تكملة في الترغيب في تشييع الميت وحضور دفنه .
A-
A=
A+
الشيخ : لا نزال في أول فصل الترغيب في تشييع الميت وحضور دفنه ، وكنا قرأنا في الدرس الماضي الأحاديث الأولى منه ؛ فَلْنُتابِعْ ما بقي من أحاديث هذا الفصل .
الحديث الرابع أول هذا الدرس ، أما الذي قبله فقد تجاوزناه لضعفه .
الحديث الرابع هو : قوله عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( خمسٌ من عملهنَّ في يومٍ كتبه الله من أهل الجنة ، من عاد مريضًا ، وشهد جنازةً ، وصام يومًا ، وراح إلى الجمعة ، وأعتق رقبة ) رواه ابن حبان في " صحيحه " .
هذا الحديث كالأحاديث السابقة من هذا الفصل مما سبق في بعض الدروس القديمة ، وتكلَّمنا عليها هناك ؛ فلا حاجة بنا لإعادة الكلام عليه ، ومثله - أيضًا - الحديث التالي ؛ فنذكِّركم به ، ثم ننتقل إلى الحديث الذي بعده ، قال : وعنه - يعني أبا سعيد الخدري - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( عودوا المرضى ، واتَّبعوا الجنائز تذكِّركم الآخرة ) رواه أحمد والبزار وابن حبان في " صحيحه " ، وتقدم هو وغيره في العيادة .
لكنِّي أذكِّر هنا بشيء مختصر ؛ وهو قوله - عليه السلام - في هذا الحديث : ( واتَّبعوا الجنائز ) ، أتبَعَه المصنف في الحديث الثاني عن أبي هريرة ، وفيه بيان لهذه الفقرة من حديث أبي سعيد ؛ وهو قوله - عليه السلام - : ( واتبعوا الجنائز ) لبيان من حيث أنه يوضِّح الحديث التالي ؛ أن اتِّباع الجنائز يكون على مرحلتين :
الأولى : من بيتها إلى المسجد أو إلى المصلى للصلاة عليها .
والمرحلة الأخرى - وهي الأتم - : أيضًا يتابع تشييع الجنازة من بعد الصلاة عليها إلى أن يحضرَ دفنها ، فالحديث التالي يبيِّن الفرق في الأجر والفضل بين المرحلة الأولى والمرحلة الأخرى كما ستسمعونه واضحًا .
قال : وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط ، ومن شهدها حتى تُدفنَ فله قيراطان ) . قيل : وما القيراطان ؟ قال : ( مثل الجبلين العظيمين ) ، وفي حديث سيأتي : ( مثل أحد ) ، القيراط مثل أحد - جبل أحد - ، قال في هذا الحديث : رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وفي رواية لمسلم وغيره : ( أصغرهما ) - أصغر الجبلين العظيمين - قال : ( أصغرهما مثل أحد ) ، وفي رواية للبخاري : ( من اتَّبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا ، وكان معه حتى يُصلِّيَ عليها ويُفرَغَ من دفنها ؛ فإنه يرجع من الأجر بقيراطين ؛ كلُّ قيراطٍ مثل أحد ، ومن صلَّى عليها ثم رجع قبل أن تُدفنَ ؛ فإنه يرجع بقيراط ) .
في هذا الحديث التفصيل الذي ذكرناه آنفًا أن التشييع على نصفين ؛ النصف الأول له أجر قيراط ، والنصف الثاني له أجر قيراط آخر ، فمن شيَّع جنازة من ساعة خروجها إلى أن يُصلَّى عليها إلى أن تُدفن رجع من الأجر بقيراطين ، وكلُّ قيراط مثل جبل أحد ، أو الرواية الأخرى : ( أصغر القيراطين مثل جبل أحد ) ، والقيراط في اللغة يختلف اختلاف بعض البلاد ، ففي أكثر البلاد القيراط هو جزء من عشرين ، وهنا في البلاد الشامية - ولا أدري لعله الأمر لا يزال كذلك ، وهذا ما أظنه - هو جزء من أربع وعشرين ، فالقيراط جزء من عشرين أو من أربع وعشرين ، هذا الذي يشيِّع الجنازة من بيتها إلى قبرها له أجر قيراطين ؛ كلُّ قيراط مثل جبل أحد ، ولكن هل هذا التشييع أو هذا الأجر يحصل عليه كلُّ مشيِّع ؛ خاصة إذا شيَّعه من بيته إلى المسجد ثم لم يدخل المسجد ، أو من بيته إلى المصلى حيث تُصلَّى أو يُصلَّى الجنازة فيه ؟
لا شك أن الذي يحصل على أجر القيراطين - أو على الأقل القيراط الواحد - يُشترط فيه ما سمعتموه في بعض روايات الحديث إيمانًا واحتسابًا ، فخرج من هذا كل مَن يشيِّع الجنازة لسببٍ آخر غير الاحتساب والتقرُّب إلى الله - تبارك وتعالى - ، وهذا هو المشاهد اليوم ؛ أن تشييع الجنازة صار من باب رفع المسؤولية ، أو صار - كما أعتقد وأسمِّيه دائمًا وأبدًا - هو نفاق اجتماعي ؛ فقلَّ جدًّا جدًّا مَن يشيِّع الجنازة ليحصلَ على هذا الثواب والأجر العظيم المذكور في هذا الحديث ، وسيأتي في بعض الأحاديث القريبة أنَّ أحد الصحابة الأجلَّاء لم يكن عنده علم بهذا الحديث الذي يعود الفضل الأول إلى حفظِه لهذه الأمة ممَّن سمعه من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ ألا وهو أبو هريرة هذا الرجل الفاضل يعود إليه الفضل الأول في حفظ هذا الحديث ؛ لأنه خَفِيَ على بعض الصحابة العبَّاد الزهَّاد ، ستسمعون أنه جرى نقاش بين بعضهم حول هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة ، واقتضى الأمر أن يسألوا السيدة عائشة فصدَّقته في حديثه ، فقال ذلك الصحابي - وهو ابن عمر ، وما أدراكم من ابن عمر ؟! - : " لقد ضيَّعنا قراريط كثيرة " .
وإذا عدنا لنذكِّركم ببعض تعليقاتنا على تشييع الجنازة في بعض الأحاديث التي مررنا عليها آنفًا مرورًا سريعًا ؛ أنَّ تشييع الجنائز على هذه الطريقة التي تُشيَّع اليوم ليست من السنة في شيء ، والآن يتجلَّى لكم الأمر بوضوح ؛ فإن عادة تشييع الجنائز بالسيارات يُحرِّم على كثير من الناس أن يحصلوا على مثل هذا الأجر العظيم ؛ لأنه لا يتمكَّن كلٌّ منهم أن يركب سيارة ؛ فهو بحاجة أن يشيِّعها من بيتها إلى المسجد حيث يُصلَّى عليها ، ثم إلى مقرِّها الأخير ، ولذلك تجد اليوم تشييع الجنائز على صورتين :
الأولى - وهي الشائعة الآن - على السيارات ، فيكون المشيِّعون أولًا عددهم قليل ، وهذا مما يعود بالضَّرر ولو نقول ضرر سلبي على المتوفَّى ؛ لأن هؤلاء من أكابر الناس - زعموا ! - ؛ فهم مع قلَّتهم لا يصلون على الميت ، فلا يستفيد الميت من تشييعهم شيئًا ، فالتشييع هذا هو الغالب الآن .
