الترغيب في الإسراع بالجنازة وتعجيل الدفن .
A-
A=
A+
الشيخ : درسنا الليلة من كتاب " الترغيب والترهيب " للحافظ المنذري ، في باب الترغيب في الإسراع بالجنازة وتعجيل الدفن .
الحديث الأول : وهو صحيح كما يدلُّكم على ذلك تخريج المؤلف إياه ، قال - رحمه الله - :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( أسرعوا بالجنازة ؛ فإن تَكُ صالحةً فخير تقدِّمونها إليه ، فخير تقدمونه إليها ، وإن تك سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم ) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه .
في هذا الحديث الصحيح بيان أدب ، بل واجب من واجبات تشييع جنازة المسلم ؛ ألا وهو وجوب الإسراع بتجهيزها وإيصالها إلى قبرها ، ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث يبيِّن العلة الشرعية التي تُوجب هذا الحكم الشرعي ؛ ألا وهو الإسراع بتجهيز الميت ودفنه ؛ فهو يقول : إن الميت إما أن يكون صالحًا فالتعجيل به وبدفنه في قبره هو خير تعجِّلون به إليه ، والعكس بالعكس ؛ الإبطاء بدفنه فإنما هو تأخير لذاك الخير عنه ، ما هو الخير الذي يُشير الرسول - عليه السلام - في هذا الحديث بالنسبة للرجل الصالح الذي يُفترض أن تكونَ الجنازة من نوعه ، ما هو هذا الخير الذي نقدِّمه ونعجِّل به إليه ؟ هو مما جاء في بعض الأحاديث التي لم يصحَّ إسنادها ، ولكن صحَّ مضمونها ؛ مثل : ( القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ) ، هذا المعنى ورد في عديد من الأحاديث الصحيحة كما كنت جمعت شيئًا منها في كتابي المطبوع والمعروف " أحكام الجنائز وبدعها " ، وهناك أحاديث تدلُّ على أن الميت إذا وُضع في قبره فإذا كان مؤمنًا وسُئل من قبل الملكين الكريمين منكر ونكير السؤال المعروف : من ربك ؟ من نبيك ؟ ما دينك ؟ فإذا كان رجلًا مؤمنًا صالحًا أجاب الجواب الذي كان قد انطبع في قلبه يوم كان متمتِّعًا بعقله الذي هو مناط تكليف الشارع له ، فاستجاب لدعوة الله والرسول ، وآمن بكل ما جاء به الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ؛ فهو سيكون جوابه كما يُقال اليوم أتوماتيكيًّا طبيعيًّا ؛ لأنه متشبِّع بهذه العقيدة إلى آخر رمق من حياته ، فسيكون جوابه عن السؤال الأول : " ربي الله " ، وعن الثاني : "محمد رسول الله " ، وعن الثالث : " ديني الإسلام " ؛ فحينئذٍ يُقال له : " نم نومة العروس " ، فيُفتح له من قبره طاقة يرى منها ويُطِلُّ منها على منزله ومكانه في الجنة ، فيأتيه من رَوحها وريحها ، فلا يزال ينعَمُ بذلك إلى أن تقوم الساعة ، وإن كان الرجل منافقًا أو كافرًا فهو لا يستطيع أن يُجيب ؛ ذلك لأن فاقد الشيء - كما يقال - لا يعطيه ؛ فهو كان في الدنيا حينما كُلِّف بأن يؤمن بالله ورسوله كان كافرًا أو كان منافقًا يُظهر الإسلام ويُبطن الكفر ، فحينما يُسأل من ربك ؟ من نبيُّك ؟ ما دينك ؟ لا يدري ، فيقول فيُقال له حينما يجيب بجواب " لا أدري " : " لا دريت ولا تليت " ، ويضرب بتلك المطرقة ، فتتداخل أضلاع بدنه بعضها في بعض من شدَّتها وثقلها ، وهكذا يُفتح له نافذة يُطلُّ منها إلى مكانه في النار ، فيأتيه من دخَّانها ولهيبها فلا يزال يُعذَّب بذلك إلى أن تقوم الساعة ، فإذًا إن كانت صالحةً فخير تعجِّلونه إليها ، هو هذا الخير ؛ يعني هذا النعيم الذي هو خير من نعيم الدنيا مهما كان هذا النَّعيم في الدنيا ولكنه دون نعيم الآخرة ، هو نموذج ومثال مصغر لهذا النَّعيم الذي يلقاه المسلم في قبره إلى أن تقوم الساعة ؛ فإذًا الجنازة إذا كانت صالحة فيجب علينا أن نعجِّل بها وأن نُودعها في قبرها لكي تتمتع بهذا النعيم إلى أن تقوم الساعة ، والعكس بالعكس ؛ إذا كانت الجنازة هذه غير صالحة فهو كما قال - عليه الصلاة والسلام - : ( فشرٌّ تضعونه عن رقابكم ) ؛ يعني نتخلَّص منه ونكتفي شره ، هذه المعاني وهذه التفاصيل بَين أن تكون الجنازة صالحة وبين أن تكون طالحة ، وما يترتَّب من الحكم أو من العاقبة بسبب اختلاف الصَّلاح والطَّلاح في الجنائز هذا أمر لا يدريه أحد في هذه الدنيا إلا المسلم المؤمن بالله ورسوله ؛ ذلك لأنَّ هذا من أمور الغيب التي لا مجال للعقل ولا للعلم التجربي أن يطولَها وأن يتعرَّف على حقائقها ، وإنما هو من علم الإيمان بالغيب ، وذلك هو شأن المسلم ؛ لذلك فالمسلم ينبعث في حياته وفي كلِّ تصرُّفاته على أساس العقيدة التي يؤمن بها ، والعكس بالعكس تمامًا ؛ فالمسلم حينما يتذكَّر هذه الحقيقة العلمية الشرعية ؛ وهي أن الجنازة إمَّا صالحة فيجب على حامليها أن يعجِّلوا بدفنها لكي يُحسنوا إليها ، فإذا تباطؤوا بتجهيزها ودفنها فقد أساؤوا إليها ، فالشرع الحكيم يؤدِّب المسلم على الإحسان إلى أخيه المسلم حيًّا وميِّتًا ، هذه المعاني لا يعرفها الآخرون الذين حُرموا بركة الإيمان بالإسلام .
من هذا يتفرَّع أحكام شرعية لا يلتزمها الكفار قولًا واحدًا ، ثم الذين تشبَّهوا بهم إمَّا مع معرفتهم بهذه الأحكام الإسلامية أو لجهلهم بها يتفرَّع من ذلك أن الميِّت يجب التعجيل بدفنه بطريقة الاستعجال النهاية الذي لا ينبغي أن يقترنَ معه شيء من التباطؤ إلا ما لا بدَّ منه ، أما تقصُّد الإبطاء في تجهيز الميت فهذا شرٌّ يقدِّمونه إلى الرجل الصالح ، وهذا أمر غير جائز في الإسلام ، وإذا كان ذلك من واجبات المسلمين في دفن موتاهم حينئذٍ نعرف الخطأ الذي انتهينا ووصلنا إليه في هذا العصر ؛ بحيث أنه في كثير من الأحيان يتعمَّد أهل الميت التباطؤ في دفنه ، لا لشيء إلا للشهرة وتبليغ أكبر كمِّيَّة ممكنة من الناس ؛ لكي تظهر الجنازة لها أبَّهة ولها عظمة ، هذا تفكير أهل الدنيا ، أمَّا المسلم فهو لا يهمُّه إذا كان من يُشيِّعه أو يصلي عليه كثير عددهم أو قليل ، من هنا نجد الفارق الفاصل الواضح البيِّن بين سلفنا وخلفنا ، السلف الصالح كان إذا مات ميِّتهم عجَّلوا بدفنه ، ولا يتحمَّل ذلك أكثر من ساعة بالكثير ، وكانوا يُوصون بذلك في وصاياهم في صحَّتهم وفي مرض موتهم ، كانوا يوصون بالتعجيل بدفنهم ؛ لعلمهم بهذه الحقائق التي نحن الآن في صدد بيان شيء منها فيما يتعلَّق بدفن الميت والتعجيل بدفنه ، فقد جاء عن كثير من الصحابة منهم حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه لما مرض مرض موته قال : " إذا أنا متُّ فعجِّلوا بدفني ولا تؤذنوا بي أحدًا " ، لا تؤذنوا : لا تخبروا بي ؛ أي : بوفاتي أحدًا ، هاللي موجود من الأهل يقوم الواجب بهم من غسله من تكفينه من دفنه ، هكذا كانوا وهكذا ينبغي أن نكون نحن ، ونحن اليوم لا نستطيع - مع الأسف الشديد - أن نكون مثلهم لظروف اجتماعية وظروف تتعلَّق بالحكم بغير الإسلام و وأشياء كثيرة وكثيرة جدًّا ، ولكن هذا لا يبرِّر للمسلم أن لا يجتهد حسب قدرته وطاقته في تحقيق هذا الأمر النبوي ؛ وهو التعجيل بتجهيز الميت ؛ لأنَّ الله - عز وجل - من عدله في عباده أنه قال : (( لا يكلِّف الله نفسًا إلا وسعها )) .
نحن - مثلًا - اليوم تُطبَّق علينا النظم في بعض البلاد خاصة العواصم ما لا يُطبَّق في بعض القرى ؛ لا سيما البعيدة النائية ؛ فلا بد - مثلًا - من استخراج التقرير الطبي كما يقولون ، ولا بد من الاتصال بمكتب الموت دفن الموتى ، وهذا المكتب ليس مستعدًّا لتقبل المراجعات إلا في حدود النظام الموضوع للأحياء وليس للأموات ؛ فلم تُتَّخذ هناك استعدادات إطلاقًا لمثل هذه الوفيات ، ولذلك وقريبًا وقع لبعض معارفنا أن ماتت والدته بين العصرين الظهر والعصر ؛ فلم يتمكَّن من دفن المُتوفَّى إلا بعد ظهر اليوم الثاني ، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لهذا النظام أو هذا الروتين كما يقولون ، وقريبًا كنت في زيارة ابنتي في الأردن فزرت بعض القرى فرأيت المقبرة هناك مقبرة متواضعة ، وجرَّ الحديث إلى طريقة الدفن ، قال : الدفن هنا لا يحتاج إلى شيء إطلاقًا ، لا إلى إذن ولا إلى أي شيء ، حفر القبر ودفنه انتهى الأمر ، قلت : هكذا كان الأمر في عهد الرسول - عليه السلام - وعهد السَّلف الصالح ، ولكن لما اتصلنا بأوروبا ونظمها الكافرة وتبنَّيناها على عجرها وبجرها فأصابنا ما أصابهم ولا بد ؛ لأن الله - عز وجل - كما قال : (( سنة الله ... ولن تجد لسنة الله تبديلًا )) ، فالذي يتخذ الأسباب المشروعة ففي ذلك اليسر والخير والبركة ، والعكس بالعكس تمامًا ، من هنا جاءت الآية التي ذكرناها في أكثر من مناسبة (( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا )) ، هذا من الضَّنك حينما نتمسَّك بالأحكام التي لم يأتِ بها الإسلام ، فنُصاب بشيء من الضيق والحرج ، وربما الضيق المالي - أيضًا - هذا كما تحدثنا في مناسبة سابقة أنُّو الميت اليوم نأكل هم دفنه ؛ لأنه كما نشتري للحي دارًا نشتري لهذا الميت - أيضًا - دارًا تتناسب مع فقده لحياته ، على كل حال لا بدَّ من دفع قيمة مادية قد يعجز عنها بعض المصابين بميتهم ، (( جزاء وفاقًا )) ، (( إن الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم )) .
