شرح حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : دخلت على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يُوعك ، فمسَسْتُه بيدي ، فقلت : يا رسول الله ؛ إنك لَتُوعك وعكًا شديدًا . فقال : ( أجل ؛ إني أُوعك كما يُوعك رجلان منكم ) . قلت : ذلك لأن لك أجرين .
A-
A=
A+
الشيخ : ودرسنا الليلة في الحديث السابع والخمسين من نسختي ، وهو حديث صحيح ، وهو قوله : وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : دخلت على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يُوعك ، فمسَسْتُه بيدي ، فقلت : يا رسول الله ؛ إنك لَتُوعك وعكًا شديدًا . فقال : ( أجل ؛ إني أُوعك كما يُوعك رجلان منكم ) . قلت : ذلك لأن لك أجرين . قال : ( أجل ؛ ما من مسلمٍ يُصيبه أذًى من مرضٍ فما سواه إلا حطَّ الله به سيِّئاته كما تحطُّ الشجرةُ ورقَها ) . رواه البخاري ومسلم .
هذا لفظ الحديث في " الصحيحين " والسياق للإمام مسلم ، إلا أنَّه وقع في نسختي سَقَط وقليل من التحريف ، فمَن كان عنده نسخة فَلْيصحِّحْها ، فهو يقول هنا - مثلًا - : " دخلتُ على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فمسَسْتُه " ، والصواب : " وهو يُوعك فمسَسْتُه " ، جملة : " وهو يوعك " سقط .
كذلك بعد قوله : " فمسَسْتُه " في " صحيح مسلم " : " بيدي " وهي ساقطة من هذه النسخة .
كذلك من الخطأ الواضح المخالف لأساليب السلف قوله : " قلت : ذلك بأن لك أجرين " ، هنا جاء : " بأن لكم أجرين " ، بدل " لك " جاء بصيغة جمع ، وهذا لا أصل له لا في البخاري ولا في مسلم .
ثم الجملة الأخيرة : ( إلا حطَّ الله به سيِّئاته كما تحط الشجرة ) هنا جاء بالتاء ، وإن كان المعنى واحدًا ، لكن الرواية بالطَّاء ، هنا : ( تحتُّ ) ، والذي في " صحيح مسلم " وكذلك " البخاري " : ( كما تحطُّ الشجرةُ ورقَها ) .
أما قوله : ( وهو يُوعك ) : الوعك هو الحمَّى ، فابن مسعود - رضي الله عنه - دخل على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وقد أصابته الحمَّاء ، واشتدَّت عليه الحرارة ، حتى وجد ابن مسعود حرارة بشرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في يده لمَّا وضعها عليه ، ولذلك قال له : إنك لَتُوعك وعكًا شديدًا ، فأقرَّه - عليه السلام - على ذلك بقوله : ( أجل ) أي : نعم .
( إنِّي أُوعك كما يُوعك رجلان منكم ) ؛ يُضاعَف له البلاء لِيُضاعف له الأجر ، وهكذا الشأن كلما ضُوعف البلاء على الإنسان وصبر على ذلك كلما تضاعفَ له الأجر ؛ حتى كما جاء في بعض الأحاديث المتقدمة : ( ليمشي على وجه الأرض وليس عليه خطيئة ) ، إذا اشتدَّ المرض بالإنسان وصبر على ذلك صبرًا جميلًا فيكون جزاؤه عند الله - عز وجل - أن يغفر له خطاياته كلها ، قال - عليه الصلاة والسلام - : ( أجل ؛ اني أُوعك كما يُوعك رجلان منكم ) ، قلت : ذلك بأنَّ لك أجرين . قال : ( أجل ؛ ما من مسلمٍ يُصيبه أذًى من مرضٍ كما سواه إلا حطَّ الله به سيِّئاته كما تحطُّ الشجرةُ ورقَها ) ، هذا الإطلاق - أي : ( حطَّ الله به سيِّئاته كما تحطُّ الشجرةُ ورقَها ) - هو منتهى الإحسان من الله - عز وجل - لعبده ، وهذا إنما يكون إذا اشتدَّ عليه البلاء وصبر عليه هو الصبر الحسن .
في الحديث الثاني - وهو إسناده حسن - يقول : وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلًا من المسلمين قال : يا رسول الله ، أرأيت هذه الأعراض التي تُصيبنا ما لنا بها ؟ قال : ( كفارة ) . قال أُبَيُّ : يا رسول الله ، وإن قلَّتْ ؟ قال : ( وإن شوكة فما فوقها ) ، وإن كانت شوكة فما فوقها فهي كفَّارة ، ولكن الجزاء على نسبة المصيبة كما ذكرنا ؛ فكلما كانت المصيبة أكبر كان الجزاء أكثر .