والنوع الثاني : تشييع على الأكتاف كما هو السنة ، فتجد الذين يُشيِّعون والذي يحملون الجنازة على أكتافهم - أيضًا - أقلَّ من القليل ؛ ذلك لأننا نعيش ونُربَّى تربية غير إسلامية ، والتربية الإسلامية تنبع منذ نعومة أظفار الأطفال ، فيترعرع ويشبُّ وهو يُوجَّه من الجو الأصغر المجتمع الأصغر مجتمع البيت ، ثم المحلي ، ثم ثم ؛ بحيث أنه يستطيع أن يحمل الجنازة على كتفه يوم يصبح سنُّه أربعين سنة أو خمسين سنة ، أما الآن فنعيش عيشة تنعُّم وترفُّه ، وبعيدين عن تحمُّل الأثقال والمشاق ، ولذلك فالنفس تسوِّل لنا أن نتعاطى هذه الوسائل الحديثة دون حاجة بل دون ضرورة ، وقد قلنا حينما جاءنا سؤال : قد يكون القبر بعيدًا ؟ فنقول حين ذاك التشييع على السيارة يكون لها حكم خاص ، لكن البحث اتِّخاذ عادة تشييع الجنائز هذا خلاف السنة ، ويفوِّت الخير على المُشَيَّع وعلى المُشيِّع ، أما المشيَّع فيقل المصلون عليه ، وقد جاء في الأحاديث الصحيحة بعضها من صلَّى عليه مائة شخص ، بعضها من صلَّى عليها أربعون شخص ، بعضها من صلَّى عليه ثلاثة صفوف ، قلنا هذا يكون شفاعة لهذا المُتوفَّى والمُصلَّى عليه .
فهذه الوسائل الحديثة التي اتُّخذت عادةً مُلتزمة تضيِّع الفائدة على الميت أولًا ، ثم على المشيعين ثانيًا ، فانظروا الآن كم وكم من قراريط نحن تضيع علينا بسبب هذه العادة التي تسرَّبت إلينا من أولئك الذين ليس عندهم ولا قيراط واحد ؛ لأن هذه القراريط سمعتم لمن ؟ لمن شيَّع إيمانًا واحتسابًا ، الكفار لا يعرفون شيئًا من هذا ، لذلك نأخذ من هذا الحديث هذا التنبيه الهام ؛ إن الخروج عن هدي الرسول - عليه السلام - في كل طاعة وفي كل عبادة ولو كان من باب فرض الكفاية في ذلك خسران كبير جدًّا جدًّا لا يحسُّ به الناس لِـ : أولًا لجهلهم ، وثانيًا لغفلتهم ، وقد يجتمعان .
فإذًا من يشيِّع الجنازة حتى يصلي عليها له أجر قيراط ، والقيراط ثوابه عند الله - عز وجل - مثل جبل أحد ، والذي يُتابع تشييع بعد الصلاة عليها حتى تُدفنَ فله أجر قيراطين .
الحديث التالي وهو بمعنى السابق مع شيء من التوضيح الذي أشرنا إليه آنفًا ؛ قال : وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه كان قاعدًا عند ابن عمر ؛ إذ طلعَ خبَّاب صاحب المقصورة ، فقال : يا عبد الله بن عمر ، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة ؟ يقول : إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( مَن خرجَ مع جنازة من بيتِها ، وصلَّى عليها ، واتَّبعها حتى تدفن ؛ كان له قيراطان من أجر ، كل قيراط مثل أحد ، ومن صلَّى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد ) ، فأرسل ابن عمر خبَّابًا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت ، وأخذ ابن عمر قبضةً قبضةً من حصى المسجد يُقلِّبها في يده ، تصوَّروا هالوضع لأنه وضع بليغ جدًّا لا سيَّما في عاقبته ، قال : وأخذ ابن عمر قبضةً من حصى المسجد يقلِّبها في يده حتى رجع ، فقالت قالت : عائشة صدق أبو هريرة ، فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض ، ثم قال : " لقد فرَّطنا في قراريط كثيرة " .
ابن عمر فرَّط لأنه لم يكن قد طرق سمعه هذا الحديث ؛ أي : لم يكن عنده هذا الحافز الذي هو وسيلة من وسائل الشرع في تربية المسلم وفي دفعه وتحميسه على الإتيان ببعض العبادات ؛ وهو بيان الأجر والثواب لهذه العبادات ، فابن عمر لم يكن سمع من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذا الحديث ، ولا سمعه من بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كأبي هريرة ، إلا في هذه الحادثة حينما بلَّغه خبَّاب ما يقول أبو هريرة ؛ أنه سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث ، فابن عمر لم يكن عدمُ تشييعه للجنازة إهمالًا منه للسنة وللأجر والفضل ، وإنما لأنه لم يكن عنده علم بمثل هذا الأجر العظيم الذي قد يحمل الإنسان المشغول ببعض الفضائل الأخرى المشروعة ؛ كالعلم - مثلًا - كالصلاة ونحو ذلك أن يفرِّغَ نفسه لهذا التشييع من ساعة خروج الجنازة من بيتها إلى إيداعها في مقرِّها الأخير ، لم يكن عند ابن عمر علم بهذا الفضل لذلك ضربَ الأرض بالحصى التي كانت في يده آسفًا ، وقال : " لقد فرَّطنا في قراريط كثيرة " ، أما نحن اليوم فقد يجتمع الأمران معًا الجهل فأكثر الناس لا يعلمون ، هذه الأحاديث أصبحت مع الأسف نسيًا منسيًّا من أهل العلم فضلًا عن غيرهم ؛ لأن أهل العلم مع الأسف مرَّة أخرى إذا قرؤوا الحديث يقولون - زعموا - للبركة فقط ! وليس للتفقه بها وفيها والعمل بما جاء فيها ، وإنما هكذا للبركة ، وما أدري ما هي هذه البركة إذا قُرئ القرآن أو قُرئت السنة ليس للعمل بذلك ، ليس ذاك بالبركة وإنما هي ضد البركة ؛ لأن القرآن حين ذاك والسنة كلٌّ منهما يكون حجَّةً على صاحبه ؛ لأنه علم الحق ثم حاد عنه ولم يعمل به ، ولو أنه تعلَّل لسنا بالعلماء لسنا بالفقهاء ، لكنَّ الله - عز وجل - إنما أنزل القرآن ليقرأه الناس ويتدبروه ، وأنذرهم بقوله - تعالى - إن لم يفعلوا ذلك حين قال : (( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )) .
