عند كل ختمة دعوة مستجابة ؛ ما التفصيل في هذا القول ؟
A-
A=
A+
السائل : بالنسبة لـ ... يا شيخ ، " عند كل ختمة دعوة مستجابة " .
الشيخ : ما بالها ؟
السائل : ... حديث : عند كل ختمة دعوة مستجابة ، هذا كان أنس كان يجمع أهله - رضي الله عنه - ويدعو عند كل ختمة ، فنرجو التفصيل في هذا ؟
الشيخ : ما يحضرني الآن شيء من التفصيل سوى أن الذي ذكرتَه عن أنس بن مالك هو ثابت ، وقد رواه الإمام الدارمي في آخر كتابه المعروف بـ " مسند الدارمي " ، والصحيح أنه " سنن الدارمي " ، ويكفي المتعدِّد أن يتمسَّك بهذا الأثر عن هذا الصحابي الجليل ، والذي كما ذكرنا في بعض المجالس أنه خدم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عشر سنين ، يكفي في أن يكون هذا الصحابي قدوة له في الدعاء عند ختم القرآن ، وفي أن يجمع أهله وذويه عندها ، فإذا صحَّ الحديث المذكور أو حَسُنَ ذلك نورٌ على نور ، أنا شخصيًّا الآن - كما قلت - لا أستحضر الآن رأيي في هذا الحديث المرفوع ، بخلاف ما ذكرته عن أنس فهو ثابت عنه ، وذلك كافي في أن يكون قدوةً لمن ختم القرآن .
السائل : ... الطرق يا شيخ ... يمكن الحديث : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا صالح ، عن ثابت البناني قال : " كان أنس بن مالك إذا أشفَى على ختم القرآن بالليل بقَّى منه شيئًا حتى يصبحَ ، فيجمع أهله ، فيختمه معهم " .
وأيضًا حديث : حدَّثنا محمد بن سعيد ، حدثنا عبد السلام ، عن يزيد بن عبد الرحمن ، عن طلحة وعبد الرحمن بن الأسود قالا : " من قرأ القرآن ليلًا أو نهارًا صلَّت عليه الملائكة إلى الليل " ، وقال الآخر : " غفر له " ، وحدثنا عمرو بن حماد .
الشيخ : هذا إيش علاقته بالموضوع ؟
السائل : ... لدعاء ختم القرآن الوارد في " سنن الدارمي " في مجلد واحد .
الشيخ : معليش ، لكن هذا ليس له علاقة بالـ .
السائل : ختم القرآن نعم ، حدثنا محمد بن خميس ، حدثنا هارون ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن طلحة بن مصرف ، عن المصعب بن سعد ، عن سعد قال : " إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلَّت عليه الملائكة حتى يصبح ، وإن وافق ختمه آخر الليل صلَّت عليه الملائكة حتى يمسي ، وربما بقي على أحدنا الشيء فيؤخِّره حتى يمسي أو يصبح " . قال أبو محمد : هذا حسنٌ عن سعد .
وحدثنا المغيرة ، حدثنا الأوزاعي ، عن عبدة قال : " إذا ختم الرجل القرآن بنهارٍ صلَّت عليه الملائكة " .
حدثنا سعيد بن الربيع ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد قال : بعث إليَّ قال : " إنما دعوناك أنَّا أردنا أن نختم القرآن ، وأنه بلغنا أن الدعاء يُستجاب عند ختم القرآن " ، قال : فدَعَوَا بدعوات .
الشيخ : نعم ، إيش المقصود بها ؟
السائل : قال : بلغنا أن الدعاء مستجاب عند ختم القرآن .
الشيخ : طيب .
سائل آخر : وهو يسأل عن صحة الطرق هذه .
الشيخ : لا يمكن الحكم عليها بهذه السرعة ، يجب الرجوع الى كتب الرجال ، ولهذا ما ينبغي التسرُّع في إصدار الأحكام ، فقد يكون أحد الرواه مُتكلَّم فيه ، ولا يُستحضر أن الحق الذي وصل إليه الناقد ، المهم أن أصل الموضوع ثابت عن أنس بصورة خاصة ، أما أن الدعاء مُستجاب عند ختم القرآن مرفوع إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - فيمكن أن يكون قد خرَّجته سابقًا ، لكن لا أستحضر الآن الحكم الذي كنت انتهيت إليه .
نعم .