إلى هنا ينتهى حديث الرسول - عليه السلام - في رواية أبي سعيد الخدري جوابًا على قول أُبَيٍّ قال - عليه السلام - : ( وإن شوكة فما فوقها ) ؛ فدعا على نفسه - أي أُبَيٌّ - لمَّا علم من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنَّ الأمراض التي يُصاب بها الإنسان وبخاصة الحمَّى هي كفَّارات ، دعا أبيٌّ على نفسه بأن لا تزال الحمى تصيبه ، دعا على نفسه ألَّا يُفارقه الوعك حتى يموت ، وألَّا يشغله عن حجٍّ ولا عمرةٍ ، ولا جهادٍ في سبيل الله ، ولا صلاةٍ مكتوبة في جماعة ، قال : فما مسَّ إنسان جسده إلا وجد حرَّها حتى مات . رواه أحمد وابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن حبان في " صحيحه " . الوَعْكُ : الحمَّى .
هذا الحديث واضح لا يحتاج إلى تعليق إلا ما فعله أبيُّ ؛ فقد يُشكل على بعض الناس دعاؤه على نفسه بالحمَّى ، وهو في الواقع مشكلة ؛ لأننا نذكر حديثًا ذكرناه أكثر من مرَّة حينما مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - برجلٍ يدعو ربَّه أنه ما كان معذِّبَه في الآخرة فليجعل هذا العذاب بلاءً بالمرض في الدنيا ، فعلَّمه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو خيرًا وأن يقول : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ) ؛ لأن الانسان قد لا يصبر ؛ يطلب البلاء ثم يكون من جملة البلاء أن لا يصبر على البلاء ، ولذلك فالعاقل لا يدعو لا يطلب البلاء لنفسه ، ولكنه يطلب إن بُلِيَ من الله - عز وجل - أن يجعله من الصابرين عليه ، فكيف نجد هنا أبيًّا دعا على نفسه بالحمَّى ؟
يبدو لي أنَّ هذا الإشكال يزول فيما إذا تذكَّرنا تحفُّظه في دعائه ؛ إنه دعا ربَّه أن تزال الحمَّى تنتابه وتصيبه ولكن بشرط ألَّا تمنعَه هذه الحمَّى من القيام بشيء من العبادات والطاعات ، فكأنه بهذه الطريقة وبهذا القيد جمع بين الثواب الذي يصيبه الله - عزَّ وجلَّ - بسبب صبره على الحمى وبين تمكُّنه من القيام بالواجبات والطاعات الأخرى التي يُثاب - أيضًا - عليها .
ولما درست أحاديث هذا الباب وجدْتُ في حديث يأتي قريبًا ما يشهد شهادةً واضحةً بما فعله أُبيُّ بنفسه ؛ بمعنى أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقرُّ مثل هذا الدعاء ، ولا بأس من أن نتلوَ عليكم ذاك الحديث لاتِّصاله اتِّصالًا وثيقًا بما نحن فيه ، يقول هنا في الحديث الرابع والسبعين : عن جابر - رضي الله عنه - قال : استأذنَتِ الحمَّى على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : من هذه ؟ قالت : أمُّ مِلدم ، فأمر بها إلى أهل قُبا ، فلقوا منها ما يعلم الله ، فأتوه ، فشكوا ذلك إليه ، فقال : ( ما شئتم إن شئتم دعوتُ الله فكشفَه عنكم ، وإن شئتم أن تكونَ لكم طهورًا ) قالوا : أو تفعله ؟ قال : ( نعم ) . قالوا : فدعها .
هذه القصة كما ترون لها علاقة بأهل قباء - أي : بالأنصار - ، وأبيُّ بن كعب هو أنصاري ، فكأن ما دعا على نفسه من الدعاء فإنه من هذا الحديث ؛ ولذلك فنستفيد من هذا الحديث الأخير والحديث الذي قبله ومن دعاء أُبَيّ على نفسه بأن تظلَّ الحُمَّى ملاصقةً له أن الأمراض الخفيفة للإنسان الذي يعلم من نفسه القوَّة وبالجلد والصبر عليها له أن يدعو الله - عز وجل - بها لنفسه ، ولكن عليه - أيضًا - أن يضمَّ إلى هذا الدعاء أن يظلَّ في قوته للقيام بما فرضَ عليه من واجبات وليست مجرد أداء الصلاة فقط ، بل وحتى الخروج للمسجد لأداء صلاة الجماعة كما سمعتم قول أبيٍّ نفسه حيث قال : دعا على نفسه ألَّا يفارقَه الوعك حتى يموت ، وألَّا يُشغِلَه عن حجٍّ ولا عمرةٍ - العمرة ليست بفرض - ، ولا جهادٍ في سبيل الله - كذلك الجهاد في سبيل الله في تلك الأيام غالبًا كانت من نوع فرض الكفاية - ، ولا صلاةٍ مكتوبةٍ في جماعة - فذكر الجماعة هنا ، فكأن الله - عز وجل - - فيما يبدو - استجابَ دعاءَه حيث قال راوي الحديث - وهو أبو سعيد الخدري - : فما مسَّ إنسانٌ جسدَه إلا وجد حرَّها حتى مات .