أقول : هذه الأحاديث إن تُليت اليوم فإنما تتلى - كما قلنا - ... آنفًا للبركة ، وليس للعمل بها ، ومع ذلك فقلَّ من يدرس السنة اليوم ، ولئن درسها للتفقُّه فيها وللعمل بها حصل عيبٌ آخر ؛ وهو أنهم يدرسون السنة من مجموع ما فيها مما صحَّ وما لم يصحَّ ، فإما أن يندفعوا إلى العمل بهذا المجموع بما صحَّ وما لم يصح ، أو أن يصرفَهم من العمل بالمجموع كلِّه حين يتبيَّن لهم بعد زمن بأن هناك أشياء عملوا بها زمنًا طويلًا وإذا هي ليست بصحيحة .
إذا تنبَّه البعض بهذا أعرض عن الكل ، وإلا تمسَّك بالكل فهو واقع في الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روايةً وعملًا ، وهذا فيه شرٌّ كثير مما هو معروف في أحاديث الرسول - عليه السلام - من التحذير عن رواية الحديث عنه إلا بعد التثبُّت من صحته .
نحن اليوم مشكلتنا مشكلتان ، الأولى الجهل بالسنة مع أنها مُيسَّرة بكتب الحديث ، والمشكلة الأخرى أننا قلبنا حياتنا الشرعية إلى حياة بدعيَّة جاهليَّة جاهلية القرن العشرين ؛ لذلك فمن فائدة السنة ولا سيَّما على طريقتنا في الاقتصار على تدريس ما صحَّ منها هو إحياء هذه المعالم الشرعية ، وغرسها في نفوس الشباب المسلم ليندفعوا إلى العمل بها ، ويُزيلوا بما يُمكنهم من العراقيل التي تقف في طريقهم وتحول بينهم وبين الحصول على مثل هذا الأجر الكبير .
تذكَّرت شيئًا في الحديث السابق أن خبَّابًا هذا حينما ذكر القصة ذكر عن أبي هريرة أنه يقول : سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا الحديث ، فأريد أن أذكِّر خاصة مَن له عناية من إخواننا الحاضرين بقراءة السنة وقراءة ما قد يقرؤونه في بعض المجلات التي تجمع ما هبَّ ودبَّ من العلم ، ما صحَّ وما لم يصح منه ؛ فيسمعون - مثلًا - كثيرًا من الطعن في حافظ السنة أبي هريرة - رضي الله عنه - فيقولون - مثلًا - من هذه الشبهات إن أبا هريرة أدرك من الإسلام آخره ، أسلم في غزوة خيبر ، فأدرك من إسلامه من حياة الرسول - عليه السلام - سنتين ونصف تقريبًا ؛ فكيف مع ذلك هو أحفظ الصحابة وأكثرهم حديثًا ؟
عن هذا الجواب عند أهل الحديث ممكن أن نلخِّصه في جوابين أو في سببين :
السبب الأول : حرصه على التصاقه مع الرسول - عليه السلام - ومصاحبته إياه في كلِّ الأحوال ، فلم يكن متأهِّلًا ، ولم يكن صاحب زرع وضرع ، وكان يقنع بأقل القوت ، بل كان يُجيع نفسه ساعات بل أيامًا لملازمة الرسول - عليه السلام - وليستفيد منه ، وكأنه كان قد أحسَّ بأنه تأخَّر إسلامه ، فهو يريد بقى أن يُعوِّض ما فاته من الخير الكثير حينما لم يُسلم من أول بعثة الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، ولذلك كان يفرِّغ نفسه لهذا العلم النبوي أن يكتسبه منه - عليه السلام - ، هذا السبب الأول ، وهو منصوص عليه في بعض الأحاديث ، فإن عمر بن الخطاب اعترف لأبي هريرة بالحفظ ، وقال : " شغلنا عن العلم الصَّفق في الأسواق " ، عمر نفسه الخليفة الراشد الثاني يقول هذا ، أما أبو هريرة فلم يُشغله شيء ، فهذا الاهتمام منه بصحبة الرسول - عليه السلام - وتلقِّي الحديث عنه جعله أكثر مادَّةً في الحديث من غيره من الصحابة حتى الذين كانوا من السابقين الأولين في الإسلام .
السبب الثاني - وهو سبب جوهري - : ولكن هذا الحديث يتعلق من النوع الأول ؛ لأنه قال أنه أبو هريرة يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ إذًا هذا الحديث سمعه منه مباشرة ، وعمر ابن عمر استفاده منه كما سمعتم في القصة ، أما الجواب الثاني ؛ فهو أن أبا هريرة كان يتصل - أيضًا - مع الصحابة الذين سبقوه في الإسلام فيأخذ منهم ما كانوا سمعوه منه - عليه السلام - ؛ إما لأسبقيَّتهم وإما لخلوتهم ومجالساتهم الخاصة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فضمَّ هذا إلى ما تلقَّاه هو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة ؛ فكانت الحصيلة أنه أحفظُ أصحاب الرسول - عليه السلام - كلهم جميعًا بدون استثناء ، وكان يظن أبو هريرة شيئًا فبيَّن في البحث العلمي بأن هذا الظَّنَّ كان وهمًا منه وهو من صالحه ؛ أي : أن يكون وهمًا وهو من صالحه ، ذلك أنه كان يقول عن أحد الصحابة - وهو عبد الله بن عمرو بن العاص غير عبد الله بن عمر بن الخطاب هذا - كان يقول عن عبد الله بن عمرو بن العاص : " إنه أحفظ منِّي " ، ويعلِّل ذلك بقوله : " إنه كان يكتب ولا أكتب " ، فهو يفترض فرضية قد تكون صحيحة ، لكن البحث والاستقراء بيَّن أنه لم يزل أبو هريرة هو أحفظ من الصحابة من كلِّ فرد منهم ، ومنهم هذا العبد عبد الله الذي ظنَّ أبو هريرة أنه أحفظ منه ، والسبب هو ما ذكرناه آنفًا ؛ تفرُّده للنبي - صلى الله عليه وسلم - بحرصه على تلقِّي الحديث منه ، ثم اتِّصاله مع الصحابة وجمعه ما عندهم من السنة ؛ فكان أكثر حديثًا من عبد الله بن عمرو بن العاص .
