هناك من يدَّعي أن الدعوة السلفية لن يقوم لها قائمة كما ينبغي إلا مع الدعم السياسي كما هو الحال في دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ؛ فما قولكم ؟
A-
A=
A+
السائل : هناك من يدَّعي أن الدعوة السلفية دعوة التوحيد لا يقوم لها قائمة كما ينبغي على الواقع إلا مع الدعم السياسي ... كما هو الحال في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ؛ فما قولكم ؟
الشيخ : نحن نقول آسفين أن هؤلاء الناس الذين يظنُّون أنهم يحسنون صنعًا في العمل السياسي وهم بعدُ ما صحَّحوا عقيدتهم ، ولا فهموا توحيد ربِّهم ؛ نقول لهم : الدعوة السلفية بأسمائها المختلفة التي ذكرتُها آنفًا هي معناها فهم الإسلام فهمًا عامًّا شاملًا في جميع أحكامه ، لا يتعلق فقط بالتوحيد ، ولا بما هو أعم من ذلك فيما ما يتعلق في دائرة العقائد في اصطلاح العلماء ، ولا يتعلق فقط في العبادات ولا في الأخلاق ولا في المعاملات ، وإنما هو يتعلَّق بفهم الإسلام من مصدرَيه الصَّافيين كتاب الله وحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بزيادة هامَّة جدًّا ؛ ألا وهي على منهج السلف الصالح - رضي الله عنهم - ، نحن عملنا كلٌّ في حدود استطاعته زيد وبكر وعمرو وإلى آخره كلٌّ يعمل في حدود استطاعته لتوضيح هذا الإسلام من جميع نواحيه ، وقد لا يستطيع الفرد الواحد أن يتولَّى بيان الإسلام من جميع نواحيه ، لكن يجب على الأمة على مجموع الأمة ؛ أو - بعبارة أخرى - على مجموع خاصَّة الأمة ، أو على مجموع العلماء حقًّا هؤلاء أن يتولَّوا بيان الإسلام على ضوء الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ، هذه هي الدعوة ، أما إذا إنسان منَّا قام - مثلًا - فقط فقط بتصحيح الأحاديث الصحيحة وتضعيف الأحاديث الضعيفة ؛ فهذا لا يعني أنه لا يعمل عملًا آخر ، لكن قد يكون عمله الآخر دون ذلك ، أو قريبًا من ذلك ، كما أنه إذا قام رجل آخر يستنبط الأحكام من كتاب الله وحده ، آخر من أحاديث رسول الله وحدها ، ثالث من مجموع المصدرين الكتاب والسنة ، لكن هو لا يستطيع - مثلًا - أن يصحِّح أو يضعِّف ، ما نطعن بهذا لأنه لا يعمل عمل ذاك ، ولا نتكلم في هذا لأنه لا يعمل عمل الأول ولا الثالث وهكذا ، وإنما يجب على المجموعة هذه من العلماء أن يعملوا في سبيل تفهيم الأمة الإسلامية كلها الإسلامَ بالمفهوم الصحيح بالشرط السابق .
يوم توجد الجماعة التي تنهض بهذا الواجب من التفهيم على المنهاج السالف الذكر ؛ يومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ، أما نريد أن نعمل العمل السياسي ولو أخذنا رئيس جماعة يعملون بالعمل السياسي ويزعم أنه يعمل للإسلام ولإقامة دولة الإسلام ؛ لو سألناه : ما هو توحيد الربوبية ؟ وما هو توحيد الألوهية ؟ وما هو توحيد الأسماء والصفات ؟ لربما كان - كما يُقال في المثل العربي القديم - : " أعيا من باقل " ، يعني بمنتهى العجز عن الإجابة عن هذا السؤال الذي يتعلَّق بالشهادة الأولى ، التي لا ينجو الكافر إلا بالاعتراف بها ، ... الإسلام أوَّلًا ، ثم لا ينجو من الخلود في النار إلا إذا فهمَ معناها أوَّلًا فهمًا صحيحًا على التفصيل السابق المُشار إليه آنفًا ، والذي يتضمَّن أن لا إله إلا الله ؛ أي : لا معبود بحقٍّ في الوجود إلا الله ، فإذا فهمَ هذا المعنى وآمن به من قرارة قلبه نجا من الخلود في النار يوم القيامة ، وإلا لم يُفده شيئًا أنه قال لا إله إلا الله ؛ إلا أنه نجا من الشرك في الدنيا .