بعد هذا الحديث ثلاثة أحاديث ضعيفة ، ثم الحديث الثاني والستون - أيضًا - عن أبي سعيد الخدري ، وإسناده حسن ؛ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( صداع المؤمن أو شوكة يُشاكها أو شيء يُؤذيه يرفعه الله يوم القيامة درجة ، ويكفِّر عنه بها ذنوبه ) هذا من الأحاديث التي تجمع بين تكفير الذنوب بسبب المرض وبين رفع الدرجات - أيضًا - في الجنة ، ولكن لا بدَّ أن نذكرَ دائمًا وأبدًا أن التكفير وأن الرفع للدرجات يكون بحسب الأذى أو المصيبة التي تُصيب المسلم .
الذي بعده حيث صحيح وهو قوله : وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( إنَّ الله لَيبتلي عبده بالسقم حتى يكفِّرَ ذلك عنه كلَّ ذنب ) ، السقم هنا بقى يعني الشَّديد الوطأة ، المقرون - كما ذكرنا أكثر من مرة - بالصَّبر على ذلك ؛ فهذا يكفِّر الله له كلَّ ذنب ، هذا تعميم يجب أن يُقابله مصيبة عظيمة مقرونة بالصبر والرضا على القدر ، هذا الحديث رواه الحاكم وقال : صحيح على شرطهما ، وقوله : على شرطهما فيه تساهل كبير ؛ لأن في إسناد الحديث رجلًا اسمه عبد الرحمن بن سلمان الحجري ، وهو ممن لم يخرِّج له البخاري شيئًا ؛ فيكون الحديث صحيحًا على شرط مسلم فقط .
الحديث الذي بعده وكذلك الذي يليه ضعيفان .
الآن الحديث السادس والستون حديث صحيح ، قال عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( ما من عبدٍ يُصرع صرعةً من مرض إلا بعثَه الله منها طاهرًا ) . يصرع : المقصود يعني ليس الصَّرع المعروف ، وإنما يرميه يطرحه على الفراش هذا المرض ، فإذا ما نجا منه وعافاه الله - عز وجل - خرج طاهرًا من ذنوبه . رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في " الكبير " ورواته ثقات ، قال : وهو صحيح - أيضًا - .
وعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل على أمِّ السَّائب أو أمِّ المُسيَّب قال : ( ما لك تزفزفين ؟ ) . قالت : الحمى ؛ لا بارك الله فيها . فقال : ( لا تسبِّي الحُمَّى ؛ فإنها تُذهِبُ خطايا بني آدم كما يُذهب الكيرُ خبثَ الحديد ) رواه مسلم .
يفسِّر ( تزفزفين ) قال : رُوِيَ برائين وبزائين ، تزفزفين وترفرفين ، ومعناهما متقارب وهو الرِّعدة التي تحصل للمحموم ، هذا حديث صريح جدًّا في فضل الحُمَّى وأنها تُطهِّر من ابتلاهُ الله بها بالشرط الذي نذكِّركم به دائمًا أبدًا بالصبر على ذلك ؛ فهذه الحمَّى تطهِّر صاحبها كما يطهِّر النار خبث الحديد ، وفيه أدب من الآداب الإسلاميَّة التي قلَّما يتنبَّه لها المسلمون خاصَّة اليوم ؛ وهي أنه لا يجوز سبُّ من يؤذيه لشيء ما ؛ لا سيَّما اذا كان المسبوب ليس مُكلَّفًا ، يعني من الثقلين الإنس والجن ، وإنما قد يكون مرضًا كالحمَّى هنا ، وقد يكون حيوانًا ليس مُكلَّفًا ، كما جاء في حديث صحيح : ( لا تسبُّوا الدِّيك ؛ فإنَّه يوقظ للصلاة ) ، ونحن نعلم من بعض البلاد أو الحارات أن بعض مَن لا خلاقَ لهم ومَن لا دينَ عندهم يتضجَّرون من الأذان على المنارة ، وعفوًا أقول على المنارة مجازًا لأنه لم ... اليوم مَن يصعد على المنارة ، ولكن مكبِّر الصوت قامَ مقام المؤذِّن حينما يصعد على المنارة ، فيرتفع الصوت المؤذن بواسطة المكبِّر فيتضجَّر من هذا الصوت الذي فيه ذكر الله - عز وجل - مَن لا خلاق من الناس ، وقد يشتم وقد يسبُّ ، وربما وصل السَّبُّ إلى مَن أرسل محمَّدًا - عليه الصلاة والسلام - بدين الإسلام .