السائل : تكملة لهذه المسألة ؛ هل جاء شيئًا في حفظ القرآن بمناسبة أو احتفال أو عمل وليمة ؟
الشيخ : هل جاء شيء في إيش ؟
السائل : في عمل وليمة لحفظ القرآن ؟
الشيخ : لا ، ما جاء شيء من ذلك ، وما يفعلونه اليوم يغلب إلحاقه بالبدع لالتزامهم إياها ، ولأنها ليست من الأمور العادية المحضة ، إنما هي أقرب إلى كونها عبادة ، وكل عبادة - كما رُوي عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - - : " كلُّ عبادة لم يتعبَّدها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تتعبَّدوها " ، والآثار في هذا المعنى كثيرة وكثيرة جدًّا ، ومن أصحِّها ما قاله عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : " اقتصاد في سنَّة خير من اجتهاد في بدعة " ، على أنه يُضم ويُضاف إلى هذا الاحتفال لختم القرآن أن يكون سببًا لتطبيع المُحتفَل به أو بهم تطبيعهم على حبِّ الظهور ، وقديمًا قيل : " حبُّ الظهور يقطع الظهور " ، وتعويد الناس أن لا يقوموا لعبادة ما كحفظ القرآن لوجه الله - عز وجل - ، وإنما للصِّيت والسمعة الحسنة ، وهذا بلا شك مُحبط للأعمال الصالحة كما هو ثابت في الكتاب والسنة ؛ من أن العمل الصالح من شروطه أن يكون خالصًا لله - تبارك وتعالى - (( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا )) ، العمل الصالح هو ما كان موافقًا للسنة ، والإشراك بالله في هذا العمل هو أن يبتغي به غير وجه الله - تبارك وتعالى - ، وفي هذه الاحتفالات تجتمع المصيبتان ؛ أولًا : أن هذا الاحتفال ليس على وجه السنة ، وثانيًا : لا يكون - غالبًا والله أعلم - خالصًا لوجه الله - تبارك وتعالى - . هذا ما يمكن أن يُقال .
السائل : في مناسبة الولائم ذُكر في بعض الكتب أن هناك كان معروفًا لديهم ، وعدَّدَ قرابة العشر ولائم ، وذكر منها النزول في المنزل الجديد ، ووليمة العرس ، ووليمة الضيف ، ووليمة حفظ القرآن من هذه الولائم ؛ تذكر شيء في هذا القول ؟
الشيخ : أما وليمة العرس فأمرٌ مقطوعٌ به ( أولِمْ ولو بشاة ) ، و ( أعلنوا هذا النكاح ، واضربوا عليهم الدُّفَّ ) ، أما المنزل الجديد فأنا لا أعلم شيئًا في السنة إطلاقًا بأن من نزل في منزل جديد يحتفل بذلك ، فمن يدَّعي مثل هذه الدَّعاوى أريحوا أنفسكم منها بشيئين اثنين :
الشيء الأول : أن تقولوا بلسان حالكم أو بلسان قالكم (( هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )) .
والشيء الآخر : أن لا تتَّبعوا مجرَّد هذه الأقوال دون عزوٍ إلى مصدر موثوق من كتب السنة أو من كتب الفقه المعروفة لعلماء الفقه وعلماء المذاهب من الأئمة الأولين ، وليس من المقلِّدين الآخرين ؛ لأن المقلدين ليسوا من المجتهدين ، فقد يقولون أقوالًا باجتهاد منهم وهم قد برَّؤوا أنفسهم من أن يكونوا مجتهدين ، فلا يقبل منهم ما يجتهدون فيه ويأتون بأقوال لم يقلها أئمَّتهم ، وبخاصة في مسائل من المفروض أن تكون وقعت بالقرون الأولى بأنَّها ليست حادثة كبعض الأمور التي تحدث اليوم ، كالاحتفال - مثلًا - بالنزول في المنزل الجديد ؛ هذا أمر يتكرَّر ، وبخاصة في ذلك الزمان الذين كان يغلب على كثير من الناس أن يرحلوا في طلب العشب ، وينتقلون من منزل إلى منزل ، فأين كان مثل هذا الاحتفال ؟ والاحتفال في بناء المنازل التي نحن بُلينا في آخر الزمان فهي بلوى مضاعفة ، أولًا أننا نبني أكثر مما نحتاج ، ثم نُضيف إلى ذلك بدعةً جديدة سمعناها ؛ وهي الاحتفال بهذا البناء .
