الترغيب على الصبر فيما يبتلى الله عبده المسلم .
A-
A=
A+
الشيخ : لا نزال في فصل الترغيب على الصبر فيما يبتلي الله به عبده المسلم من كتاب " الترغيب والترهيب " للحافظ المنذري مختارًا منه الأحاديث الثابتة في كل باب ، وفي الدرس الماضي وصل بنا الدور إلى الحديث السبعين في ترقيم نسختي ، وهذا الحديث من تلك الأحاديث الصحيحة ، وهو قوله :
وعن فاطمة الخزاعية قالت : عاد النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - امرأةً من الأنصار وهي وَجِعَة ، فقال لها : ( كيف تجدينك ؟ ) قالت : بخير ، إلا أنَّ أم ملدم قد برَّحت بي . فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( اصبري ؛ فإنها تُذهب خبثَ ابن آدم كما تُذهب الكيرُ خبثَ الحديد ) رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح .
هذا حديثٌ يُشبه حديثًا مضى في الدرس السابق ، إلا أن هذه المرأة يبدو أنها من الناحية النفسية كانت خيرًا من تلك ؛ حيث أنها أجابت هذه المرأة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما سألها عن حالها فأجابت بقولها : " بخير إلا أن أم ملدم " . أم ملدم هي الحمى ، وهذه كنية لها ؛ لأنها تلدم صاحبها وتضربه ضربًا بالأوجاع . تقول : " قد برَّحت بي " يعني أصابتها البرحاء يعني الشِّدَّة ، ولزمتها هذه الحمَّى ، فأوصاها النبي - صلوات الله وسلامه عليه - كما هو شأنه مع كل من يراه من المُبتلين بقوله : ( اصبري ؛ فإنها ) أي : الحمى ، ( تُذهب خبث ابن آدم كما يُذهب الكير ) كور الحدَّاد ، ( خبث الحديد ) كذلك الحمى تذهب بخبث ابن آدم أي : بمعاصيه وذنوبه ، فحريٌّ بكلِّ من ابتُلي بمثل هذه الأمراض كالحمى أن يصبر على ذلك ليرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه .
الحديث الذي يليه مباشرةً ضعيف الإسناد ، أما التالي فهو حسن ، وهو قوله : وعنه - يعني الحسن - قال : كانوا يرجون في حمَّى ليلة كفَّارة لِمَا مضى من الذنوب . رواه ابن أبي الدنيا - أيضًا - ورواته ثقات .
هذا الحديث ليس فيه التصريح برفعه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، لأنه أولًا من رواية الحسن وهو الحسن البصري ، والحسن البصري قد عرفنا من دروسنا السابقة أنه رجل من أفاضل وكبار علماء التابعين وزهَّادهم وشجعانهم ، قد جمع كثيرًا من الخصال التي قلَّما تتوفر في أفراد من الرجال ، إلا أنه من الناحية الحديثية فيه ما يمنع العالم بالحديث من الاحتجاج بحديثه في بعض الأحيان ، وذلك حينما يروى الحديث عن الصحابي ، بل وعمَّن دونه - أيضًا - من التابعين بصيغة " عن " أو بصيغة " قال " أو بأيِّ صيغة أخرى لا يصرِّح فيها بسماعه للحديث من ذلك الصحابي أو غيره ، إذا لم يصرِّح بالسماع لا يحتج بحديثه مع جلالته وفضله ، ذلك لأنه محشور عند العارفين بعلم الحديث ومصطلحه في زمرة المدلسين .
هذا الحديث نراه هنا أولًا الحسن البصري لم يقل هنا عن صحابيٍّ معيَّن ، وإنما ماذا قال ؟ " كانوا يرجون " ، عن الحسن قال : " كانوا يرجون " فلم يذكر الرسول - عليه السلام - أولًا مطلقًا ، ثانيًا هنا نقطة حديثية أخرى ؛ " كانوا يرجون " الجمع هذا يعود إلى من " كانوا " ؟ إلى الصحابة أم إلى التابعين ؟ هنا قاعدة عند علماء الحديث : إذا تكلم الصحابي فقال : " كانوا يرجون " أحد الصحابة ، فهو نصٌّ في أن الذين يعنيهم هم الصحابة ، أما إذا قال التابعي - كما هنا - : " كانوا " فهو يحتمل أنه يعني علماء زمانه ؛ يعني من التابعين ، ويمكن أنه يعني هؤلاء وبعض الصحابة الذين أدرَكَهم .
خلاصة القول : مثل هذا الحديث لا يُعطى له حكم المرفوع إلى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ لأنه أولًا لم يذكر فيه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مطلقًا ، وثانيًا لأن الذي يروي هذا الخبر هو تابعي وليس بصحابي ، لو كان الصحابي يقول هذا الكلام فيعني ذلك أن الصحابة كانوا يرجون .