فهذا الحديث فيه نهي صريح عن أنه لا يجوز للمسلم أن يسب المرض ؛ لماذا ؟ لأن هذا المرض ليس مُكلَّفًا ليس عاقلًا ليس هو الذي سلَّط نفسه على المريض ، وإنما الله - تبارك وتعالى - هو الذي سلَّط هذا المرض على هذا العبد ، ولذلك لا ينبغي للمسلم أن يسبَّ هذا المرض ؛ لأن الله - عز وجل - هو الذي تصرَّف فيه ، ولعل من هذا الباب - وله صلة وثيقة بهذا الحديث - قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لا تسبُّوا الدَّهر ؛ فإن الله هو الدَّهر ) ، فلما الإنسان بيتوجَّه لثورة غضبية ولوم على الدَّهر وفعل وتصرَّف وإلى آخره ؛ كلٌّ منَّا يعرف أن الدَّهر ليس شيئًا مُكلَّفًا ، وإنما ربنا - عز وجل - هو الذي يتصرَّف في هذا الدَّهر كما يشاء ؛ فلذلك فلا يجوز سبُّ الدهر ؛ لأن هذه المسبَّة تتوجَّه إلى الذي يتصرَّف بالدَّهر وهو الله - تبارك وتعالى - ، لذلك لا يجوز سبُّ الدهر كما لا يجوز بداهةً ذمُّ القدر ، وهذا بلاء عمَّا انتابَ المسلمين اليوم الذين لا علمَ عندهم ، يصبُّون كلَّ غضبهم على القدر وفعل بفلان كذا وكذا وكذا وكذا وكذا حتى قال قائلهم ممَّن لا يُقدِّر أو لعله لا يعرف معنى القدر ، شو قال ؟
إذا الشعب يومًا أراد الحياة *** فلا بدَّ أن يستجيب القدر
هذا كفرٌ ، كفر لو كانوا يعلمون ، ليه ؟ لأنهم عكسوا العقيدة الاسلامية ؛ ربنا - عز وجل - يقول في صريح القرآن الكريم : (( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين )) ، ونحن بالتجربة نعرف - بعد الإسلام والعقيدة الإسلامية - أنَّ أحدنا بل جماعات منَّا ، بل شعوب ، بل أمَّة تريد شيئًا ثم لا تصل إلى ذلك الشيء ؛ لأن الله - عز وجل - كما في صريح القرآن الكريم : (( غالب على أمره )) ، فهذا الذي نظم هذا البيت الكافر لم يفكِّر فيما قال أبدًا ، ومع الأسف الشديد إن الشاعر - أحيانًا - قد يقول الكلمة لا يلقي لها بالًا ، وهنا ينطبق قول الرسول - عليه السلام - : ( وإنَّ الرجل لَيتكلَّم بالكلمة لا يُلقي لها بالًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا ) ، فالشاعر قد يقول كلمة ولا يعي ولا يدري ولا يفكِّر إلى ما ترمي من الخطأ ومن الضلال ، ولكن العجب الذي لا ينتهي هذا الشاعر تكلَّم وتكلَّم ولم يعِ ولم يتنبَّه ، فما بال الناس يترنَّمون بهذا البيت ؟! حتى بعض المتفقِّهة مرة جاء بعض الزُّوَّار من ليبيا إلى الجامعة الإسلامية وإذا به يتكلَّم بمناسبة العمل ويُلقي هذا البيت من الشعر ، وهو رجل متفقِّه - زعم ! - .
الخلاصة : إن نسبة التفرق إلى غير الله - عز وجل - من غير المُكلَّفين هذا لا يجوز بل قد يعود على صاحبه بالكفر ، فسبُّ الحمى معنى ذلك أن الحمَّى شيء عاقلة تفكِّر تعرف من تُصيب بمرضها وبعلَّتها ، والأمر ليس كذلك ؛ إنما الله - عز وجل - هو الفعَّال لما يُريد .
الحديث الذي بعده - أيضًا - صحيح ، وهو نحو الذي قبله ؛ قال : وعن أم العلاء - رضي الله عنها - قالت : " عادني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأنا مريضة ، فقال : ( أبشري يا أمَّ العلاء ؛ فإنَّ مرض المسلم يُذهب الله به خطاياه كما تُذهب النارُ خبثَ الذَّهب والفضة ) .
أيضًا سقطت هنا من النسخة لفظة : ( الذهب ) ، النسخة تقول : ( كما تُذهب النَّار خبثَ الفضة ) ، رواه أبو داود ، وفي أبي داود زيادة : ( الذهب ) ؛ أي : ( كما تُذهب النَّار خبث الذَّهب والفضَّة ) .
وحديث أخير في هذا الدرس ، وفيه خطأ فاحش من حيث المسند والسند ؛ حيث يقول : وعن عبد الرحمن ابن أبي بكر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( إنَّما مثل العبد المؤمن حين يُصيبه الوعك والحمَّى كحديدةٍ تدخل النار فيُذهب خبثَها ويبقى طيبُها ) ، رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد .
الحديث من حيث متنه ليس فيه خطأ ، وهو صحيح ، ولكن من حيث راويه الصحابي الذي عزاه إليه حيث قال : عن عبد الرحمن بن أبي بكر ، والصواب : " عبد الرحمن ابن أدهم " بدل : " أبي بكر " ، هو عبد الرحمن بن أدهم ، هكذا جاء في الحاكم وفي غيره ، وستجدونه قريبًا مخرَّجًا في المجلد الثالث من " سلسلة الأحاديث الصحيحة " برقم : ( 1914 ) .
وبهذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .
هذا لفظ الحديث في " الصحيحين " والسياق للإمام مسلم ، إلا أنَّه وقع في نسختي سَقَط وقليل من التحريف ، فمَن كان عنده نسخة فَلْيصحِّحْها ، فهو يقول هنا - مثلًا - : " دخلتُ على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فمسَسْتُه " ، والصواب : " وهو يُوعك فمسَسْتُه " ، جملة : " وهو يوعك " سقط .
كذلك بعد قوله : " فمسَسْتُه " في " صحيح مسلم " : " بيدي " وهي ساقطة من هذه النسخة .
كذلك من الخطأ الواضح المخالف لأساليب السلف قوله : " قلت : ذلك بأن لك أجرين " ، هنا جاء : " بأن لكم أجرين " ، بدل " لك " جاء بصيغة جمع ، وهذا لا أصل له لا في البخاري ولا في مسلم .
ثم الجملة الأخيرة : ( إلا حطَّ الله به سيِّئاته كما تحط الشجرة ) هنا جاء بالتاء ، وإن كان المعنى واحدًا ، لكن الرواية بالطَّاء ، هنا : ( تحتُّ ) ، والذي في " صحيح مسلم " وكذلك " البخاري " : ( كما تحطُّ الشجرةُ ورقَها ) .
أما قوله : ( وهو يُوعك ) : الوعك هو الحمَّى ، فابن مسعود - رضي الله عنه - دخل على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وقد أصابته الحمَّاء ، واشتدَّت عليه الحرارة ، حتى وجد ابن مسعود حرارة بشرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في يده لمَّا وضعها عليه ، ولذلك قال له : إنك لَتُوعك وعكًا شديدًا ، فأقرَّه - عليه السلام - على ذلك بقوله : ( أجل ) أي : نعم .
( إنِّي أُوعك كما يُوعك رجلان منكم ) ؛ يُضاعَف له البلاء لِيُضاعف له الأجر ، وهكذا الشأن كلما ضُوعف البلاء على الإنسان وصبر على ذلك كلما تضاعفَ له الأجر ؛ حتى كما جاء في بعض الأحاديث المتقدمة : ( ليمشي على وجه الأرض وليس عليه خطيئة ) ، إذا اشتدَّ المرض بالإنسان وصبر على ذلك صبرًا جميلًا فيكون جزاؤه عند الله - عز وجل - أن يغفر له خطاياته كلها ، قال - عليه الصلاة والسلام - : ( أجل ؛ اني أُوعك كما يُوعك رجلان منكم ) ، قلت : ذلك بأنَّ لك أجرين . قال : ( أجل ؛ ما من مسلمٍ يُصيبه أذًى من مرضٍ كما سواه إلا حطَّ الله به سيِّئاته كما تحطُّ الشجرةُ ورقَها ) ، هذا الإطلاق - أي : ( حطَّ الله به سيِّئاته كما تحطُّ الشجرةُ ورقَها ) - هو منتهى الإحسان من الله - عز وجل - لعبده ، وهذا إنما يكون إذا اشتدَّ عليه البلاء وصبر عليه هو الصبر الحسن .
في الحديث الثاني - وهو إسناده حسن - يقول : وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رجلًا من المسلمين قال : يا رسول الله ، أرأيت هذه الأعراض التي تُصيبنا ما لنا بها ؟ قال : ( كفارة ) . قال أُبَيُّ : يا رسول الله ، وإن قلَّتْ ؟ قال : ( وإن شوكة فما فوقها ) ، وإن كانت شوكة فما فوقها فهي كفَّارة ، ولكن الجزاء على نسبة المصيبة كما ذكرنا ؛ فكلما كانت المصيبة أكبر كان الجزاء أكثر .
إلى هنا ينتهى حديث الرسول - عليه السلام - في رواية أبي سعيد الخدري جوابًا على قول أُبَيٍّ قال - عليه السلام - : ( وإن شوكة فما فوقها ) ؛ فدعا على نفسه - أي أُبَيٌّ - لمَّا علم من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنَّ الأمراض التي يُصاب بها الإنسان وبخاصة الحمَّى هي كفَّارات ، دعا أبيٌّ على نفسه بأن لا تزال الحمى تصيبه ، دعا على نفسه ألَّا يُفارقه الوعك حتى يموت ، وألَّا يشغله عن حجٍّ ولا عمرةٍ ، ولا جهادٍ في سبيل الله ، ولا صلاةٍ مكتوبة في جماعة ، قال : فما مسَّ إنسان جسده إلا وجد حرَّها حتى مات . رواه أحمد وابن أبي الدنيا وأبو يعلى وابن حبان في " صحيحه " . الوَعْكُ : الحمَّى .