أقول : بسبب هذه الأوضاع فقد تتحمَّل الجنازة من الوقت الكثير والكثير ، ولكن لا يصح أن نتخذ الأسباب المفروضة علينا بسبب الحياة الاجتماعية كما ذكرنا ، لا يصحُّ أن نقيس عليها أسبابًا نحن نبتدئ في إيجادها وليس نُرغم عليها إرغامًا ، ضربت لكم مثلًا آنفًا ؛ وهو الظهور بالجنازة على أنها جنازة محترمة ، وأنها لها صيت ولها كلمة في المجتمع فلذلك فهم يتأخرون بدفن الميت ؛ حتى بعض الإسلاميين وقعوا في هذه المشكلة ؛ يعني قديمًا وحديثًا في هذا الزمن تتأخَّر الجنازة اليوم واليومين ؛ لماذا ؟ لكي يأتي من أطراف البلاد القريبة والبعيدة من يشيِّعها ، وهذا في الواقع من مشاكل التحزُّب لغير الإسلام ؛ لأنُّو حينما يموت رجل حزبي فلا بد من أن يخرج معه جميع من ينتمي إلى حزبه ، وليس كما تعلمون جميعًا في الإسلام شيء من هذه التظاهرات ، بل شيء من هذا الرياء ، وهذا من المصائب أننا لا نكتفي بأن نعيش في حياتنا الدنيوية ونحن نرائي حتى نرائي - أيضًا - على حساب الميت ، لهذا يجب أن نأخذ من هذا الحديث عبرةً من العبر ؛ وهو أننا إذا أُصِبْنا بميِّتٍ لنا فيجب أن نضع في أذهاننا التعجيل بدفنه ؛ لأنه كما قال - عليه الصلاة والسلام - في هذا الحديث الصحيح : ( فإن تكُنْ صالحةً فخيرٌ تقدِّمونه إليها ، وإن تكن سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم ) .
الحديث الأول : وهو صحيح كما يدلُّكم على ذلك تخريج المؤلف إياه ، قال - رحمه الله - :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( أسرعوا بالجنازة ؛ فإن تَكُ صالحةً فخير تقدِّمونها إليه ، فخير تقدمونه إليها ، وإن تك سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم ) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه .
في هذا الحديث الصحيح بيان أدب ، بل واجب من واجبات تشييع جنازة المسلم ؛ ألا وهو وجوب الإسراع بتجهيزها وإيصالها إلى قبرها ، ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في هذا الحديث يبيِّن العلة الشرعية التي تُوجب هذا الحكم الشرعي ؛ ألا وهو الإسراع بتجهيز الميت ودفنه ؛ فهو يقول : إن الميت إما أن يكون صالحًا فالتعجيل به وبدفنه في قبره هو خير تعجِّلون به إليه ، والعكس بالعكس ؛ الإبطاء بدفنه فإنما هو تأخير لذاك الخير عنه ، ما هو الخير الذي يُشير الرسول - عليه السلام - في هذا الحديث بالنسبة للرجل الصالح الذي يُفترض أن تكونَ الجنازة من نوعه ، ما هو هذا الخير الذي نقدِّمه ونعجِّل به إليه ؟ هو مما جاء في بعض الأحاديث التي لم يصحَّ إسنادها ، ولكن صحَّ مضمونها ؛ مثل : ( القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ) ، هذا المعنى ورد في عديد من الأحاديث الصحيحة كما كنت جمعت شيئًا منها في كتابي المطبوع والمعروف " أحكام الجنائز وبدعها " ، وهناك أحاديث تدلُّ على أن الميت إذا وُضع في قبره فإذا كان مؤمنًا وسُئل من قبل الملكين الكريمين منكر ونكير السؤال المعروف : من ربك ؟ من نبيك ؟ ما دينك ؟ فإذا كان رجلًا مؤمنًا صالحًا أجاب الجواب الذي كان قد انطبع في قلبه يوم كان متمتِّعًا بعقله الذي هو مناط تكليف الشارع له ، فاستجاب لدعوة الله والرسول ، وآمن بكل ما جاء به الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ؛ فهو سيكون جوابه كما يُقال اليوم أتوماتيكيًّا طبيعيًّا ؛ لأنه متشبِّع بهذه العقيدة إلى آخر رمق من حياته ، فسيكون جوابه عن السؤال الأول : " ربي الله " ، وعن الثاني : "محمد رسول الله " ، وعن الثالث : " ديني الإسلام " ؛ فحينئذٍ يُقال له : " نم نومة العروس " ، فيُفتح له من قبره طاقة يرى منها ويُطِلُّ منها على منزله ومكانه في الجنة ، فيأتيه من رَوحها وريحها ، فلا يزال ينعَمُ بذلك إلى أن تقوم الساعة ، وإن كان الرجل منافقًا أو كافرًا فهو لا يستطيع أن يُجيب ؛ ذلك لأن فاقد الشيء - كما يقال - لا يعطيه ؛ فهو كان في الدنيا حينما كُلِّف بأن يؤمن بالله ورسوله كان كافرًا أو كان منافقًا يُظهر الإسلام ويُبطن الكفر ، فحينما يُسأل من ربك ؟ من نبيُّك ؟ ما دينك ؟ لا يدري ، فيقول فيُقال له حينما يجيب بجواب " لا أدري " : " لا دريت ولا تليت " ، ويضرب بتلك المطرقة ، فتتداخل أضلاع بدنه بعضها في بعض من شدَّتها وثقلها ، وهكذا يُفتح له نافذة يُطلُّ منها إلى مكانه في النار ، فيأتيه من دخَّانها ولهيبها فلا يزال يُعذَّب بذلك إلى أن تقوم الساعة ، فإذًا إن كانت صالحةً فخير تعجِّلونه إليها ، هو هذا الخير ؛ يعني هذا النعيم الذي هو خير من نعيم الدنيا مهما كان هذا النَّعيم في الدنيا ولكنه دون نعيم الآخرة ، هو نموذج ومثال مصغر لهذا النَّعيم الذي يلقاه المسلم في قبره إلى أن تقوم الساعة ؛ فإذًا الجنازة إذا كانت صالحة فيجب علينا أن نعجِّل بها وأن نُودعها في قبرها لكي تتمتع بهذا النعيم إلى أن تقوم الساعة ، والعكس بالعكس ؛ إذا كانت الجنازة هذه غير صالحة فهو كما قال - عليه الصلاة والسلام - : ( فشرٌّ تضعونه عن رقابكم ) ؛ يعني نتخلَّص منه ونكتفي شره ، هذه المعاني وهذه التفاصيل بَين أن تكون الجنازة صالحة وبين أن تكون طالحة ، وما يترتَّب من الحكم أو من العاقبة بسبب اختلاف الصَّلاح والطَّلاح في الجنائز هذا أمر لا يدريه أحد في هذه الدنيا إلا المسلم المؤمن بالله ورسوله ؛ ذلك لأنَّ هذا من أمور الغيب التي لا مجال للعقل ولا للعلم التجربي أن يطولَها وأن يتعرَّف على حقائقها ، وإنما هو من علم الإيمان بالغيب ، وذلك هو شأن المسلم ؛ لذلك فالمسلم ينبعث في حياته وفي كلِّ تصرُّفاته على أساس العقيدة التي يؤمن بها ، والعكس بالعكس تمامًا ؛ فالمسلم حينما يتذكَّر هذه الحقيقة العلمية الشرعية ؛ وهي أن الجنازة إمَّا صالحة فيجب على حامليها أن يعجِّلوا بدفنها لكي يُحسنوا إليها ، فإذا تباطؤوا بتجهيزها ودفنها فقد أساؤوا إليها ، فالشرع الحكيم يؤدِّب المسلم على الإحسان إلى أخيه المسلم حيًّا وميِّتًا ، هذه المعاني لا يعرفها الآخرون الذين حُرموا بركة الإيمان بالإسلام .