على كلِّ حال الغرض من مثل هذا البحث وهذا التحقيق أنَّنا لا نزال مع أولئك الرَّاجين ، لا نقطع بفضل ما جاء في هذا الأثر عن الحسن البصري أن حمَّى ليلة كفارة الذُّنوب كلِّها ، لو كان حديثًا مرفوعًا م الرسول - عليه الصلاة والسلام - مُصرَّح في نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لَعضَضْنا عليه بالنواجذ ، لكن ما هو إلا رواية من الحسن عن علماء عصره ؛ لأنهم كانوا يرجون من حمَّى ليلة تُصيب المسلم أنها كفَّارة للذنوب .
الحديث الذي بعده ضعيف السند .
أما الآتي فهو صحيح ، وقد كنَّا قرأناه بمناسبة حديث مضى في الدرس الماضي فلا بأس من إعادته ؛ وهو قوله : عن جابر - رضي الله عنه - قال : استأذنَتِ الحُمَّى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( من هذه ؟ ) . قالت : أم ملدم . فأمر بها إلى أهل قباء ، فلقوا منها ما يعلم الله ، فأتوه فشكو ذلك إليه ، فقال : ( ما شئتم ، إن شئتم دعوتُ الله فكشفها عنكم ، وإن شئتم تكون لكم طهورًا ) . قالوا : أو تفعل ؟! قال : ( نعم ) . قالوا : فدعها . رواه أحمد ورواته رواة الصحيح ، وأبو يعلى ، وابن حبان في " صحيحه " ، وراه الطبراني بنحوه من حديث سلمان ، وقال فيه : فشكوا الحمى إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : ( ما شئتم ، إن شئتم دعوت الله فدفعها عنكم ، وإن شئتم تركتموها وأُسقِطَت بقيَّة ذنوبكم ) . قالوا : فدعها يا رسول الله .
فهذه الحديث هنا له روايتان ، الأولى عن جابر والأخرى عن سلمان ، والمهم أن الحديث حديث صحيح ، وفيه غريبة من العلم النبوي الغيبي الذي لا تُدركه العقول مطلقًا مهما سَمَت وعَلَت ؛ وهي قوله أن الحمَّى جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : ( من هذه ؟ ) . قد يتبادر إلى الذهن جاءت لتدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته - مثلًا - ، ويمكن أن المقصود تستأذن في الدخول حيث هو في بلدته في المدينة المنورة ، المهم أن العلم الغريب في هذه الرواية أن الحمَّى كأنها شخص ههنا في هذا الحديث ، وما هي إلا كما نعلم مرض ؛ حرارة شديدة تُصيب الإنسان ؛ فكيف الحمَّى تأتي ؟ وكيف تستأذن ؟ وكيف الرسول - عليه السلام - يسأل من هذه ؟ فتقول مجيبًا عن سؤال الرسول : أمُّ ملدم . فيأمر الرسول - عليه السلام - بها إلى أهل قبا ، أي : إن الحمَّى التي استأذنت في الدخول على النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة رفض الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يأذن لها ، وإنما أذن لها أن تذهب إلى قبا ، وقبا عبارة عن حارة محلَّة كانت قديمًا للأنصار الذين آمنوا بالرسول - عليه الصلاة والسلام - ونصروه ، وهي الآن أصبحت يعني محلَّة من المدينة بسبب اتصال البنيان بينها وبينها ، وهي من الناحية العربية يمكن قصرها ويجوز مدُّها ، فيُمكن أن تقول : " قُبا " ويمكن أن تقول : " قُباء " ، فهنا جاءت بالقصر ليس بالمدِّ ، الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر إذًا الحمَّى أن لا تدخلَ المدينة وإنما تأتى قُبا .
قال جابر - رضي الله عنه - وهو من الأنصار : " فلقوا " أي أهل قُبا ، " لقوا منها ما يعلم الله " يعني من الشِّدَّة ومن المرض الذي يلزم صاحبه بسبب الحرارة الشديدة التي تنتابه ، " فأتوه " رجع أهل قُبا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكوا ذلك إليه ، يعني كانوا مرتاحين من هذا الوباء من هذا المرض ، فلما الرسول - عليه السلام - أذن لها أن تأتي إلى قُبا أصيبوا به ولقوا منه الألاقي ، فلما سمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شكواهم خيَّرهم فقال : ( ما شئتم ، إن شئتم دعوت الله فكشفها عنكم ) ؛ لأن هذا من جملة البلاء ، ( وإن شئتم أن تكون لكم طهورُا لذنوبكم فعلت ) ، قالوا : أو تفعله ؟ قال : ( نعم ) . قالوا : فدعها .