هذا الحديث واضح لا يحتاج إلى تعليق إلا ما فعله أبيُّ ؛ فقد يُشكل على بعض الناس دعاؤه على نفسه بالحمَّى ، وهو في الواقع مشكلة ؛ لأننا نذكر حديثًا ذكرناه أكثر من مرَّة حينما مرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - برجلٍ يدعو ربَّه أنه ما كان معذِّبَه في الآخرة فليجعل هذا العذاب بلاءً بالمرض في الدنيا ، فعلَّمه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو خيرًا وأن يقول : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ) ؛ لأن الانسان قد لا يصبر ؛ يطلب البلاء ثم يكون من جملة البلاء أن لا يصبر على البلاء ، ولذلك فالعاقل لا يدعو لا يطلب البلاء لنفسه ، ولكنه يطلب إن بُلِيَ من الله - عز وجل - أن يجعله من الصابرين عليه ، فكيف نجد هنا أبيًّا دعا على نفسه بالحمَّى ؟
يبدو لي أنَّ هذا الإشكال يزول فيما إذا تذكَّرنا تحفُّظه في دعائه ؛ إنه دعا ربَّه أن تزال الحمَّى تنتابه وتصيبه ولكن بشرط ألَّا تمنعَه هذه الحمَّى من القيام بشيء من العبادات والطاعات ، فكأنه بهذه الطريقة وبهذا القيد جمع بين الثواب الذي يصيبه الله - عزَّ وجلَّ - بسبب صبره على الحمى وبين تمكُّنه من القيام بالواجبات والطاعات الأخرى التي يُثاب - أيضًا - عليها .
ولما درست أحاديث هذا الباب وجدْتُ في حديث يأتي قريبًا ما يشهد شهادةً واضحةً بما فعله أُبيُّ بنفسه ؛ بمعنى أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقرُّ مثل هذا الدعاء ، ولا بأس من أن نتلوَ عليكم ذاك الحديث لاتِّصاله اتِّصالًا وثيقًا بما نحن فيه ، يقول هنا في الحديث الرابع والسبعين : عن جابر - رضي الله عنه - قال : استأذنَتِ الحمَّى على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فقال : من هذه ؟ قالت : أمُّ مِلدم ، فأمر بها إلى أهل قُبا ، فلقوا منها ما يعلم الله ، فأتوه ، فشكوا ذلك إليه ، فقال : ( ما شئتم إن شئتم دعوتُ الله فكشفَه عنكم ، وإن شئتم أن تكونَ لكم طهورًا ) قالوا : أو تفعله ؟ قال : ( نعم ) . قالوا : فدعها .
هذه القصة كما ترون لها علاقة بأهل قباء - أي : بالأنصار - ، وأبيُّ بن كعب هو أنصاري ، فكأن ما دعا على نفسه من الدعاء فإنه من هذا الحديث ؛ ولذلك فنستفيد من هذا الحديث الأخير والحديث الذي قبله ومن دعاء أُبَيّ على نفسه بأن تظلَّ الحُمَّى ملاصقةً له أن الأمراض الخفيفة للإنسان الذي يعلم من نفسه القوَّة وبالجلد والصبر عليها له أن يدعو الله - عز وجل - بها لنفسه ، ولكن عليه - أيضًا - أن يضمَّ إلى هذا الدعاء أن يظلَّ في قوته للقيام بما فرضَ عليه من واجبات وليست مجرد أداء الصلاة فقط ، بل وحتى الخروج للمسجد لأداء صلاة الجماعة كما سمعتم قول أبيٍّ نفسه حيث قال : دعا على نفسه ألَّا يفارقَه الوعك حتى يموت ، وألَّا يُشغِلَه عن حجٍّ ولا عمرةٍ - العمرة ليست بفرض - ، ولا جهادٍ في سبيل الله - كذلك الجهاد في سبيل الله في تلك الأيام غالبًا كانت من نوع فرض الكفاية - ، ولا صلاةٍ مكتوبةٍ في جماعة - فذكر الجماعة هنا ، فكأن الله - عز وجل - - فيما يبدو - استجابَ دعاءَه حيث قال راوي الحديث - وهو أبو سعيد الخدري - : فما مسَّ إنسانٌ جسدَه إلا وجد حرَّها حتى مات .
بعد هذا الحديث ثلاثة أحاديث ضعيفة ، ثم الحديث الثاني والستون - أيضًا - عن أبي سعيد الخدري ، وإسناده حسن ؛ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( صداع المؤمن أو شوكة يُشاكها أو شيء يُؤذيه يرفعه الله يوم القيامة درجة ، ويكفِّر عنه بها ذنوبه ) هذا من الأحاديث التي تجمع بين تكفير الذنوب بسبب المرض وبين رفع الدرجات - أيضًا - في الجنة ، ولكن لا بدَّ أن نذكرَ دائمًا وأبدًا أن التكفير وأن الرفع للدرجات يكون بحسب الأذى أو المصيبة التي تُصيب المسلم .