ذلك من السهل جدًّا استكشافه ، نأخذ " مسند الإمام أحمد " الذي لا يزال أوسع كتب السنة جمعًا لمادة الحديث المرفوع إلى الرسول - عليه السلام - في ستة مجلدات ضخمة ، المجلد الثاني فيه مسند عبد الله بن عمر هذا ، ومسند عبد الله بن عمرو بن العاص ذاك ، ومسند صحابي آخر ليس بالمشهور المعروف بكنيته أبو رمثة ، ومسند أبي هريرة ، وإذا أخذنا مسند أبي هريرة يأخذ نص هذا المجلد كله وحده فقط مسند أبي هريرة ، والنصف الأول يأخذ هؤلاء الصحابة ابن عمر وابن عمرو وأبو رمثة ، فوين حديث أبي هريرة كثرةً وأين حديث بن عمرو بالنسبة إليه ؟ فرَضِيَ الله عنه لحرصه هذا على العلم حفظ لنا من السنة ما لم يحفظه غيره من الصحابة ، وكثير من الأحاديث تأتي من غير طريقه كهذا الحديث الذين نحن الآن في صدده ، فسيأتيكم الآن حديث ثوبان ، وفي حديث أبي هريرة علمتم أن السيدة عائشة صدَّقت أبا هريرة في حديثه ، لكن أحيانًا يأتي له أحاديث يتفرَّد بها ولا يتابعه في ذلك أحد من الصحابة ، فمثل - مثلًا - الحديث المشهور في " صحيح مسلم " : قال الله - تبارك وتعالى - : ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين ) ، هذا حديث طويل وحديث قدسي مروي في " المسند " - أيضًا - وفي " صحيح مسلم " ، تفرَّد بروايته أبي هريرة دون كل الصحابة ، وكم وكم له من مثل هذه الفضائل التي يعود الفضل إليه في حفظها عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - !
الحديث الذي يليه هو - أيضًا - من صحاح الأحاديث وبالمعنى السابق ، لكنه عن صحابي آخر ، حديث ثوبان يقول المؤلف : وعن ثوبان - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( من صلَّى على جنازة فله قيراط ، وإن شهد دفنَها فله قيراطان ، القيراط مثل أحد ) رواه مسلم وابن ماجه ، ورواه ابن ماجه - أيضًا - من حديث أبي بن كعب ، وزاد في آخره : ( والذي نفس محمد بيده القيراط أعظم من أحد هذا ) .
جاء الآن حديث ابن عمر بنفس الحديث السابق ، ولكن هذا يجب أن تتنبَّهوا الآن إلى أنَّه من النوع الذي يقول عنه علماء الحديث بأنه من مراسيل الصحابة ؛ لأنكم علمتم بأن ابن عمر لمَّا بلغه حديث عائشة قال : " لقد فرَّطنا قراريط كثيرة " ، الآن هو نفسه يروي هذا الحديث ، ولكن يقول عن النبي ولا يقول سمعت ، فهو معناه تلقاه ممَّن ؟ إما من أبي هريرة وإما من عائشة التي صدَّقته .
قال : وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( من تبع جنازةً حتى يصلِّيَ عليها فإنَّ له قيراطًا ) فسُئل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن القيراط ؟ فقال : ( مثل أحد ) ، وفي رواية : قالوا : يا رسول الله ، مثل قراريطنا هذه ؟ قال : ( لا بل مثل أحد ، أو أعظم من أحد ) رواه أحمد ورجاله ثقات .
الحديث الأخير في هذا الباب وبه ينتهي الدرس ، وقد تقدَّم - أيضًا - هذا الحديث ، فنذكِّركم به فقط ، قال : وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من أصبح منكم اليوم صائمًا ؟ ) قال أبو بكر : أنا . فقال : ( من أطعم منكم اليوم مسكينًا ؟ ) . قال أبو بكر : أنا . قال : ( من عاد منكم اليوم مريضًا ؟ ) فقال أبو بكر : أنا . فقال : ( من تبع منكم اليوم جنازة ؟ ) قال أبو بكر : أنا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( ما اجتمعت هذه الخصال قطُّ في رجل ) هنا في سقط وضعته على الهامش ، فمن كان عنده نسخة فليصحِّح نسخته ، السقط بعد قوله : ( في رجل ) ( في يوم إلا دخل الجنة) ، بدون هذه الإضافة يختلف معنى الحديث تمامًا ؛ يعني لو في عمره فعل هذه الأشياء الخمس صدقَ عليه أنه دخل الجنة ، بينما الحديث في نفس المصدر الذي عزاه إليه المصنف بهذه الزيادة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ما اجتمعت هذه الخصال قطُّ في رجلٍ في يومٍ إلا دخل الجنة) ، يقول : رواه ابن خزيمة في " صحيحه " ، وهذا من تقصيرات المؤلف في التخريج ، فإن هذا الحديث في " صحيح مسلم " ، وهو عزاه لـ " صحيح ابن خزيمة " ، وهذا في اصطلاح أهل العلم تقصير في علم التخريج ؛ لأنه إذا كان الحديث في أحد " الصحيحين " فلا يجوز عزوه إلى غيرهما إلا عطفًا عليهما أو على أحدهما ، أما أن يُقال رواه ابن خزيمة وقد رواه مسلم ولا يُذكر ؛ فهذا تقصير في التخريج ، والسبب واضح ، وهو الثقة التي نالها " الصحيحان " عند علماء الأمة من حيث دقَّة الشروط التي التزموها في إخراج الأحاديث في كتابيهما بخلاف غيرهما ، ومنهم ابن خزيمة هذا الذي عزا المؤلف الحديث إليه فإنَّه بالنسبة للشيخين في " الصحيحين " متساهل ، فإنه يروي في كثير من الأحيان عن بعض المجهولين ، وهذا تساهل ، بينما الشيخان ... هذا التساهل وامتاز حديثهما بالصحة العليا ؛ لذلك لا يصحُّ أن لا يُعزى الحديث إلى أحد " الصحيحين " وهو في أحدهما ويُعزى إلى غيرهما ؛ لهذا السبب .
على كل حال فالمصنف الحقيقة له مزية كبيرة ؛ لأنه يبدو من تضاعيف كتابه أنه أملى هذا الكتاب من حفظه ، ليس من كتاب !! ولو أن هذا الحفظ بلا شك يستلزم التحضير والمراجعة ، ولكن مهما كان الأمر فأحدنا اليوم يعجز عن أن يُملي صفحة من ذهنه حافظته دون أن يخطئ ؛ فما بالكم وهو قد أملى مجلدين كهذا المجلد هذا أحدهما إملاءً ؟ فلا غرابة أن يسهو وأن ينسى وأن يُخطئ ، وكل بني آدم خطَّاء ، وخير الخطائين التوابون ، على أنَّ خطأه هذا ليس من الخطأ الذي يحتاج إلى توبة ؛ لأنه ليس ذنبًا ، وإنما هو سهو ، والله على كل حال يثيبه - سبحانه وتعالى - ، ونسأله أن يؤجرنا - أيضًا - معه .
الأستاذ معه أسئلة وما حَضَرَنا اليوم ؛ فعسى أن يكون المانع له خيرًا .