من هذا يتفرَّع أحكام شرعية لا يلتزمها الكفار قولًا واحدًا ، ثم الذين تشبَّهوا بهم إمَّا مع معرفتهم بهذه الأحكام الإسلامية أو لجهلهم بها يتفرَّع من ذلك أن الميِّت يجب التعجيل بدفنه بطريقة الاستعجال النهاية الذي لا ينبغي أن يقترنَ معه شيء من التباطؤ إلا ما لا بدَّ منه ، أما تقصُّد الإبطاء في تجهيز الميت فهذا شرٌّ يقدِّمونه إلى الرجل الصالح ، وهذا أمر غير جائز في الإسلام ، وإذا كان ذلك من واجبات المسلمين في دفن موتاهم حينئذٍ نعرف الخطأ الذي انتهينا ووصلنا إليه في هذا العصر ؛ بحيث أنه في كثير من الأحيان يتعمَّد أهل الميت التباطؤ في دفنه ، لا لشيء إلا للشهرة وتبليغ أكبر كمِّيَّة ممكنة من الناس ؛ لكي تظهر الجنازة لها أبَّهة ولها عظمة ، هذا تفكير أهل الدنيا ، أمَّا المسلم فهو لا يهمُّه إذا كان من يُشيِّعه أو يصلي عليه كثير عددهم أو قليل ، من هنا نجد الفارق الفاصل الواضح البيِّن بين سلفنا وخلفنا ، السلف الصالح كان إذا مات ميِّتهم عجَّلوا بدفنه ، ولا يتحمَّل ذلك أكثر من ساعة بالكثير ، وكانوا يُوصون بذلك في وصاياهم في صحَّتهم وفي مرض موتهم ، كانوا يوصون بالتعجيل بدفنهم ؛ لعلمهم بهذه الحقائق التي نحن الآن في صدد بيان شيء منها فيما يتعلَّق بدفن الميت والتعجيل بدفنه ، فقد جاء عن كثير من الصحابة منهم حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه لما مرض مرض موته قال : " إذا أنا متُّ فعجِّلوا بدفني ولا تؤذنوا بي أحدًا " ، لا تؤذنوا : لا تخبروا بي ؛ أي : بوفاتي أحدًا ، هاللي موجود من الأهل يقوم الواجب بهم من غسله من تكفينه من دفنه ، هكذا كانوا وهكذا ينبغي أن نكون نحن ، ونحن اليوم لا نستطيع - مع الأسف الشديد - أن نكون مثلهم لظروف اجتماعية وظروف تتعلَّق بالحكم بغير الإسلام و وأشياء كثيرة وكثيرة جدًّا ، ولكن هذا لا يبرِّر للمسلم أن لا يجتهد حسب قدرته وطاقته في تحقيق هذا الأمر النبوي ؛ وهو التعجيل بتجهيز الميت ؛ لأنَّ الله - عز وجل - من عدله في عباده أنه قال : (( لا يكلِّف الله نفسًا إلا وسعها )) .