لما عرف أصحاب الرسول - عليه السلام - من الأنصار من أهل قُبا أن ببقاء الحمى في بلدتهم أجرًا كبيرًا وتكفيرًا لذنوبهم صبروا ورضوا ، وكذا شأن المسلم يُؤثر ما قد يُتعبُه وما قد يُضنيه حينما يعلم أن له على ذلك أجرًا ، وقد كنت ذكرت لكم في قصة أبيِّ بن كعب وهو من الأنصار الذي دعا على نفسه وستأتي قصَّته الآن ؛ أنُّو لا يزال يعيش مُصابًا بالحمَّى ولكنه طلب في دعائه من ربه - عز وجل - أن لا تُضنيه ولا تُتعبه ؛ أن يظلَّ مستطيعًا للجهاد في سبيل الله والخروج إلى المسجد ومسجد الرسول - عليه السلام - ونحو ذلك ؛ فكان أبيُّ بن كعب - رضي الله عنه - كلَّما مُسَّ في طرفٍ من بدنه فكأن بدنه نار بسبب الحمَّى ، ولكن ما أثَّرت فيه من ناحية الطاعة والعبادة ، وأوردتُ شبهة وإشكالًا وأجبتُ عليه بأنَّني ذكرت هذا الحديث الذي فيه هذه القصة بين أهل قُباء وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - حين خيَّرهم بين أن تظلَّ الحمَّى ملازمة لهم على أن يكون جزاؤهم عند الله - عز وجل - مغفرة ذنوبهم وبين أن يرفعها عنهم ، فلمَّا خيَّرهم قالوا شيئًا فيه نكتة ، لعل بعضكم ربما لم يتنبَّه لها ؛ قالوا : أوتفعله ؟ ... إذا كان الرسول يخيِّرهم يقول : ( إن شئتم دعوتُ الله رفعها عنكم ، وإن شئتم تركتها ) . قالوا : أوتفعله ؟ السبب هو الإشكال الذي أوردتُه في الأمس هو المعروف أنَّ المسلم لا يطلب من الله - عز وجل - البلاء ، بل يطلب منه - تبارك وتعالى - صرف هذا البلاء عنهم ؛ فالآن هنا الرسول يُخيِّرهم ؛ لذلك استغربوا ، لكن الغرابة تزول حينما نعلم أن هذه الحمَّى ليست مرضًا بحيث يصرف المسلم عن القيام بواجباته الدينية ، ثم مع ملازمتها له تكون كفَّارةً لذنوبه كما في هذا الحديث ، وهو في الأحاديث التي سبقت في الدروس المتقدمة ، فلما قالوا : أوتفعله ؟ أجابهم بالإيجاب ؛ قال : ( نعم ) ؛ فحينئذٍ قالوا : دَعْها ؛ اترُكْها عندنا ونحن نصبر على ذلك ، هذا الحديث يذكِّرنا بأن الناس يختلفون من هذه الحيثيَّة من حيثيَّة الصبر وعدم الصبر ، ومنهم الصابرون ومنهم دون ذلك ؛ فهؤلاء أهل قُبا صبروا ورضوا بما يُصيبهم من الحمَّى لقاء مغفرة الله - عز وجل - لذنوبهم .
كذلك - مثلًا - تلك المرأة وقد مرَّت قصَّتها معنا - أيضًا - في هذا الباب التي كانت تصرع وتتكشَّف حينما تصرع ، فطلبت من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو لها ، فهو خيَّرها إن شاءت دعا لها فعافاه الله وإن صبرت فلها الجنة ، قالت : إذًا أصبر ولي الجنة ، ولكن ادعُ الله أن لا أتكشَّف ؛ فدعا الرسول - عليه الصلاة والسلام - لها . هكذا الإنسان العاقل يفعل .
بينما تجد ذلك الرجل الآخر الضرير الذي يستدلُّ بقصَّته بعض الناس على ما لا تدل عليه القصة ، الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أعمى فقال : يا رسول الله ، ادعُ الله أن يعافيني . قال : ( إن شئت دعوت ) كما قال هنا بالأنصار تمامًا ، ( وإن شئت صبرت ، وهو خير لك ) . قال : فادعُ . ما عنده صبر ، قال : فادعُ . فقال له - عليه السلام - : ( اِيتِني فتوضَّأ ، وصلِّ لله ركعتين من غير فريضة ، ثم قل ) إلى آخر الحديث .
هكذا الناس معادن ؛ فنسأل الله - عز وجل - أن يجعل معدننا من خير المعادن ، ومن ذلك أن يصبِّرنا على ما قد يبتلينا من البلايا والمصايب .