السائل : اللي بعدو ضعيف ؟
الشيخ : نعم .
الحديث الرابع أول هذا الدرس ، أما الذي قبله فقد تجاوزناه لضعفه .
الحديث الرابع هو : قوله عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( خمسٌ من عملهنَّ في يومٍ كتبه الله من أهل الجنة ، من عاد مريضًا ، وشهد جنازةً ، وصام يومًا ، وراح إلى الجمعة ، وأعتق رقبة ) رواه ابن حبان في " صحيحه " .
هذا الحديث كالأحاديث السابقة من هذا الفصل مما سبق في بعض الدروس القديمة ، وتكلَّمنا عليها هناك ؛ فلا حاجة بنا لإعادة الكلام عليه ، ومثله - أيضًا - الحديث التالي ؛ فنذكِّركم به ، ثم ننتقل إلى الحديث الذي بعده ، قال : وعنه - يعني أبا سعيد الخدري - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( عودوا المرضى ، واتَّبعوا الجنائز تذكِّركم الآخرة ) رواه أحمد والبزار وابن حبان في " صحيحه " ، وتقدم هو وغيره في العيادة .
لكنِّي أذكِّر هنا بشيء مختصر ؛ وهو قوله - عليه السلام - في هذا الحديث : ( واتَّبعوا الجنائز ) ، أتبَعَه المصنف في الحديث الثاني عن أبي هريرة ، وفيه بيان لهذه الفقرة من حديث أبي سعيد ؛ وهو قوله - عليه السلام - : ( واتبعوا الجنائز ) لبيان من حيث أنه يوضِّح الحديث التالي ؛ أن اتِّباع الجنائز يكون على مرحلتين :
الأولى : من بيتها إلى المسجد أو إلى المصلى للصلاة عليها .
والمرحلة الأخرى - وهي الأتم - : أيضًا يتابع تشييع الجنازة من بعد الصلاة عليها إلى أن يحضرَ دفنها ، فالحديث التالي يبيِّن الفرق في الأجر والفضل بين المرحلة الأولى والمرحلة الأخرى كما ستسمعونه واضحًا .
قال : وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط ، ومن شهدها حتى تُدفنَ فله قيراطان ) . قيل : وما القيراطان ؟ قال : ( مثل الجبلين العظيمين ) ، وفي حديث سيأتي : ( مثل أحد ) ، القيراط مثل أحد - جبل أحد - ، قال في هذا الحديث : رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وفي رواية لمسلم وغيره : ( أصغرهما ) - أصغر الجبلين العظيمين - قال : ( أصغرهما مثل أحد ) ، وفي رواية للبخاري : ( من اتَّبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا ، وكان معه حتى يُصلِّيَ عليها ويُفرَغَ من دفنها ؛ فإنه يرجع من الأجر بقيراطين ؛ كلُّ قيراطٍ مثل أحد ، ومن صلَّى عليها ثم رجع قبل أن تُدفنَ ؛ فإنه يرجع بقيراط ) .
في هذا الحديث التفصيل الذي ذكرناه آنفًا أن التشييع على نصفين ؛ النصف الأول له أجر قيراط ، والنصف الثاني له أجر قيراط آخر ، فمن شيَّع جنازة من ساعة خروجها إلى أن يُصلَّى عليها إلى أن تُدفن رجع من الأجر بقيراطين ، وكلُّ قيراط مثل جبل أحد ، أو الرواية الأخرى : ( أصغر القيراطين مثل جبل أحد ) ، والقيراط في اللغة يختلف اختلاف بعض البلاد ، ففي أكثر البلاد القيراط هو جزء من عشرين ، وهنا في البلاد الشامية - ولا أدري لعله الأمر لا يزال كذلك ، وهذا ما أظنه - هو جزء من أربع وعشرين ، فالقيراط جزء من عشرين أو من أربع وعشرين ، هذا الذي يشيِّع الجنازة من بيتها إلى قبرها له أجر قيراطين ؛ كلُّ قيراط مثل جبل أحد ، ولكن هل هذا التشييع أو هذا الأجر يحصل عليه كلُّ مشيِّع ؛ خاصة إذا شيَّعه من بيته إلى المسجد ثم لم يدخل المسجد ، أو من بيته إلى المصلى حيث تُصلَّى أو يُصلَّى الجنازة فيه ؟
لا شك أن الذي يحصل على أجر القيراطين - أو على الأقل القيراط الواحد - يُشترط فيه ما سمعتموه في بعض روايات الحديث إيمانًا واحتسابًا ، فخرج من هذا كل مَن يشيِّع الجنازة لسببٍ آخر غير الاحتساب والتقرُّب إلى الله - تبارك وتعالى - ، وهذا هو المشاهد اليوم ؛ أن تشييع الجنازة صار من باب رفع المسؤولية ، أو صار - كما أعتقد وأسمِّيه دائمًا وأبدًا - هو نفاق اجتماعي ؛ فقلَّ جدًّا جدًّا مَن يشيِّع الجنازة ليحصلَ على هذا الثواب والأجر العظيم المذكور في هذا الحديث ، وسيأتي في بعض الأحاديث القريبة أنَّ أحد الصحابة الأجلَّاء لم يكن عنده علم بهذا الحديث الذي يعود الفضل الأول إلى حفظِه لهذه الأمة ممَّن سمعه من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ ألا وهو أبو هريرة هذا الرجل الفاضل يعود إليه الفضل الأول في حفظ هذا الحديث ؛ لأنه خَفِيَ على بعض الصحابة العبَّاد الزهَّاد ، ستسمعون أنه جرى نقاش بين بعضهم حول هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة ، واقتضى الأمر أن يسألوا السيدة عائشة فصدَّقته في حديثه ، فقال ذلك الصحابي - وهو ابن عمر ، وما أدراكم من ابن عمر ؟! - : " لقد ضيَّعنا قراريط كثيرة " .
وإذا عدنا لنذكِّركم ببعض تعليقاتنا على تشييع الجنازة في بعض الأحاديث التي مررنا عليها آنفًا مرورًا سريعًا ؛ أنَّ تشييع الجنائز على هذه الطريقة التي تُشيَّع اليوم ليست من السنة في شيء ، والآن يتجلَّى لكم الأمر بوضوح ؛ فإن عادة تشييع الجنائز بالسيارات يُحرِّم على كثير من الناس أن يحصلوا على مثل هذا الأجر العظيم ؛ لأنه لا يتمكَّن كلٌّ منهم أن يركب سيارة ؛ فهو بحاجة أن يشيِّعها من بيتها إلى المسجد حيث يُصلَّى عليها ، ثم إلى مقرِّها الأخير ، ولذلك تجد اليوم تشييع الجنائز على صورتين :
الأولى - وهي الشائعة الآن - على السيارات ، فيكون المشيِّعون أولًا عددهم قليل ، وهذا مما يعود بالضَّرر ولو نقول ضرر سلبي على المتوفَّى ؛ لأن هؤلاء من أكابر الناس - زعموا ! - ؛ فهم مع قلَّتهم لا يصلون على الميت ، فلا يستفيد الميت من تشييعهم شيئًا ، فالتشييع هذا هو الغالب الآن .