أنا أعتقد أن المسلمين في هذا الزمان إذا نجوا من مسؤولية المؤاخذة في رفع البنيان فذلك لطف من الله لعباده ؛ لأن هذا قد يكون داخلًا على الأقل بما هو مكروه ، كما جاء في بعض الأحاديث - وقد اختُلف في رفعه وحكمه - : " أن المسلم يُؤجر في كل شيء إلا فيما يُنفقه في التراب والبنيان " ، وكون رفع البنيان أنه من علامات الساعة هذا معروف لديكم جميعًا ، فمن أعجب العجب أن يُضاف إلى هذه الظاهرة التي أقلُّ ما يقال فيها إنها غير مستحسنة شرعًا ؛ الاحتفال بهذا المنزل الجديد .
الخلاصة : الاحتفال في هذا الخصوص نجزم بأنه لا أصل له في السنة .
السائل : هناك في احتفالات تُقام سنويًّا لحفظة كتاب الله وفي المساجد ، وقد تكون لجماعة مخصَّصة ، يخصِّصون كلَّ عام لهذه المناسبة ؛ ألا يدخل في طور البدعة ؟
الشيخ : إذا امتهن ذلك وتُقرِّب به إلى الله فهو كذلك .
السائل : نعم هو كل سنة ، القصد في نواياهم ليس من باب التقرُّب ، إنما يريدون إبراز هذه الجماعة وإبراز هذا العمل للناس حتى - كما يقولون - يشجِّعونهم على التبرُّعات والإنفاق ، ويبيِّنوا لهم مدى تطور هذا العمل الخيري ؟
الشيخ : هنا - نقول - شرطان :
أولًا : ما ذكرته آنفًا عدم الالتزام الذي يشعر بأن هذا سنة .
والشَّرط الثاني : حينما قلت قصدهم كذا فأقول : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) ، وهذا إنما يعرفه ربنا - تبارك وتعالى - فقط ، وإلا هذا التظاهر بهذه الاحتفالات والمبالغة في ذلك لا يجعل الإنسان يطمئنُّ إلى أن القصد فقط هو ما ذكرت آنفًا .
السائل : ... القضية اللي ذكروها الإخوان ، قضيَّة الجماعات الخيرية ... يعني يقومون بحلقات التحفيظ ، في آخر كل سنة يُقيمون حفل تكريمي للطلبة اللي ختموا القرآن لتشجيعهم .
الشيخ : معروف يا أستاذ ، معروف هذا ، هل هذه عادة أم عبادة ؟ إن كانت عبادة فلا شك أنها من محدثات الأمور ، وكل خير في اتباع من سلف ، وكل شر في اتباع من خلف ، وإن كانت عادة لا يُقصد بها التقرُّب إلى الله - تبارك وتعالى - ، فيُشترط في هذه العادة ألَّا تُلتزم دائمًا وأبدًا ؛ لأن هذا الالتزام يُوحي إلى الناس كل الناس أنه أمر مشروع ، وهو ليس بالأمر المشروع ، فسواء قلنا إنه عادة أو قلنا عبادة فالنتيجة أنَّه لا ينبغي التزامها ، إن فعلها أحيانًا لقصد الدعوة - مثلًا - لا أرى في ذلك مانعًا ، أما أن يُصبح الأمر لازمًا وعادةً ثابتةً ؛ فهذا بلا شك مما كان ينكره سلفنا الصالح فيما هو أقلُّ من ذلك ، لعلكم تعرفون أبو داود في " سننه " أن ابن عمر - رضي الله عنه - دخل مسجدًا ، فسمع رجلًا أطلَّ من المسجد فقال : الصلاة الصلاة ، فقال لصاحبه : " اخرج بنا من هذا المسجد ؛ فإن فيه بدعة " ، هو لمجرد أن سمع هذه الكلمة خرج من المسجد قاصدًا الصلاة في مسجد آخر ؛ لماذا ؟ لأنه لا يعهد فيما شاهد عليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه من بعد وفاته يقولون في المسجد - ولو بقصد التنبيه - : الصلاة الصلاة ؛ فماذا نقول إذا رأينا بعض الناس يتَّخذون هذه عادة بعد كل أذان ؟ وهذا كان عندنا في سورية الشيء الكثير منه : " الصلاة يا مصلين الصلاة " ، هذا بلا شك أنكر وأغرق للبدعة لمجرَّد ذاك ... .