الحديث الذي بعده ، وفيه قصة أبيٍّ التي أشرت إليها آنفًا ، وتقدمت معنا في الدرس الماضي بغير هذه الرواية ، قال المصنف - رحمه الله - : وعن محمد بن معاذ بن أبي بن كعب ، عن أبيه ، عن جده - أي : جده هنا أبي بن كعب الأنصاري - أنه قال : يا رسول الله ، ما جزاء الحمَّى ؟ قال : ( يُجزى الحسنات على صاحبها ما اختلجَ عليه قَدَمٌ أو ضَرَبَ عليه عرقٌ ) . قال أبيٌّ : اللهم عليه أني أسألك حمَّى لا تمنعني خروجًا في سبيلك ، ولا خروجًا إلى بيتك ولا مسجد نبيك ، قال : فلم يٌمسَّ أبيٌّ قط إلا وبه حمَّى . رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ، وسنده لا بأس به ، محمد وأبوه يعني ابن الصحابي وحفيده ذكرهما في " الثقات " ، وتقدَّم حديث أبي سعيد لقصة أبيٍّ - أيضًا - .
فهذا أبيٌّ لما سمع فضل وثواب الحمَّى دعا الله - عز وجل - بأن لا تزال تُصيبه ، ولكن مع الاحتفاظ بقوته ونشاطه في القيام بطاعة ربه - عز وجل - ، حتى الجهاد في سبيل الله الذي يتطلَّب قوَّة ونشاطًا ، ومن يًصاب بالحمَّى عادةً لا يكون كذلك .
الحديث الذي بعده .
السائل : أستاذ ، ذكرت حديث بخلاف المتن ... .
الشيخ : نعم .
السائل : ذكرت حديث بخلاف المتن .
الشيخ : تفضل .
السائل : ( أو غرقٌ ) . قال أبيٌّ : اللهم إني أسألك ... كأنك ذكرت زيادة .
الشيخ : إي نعم ، في لفظة : " عليه " .
السائل : " اللهم عليه " .
الشيخ : " اللهم عليه " يعني بناءً على هذا الفضل المذكور في الحديث " أسألك " .
الحديث الذي بعده صحيح ، وهو قوله : عن أبي ريحانة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( الحمَّى من فيحِ جهنَّم ، وهي نصيب المؤمن من النار ) ، في الحديث الثاني والثالث وبه ينتهي هذا الفصل ألفاظ وروايات أخرى والمعنى واحد ، فالحديث الثاني هو قوله : عن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( الحمَّى كيرٌ من جهنَّم ، فما أصاب المؤمنَ منها كان حظُّه من جهنم ) رواه أحمد بإسناد لا بأس به .
وعن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( الحمَّى حظُّ كلِّ مؤمن من النار ) رواه البزار بإسناد حسن .
وهذه الأحاديث الثلاثة هي في الحقيقة هي إيجاز وتجميع لمعاني الأحاديث المتقدمة ؛ لأن بعض تلك الأحاديث تصرِّح بأن الله - عز وجل - يغفر ذنوب مَن أصابَتْه الحمَّى وصبر على ذلك ، ولازم هذه المغفرة - ولا شك - أنه لا يدخل النار ، فهذه الخلاصة جَمَعَتْها هذه الأحاديث الثلاثة ؛ حيث تقول : الحمَّى حظُّ المؤمن من النار ، وهي من فيح جهنم ؛ يعني من حرارة جهنَّم ، ولكن يجب أن نتصوَّر أن الحمَّى مراتب ، فرُبَّ إنسان يُصاب خمس دقائق بحمَّى ، وآخر ساعة ، وآخر ساعات ، وآخر أيام وربَّما حياته كما سمعتم بالنسبة لقصة أهل قباء ، وبخاصة منهم أبيُّ بن كعب .
النسبة بقى للمغفرة التي يستحقُّها المصاب بالحمَّى والصابر عليها هذه بطبيعة الحال لا يستطيع أحدٌ أن يحدِّدها وأن يعيِّنها ، وإنما الأمر يعود إلى الله - عز وجل - وهو - تبارك وتعالى - مع أنَّه قال : (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره )) ، فهو بالإضافة إلى ذلك ذو فضل عظيم ، فهذه الأمور التي جعلها كفَّارات لذنوب الإنسان هي فضل من الله - عز وجل - ؛ وإلا فالأمر كما قال - عز وجل - : (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )) ، مع ذلك إذا كان الله - عز وجل - يُصيبنا بمصائب لأننا نستحقُّها بما كسبت أيدينا ثم يعود بعد ذلك فيجعلها ... لنا من ذنوبنا فهذا فضل من الله - تبارك وتعالى - .
خلاصة القول بالنسبة لهذه الأحاديث الأخيرة : لا يتوهَّمَنَّ أحدٌ أن الإنسان منا مجرَّد ما يصاب بنوع من الحمَّى مهما كانت خفيفة ومهما كانت قليلة الزَّمن خلاص " سوكر " لحالو الجنة !! لا ليس كذلك ، وإنما هذه الحمَّى اللي هي بتكون يعني وقاية لصاحبها من النار يبدو - والله أعلم - أنُّو من نوعية ربما لا نعرفها نحن من حيث شدَّتها ومن حيث طول ملازمتها للإنسان ، وإنما على كلِّ حال فكما جاءت الأحاديث الكثيرة تترى ان المسلم مهما أصيب بمصيبة ... .