الذي بعده حيث صحيح وهو قوله : وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول : ( إنَّ الله لَيبتلي عبده بالسقم حتى يكفِّرَ ذلك عنه كلَّ ذنب ) ، السقم هنا بقى يعني الشَّديد الوطأة ، المقرون - كما ذكرنا أكثر من مرة - بالصَّبر على ذلك ؛ فهذا يكفِّر الله له كلَّ ذنب ، هذا تعميم يجب أن يُقابله مصيبة عظيمة مقرونة بالصبر والرضا على القدر ، هذا الحديث رواه الحاكم وقال : صحيح على شرطهما ، وقوله : على شرطهما فيه تساهل كبير ؛ لأن في إسناد الحديث رجلًا اسمه عبد الرحمن بن سلمان الحجري ، وهو ممن لم يخرِّج له البخاري شيئًا ؛ فيكون الحديث صحيحًا على شرط مسلم فقط .
الحديث الذي بعده وكذلك الذي يليه ضعيفان .
الآن الحديث السادس والستون حديث صحيح ، قال عن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( ما من عبدٍ يُصرع صرعةً من مرض إلا بعثَه الله منها طاهرًا ) . يصرع : المقصود يعني ليس الصَّرع المعروف ، وإنما يرميه يطرحه على الفراش هذا المرض ، فإذا ما نجا منه وعافاه الله - عز وجل - خرج طاهرًا من ذنوبه . رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في " الكبير " ورواته ثقات ، قال : وهو صحيح - أيضًا - .
وعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - دخل على أمِّ السَّائب أو أمِّ المُسيَّب قال : ( ما لك تزفزفين ؟ ) . قالت : الحمى ؛ لا بارك الله فيها . فقال : ( لا تسبِّي الحُمَّى ؛ فإنها تُذهِبُ خطايا بني آدم كما يُذهب الكيرُ خبثَ الحديد ) رواه مسلم .
يفسِّر ( تزفزفين ) قال : رُوِيَ برائين وبزائين ، تزفزفين وترفرفين ، ومعناهما متقارب وهو الرِّعدة التي تحصل للمحموم ، هذا حديث صريح جدًّا في فضل الحُمَّى وأنها تُطهِّر من ابتلاهُ الله بها بالشرط الذي نذكِّركم به دائمًا أبدًا بالصبر على ذلك ؛ فهذه الحمَّى تطهِّر صاحبها كما يطهِّر النار خبث الحديد ، وفيه أدب من الآداب الإسلاميَّة التي قلَّما يتنبَّه لها المسلمون خاصَّة اليوم ؛ وهي أنه لا يجوز سبُّ من يؤذيه لشيء ما ؛ لا سيَّما اذا كان المسبوب ليس مُكلَّفًا ، يعني من الثقلين الإنس والجن ، وإنما قد يكون مرضًا كالحمَّى هنا ، وقد يكون حيوانًا ليس مُكلَّفًا ، كما جاء في حديث صحيح : ( لا تسبُّوا الدِّيك ؛ فإنَّه يوقظ للصلاة ) ، ونحن نعلم من بعض البلاد أو الحارات أن بعض مَن لا خلاقَ لهم ومَن لا دينَ عندهم يتضجَّرون من الأذان على المنارة ، وعفوًا أقول على المنارة مجازًا لأنه لم ... اليوم مَن يصعد على المنارة ، ولكن مكبِّر الصوت قامَ مقام المؤذِّن حينما يصعد على المنارة ، فيرتفع الصوت المؤذن بواسطة المكبِّر فيتضجَّر من هذا الصوت الذي فيه ذكر الله - عز وجل - مَن لا خلاق من الناس ، وقد يشتم وقد يسبُّ ، وربما وصل السَّبُّ إلى مَن أرسل محمَّدًا - عليه الصلاة والسلام - بدين الإسلام .