الشيخ : ما بالها ؟
السائل : ... حديث : عند كل ختمة دعوة مستجابة ، هذا كان أنس كان يجمع أهله - رضي الله عنه - ويدعو عند كل ختمة ، فنرجو التفصيل في هذا ؟
الشيخ : ما يحضرني الآن شيء من التفصيل سوى أن الذي ذكرتَه عن أنس بن مالك هو ثابت ، وقد رواه الإمام الدارمي في آخر كتابه المعروف بـ " مسند الدارمي " ، والصحيح أنه " سنن الدارمي " ، ويكفي المتعدِّد أن يتمسَّك بهذا الأثر عن هذا الصحابي الجليل ، والذي كما ذكرنا في بعض المجالس أنه خدم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عشر سنين ، يكفي في أن يكون هذا الصحابي قدوة له في الدعاء عند ختم القرآن ، وفي أن يجمع أهله وذويه عندها ، فإذا صحَّ الحديث المذكور أو حَسُنَ ذلك نورٌ على نور ، أنا شخصيًّا الآن - كما قلت - لا أستحضر الآن رأيي في هذا الحديث المرفوع ، بخلاف ما ذكرته عن أنس فهو ثابت عنه ، وذلك كافي في أن يكون قدوةً لمن ختم القرآن .
السائل : ... الطرق يا شيخ ... يمكن الحديث : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا صالح ، عن ثابت البناني قال : " كان أنس بن مالك إذا أشفَى على ختم القرآن بالليل بقَّى منه شيئًا حتى يصبحَ ، فيجمع أهله ، فيختمه معهم " .
وأيضًا حديث : حدَّثنا محمد بن سعيد ، حدثنا عبد السلام ، عن يزيد بن عبد الرحمن ، عن طلحة وعبد الرحمن بن الأسود قالا : " من قرأ القرآن ليلًا أو نهارًا صلَّت عليه الملائكة إلى الليل " ، وقال الآخر : " غفر له " ، وحدثنا عمرو بن حماد .
الشيخ : هذا إيش علاقته بالموضوع ؟
السائل : ... لدعاء ختم القرآن الوارد في " سنن الدارمي " في مجلد واحد .
الشيخ : معليش ، لكن هذا ليس له علاقة بالـ .
السائل : ختم القرآن نعم ، حدثنا محمد بن خميس ، حدثنا هارون ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن طلحة بن مصرف ، عن المصعب بن سعد ، عن سعد قال : " إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلَّت عليه الملائكة حتى يصبح ، وإن وافق ختمه آخر الليل صلَّت عليه الملائكة حتى يمسي ، وربما بقي على أحدنا الشيء فيؤخِّره حتى يمسي أو يصبح " . قال أبو محمد : هذا حسنٌ عن سعد .
وحدثنا المغيرة ، حدثنا الأوزاعي ، عن عبدة قال : " إذا ختم الرجل القرآن بنهارٍ صلَّت عليه الملائكة " .
حدثنا سعيد بن الربيع ، حدثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد قال : بعث إليَّ قال : " إنما دعوناك أنَّا أردنا أن نختم القرآن ، وأنه بلغنا أن الدعاء يُستجاب عند ختم القرآن " ، قال : فدَعَوَا بدعوات .
الشيخ : نعم ، إيش المقصود بها ؟
السائل : قال : بلغنا أن الدعاء مستجاب عند ختم القرآن .
الشيخ : طيب .
سائل آخر : وهو يسأل عن صحة الطرق هذه .
الشيخ : لا يمكن الحكم عليها بهذه السرعة ، يجب الرجوع الى كتب الرجال ، ولهذا ما ينبغي التسرُّع في إصدار الأحكام ، فقد يكون أحد الرواه مُتكلَّم فيه ، ولا يُستحضر أن الحق الذي وصل إليه الناقد ، المهم أن أصل الموضوع ثابت عن أنس بصورة خاصة ، أما أن الدعاء مُستجاب عند ختم القرآن مرفوع إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - فيمكن أن يكون قد خرَّجته سابقًا ، لكن لا أستحضر الآن الحكم الذي كنت انتهيت إليه .
نعم .