وعن فاطمة الخزاعية قالت : عاد النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - امرأةً من الأنصار وهي وَجِعَة ، فقال لها : ( كيف تجدينك ؟ ) قالت : بخير ، إلا أنَّ أم ملدم قد برَّحت بي . فقال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( اصبري ؛ فإنها تُذهب خبثَ ابن آدم كما تُذهب الكيرُ خبثَ الحديد ) رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح .
هذا حديثٌ يُشبه حديثًا مضى في الدرس السابق ، إلا أن هذه المرأة يبدو أنها من الناحية النفسية كانت خيرًا من تلك ؛ حيث أنها أجابت هذه المرأة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما سألها عن حالها فأجابت بقولها : " بخير إلا أن أم ملدم " . أم ملدم هي الحمى ، وهذه كنية لها ؛ لأنها تلدم صاحبها وتضربه ضربًا بالأوجاع . تقول : " قد برَّحت بي " يعني أصابتها البرحاء يعني الشِّدَّة ، ولزمتها هذه الحمَّى ، فأوصاها النبي - صلوات الله وسلامه عليه - كما هو شأنه مع كل من يراه من المُبتلين بقوله : ( اصبري ؛ فإنها ) أي : الحمى ، ( تُذهب خبث ابن آدم كما يُذهب الكير ) كور الحدَّاد ، ( خبث الحديد ) كذلك الحمى تذهب بخبث ابن آدم أي : بمعاصيه وذنوبه ، فحريٌّ بكلِّ من ابتُلي بمثل هذه الأمراض كالحمى أن يصبر على ذلك ليرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه .
الحديث الذي يليه مباشرةً ضعيف الإسناد ، أما التالي فهو حسن ، وهو قوله : وعنه - يعني الحسن - قال : كانوا يرجون في حمَّى ليلة كفَّارة لِمَا مضى من الذنوب . رواه ابن أبي الدنيا - أيضًا - ورواته ثقات .
هذا الحديث ليس فيه التصريح برفعه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، لأنه أولًا من رواية الحسن وهو الحسن البصري ، والحسن البصري قد عرفنا من دروسنا السابقة أنه رجل من أفاضل وكبار علماء التابعين وزهَّادهم وشجعانهم ، قد جمع كثيرًا من الخصال التي قلَّما تتوفر في أفراد من الرجال ، إلا أنه من الناحية الحديثية فيه ما يمنع العالم بالحديث من الاحتجاج بحديثه في بعض الأحيان ، وذلك حينما يروى الحديث عن الصحابي ، بل وعمَّن دونه - أيضًا - من التابعين بصيغة " عن " أو بصيغة " قال " أو بأيِّ صيغة أخرى لا يصرِّح فيها بسماعه للحديث من ذلك الصحابي أو غيره ، إذا لم يصرِّح بالسماع لا يحتج بحديثه مع جلالته وفضله ، ذلك لأنه محشور عند العارفين بعلم الحديث ومصطلحه في زمرة المدلسين .
هذا الحديث نراه هنا أولًا الحسن البصري لم يقل هنا عن صحابيٍّ معيَّن ، وإنما ماذا قال ؟ " كانوا يرجون " ، عن الحسن قال : " كانوا يرجون " فلم يذكر الرسول - عليه السلام - أولًا مطلقًا ، ثانيًا هنا نقطة حديثية أخرى ؛ " كانوا يرجون " الجمع هذا يعود إلى من " كانوا " ؟ إلى الصحابة أم إلى التابعين ؟ هنا قاعدة عند علماء الحديث : إذا تكلم الصحابي فقال : " كانوا يرجون " أحد الصحابة ، فهو نصٌّ في أن الذين يعنيهم هم الصحابة ، أما إذا قال التابعي - كما هنا - : " كانوا " فهو يحتمل أنه يعني علماء زمانه ؛ يعني من التابعين ، ويمكن أنه يعني هؤلاء وبعض الصحابة الذين أدرَكَهم .
خلاصة القول : مثل هذا الحديث لا يُعطى له حكم المرفوع إلى الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ؛ لأنه أولًا لم يذكر فيه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - مطلقًا ، وثانيًا لأن الذي يروي هذا الخبر هو تابعي وليس بصحابي ، لو كان الصحابي يقول هذا الكلام فيعني ذلك أن الصحابة كانوا يرجون .
على كلِّ حال الغرض من مثل هذا البحث وهذا التحقيق أنَّنا لا نزال مع أولئك الرَّاجين ، لا نقطع بفضل ما جاء في هذا الأثر عن الحسن البصري أن حمَّى ليلة كفارة الذُّنوب كلِّها ، لو كان حديثًا مرفوعًا م الرسول - عليه الصلاة والسلام - مُصرَّح في نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لَعضَضْنا عليه بالنواجذ ، لكن ما هو إلا رواية من الحسن عن علماء عصره ؛ لأنهم كانوا يرجون من حمَّى ليلة تُصيب المسلم أنها كفَّارة للذنوب .