والنوع الثاني : تشييع على الأكتاف كما هو السنة ، فتجد الذين يُشيِّعون والذي يحملون الجنازة على أكتافهم - أيضًا - أقلَّ من القليل ؛ ذلك لأننا نعيش ونُربَّى تربية غير إسلامية ، والتربية الإسلامية تنبع منذ نعومة أظفار الأطفال ، فيترعرع ويشبُّ وهو يُوجَّه من الجو الأصغر المجتمع الأصغر مجتمع البيت ، ثم المحلي ، ثم ثم ؛ بحيث أنه يستطيع أن يحمل الجنازة على كتفه يوم يصبح سنُّه أربعين سنة أو خمسين سنة ، أما الآن فنعيش عيشة تنعُّم وترفُّه ، وبعيدين عن تحمُّل الأثقال والمشاق ، ولذلك فالنفس تسوِّل لنا أن نتعاطى هذه الوسائل الحديثة دون حاجة بل دون ضرورة ، وقد قلنا حينما جاءنا سؤال : قد يكون القبر بعيدًا ؟ فنقول حين ذاك التشييع على السيارة يكون لها حكم خاص ، لكن البحث اتِّخاذ عادة تشييع الجنائز هذا خلاف السنة ، ويفوِّت الخير على المُشَيَّع وعلى المُشيِّع ، أما المشيَّع فيقل المصلون عليه ، وقد جاء في الأحاديث الصحيحة بعضها من صلَّى عليه مائة شخص ، بعضها من صلَّى عليها أربعون شخص ، بعضها من صلَّى عليه ثلاثة صفوف ، قلنا هذا يكون شفاعة لهذا المُتوفَّى والمُصلَّى عليه .
فهذه الوسائل الحديثة التي اتُّخذت عادةً مُلتزمة تضيِّع الفائدة على الميت أولًا ، ثم على المشيعين ثانيًا ، فانظروا الآن كم وكم من قراريط نحن تضيع علينا بسبب هذه العادة التي تسرَّبت إلينا من أولئك الذين ليس عندهم ولا قيراط واحد ؛ لأن هذه القراريط سمعتم لمن ؟ لمن شيَّع إيمانًا واحتسابًا ، الكفار لا يعرفون شيئًا من هذا ، لذلك نأخذ من هذا الحديث هذا التنبيه الهام ؛ إن الخروج عن هدي الرسول - عليه السلام - في كل طاعة وفي كل عبادة ولو كان من باب فرض الكفاية في ذلك خسران كبير جدًّا جدًّا لا يحسُّ به الناس لِـ : أولًا لجهلهم ، وثانيًا لغفلتهم ، وقد يجتمعان .
فإذًا من يشيِّع الجنازة حتى يصلي عليها له أجر قيراط ، والقيراط ثوابه عند الله - عز وجل - مثل جبل أحد ، والذي يُتابع تشييع بعد الصلاة عليها حتى تُدفنَ فله أجر قيراطين .
الحديث التالي وهو بمعنى السابق مع شيء من التوضيح الذي أشرنا إليه آنفًا ؛ قال : وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه كان قاعدًا عند ابن عمر ؛ إذ طلعَ خبَّاب صاحب المقصورة ، فقال : يا عبد الله بن عمر ، ألا تسمع ما يقول أبو هريرة ؟ يقول : إنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( مَن خرجَ مع جنازة من بيتِها ، وصلَّى عليها ، واتَّبعها حتى تدفن ؛ كان له قيراطان من أجر ، كل قيراط مثل أحد ، ومن صلَّى عليها ثم رجع كان له من الأجر مثل أحد ) ، فأرسل ابن عمر خبَّابًا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره بما قالت ، وأخذ ابن عمر قبضةً قبضةً من حصى المسجد يُقلِّبها في يده ، تصوَّروا هالوضع لأنه وضع بليغ جدًّا لا سيَّما في عاقبته ، قال : وأخذ ابن عمر قبضةً من حصى المسجد يقلِّبها في يده حتى رجع ، فقالت قالت : عائشة صدق أبو هريرة ، فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الأرض ، ثم قال : " لقد فرَّطنا في قراريط كثيرة " .
ابن عمر فرَّط لأنه لم يكن قد طرق سمعه هذا الحديث ؛ أي : لم يكن عنده هذا الحافز الذي هو وسيلة من وسائل الشرع في تربية المسلم وفي دفعه وتحميسه على الإتيان ببعض العبادات ؛ وهو بيان الأجر والثواب لهذه العبادات ، فابن عمر لم يكن سمع من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هذا الحديث ، ولا سمعه من بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كأبي هريرة ، إلا في هذه الحادثة حينما بلَّغه خبَّاب ما يقول أبو هريرة ؛ أنه سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحديث ، فابن عمر لم يكن عدمُ تشييعه للجنازة إهمالًا منه للسنة وللأجر والفضل ، وإنما لأنه لم يكن عنده علم بمثل هذا الأجر العظيم الذي قد يحمل الإنسان المشغول ببعض الفضائل الأخرى المشروعة ؛ كالعلم - مثلًا - كالصلاة ونحو ذلك أن يفرِّغَ نفسه لهذا التشييع من ساعة خروج الجنازة من بيتها إلى إيداعها في مقرِّها الأخير ، لم يكن عند ابن عمر علم بهذا الفضل لذلك ضربَ الأرض بالحصى التي كانت في يده آسفًا ، وقال : " لقد فرَّطنا في قراريط كثيرة " ، أما نحن اليوم فقد يجتمع الأمران معًا الجهل فأكثر الناس لا يعلمون ، هذه الأحاديث أصبحت مع الأسف نسيًا منسيًّا من أهل العلم فضلًا عن غيرهم ؛ لأن أهل العلم مع الأسف مرَّة أخرى إذا قرؤوا الحديث يقولون - زعموا - للبركة فقط ! وليس للتفقه بها وفيها والعمل بما جاء فيها ، وإنما هكذا للبركة ، وما أدري ما هي هذه البركة إذا قُرئ القرآن أو قُرئت السنة ليس للعمل بذلك ، ليس ذاك بالبركة وإنما هي ضد البركة ؛ لأن القرآن حين ذاك والسنة كلٌّ منهما يكون حجَّةً على صاحبه ؛ لأنه علم الحق ثم حاد عنه ولم يعمل به ، ولو أنه تعلَّل لسنا بالعلماء لسنا بالفقهاء ، لكنَّ الله - عز وجل - إنما أنزل القرآن ليقرأه الناس ويتدبروه ، وأنذرهم بقوله - تعالى - إن لم يفعلوا ذلك حين قال : (( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )) .
