الراوي الذي تجد بعض المحدثين ضعفوه وبعضهم وثقوه إلى من نذهب وما هي القاعدة التي نذهب إليها حتى نحكم على هذا الراوي ؟
A-
A=
A+
السائل : للراوي الذي تجد بعض المحدثين ضعَّفوه وبعضهم وثَّقوه فإلى من نذهب ؟ وما هي القاعدة التي نذهب إليها حتَّى نحكم على هذا الراوي في هذا السند ؟
الشيخ : القاعدة معروفة بقولهم : " الجرح مُقدَّم على التعديل " ، يشترطون في الجرح الذي يجب تقديمه على التعديل أن يكون جرحًا مُفسَّرًا واضحًا مُبيَّنًا ، وإذا بُيِّن السبب فقد يظهر أنه لا يصح أن يُعتبر جرحًا مُسقطًا لعدالة الراوي ؛ لأن العلماء حينما بدؤوا يتكلَّمون حول شروط الراوي الثقة لا شك أنه كان باجتهاد منهم وليس بنصوص صريحة في الكتاب والسنة ، ولذلك فقد تختلف آراؤهم في ذلك ، من أوضح الأمثلة فيما نحن بصدده تجريح الراوي لمذهبه ، فالعلماء سابقًا اختلفوا في هذه المسألة ؛ إذا كان الراوي عدلًا في دينه ؛ أي : لا يأتي بأشياء من المنكرات التي تُسقط عدالته ، ثم هو بالإضافة إلى ذلك حافظ ضابط لحديثه فقد توفَّر فيه الشرطان اللذان إذا اجتمعا في الراوي يُحكم عليه بالثقة ، ولكن مذهبه مُنحرف عن السنة ؛ كالإرجاء - مثلًا - والاعتزال ونحو ذلك ، فبعضهم كان يُسقط حديث هذا العدل الثِّقة في كونه انحرف في شيء من عقيدته عن خطَّة أهل السنة ، فلا يُعتبر حديثه حجة ، وبعضهم كان يرى أن العمدة في رواية الحديث والاحتجاج به إنما هو الثقة عدالةً وحفظًا ، أما المذهب فهذا يُترك بينه وبين ربِّه ؛ فالله حسيبه إن كان وصل إلى ذاك المذهب اتباعًا للهوى أو اجتهادًا منه لم يُصب الحق ، من أجل هذا كان الإمام البخاري يروي لبعض ذوي الأهواء ؛ لأنه وَثِقَ بهذا الراوي أنه توفَّر فيه العدالة والضبط والحفظ ، أما المذهب فالله حسيبه عليه .
مثلًا : عمران ابن حطَّان الخارجي ، فهو مشهور بتعصُّبه على عليٍّ - رضي الله عنه - ؛ مع ذلك فالإمام البخاري لم يمتنع من رواية حديثه لأن مذهبه لم يعتبره جرحًا في عدالته وفي حفظه ، من هنا ينبغي أن يُلاحظ أنَّ الجرح يجب أن يكون جرحًا مقبولًا عند علماء الحديث حتى يُقدَّمَ على التوثيق ، ويجد الباحث في ترجمة بعض الرواة أقوالًا من بعض الأئمة لا يسعه أن يعتمدَ عليها لِبُعدها عن كون عبارته جرحًا في هذا الراوي الذي قد وُثِّقَ من غيره ؛ مثلًا قد يقول بعضهم فلان لا يُحتجُّ بحديثه لماذا ؟ لأنه سُمع من داره صوت الضرب على العود ، هذا جرح ومفسَّر ، ولكن لا يُعتبر جرحًا يُسقط حديث هذا الراوي ما دام توفَّرت فيه تلك الصِّفتان ؛ صفة العدالة مع الضبط والحفظ ، أمَّا إنه سُمع من داره آلات الطرب فهذا الجواب عنه من ناحيتين :
الناحية الأولى : أنه سبق أن وقع اختلاف قديم في آلات الطرب ؛ هل هي محرمة أم لا ؟ ولسنا - مع الأسف حتى في هذا العصر بعد أن تبيَّنت الأدلة الناهضة لإثبات تحريم آلات الطرب ؛ مع ذلك نجد بعض العلماء وهم لا يُذكرون مع أولئك العلماء ؛ فهم ليسوا في العير ولا في النفير كما يقال ؛ مع ذلك يذهبون إلى هذه الساعة أن آلات الموسيقى مُباحة ، فكيف لا يُعذر مَن كان بالقرون الأولى حيث لم تتجمَّع أدلة الشريعة يومئذٍ في كل مسألة اختلف فيها العلماء ؟ فما ينبغي حين ذاك أن نجرِّح رجلًا من علماء المسلمين ورواة حديث النبي الكريم لمجرَّد أنه كان يرى أن الضرب على العود أو نوع آخر من الآلات الموسيقية مُباح ، هذا رأيه واجتهاده ، ولو أنَّنا فتحنا مثل هذا الباب لإسقاط عدالة الراوي لَسقطت عدالة كثير من أئمة المسلمين ، هذا شيء .