الحديث الذي بعده ضعيف السند .
أما الآتي فهو صحيح ، وقد كنَّا قرأناه بمناسبة حديث مضى في الدرس الماضي فلا بأس من إعادته ؛ وهو قوله : عن جابر - رضي الله عنه - قال : استأذنَتِ الحُمَّى على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( من هذه ؟ ) . قالت : أم ملدم . فأمر بها إلى أهل قباء ، فلقوا منها ما يعلم الله ، فأتوه فشكو ذلك إليه ، فقال : ( ما شئتم ، إن شئتم دعوتُ الله فكشفها عنكم ، وإن شئتم تكون لكم طهورًا ) . قالوا : أو تفعل ؟! قال : ( نعم ) . قالوا : فدعها . رواه أحمد ورواته رواة الصحيح ، وأبو يعلى ، وابن حبان في " صحيحه " ، وراه الطبراني بنحوه من حديث سلمان ، وقال فيه : فشكوا الحمى إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : ( ما شئتم ، إن شئتم دعوت الله فدفعها عنكم ، وإن شئتم تركتموها وأُسقِطَت بقيَّة ذنوبكم ) . قالوا : فدعها يا رسول الله .
فهذه الحديث هنا له روايتان ، الأولى عن جابر والأخرى عن سلمان ، والمهم أن الحديث حديث صحيح ، وفيه غريبة من العلم النبوي الغيبي الذي لا تُدركه العقول مطلقًا مهما سَمَت وعَلَت ؛ وهي قوله أن الحمَّى جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : ( من هذه ؟ ) . قد يتبادر إلى الذهن جاءت لتدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيته - مثلًا - ، ويمكن أن المقصود تستأذن في الدخول حيث هو في بلدته في المدينة المنورة ، المهم أن العلم الغريب في هذه الرواية أن الحمَّى كأنها شخص ههنا في هذا الحديث ، وما هي إلا كما نعلم مرض ؛ حرارة شديدة تُصيب الإنسان ؛ فكيف الحمَّى تأتي ؟ وكيف تستأذن ؟ وكيف الرسول - عليه السلام - يسأل من هذه ؟ فتقول مجيبًا عن سؤال الرسول : أمُّ ملدم . فيأمر الرسول - عليه السلام - بها إلى أهل قبا ، أي : إن الحمَّى التي استأذنت في الدخول على النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة رفض الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يأذن لها ، وإنما أذن لها أن تذهب إلى قبا ، وقبا عبارة عن حارة محلَّة كانت قديمًا للأنصار الذين آمنوا بالرسول - عليه الصلاة والسلام - ونصروه ، وهي الآن أصبحت يعني محلَّة من المدينة بسبب اتصال البنيان بينها وبينها ، وهي من الناحية العربية يمكن قصرها ويجوز مدُّها ، فيُمكن أن تقول : " قُبا " ويمكن أن تقول : " قُباء " ، فهنا جاءت بالقصر ليس بالمدِّ ، الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر إذًا الحمَّى أن لا تدخلَ المدينة وإنما تأتى قُبا .
قال جابر - رضي الله عنه - وهو من الأنصار : " فلقوا " أي أهل قُبا ، " لقوا منها ما يعلم الله " يعني من الشِّدَّة ومن المرض الذي يلزم صاحبه بسبب الحرارة الشديدة التي تنتابه ، " فأتوه " رجع أهل قُبا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكوا ذلك إليه ، يعني كانوا مرتاحين من هذا الوباء من هذا المرض ، فلما الرسول - عليه السلام - أذن لها أن تأتي إلى قُبا أصيبوا به ولقوا منه الألاقي ، فلما سمع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شكواهم خيَّرهم فقال : ( ما شئتم ، إن شئتم دعوت الله فكشفها عنكم ) ؛ لأن هذا من جملة البلاء ، ( وإن شئتم أن تكون لكم طهورُا لذنوبكم فعلت ) ، قالوا : أو تفعله ؟ قال : ( نعم ) . قالوا : فدعها .