فهذا الحديث فيه نهي صريح عن أنه لا يجوز للمسلم أن يسب المرض ؛ لماذا ؟ لأن هذا المرض ليس مُكلَّفًا ليس عاقلًا ليس هو الذي سلَّط نفسه على المريض ، وإنما الله - تبارك وتعالى - هو الذي سلَّط هذا المرض على هذا العبد ، ولذلك لا ينبغي للمسلم أن يسبَّ هذا المرض ؛ لأن الله - عز وجل - هو الذي تصرَّف فيه ، ولعل من هذا الباب - وله صلة وثيقة بهذا الحديث - قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( لا تسبُّوا الدَّهر ؛ فإن الله هو الدَّهر ) ، فلما الإنسان بيتوجَّه لثورة غضبية ولوم على الدَّهر وفعل وتصرَّف وإلى آخره ؛ كلٌّ منَّا يعرف أن الدَّهر ليس شيئًا مُكلَّفًا ، وإنما ربنا - عز وجل - هو الذي يتصرَّف في هذا الدَّهر كما يشاء ؛ فلذلك فلا يجوز سبُّ الدهر ؛ لأن هذه المسبَّة تتوجَّه إلى الذي يتصرَّف بالدَّهر وهو الله - تبارك وتعالى - ، لذلك لا يجوز سبُّ الدهر كما لا يجوز بداهةً ذمُّ القدر ، وهذا بلاء عمَّا انتابَ المسلمين اليوم الذين لا علمَ عندهم ، يصبُّون كلَّ غضبهم على القدر وفعل بفلان كذا وكذا وكذا وكذا وكذا حتى قال قائلهم ممَّن لا يُقدِّر أو لعله لا يعرف معنى القدر ، شو قال ؟
إذا الشعب يومًا أراد الحياة *** فلا بدَّ أن يستجيب القدر
هذا كفرٌ ، كفر لو كانوا يعلمون ، ليه ؟ لأنهم عكسوا العقيدة الاسلامية ؛ ربنا - عز وجل - يقول في صريح القرآن الكريم : (( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين )) ، ونحن بالتجربة نعرف - بعد الإسلام والعقيدة الإسلامية - أنَّ أحدنا بل جماعات منَّا ، بل شعوب ، بل أمَّة تريد شيئًا ثم لا تصل إلى ذلك الشيء ؛ لأن الله - عز وجل - كما في صريح القرآن الكريم : (( غالب على أمره )) ، فهذا الذي نظم هذا البيت الكافر لم يفكِّر فيما قال أبدًا ، ومع الأسف الشديد إن الشاعر - أحيانًا - قد يقول الكلمة لا يلقي لها بالًا ، وهنا ينطبق قول الرسول - عليه السلام - : ( وإنَّ الرجل لَيتكلَّم بالكلمة لا يُلقي لها بالًا يهوي بها في النار سبعين خريفًا ) ، فالشاعر قد يقول كلمة ولا يعي ولا يدري ولا يفكِّر إلى ما ترمي من الخطأ ومن الضلال ، ولكن العجب الذي لا ينتهي هذا الشاعر تكلَّم وتكلَّم ولم يعِ ولم يتنبَّه ، فما بال الناس يترنَّمون بهذا البيت ؟! حتى بعض المتفقِّهة مرة جاء بعض الزُّوَّار من ليبيا إلى الجامعة الإسلامية وإذا به يتكلَّم بمناسبة العمل ويُلقي هذا البيت من الشعر ، وهو رجل متفقِّه - زعم ! - .
الخلاصة : إن نسبة التفرق إلى غير الله - عز وجل - من غير المُكلَّفين هذا لا يجوز بل قد يعود على صاحبه بالكفر ، فسبُّ الحمى معنى ذلك أن الحمَّى شيء عاقلة تفكِّر تعرف من تُصيب بمرضها وبعلَّتها ، والأمر ليس كذلك ؛ إنما الله - عز وجل - هو الفعَّال لما يُريد .
الحديث الذي بعده - أيضًا - صحيح ، وهو نحو الذي قبله ؛ قال : وعن أم العلاء - رضي الله عنها - قالت : " عادني رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأنا مريضة ، فقال : ( أبشري يا أمَّ العلاء ؛ فإنَّ مرض المسلم يُذهب الله به خطاياه كما تُذهب النارُ خبثَ الذَّهب والفضة ) .
أيضًا سقطت هنا من النسخة لفظة : ( الذهب ) ، النسخة تقول : ( كما تُذهب النَّار خبثَ الفضة ) ، رواه أبو داود ، وفي أبي داود زيادة : ( الذهب ) ؛ أي : ( كما تُذهب النَّار خبث الذَّهب والفضَّة ) .
وحديث أخير في هذا الدرس ، وفيه خطأ فاحش من حيث المسند والسند ؛ حيث يقول : وعن عبد الرحمن ابن أبي بكر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : ( إنَّما مثل العبد المؤمن حين يُصيبه الوعك والحمَّى كحديدةٍ تدخل النار فيُذهب خبثَها ويبقى طيبُها ) ، رواه الحاكم وقال : صحيح الإسناد .
الحديث من حيث متنه ليس فيه خطأ ، وهو صحيح ، ولكن من حيث راويه الصحابي الذي عزاه إليه حيث قال : عن عبد الرحمن بن أبي بكر ، والصواب : " عبد الرحمن ابن أدهم " بدل : " أبي بكر " ، هو عبد الرحمن بن أدهم ، هكذا جاء في الحاكم وفي غيره ، وستجدونه قريبًا مخرَّجًا في المجلد الثالث من " سلسلة الأحاديث الصحيحة " برقم : ( 1914 ) .
وبهذا القدر كفاية ، والحمد لله رب العالمين .
- سلسلة الترغيب والترهيب - شريط : 3
- توقيت الفهرسة : 00:00:00
- نسخة مدققة إملائيًّا