والشيء الثاني : ليس في ذلك القول أن هذا الجارح رأى بعينه ذلك الراوي يضرب على العود ، وإنما كلُّ ما في الخبر أنه سمع ، فيُمكن أن يكون ما سمعه ليس نابعًا من داره ، وإنما من دار جاره ، أو يكون نابعًا من داره ، ولكن ليس هو الذي يضرب على العود ، وإنما بعض أهله وذويه ممَّن قد لا يسمعون له قولًا ، ويرى هو من الحكمة والسياسة أن لا يُطردَ هذا الذي له صلة به من داره من باب السياسة والمداراة ؛ خشيةَ أن يفلت زمام الأمر منه فيما إذا طردَه ، مثل هذه الاحتمالات ترد ؛ فلا يجوز غضُّ النظر عنها والاعتماد على ذلك القول بتجريح هذا الراوي ، فإذًا لا بد من شرطية كون الجرح مبيَّنًا أولًا ، ثم كون هذا الجرح مسلَّم أنه جرح في الراوي ثانيًا ، فإذا اختلف أقوال العلماء في راوي ما ما بين موثِّق ومجرِّح دُرست حجَّة المجرِّح ، فإن استقلت في تجريحه قُدِّمَ تجرحه على توثيق غيره ، وإلا قُدِّم التوثيق على التجريح ، والباحث في هذا المجال في كتب الجرح والتعديل يجد لا شك أقوالًا كثيرة ومتعارضة ، ولا بد له أولًا في الاعتماد على هذه القاعدة مع التفصيل الذي ذكرته آنفًا ، ثم شيء آخر وأخير ؛ وهو أنه لا بد أن يكون له ممارسة قديمة في تطبيق القاعدة وغيرها ؛ لأن التطبيق العملي قد يكشف للباحث أمورًا دقيقة لا يتنبَّه لها لمجرَّد قراءته لعلم المصطلح قراءة نظرية .
هذا جواب السؤال السابق .
الشيخ : القاعدة معروفة بقولهم : " الجرح مُقدَّم على التعديل " ، يشترطون في الجرح الذي يجب تقديمه على التعديل أن يكون جرحًا مُفسَّرًا واضحًا مُبيَّنًا ، وإذا بُيِّن السبب فقد يظهر أنه لا يصح أن يُعتبر جرحًا مُسقطًا لعدالة الراوي ؛ لأن العلماء حينما بدؤوا يتكلَّمون حول شروط الراوي الثقة لا شك أنه كان باجتهاد منهم وليس بنصوص صريحة في الكتاب والسنة ، ولذلك فقد تختلف آراؤهم في ذلك ، من أوضح الأمثلة فيما نحن بصدده تجريح الراوي لمذهبه ، فالعلماء سابقًا اختلفوا في هذه المسألة ؛ إذا كان الراوي عدلًا في دينه ؛ أي : لا يأتي بأشياء من المنكرات التي تُسقط عدالته ، ثم هو بالإضافة إلى ذلك حافظ ضابط لحديثه فقد توفَّر فيه الشرطان اللذان إذا اجتمعا في الراوي يُحكم عليه بالثقة ، ولكن مذهبه مُنحرف عن السنة ؛ كالإرجاء - مثلًا - والاعتزال ونحو ذلك ، فبعضهم كان يُسقط حديث هذا العدل الثِّقة في كونه انحرف في شيء من عقيدته عن خطَّة أهل السنة ، فلا يُعتبر حديثه حجة ، وبعضهم كان يرى أن العمدة في رواية الحديث والاحتجاج به إنما هو الثقة عدالةً وحفظًا ، أما المذهب فهذا يُترك بينه وبين ربِّه ؛ فالله حسيبه إن كان وصل إلى ذاك المذهب اتباعًا للهوى أو اجتهادًا منه لم يُصب الحق ، من أجل هذا كان الإمام البخاري يروي لبعض ذوي الأهواء ؛ لأنه وَثِقَ بهذا الراوي أنه توفَّر فيه العدالة والضبط والحفظ ، أما المذهب فالله حسيبه عليه .