نحن - مثلًا - اليوم تُطبَّق علينا النظم في بعض البلاد خاصة العواصم ما لا يُطبَّق في بعض القرى ؛ لا سيما البعيدة النائية ؛ فلا بد - مثلًا - من استخراج التقرير الطبي كما يقولون ، ولا بد من الاتصال بمكتب الموت دفن الموتى ، وهذا المكتب ليس مستعدًّا لتقبل المراجعات إلا في حدود النظام الموضوع للأحياء وليس للأموات ؛ فلم تُتَّخذ هناك استعدادات إطلاقًا لمثل هذه الوفيات ، ولذلك وقريبًا وقع لبعض معارفنا أن ماتت والدته بين العصرين الظهر والعصر ؛ فلم يتمكَّن من دفن المُتوفَّى إلا بعد ظهر اليوم الثاني ، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لهذا النظام أو هذا الروتين كما يقولون ، وقريبًا كنت في زيارة ابنتي في الأردن فزرت بعض القرى فرأيت المقبرة هناك مقبرة متواضعة ، وجرَّ الحديث إلى طريقة الدفن ، قال : الدفن هنا لا يحتاج إلى شيء إطلاقًا ، لا إلى إذن ولا إلى أي شيء ، حفر القبر ودفنه انتهى الأمر ، قلت : هكذا كان الأمر في عهد الرسول - عليه السلام - وعهد السَّلف الصالح ، ولكن لما اتصلنا بأوروبا ونظمها الكافرة وتبنَّيناها على عجرها وبجرها فأصابنا ما أصابهم ولا بد ؛ لأن الله - عز وجل - كما قال : (( سنة الله ... ولن تجد لسنة الله تبديلًا )) ، فالذي يتخذ الأسباب المشروعة ففي ذلك اليسر والخير والبركة ، والعكس بالعكس تمامًا ، من هنا جاءت الآية التي ذكرناها في أكثر من مناسبة (( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا )) ، هذا من الضَّنك حينما نتمسَّك بالأحكام التي لم يأتِ بها الإسلام ، فنُصاب بشيء من الضيق والحرج ، وربما الضيق المالي - أيضًا - هذا كما تحدثنا في مناسبة سابقة أنُّو الميت اليوم نأكل هم دفنه ؛ لأنه كما نشتري للحي دارًا نشتري لهذا الميت - أيضًا - دارًا تتناسب مع فقده لحياته ، على كل حال لا بدَّ من دفع قيمة مادية قد يعجز عنها بعض المصابين بميتهم ، (( جزاء وفاقًا )) ، (( إن الله لا يغيِّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم )) .
أقول : بسبب هذه الأوضاع فقد تتحمَّل الجنازة من الوقت الكثير والكثير ، ولكن لا يصح أن نتخذ الأسباب المفروضة علينا بسبب الحياة الاجتماعية كما ذكرنا ، لا يصحُّ أن نقيس عليها أسبابًا نحن نبتدئ في إيجادها وليس نُرغم عليها إرغامًا ، ضربت لكم مثلًا آنفًا ؛ وهو الظهور بالجنازة على أنها جنازة محترمة ، وأنها لها صيت ولها كلمة في المجتمع فلذلك فهم يتأخرون بدفن الميت ؛ حتى بعض الإسلاميين وقعوا في هذه المشكلة ؛ يعني قديمًا وحديثًا في هذا الزمن تتأخَّر الجنازة اليوم واليومين ؛ لماذا ؟ لكي يأتي من أطراف البلاد القريبة والبعيدة من يشيِّعها ، وهذا في الواقع من مشاكل التحزُّب لغير الإسلام ؛ لأنُّو حينما يموت رجل حزبي فلا بد من أن يخرج معه جميع من ينتمي إلى حزبه ، وليس كما تعلمون جميعًا في الإسلام شيء من هذه التظاهرات ، بل شيء من هذا الرياء ، وهذا من المصائب أننا لا نكتفي بأن نعيش في حياتنا الدنيوية ونحن نرائي حتى نرائي - أيضًا - على حساب الميت ، لهذا يجب أن نأخذ من هذا الحديث عبرةً من العبر ؛ وهو أننا إذا أُصِبْنا بميِّتٍ لنا فيجب أن نضع في أذهاننا التعجيل بدفنه ؛ لأنه كما قال - عليه الصلاة والسلام - في هذا الحديث الصحيح : ( فإن تكُنْ صالحةً فخيرٌ تقدِّمونه إليها ، وإن تكن سوى ذلك فشرٌّ تضعونه عن رقابكم ) .
- سلسلة الترغيب والترهيب - شريط : 12
- توقيت الفهرسة : 00:00:00
- نسخة مدققة إملائيًّا