أقول : هذه الأحاديث إن تُليت اليوم فإنما تتلى - كما قلنا - ... آنفًا للبركة ، وليس للعمل بها ، ومع ذلك فقلَّ من يدرس السنة اليوم ، ولئن درسها للتفقُّه فيها وللعمل بها حصل عيبٌ آخر ؛ وهو أنهم يدرسون السنة من مجموع ما فيها مما صحَّ وما لم يصحَّ ، فإما أن يندفعوا إلى العمل بهذا المجموع بما صحَّ وما لم يصح ، أو أن يصرفَهم من العمل بالمجموع كلِّه حين يتبيَّن لهم بعد زمن بأن هناك أشياء عملوا بها زمنًا طويلًا وإذا هي ليست بصحيحة .
إذا تنبَّه البعض بهذا أعرض عن الكل ، وإلا تمسَّك بالكل فهو واقع في الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روايةً وعملًا ، وهذا فيه شرٌّ كثير مما هو معروف في أحاديث الرسول - عليه السلام - من التحذير عن رواية الحديث عنه إلا بعد التثبُّت من صحته .
نحن اليوم مشكلتنا مشكلتان ، الأولى الجهل بالسنة مع أنها مُيسَّرة بكتب الحديث ، والمشكلة الأخرى أننا قلبنا حياتنا الشرعية إلى حياة بدعيَّة جاهليَّة جاهلية القرن العشرين ؛ لذلك فمن فائدة السنة ولا سيَّما على طريقتنا في الاقتصار على تدريس ما صحَّ منها هو إحياء هذه المعالم الشرعية ، وغرسها في نفوس الشباب المسلم ليندفعوا إلى العمل بها ، ويُزيلوا بما يُمكنهم من العراقيل التي تقف في طريقهم وتحول بينهم وبين الحصول على مثل هذا الأجر الكبير .
تذكَّرت شيئًا في الحديث السابق أن خبَّابًا هذا حينما ذكر القصة ذكر عن أبي هريرة أنه يقول : سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا الحديث ، فأريد أن أذكِّر خاصة مَن له عناية من إخواننا الحاضرين بقراءة السنة وقراءة ما قد يقرؤونه في بعض المجلات التي تجمع ما هبَّ ودبَّ من العلم ، ما صحَّ وما لم يصح منه ؛ فيسمعون - مثلًا - كثيرًا من الطعن في حافظ السنة أبي هريرة - رضي الله عنه - فيقولون - مثلًا - من هذه الشبهات إن أبا هريرة أدرك من الإسلام آخره ، أسلم في غزوة خيبر ، فأدرك من إسلامه من حياة الرسول - عليه السلام - سنتين ونصف تقريبًا ؛ فكيف مع ذلك هو أحفظ الصحابة وأكثرهم حديثًا ؟
عن هذا الجواب عند أهل الحديث ممكن أن نلخِّصه في جوابين أو في سببين :
السبب الأول : حرصه على التصاقه مع الرسول - عليه السلام - ومصاحبته إياه في كلِّ الأحوال ، فلم يكن متأهِّلًا ، ولم يكن صاحب زرع وضرع ، وكان يقنع بأقل القوت ، بل كان يُجيع نفسه ساعات بل أيامًا لملازمة الرسول - عليه السلام - وليستفيد منه ، وكأنه كان قد أحسَّ بأنه تأخَّر إسلامه ، فهو يريد بقى أن يُعوِّض ما فاته من الخير الكثير حينما لم يُسلم من أول بعثة الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، ولذلك كان يفرِّغ نفسه لهذا العلم النبوي أن يكتسبه منه - عليه السلام - ، هذا السبب الأول ، وهو منصوص عليه في بعض الأحاديث ، فإن عمر بن الخطاب اعترف لأبي هريرة بالحفظ ، وقال : " شغلنا عن العلم الصَّفق في الأسواق " ، عمر نفسه الخليفة الراشد الثاني يقول هذا ، أما أبو هريرة فلم يُشغله شيء ، فهذا الاهتمام منه بصحبة الرسول - عليه السلام - وتلقِّي الحديث عنه جعله أكثر مادَّةً في الحديث من غيره من الصحابة حتى الذين كانوا من السابقين الأولين في الإسلام .
السبب الثاني - وهو سبب جوهري - : ولكن هذا الحديث يتعلق من النوع الأول ؛ لأنه قال أنه أبو هريرة يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ إذًا هذا الحديث سمعه منه مباشرة ، وعمر ابن عمر استفاده منه كما سمعتم في القصة ، أما الجواب الثاني ؛ فهو أن أبا هريرة كان يتصل - أيضًا - مع الصحابة الذين سبقوه في الإسلام فيأخذ منهم ما كانوا سمعوه منه - عليه السلام - ؛ إما لأسبقيَّتهم وإما لخلوتهم ومجالساتهم الخاصة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فضمَّ هذا إلى ما تلقَّاه هو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة ؛ فكانت الحصيلة أنه أحفظُ أصحاب الرسول - عليه السلام - كلهم جميعًا بدون استثناء ، وكان يظن أبو هريرة شيئًا فبيَّن في البحث العلمي بأن هذا الظَّنَّ كان وهمًا منه وهو من صالحه ؛ أي : أن يكون وهمًا وهو من صالحه ، ذلك أنه كان يقول عن أحد الصحابة - وهو عبد الله بن عمرو بن العاص غير عبد الله بن عمر بن الخطاب هذا - كان يقول عن عبد الله بن عمرو بن العاص : " إنه أحفظ منِّي " ، ويعلِّل ذلك بقوله : " إنه كان يكتب ولا أكتب " ، فهو يفترض فرضية قد تكون صحيحة ، لكن البحث والاستقراء بيَّن أنه لم يزل أبو هريرة هو أحفظ من الصحابة من كلِّ فرد منهم ، ومنهم هذا العبد عبد الله الذي ظنَّ أبو هريرة أنه أحفظ منه ، والسبب هو ما ذكرناه آنفًا ؛ تفرُّده للنبي - صلى الله عليه وسلم - بحرصه على تلقِّي الحديث منه ، ثم اتِّصاله مع الصحابة وجمعه ما عندهم من السنة ؛ فكان أكثر حديثًا من عبد الله بن عمرو بن العاص .