مثلًا : عمران ابن حطَّان الخارجي ، فهو مشهور بتعصُّبه على عليٍّ - رضي الله عنه - ؛ مع ذلك فالإمام البخاري لم يمتنع من رواية حديثه لأن مذهبه لم يعتبره جرحًا في عدالته وفي حفظه ، من هنا ينبغي أن يُلاحظ أنَّ الجرح يجب أن يكون جرحًا مقبولًا عند علماء الحديث حتى يُقدَّمَ على التوثيق ، ويجد الباحث في ترجمة بعض الرواة أقوالًا من بعض الأئمة لا يسعه أن يعتمدَ عليها لِبُعدها عن كون عبارته جرحًا في هذا الراوي الذي قد وُثِّقَ من غيره ؛ مثلًا قد يقول بعضهم فلان لا يُحتجُّ بحديثه لماذا ؟ لأنه سُمع من داره صوت الضرب على العود ، هذا جرح ومفسَّر ، ولكن لا يُعتبر جرحًا يُسقط حديث هذا الراوي ما دام توفَّرت فيه تلك الصِّفتان ؛ صفة العدالة مع الضبط والحفظ ، أمَّا إنه سُمع من داره آلات الطرب فهذا الجواب عنه من ناحيتين :
الناحية الأولى : أنه سبق أن وقع اختلاف قديم في آلات الطرب ؛ هل هي محرمة أم لا ؟ ولسنا - مع الأسف حتى في هذا العصر بعد أن تبيَّنت الأدلة الناهضة لإثبات تحريم آلات الطرب ؛ مع ذلك نجد بعض العلماء وهم لا يُذكرون مع أولئك العلماء ؛ فهم ليسوا في العير ولا في النفير كما يقال ؛ مع ذلك يذهبون إلى هذه الساعة أن آلات الموسيقى مُباحة ، فكيف لا يُعذر مَن كان بالقرون الأولى حيث لم تتجمَّع أدلة الشريعة يومئذٍ في كل مسألة اختلف فيها العلماء ؟ فما ينبغي حين ذاك أن نجرِّح رجلًا من علماء المسلمين ورواة حديث النبي الكريم لمجرَّد أنه كان يرى أن الضرب على العود أو نوع آخر من الآلات الموسيقية مُباح ، هذا رأيه واجتهاده ، ولو أنَّنا فتحنا مثل هذا الباب لإسقاط عدالة الراوي لَسقطت عدالة كثير من أئمة المسلمين ، هذا شيء .
والشيء الثاني : ليس في ذلك القول أن هذا الجارح رأى بعينه ذلك الراوي يضرب على العود ، وإنما كلُّ ما في الخبر أنه سمع ، فيُمكن أن يكون ما سمعه ليس نابعًا من داره ، وإنما من دار جاره ، أو يكون نابعًا من داره ، ولكن ليس هو الذي يضرب على العود ، وإنما بعض أهله وذويه ممَّن قد لا يسمعون له قولًا ، ويرى هو من الحكمة والسياسة أن لا يُطردَ هذا الذي له صلة به من داره من باب السياسة والمداراة ؛ خشيةَ أن يفلت زمام الأمر منه فيما إذا طردَه ، مثل هذه الاحتمالات ترد ؛ فلا يجوز غضُّ النظر عنها والاعتماد على ذلك القول بتجريح هذا الراوي ، فإذًا لا بد من شرطية كون الجرح مبيَّنًا أولًا ، ثم كون هذا الجرح مسلَّم أنه جرح في الراوي ثانيًا ، فإذا اختلف أقوال العلماء في راوي ما ما بين موثِّق ومجرِّح دُرست حجَّة المجرِّح ، فإن استقلت في تجريحه قُدِّمَ تجرحه على توثيق غيره ، وإلا قُدِّم التوثيق على التجريح ، والباحث في هذا المجال في كتب الجرح والتعديل يجد لا شك أقوالًا كثيرة ومتعارضة ، ولا بد له أولًا في الاعتماد على هذه القاعدة مع التفصيل الذي ذكرته آنفًا ، ثم شيء آخر وأخير ؛ وهو أنه لا بد أن يكون له ممارسة قديمة في تطبيق القاعدة وغيرها ؛ لأن التطبيق العملي قد يكشف للباحث أمورًا دقيقة لا يتنبَّه لها لمجرَّد قراءته لعلم المصطلح قراءة نظرية .
هذا جواب السؤال السابق .
- رحلة النور - شريط : 7
- توقيت الفهرسة : 00:12:23
- نسخة مدققة إملائيًّا