السائل : تكملة لهذه المسألة ؛ هل جاء شيئًا في حفظ القرآن بمناسبة أو احتفال أو عمل وليمة ؟
الشيخ : هل جاء شيء في إيش ؟
السائل : في عمل وليمة لحفظ القرآن ؟
الشيخ : لا ، ما جاء شيء من ذلك ، وما يفعلونه اليوم يغلب إلحاقه بالبدع لالتزامهم إياها ، ولأنها ليست من الأمور العادية المحضة ، إنما هي أقرب إلى كونها عبادة ، وكل عبادة - كما رُوي عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - - : " كلُّ عبادة لم يتعبَّدها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تتعبَّدوها " ، والآثار في هذا المعنى كثيرة وكثيرة جدًّا ، ومن أصحِّها ما قاله عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : " اقتصاد في سنَّة خير من اجتهاد في بدعة " ، على أنه يُضم ويُضاف إلى هذا الاحتفال لختم القرآن أن يكون سببًا لتطبيع المُحتفَل به أو بهم تطبيعهم على حبِّ الظهور ، وقديمًا قيل : " حبُّ الظهور يقطع الظهور " ، وتعويد الناس أن لا يقوموا لعبادة ما كحفظ القرآن لوجه الله - عز وجل - ، وإنما للصِّيت والسمعة الحسنة ، وهذا بلا شك مُحبط للأعمال الصالحة كما هو ثابت في الكتاب والسنة ؛ من أن العمل الصالح من شروطه أن يكون خالصًا لله - تبارك وتعالى - (( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا )) ، العمل الصالح هو ما كان موافقًا للسنة ، والإشراك بالله في هذا العمل هو أن يبتغي به غير وجه الله - تبارك وتعالى - ، وفي هذه الاحتفالات تجتمع المصيبتان ؛ أولًا : أن هذا الاحتفال ليس على وجه السنة ، وثانيًا : لا يكون - غالبًا والله أعلم - خالصًا لوجه الله - تبارك وتعالى - . هذا ما يمكن أن يُقال .
السائل : في مناسبة الولائم ذُكر في بعض الكتب أن هناك كان معروفًا لديهم ، وعدَّدَ قرابة العشر ولائم ، وذكر منها النزول في المنزل الجديد ، ووليمة العرس ، ووليمة الضيف ، ووليمة حفظ القرآن من هذه الولائم ؛ تذكر شيء في هذا القول ؟
الشيخ : أما وليمة العرس فأمرٌ مقطوعٌ به ( أولِمْ ولو بشاة ) ، و ( أعلنوا هذا النكاح ، واضربوا عليهم الدُّفَّ ) ، أما المنزل الجديد فأنا لا أعلم شيئًا في السنة إطلاقًا بأن من نزل في منزل جديد يحتفل بذلك ، فمن يدَّعي مثل هذه الدَّعاوى أريحوا أنفسكم منها بشيئين اثنين :
الشيء الأول : أن تقولوا بلسان حالكم أو بلسان قالكم (( هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين )) .
والشيء الآخر : أن لا تتَّبعوا مجرَّد هذه الأقوال دون عزوٍ إلى مصدر موثوق من كتب السنة أو من كتب الفقه المعروفة لعلماء الفقه وعلماء المذاهب من الأئمة الأولين ، وليس من المقلِّدين الآخرين ؛ لأن المقلدين ليسوا من المجتهدين ، فقد يقولون أقوالًا باجتهاد منهم وهم قد برَّؤوا أنفسهم من أن يكونوا مجتهدين ، فلا يقبل منهم ما يجتهدون فيه ويأتون بأقوال لم يقلها أئمَّتهم ، وبخاصة في مسائل من المفروض أن تكون وقعت بالقرون الأولى بأنَّها ليست حادثة كبعض الأمور التي تحدث اليوم ، كالاحتفال - مثلًا - بالنزول في المنزل الجديد ؛ هذا أمر يتكرَّر ، وبخاصة في ذلك الزمان الذين كان يغلب على كثير من الناس أن يرحلوا في طلب العشب ، وينتقلون من منزل إلى منزل ، فأين كان مثل هذا الاحتفال ؟ والاحتفال في بناء المنازل التي نحن بُلينا في آخر الزمان فهي بلوى مضاعفة ، أولًا أننا نبني أكثر مما نحتاج ، ثم نُضيف إلى ذلك بدعةً جديدة سمعناها ؛ وهي الاحتفال بهذا البناء .