لما عرف أصحاب الرسول - عليه السلام - من الأنصار من أهل قُبا أن ببقاء الحمى في بلدتهم أجرًا كبيرًا وتكفيرًا لذنوبهم صبروا ورضوا ، وكذا شأن المسلم يُؤثر ما قد يُتعبُه وما قد يُضنيه حينما يعلم أن له على ذلك أجرًا ، وقد كنت ذكرت لكم في قصة أبيِّ بن كعب وهو من الأنصار الذي دعا على نفسه وستأتي قصَّته الآن ؛ أنُّو لا يزال يعيش مُصابًا بالحمَّى ولكنه طلب في دعائه من ربه - عز وجل - أن لا تُضنيه ولا تُتعبه ؛ أن يظلَّ مستطيعًا للجهاد في سبيل الله والخروج إلى المسجد ومسجد الرسول - عليه السلام - ونحو ذلك ؛ فكان أبيُّ بن كعب - رضي الله عنه - كلَّما مُسَّ في طرفٍ من بدنه فكأن بدنه نار بسبب الحمَّى ، ولكن ما أثَّرت فيه من ناحية الطاعة والعبادة ، وأوردتُ شبهة وإشكالًا وأجبتُ عليه بأنَّني ذكرت هذا الحديث الذي فيه هذه القصة بين أهل قُباء وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - حين خيَّرهم بين أن تظلَّ الحمَّى ملازمة لهم على أن يكون جزاؤهم عند الله - عز وجل - مغفرة ذنوبهم وبين أن يرفعها عنهم ، فلمَّا خيَّرهم قالوا شيئًا فيه نكتة ، لعل بعضكم ربما لم يتنبَّه لها ؛ قالوا : أوتفعله ؟ ... إذا كان الرسول يخيِّرهم يقول : ( إن شئتم دعوتُ الله رفعها عنكم ، وإن شئتم تركتها ) . قالوا : أوتفعله ؟ السبب هو الإشكال الذي أوردتُه في الأمس هو المعروف أنَّ المسلم لا يطلب من الله - عز وجل - البلاء ، بل يطلب منه - تبارك وتعالى - صرف هذا البلاء عنهم ؛ فالآن هنا الرسول يُخيِّرهم ؛ لذلك استغربوا ، لكن الغرابة تزول حينما نعلم أن هذه الحمَّى ليست مرضًا بحيث يصرف المسلم عن القيام بواجباته الدينية ، ثم مع ملازمتها له تكون كفَّارةً لذنوبه كما في هذا الحديث ، وهو في الأحاديث التي سبقت في الدروس المتقدمة ، فلما قالوا : أوتفعله ؟ أجابهم بالإيجاب ؛ قال : ( نعم ) ؛ فحينئذٍ قالوا : دَعْها ؛ اترُكْها عندنا ونحن نصبر على ذلك ، هذا الحديث يذكِّرنا بأن الناس يختلفون من هذه الحيثيَّة من حيثيَّة الصبر وعدم الصبر ، ومنهم الصابرون ومنهم دون ذلك ؛ فهؤلاء أهل قُبا صبروا ورضوا بما يُصيبهم من الحمَّى لقاء مغفرة الله - عز وجل - لذنوبهم .
كذلك - مثلًا - تلك المرأة وقد مرَّت قصَّتها معنا - أيضًا - في هذا الباب التي كانت تصرع وتتكشَّف حينما تصرع ، فطلبت من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو لها ، فهو خيَّرها إن شاءت دعا لها فعافاه الله وإن صبرت فلها الجنة ، قالت : إذًا أصبر ولي الجنة ، ولكن ادعُ الله أن لا أتكشَّف ؛ فدعا الرسول - عليه الصلاة والسلام - لها . هكذا الإنسان العاقل يفعل .
بينما تجد ذلك الرجل الآخر الضرير الذي يستدلُّ بقصَّته بعض الناس على ما لا تدل عليه القصة ، الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أعمى فقال : يا رسول الله ، ادعُ الله أن يعافيني . قال : ( إن شئت دعوت ) كما قال هنا بالأنصار تمامًا ، ( وإن شئت صبرت ، وهو خير لك ) . قال : فادعُ . ما عنده صبر ، قال : فادعُ . فقال له - عليه السلام - : ( اِيتِني فتوضَّأ ، وصلِّ لله ركعتين من غير فريضة ، ثم قل ) إلى آخر الحديث .
هكذا الناس معادن ؛ فنسأل الله - عز وجل - أن يجعل معدننا من خير المعادن ، ومن ذلك أن يصبِّرنا على ما قد يبتلينا من البلايا والمصايب .
الحديث الذي بعده ، وفيه قصة أبيٍّ التي أشرت إليها آنفًا ، وتقدمت معنا في الدرس الماضي بغير هذه الرواية ، قال المصنف - رحمه الله - : وعن محمد بن معاذ بن أبي بن كعب ، عن أبيه ، عن جده - أي : جده هنا أبي بن كعب الأنصاري - أنه قال : يا رسول الله ، ما جزاء الحمَّى ؟ قال : ( يُجزى الحسنات على صاحبها ما اختلجَ عليه قَدَمٌ أو ضَرَبَ عليه عرقٌ ) . قال أبيٌّ : اللهم عليه أني أسألك حمَّى لا تمنعني خروجًا في سبيلك ، ولا خروجًا إلى بيتك ولا مسجد نبيك ، قال : فلم يٌمسَّ أبيٌّ قط إلا وبه حمَّى . رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ، وسنده لا بأس به ، محمد وأبوه يعني ابن الصحابي وحفيده ذكرهما في " الثقات " ، وتقدَّم حديث أبي سعيد لقصة أبيٍّ - أيضًا - .
