلى هذا أكثر العلماء من الفقهاء المعروفين المشهورين .
خلاصة القول : الذي قرَّرته قديمًا وحديثًا أن ستر المرأة لوجهها هو الأشرف والأفضل لها ، وبخاصَّة إذا كان زمن الفاتنة كما هو الواقع الآن ، أما أن نقول يحرم عليها ؛ فهذا لا دليل عليه في الشرع ، وحين ذاك يجب التورع عن إطلاق التحريم ، مَن شاءت من النساء أن تغطِّي وجهها وكفَّيها ؛ فذلك هو الأفضل لها ، ومن شاءت أن تترخَّص وتكشفَ عن وجهها فلها ذلك بشرط ألا تجمِّلَ وجهها بزينة اصطناعية .
- رحلة النور - شريط : 8
- توقيت الفهرسة : 00:06:52
- نسخة مدققة إملائيًّا