أنا أعتقد أن المسلمين في هذا الزمان إذا نجوا من مسؤولية المؤاخذة في رفع البنيان فذلك لطف من الله لعباده ؛ لأن هذا قد يكون داخلًا على الأقل بما هو مكروه ، كما جاء في بعض الأحاديث - وقد اختُلف في رفعه وحكمه - : " أن المسلم يُؤجر في كل شيء إلا فيما يُنفقه في التراب والبنيان " ، وكون رفع البنيان أنه من علامات الساعة هذا معروف لديكم جميعًا ، فمن أعجب العجب أن يُضاف إلى هذه الظاهرة التي أقلُّ ما يقال فيها إنها غير مستحسنة شرعًا ؛ الاحتفال بهذا المنزل الجديد .
الخلاصة : الاحتفال في هذا الخصوص نجزم بأنه لا أصل له في السنة .
السائل : هناك في احتفالات تُقام سنويًّا لحفظة كتاب الله وفي المساجد ، وقد تكون لجماعة مخصَّصة ، يخصِّصون كلَّ عام لهذه المناسبة ؛ ألا يدخل في طور البدعة ؟
الشيخ : إذا امتهن ذلك وتُقرِّب به إلى الله فهو كذلك .
السائل : نعم هو كل سنة ، القصد في نواياهم ليس من باب التقرُّب ، إنما يريدون إبراز هذه الجماعة وإبراز هذا العمل للناس حتى - كما يقولون - يشجِّعونهم على التبرُّعات والإنفاق ، ويبيِّنوا لهم مدى تطور هذا العمل الخيري ؟
الشيخ : هنا - نقول - شرطان :
أولًا : ما ذكرته آنفًا عدم الالتزام الذي يشعر بأن هذا سنة .
والشَّرط الثاني : حينما قلت قصدهم كذا فأقول : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) ، وهذا إنما يعرفه ربنا - تبارك وتعالى - فقط ، وإلا هذا التظاهر بهذه الاحتفالات والمبالغة في ذلك لا يجعل الإنسان يطمئنُّ إلى أن القصد فقط هو ما ذكرت آنفًا .
السائل : ... القضية اللي ذكروها الإخوان ، قضيَّة الجماعات الخيرية ... يعني يقومون بحلقات التحفيظ ، في آخر كل سنة يُقيمون حفل تكريمي للطلبة اللي ختموا القرآن لتشجيعهم .
الشيخ : معروف يا أستاذ ، معروف هذا ، هل هذه عادة أم عبادة ؟ إن كانت عبادة فلا شك أنها من محدثات الأمور ، وكل خير في اتباع من سلف ، وكل شر في اتباع من خلف ، وإن كانت عادة لا يُقصد بها التقرُّب إلى الله - تبارك وتعالى - ، فيُشترط في هذه العادة ألَّا تُلتزم دائمًا وأبدًا ؛ لأن هذا الالتزام يُوحي إلى الناس كل الناس أنه أمر مشروع ، وهو ليس بالأمر المشروع ، فسواء قلنا إنه عادة أو قلنا عبادة فالنتيجة أنَّه لا ينبغي التزامها ، إن فعلها أحيانًا لقصد الدعوة - مثلًا - لا أرى في ذلك مانعًا ، أما أن يُصبح الأمر لازمًا وعادةً ثابتةً ؛ فهذا بلا شك مما كان ينكره سلفنا الصالح فيما هو أقلُّ من ذلك ، لعلكم تعرفون أبو داود في " سننه " أن ابن عمر - رضي الله عنه - دخل مسجدًا ، فسمع رجلًا أطلَّ من المسجد فقال : الصلاة الصلاة ، فقال لصاحبه : " اخرج بنا من هذا المسجد ؛ فإن فيه بدعة " ، هو لمجرد أن سمع هذه الكلمة خرج من المسجد قاصدًا الصلاة في مسجد آخر ؛ لماذا ؟ لأنه لا يعهد فيما شاهد عليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه من بعد وفاته يقولون في المسجد - ولو بقصد التنبيه - : الصلاة الصلاة ؛ فماذا نقول إذا رأينا بعض الناس يتَّخذون هذه عادة بعد كل أذان ؟ وهذا كان عندنا في سورية الشيء الكثير منه : " الصلاة يا مصلين الصلاة " ، هذا بلا شك أنكر وأغرق للبدعة لمجرَّد ذاك ... .
- رحلة النور - شريط : 7
- توقيت الفهرسة : 00:22:00
- نسخة مدققة إملائيًّا