فهذا أبيٌّ لما سمع فضل وثواب الحمَّى دعا الله - عز وجل - بأن لا تزال تُصيبه ، ولكن مع الاحتفاظ بقوته ونشاطه في القيام بطاعة ربه - عز وجل - ، حتى الجهاد في سبيل الله الذي يتطلَّب قوَّة ونشاطًا ، ومن يًصاب بالحمَّى عادةً لا يكون كذلك .
الحديث الذي بعده .
السائل : أستاذ ، ذكرت حديث بخلاف المتن ... .
الشيخ : نعم .
السائل : ذكرت حديث بخلاف المتن .
الشيخ : تفضل .
السائل : ( أو غرقٌ ) . قال أبيٌّ : اللهم إني أسألك ... كأنك ذكرت زيادة .
الشيخ : إي نعم ، في لفظة : " عليه " .
السائل : " اللهم عليه " .
الشيخ : " اللهم عليه " يعني بناءً على هذا الفضل المذكور في الحديث " أسألك " .
الحديث الذي بعده صحيح ، وهو قوله : عن أبي ريحانة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( الحمَّى من فيحِ جهنَّم ، وهي نصيب المؤمن من النار ) ، في الحديث الثاني والثالث وبه ينتهي هذا الفصل ألفاظ وروايات أخرى والمعنى واحد ، فالحديث الثاني هو قوله : عن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( الحمَّى كيرٌ من جهنَّم ، فما أصاب المؤمنَ منها كان حظُّه من جهنم ) رواه أحمد بإسناد لا بأس به .
وعن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( الحمَّى حظُّ كلِّ مؤمن من النار ) رواه البزار بإسناد حسن .
وهذه الأحاديث الثلاثة هي في الحقيقة هي إيجاز وتجميع لمعاني الأحاديث المتقدمة ؛ لأن بعض تلك الأحاديث تصرِّح بأن الله - عز وجل - يغفر ذنوب مَن أصابَتْه الحمَّى وصبر على ذلك ، ولازم هذه المغفرة - ولا شك - أنه لا يدخل النار ، فهذه الخلاصة جَمَعَتْها هذه الأحاديث الثلاثة ؛ حيث تقول : الحمَّى حظُّ المؤمن من النار ، وهي من فيح جهنم ؛ يعني من حرارة جهنَّم ، ولكن يجب أن نتصوَّر أن الحمَّى مراتب ، فرُبَّ إنسان يُصاب خمس دقائق بحمَّى ، وآخر ساعة ، وآخر ساعات ، وآخر أيام وربَّما حياته كما سمعتم بالنسبة لقصة أهل قباء ، وبخاصة منهم أبيُّ بن كعب .
النسبة بقى للمغفرة التي يستحقُّها المصاب بالحمَّى والصابر عليها هذه بطبيعة الحال لا يستطيع أحدٌ أن يحدِّدها وأن يعيِّنها ، وإنما الأمر يعود إلى الله - عز وجل - وهو - تبارك وتعالى - مع أنَّه قال : (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره )) ، فهو بالإضافة إلى ذلك ذو فضل عظيم ، فهذه الأمور التي جعلها كفَّارات لذنوب الإنسان هي فضل من الله - عز وجل - ؛ وإلا فالأمر كما قال - عز وجل - : (( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )) ، مع ذلك إذا كان الله - عز وجل - يُصيبنا بمصائب لأننا نستحقُّها بما كسبت أيدينا ثم يعود بعد ذلك فيجعلها ... لنا من ذنوبنا فهذا فضل من الله - تبارك وتعالى - .
خلاصة القول بالنسبة لهذه الأحاديث الأخيرة : لا يتوهَّمَنَّ أحدٌ أن الإنسان منا مجرَّد ما يصاب بنوع من الحمَّى مهما كانت خفيفة ومهما كانت قليلة الزَّمن خلاص " سوكر " لحالو الجنة !! لا ليس كذلك ، وإنما هذه الحمَّى اللي هي بتكون يعني وقاية لصاحبها من النار يبدو - والله أعلم - أنُّو من نوعية ربما لا نعرفها نحن من حيث شدَّتها ومن حيث طول ملازمتها للإنسان ، وإنما على كلِّ حال فكما جاءت الأحاديث الكثيرة تترى ان المسلم مهما أصيب بمصيبة ... .
- سلسلة الترغيب والترهيب - شريط : 4
- توقيت الفهرسة : 00:00:00
- نسخة مدققة إملائيًّا