لو سألنا بعض المشتغلين بالسياسة مثل هذا السؤال لَعجزوا عن الجواب . وكما تُروى عندنا نكتة في بعض البلاد السورية يقولون : أحد الأكراد لقي يهوديًّا في الطَّريق يوم عزَّة الإسلام ، فأخذ في تلابيبه وأخرجَ الخنجر بجانبه ، قال له ... : أسلم وإلا قتلتك ، قال : دَخْلَك ؛ ماذا أقول ؟ قال : والله لا أدري ( الجميع يضحك ! ) ، هو بيهدِّدو بالقتل منشان يأسلم !! لكن لا بد ... طريق الإسلام ، يقول : لا أعلم . بمثل هؤلاء الناس يريد الساسة أن ينتصروا على العدو المحيط بنا من كل جانب !! لا نصر أبدًا إلا قبل كل شيء لفهم التوحيد في الشهادة الأولى لا إله إلا الله ، ثم بفهم الشهادة الثانية وأن محمَّدًا رسول الله ، وكما قلنا ونقول ... جميعًا في هذه البلاد وغيرها أن الشهادة الأولى تستلزم ألَّا نعبد مع الله أحدًا ، والشهادة الأخرى تستلزم ألَّا نعبد الله إلا بما شرع الله ، هالمعنيين هدول أكثر المسلمين اليوم - وبخاصة الذين يشتغلون بالسياسة - هم لا يعرفون هذا ، وفاقد الشيء لا يعطيه ؛ فإذًا نحن لا ندعو للعمل السياسي ليس لأن العمل في السياسة ليس مشروعًا ؛ الإسلام أوسع مما يتوهَّمون ، ولكن كما قال بعضهم :
" العلم إن طلبته كثير
والعمر عن تحصيله قصير
فقدِّم الأهمَّ منه فالأهمّ "
فنحن نريد أن ننظر اليوم ما هو الأحوج للعالم الاسلامي ؟ العالم الإسلامي ما هو الأحوج أن يتعرَّف عليه ؟ أَهُو العمل السياسي أم أن نفهم العقيدة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمَّدًا رسول الله ؟! ويحسِّن إيمانو بالغيب الذي هو الموصِّل الأول الذي ذكره الله - عز وجل - في أول سورة البقرة (( الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين )) من هم ؟ (( الذين يؤمنون بالغيب )) ، ثم ذكر (( ويقيمون الصلاة )) ، فما بالكم اليوم العالم الإسلامي يعيش بمتاهات تتعلق بالإيمان بالغيب ، وبصورة خاصة - إذا صحَّ التعبير - الناس تائهون اليوم بالإيمان بغيب الغيوب ، وهو ربُّ العالمين - تبارك وتعالى - ؛ بدليل أن خاصة العالم الإسلامي اليوم في كثير من البلاد لا يعرفون الله كما وصف الله نفسه في كتابه ، وكما وصفه نبيُّه في سنَّته ؟ بل لا ، المصيبة أكبر ، أنا أقول أو قلت آنفًا : لا يعرفون الله كما وصف به نفسه ، وكما وصفَه به نبيُّه ، بل هم يعرفونه على خلاف ذلك ، هم يعرفون الله على خلاف ما وصف الله به نفسه ، هذه مشكلة المشاكل .
نضرب مثل المشهور اليوم ، والخلاف قائم على ساق وقدم ، ربنا يقول في غير ما آية في القرآن : (( الرحمن على العرش استوى )) ، ما رأيكم كبار العلماء أو كبار هيئة العلماء في كثير من البلاد المشهورة في طلب العلم وتدريس العلم يقولون : لا ، ربُّنا ما استوى ؟ هكذا ! لماذا ؟ لأنهم يعطِّلون الآية ، ويفسِّرونها بغير تفسيرها ، ( ينزل الله ) - صدق رسول الله ؛ الحديث متواتر - ، ( في كل ليلة إلى السَّماء الدنيا ) ، هم يقولون : لا ، ربُّنا لا بينزل ولا ... ولا يتحرَّك ولا شيء ، أرادو أن ينزِّهوا الله عن ... المخلوقين المُميَّزين ؛ أعني الملائكة والبشر ، ربنا - عز وجل - فضَّلهم كما قال بالنسبة للبشر : و (( لقد كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر )) ، (( كرَّمنا بني آدم )) أرادوا أن يُنزِّهوا الله أن لا يشبِّهوه ببني آدم ، لأن بني آدم ينزل ويصعد ويجيء ويقف و و إلى آخره ، فوقعوا فيما هو شرٌّ ممَّا منه هربوا ، هربوا من تشبيه الخالق بالمخلوق ، وهذا حقٌّ ، ... يا مسلم أن يشبِّه الله بخلق من خلقه ، لكنهم وقعوا فيما هو أشرُّ مما منه فرُّوا ، فشبَّهوه ليس بمن كرَّمه الله وهم بنو آدم كما سمعتم ؛ بل شبَّهوه بالصَّخر والجمد الذي لا يأتي ولا يتحرَّك ، فسبحان الله ! انطبق فيهم المثل الذي يقول : " كان تحت المطر صار تحت المزراب ! " ، فرَّ من نقاط من المطر وإذا هو ... تحت الميزاب الذي يجمع المطر فيصبُّه عليه ، فهم شرٌّ يعيشون في العقيدة بعيدًا عن الكتاب والسنة ، وعن منهج السلف الصالح ، مع ذلك يريدون تشغيل الأمة بالسياسة .
نحن نعتقد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أول ما بدأ بدأ بدعوة الناس إلى عبادة الله - عز وجل - وحده ؛ أن يعبدوا الله ويجتنبوا الطَّاغوت ، تلك دعوة الأنبياء والرسل جميعًا .