ذلك من السهل جدًّا استكشافه ، نأخذ " مسند الإمام أحمد " الذي لا يزال أوسع كتب السنة جمعًا لمادة الحديث المرفوع إلى الرسول - عليه السلام - في ستة مجلدات ضخمة ، المجلد الثاني فيه مسند عبد الله بن عمر هذا ، ومسند عبد الله بن عمرو بن العاص ذاك ، ومسند صحابي آخر ليس بالمشهور المعروف بكنيته أبو رمثة ، ومسند أبي هريرة ، وإذا أخذنا مسند أبي هريرة يأخذ نص هذا المجلد كله وحده فقط مسند أبي هريرة ، والنصف الأول يأخذ هؤلاء الصحابة ابن عمر وابن عمرو وأبو رمثة ، فوين حديث أبي هريرة كثرةً وأين حديث بن عمرو بالنسبة إليه ؟ فرَضِيَ الله عنه لحرصه هذا على العلم حفظ لنا من السنة ما لم يحفظه غيره من الصحابة ، وكثير من الأحاديث تأتي من غير طريقه كهذا الحديث الذين نحن الآن في صدده ، فسيأتيكم الآن حديث ثوبان ، وفي حديث أبي هريرة علمتم أن السيدة عائشة صدَّقت أبا هريرة في حديثه ، لكن أحيانًا يأتي له أحاديث يتفرَّد بها ولا يتابعه في ذلك أحد من الصحابة ، فمثل - مثلًا - الحديث المشهور في " صحيح مسلم " : قال الله - تبارك وتعالى - : ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين ) ، هذا حديث طويل وحديث قدسي مروي في " المسند " - أيضًا - وفي " صحيح مسلم " ، تفرَّد بروايته أبي هريرة دون كل الصحابة ، وكم وكم له من مثل هذه الفضائل التي يعود الفضل إليه في حفظها عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - !
الحديث الذي يليه هو - أيضًا - من صحاح الأحاديث وبالمعنى السابق ، لكنه عن صحابي آخر ، حديث ثوبان يقول المؤلف : وعن ثوبان - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( من صلَّى على جنازة فله قيراط ، وإن شهد دفنَها فله قيراطان ، القيراط مثل أحد ) رواه مسلم وابن ماجه ، ورواه ابن ماجه - أيضًا - من حديث أبي بن كعب ، وزاد في آخره : ( والذي نفس محمد بيده القيراط أعظم من أحد هذا ) .
جاء الآن حديث ابن عمر بنفس الحديث السابق ، ولكن هذا يجب أن تتنبَّهوا الآن إلى أنَّه من النوع الذي يقول عنه علماء الحديث بأنه من مراسيل الصحابة ؛ لأنكم علمتم بأن ابن عمر لمَّا بلغه حديث عائشة قال : " لقد فرَّطنا قراريط كثيرة " ، الآن هو نفسه يروي هذا الحديث ، ولكن يقول عن النبي ولا يقول سمعت ، فهو معناه تلقاه ممَّن ؟ إما من أبي هريرة وإما من عائشة التي صدَّقته .
قال : وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( من تبع جنازةً حتى يصلِّيَ عليها فإنَّ له قيراطًا ) فسُئل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن القيراط ؟ فقال : ( مثل أحد ) ، وفي رواية : قالوا : يا رسول الله ، مثل قراريطنا هذه ؟ قال : ( لا بل مثل أحد ، أو أعظم من أحد ) رواه أحمد ورجاله ثقات .
الحديث الأخير في هذا الباب وبه ينتهي الدرس ، وقد تقدَّم - أيضًا - هذا الحديث ، فنذكِّركم به فقط ، قال : وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( من أصبح منكم اليوم صائمًا ؟ ) قال أبو بكر : أنا . فقال : ( من أطعم منكم اليوم مسكينًا ؟ ) . قال أبو بكر : أنا . قال : ( من عاد منكم اليوم مريضًا ؟ ) فقال أبو بكر : أنا . فقال : ( من تبع منكم اليوم جنازة ؟ ) قال أبو بكر : أنا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( ما اجتمعت هذه الخصال قطُّ في رجل ) هنا في سقط وضعته على الهامش ، فمن كان عنده نسخة فليصحِّح نسخته ، السقط بعد قوله : ( في رجل ) ( في يوم إلا دخل الجنة) ، بدون هذه الإضافة يختلف معنى الحديث تمامًا ؛ يعني لو في عمره فعل هذه الأشياء الخمس صدقَ عليه أنه دخل الجنة ، بينما الحديث في نفس المصدر الذي عزاه إليه المصنف بهذه الزيادة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (ما اجتمعت هذه الخصال قطُّ في رجلٍ في يومٍ إلا دخل الجنة) ، يقول : رواه ابن خزيمة في " صحيحه " ، وهذا من تقصيرات المؤلف في التخريج ، فإن هذا الحديث في " صحيح مسلم " ، وهو عزاه لـ " صحيح ابن خزيمة " ، وهذا في اصطلاح أهل العلم تقصير في علم التخريج ؛ لأنه إذا كان الحديث في أحد " الصحيحين " فلا يجوز عزوه إلى غيرهما إلا عطفًا عليهما أو على أحدهما ، أما أن يُقال رواه ابن خزيمة وقد رواه مسلم ولا يُذكر ؛ فهذا تقصير في التخريج ، والسبب واضح ، وهو الثقة التي نالها " الصحيحان " عند علماء الأمة من حيث دقَّة الشروط التي التزموها في إخراج الأحاديث في كتابيهما بخلاف غيرهما ، ومنهم ابن خزيمة هذا الذي عزا المؤلف الحديث إليه فإنَّه بالنسبة للشيخين في " الصحيحين " متساهل ، فإنه يروي في كثير من الأحيان عن بعض المجهولين ، وهذا تساهل ، بينما الشيخان ... هذا التساهل وامتاز حديثهما بالصحة العليا ؛ لذلك لا يصحُّ أن لا يُعزى الحديث إلى أحد " الصحيحين " وهو في أحدهما ويُعزى إلى غيرهما ؛ لهذا السبب .
على كل حال فالمصنف الحقيقة له مزية كبيرة ؛ لأنه يبدو من تضاعيف كتابه أنه أملى هذا الكتاب من حفظه ، ليس من كتاب !! ولو أن هذا الحفظ بلا شك يستلزم التحضير والمراجعة ، ولكن مهما كان الأمر فأحدنا اليوم يعجز عن أن يُملي صفحة من ذهنه حافظته دون أن يخطئ ؛ فما بالكم وهو قد أملى مجلدين كهذا المجلد هذا أحدهما إملاءً ؟ فلا غرابة أن يسهو وأن ينسى وأن يُخطئ ، وكل بني آدم خطَّاء ، وخير الخطائين التوابون ، على أنَّ خطأه هذا ليس من الخطأ الذي يحتاج إلى توبة ؛ لأنه ليس ذنبًا ، وإنما هو سهو ، والله على كل حال يثيبه - سبحانه وتعالى - ، ونسأله أن يؤجرنا - أيضًا - معه .
الأستاذ معه أسئلة وما حَضَرَنا اليوم ؛ فعسى أن يكون المانع له خيرًا .
السائل : اللي بعدو ضعيف ؟
الشيخ : نعم .
- سلسلة الترغيب والترهيب - شريط : 9
- توقيت الفهرسة : 00:00:00
- نسخة مدققة إملائيًّا