سبحان الله ! حينما نقرأ قصة نوح - عليه السلام - ، وأقول نوح لأنه ضرب مثلًا قياسيًّا في طول العمر وصبره على قومه في دعوته إياهم ، تُرى إلى ماذا كان يدعوهم ؟ ليس إلا فقط لعبادة الله وحده لا شريك له ؛ ألف سنة إلا خمسين عامًا ، مسلمونا في آخر الزمان يقولون : إلى متى أنتم تشغلون المسلمين بدعوة التوحيد ؟ هكذا يقولون ! ولا يفكِّرون في أن نوحًا - عليه السلام - لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا ، ليس هناك تشريع كتشريع الذي جاء به الإسلام ، وليس هناك توسُّع في الفروق والأخلاق والعبادات ، وإنما أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ، ثم هم مع ذلك يستكثرون علينا أن نذكِّر مثل هذه الذكرى ، لأنه يجب على المسلمين جميعًا ، هذا فرض عين على كل مسلم .
العلم قسمان : فرض عين وفرض كفاية ، فرض عين على كل مسلم أن يعرف الله كما وصف الله به نفسه ، ونبيُّه - أيضًا - وصفه في سنَّته كما ذكرنا ، لا يعرِّجون على هذا إطلاقًا ، حتى لقد صرَّح لي أحد دعاتهم منذ أكثر من عشرين عامًا أنُّو هذا الزمان ليس هو زمان البحث في التفاصيل وفي الخلافيَّات ؛ قلنا يعني حتى في التوحيد ؟ قال : نعم ، حتى في التوحيد . قلت : حتى في فهم لا إله إلا الله وأنت تعرف أن بعضهم ألَّف رسالةً فسَّر لا إله إلا الله بمعنى لا معبود إلا الله ؟ أي : فسَّر جملة التوحيد الكلمة الطَّيِّبة بالعقيدة التي هي أضلُّ عقيدة على وجه الأرض وهي وجدة الوجود ، لأنُّو - انتبهوا للفرق ! - المعنى الصحيح للكلمة الطَّيِّبة لا معبود بحقٍّ في الوجود إلا الله ، هذا يعني أن هناك معبودات كثيرة ، لكنها كلها باطلة إلا المعبود الحق وهو الله - تبارك وتعالى - ، فإذا لم تُقرن إذا لم يُقرن هذا التفسير بكلمة بحقٍّ انقلب التوحيد إلى الشرك الأكبر ، والضلال الأكبر ، وهو القول بوحدة الوجود .
أُلِّفت رسائل عدة عندنا في دمشق وفي باكستان أو الهند من بعض الجماعات المشهورة اليوم ؛ فسِّر لا إله إلا الله ؛ أي : لا معبود إلا الله ، وهذه المعبودات الأخرى التي عُبدت وتُعبد إلى الآن من دون الله - تبارك وتعالى - ؟ الجواب في كتب الصوفية : " لما عبد المجوس النار ما عبدوا إلا الواحد القهار !! " ، هذا تأويل التفسير الخاطئ للكلمة الطيبة ؛ لا إله إلا الله ؛ أي : لا معبود إلا الله ، فـ " كلُّ ما تراه بعينك فهو الله " ، هذا قول آخر لابن عربي المعروف عندنا في الشام !! " كلُّ ما تراه بعينك فهو الله !! " ؛ النار التي يعبدها المجوس قديمًا وربما حديثًا هذه لا تخرج عن كونها الإله ، البوذيُّون الذين يعبدون البقر ما يعبدون غير الله ، لأن هذا ... يقول في كتابه الذي سمَّاه على غير اسمه هو : " الانسان الكامل " ، في كتاب " الإنسان الكامل يقول تلك العبارة : " لما عبد المجوس الناس ما عبدوا إلا الواحد القهار " ، هذا كناية عن جملة توحيد الإيه ؟ وحدة الوجود ، يعني ليس هناك شيئان ، ليس هناك خالق ولا مخلوق ، حتى إنهم ليصرِّحون هذا شرك !! أنتم مشركون حينما تقولون : في وجودان ؛ وجود أزلي وهو الله ، ووجود حادث وهو خلق الله ؛ هذا شركٌ ! لكن نحن الموحدون حيث نقول بألفاظنا : " لا هو إلا هو " .
العالم الإسلامي يعيش في ضلال كبير ويريد بعض الناس الذين يجهلون هذه الحقائق المرَّة أن يُشغلوا الناس بالسياسة ، وأنا أضرب لكم مثلًا قريبًا ؛ يدلُّكم على جهل الناس وليس عامَّة الناس ، بل خاصَّة الناس ، وليس خاصَّة الناس الذين لا يهتمُّون بالمسلمين والإسلام ، بل هم الذين يحلمون بمناسبات شتَّى بإقامة الدولة الإسلامية وقرآننا ودستورنا ونحو ذلك !
لما قام الخميني ... .
الشيخ : نحن نقول آسفين أن هؤلاء الناس الذين يظنُّون أنهم يحسنون صنعًا في العمل السياسي وهم بعدُ ما صحَّحوا عقيدتهم ، ولا فهموا توحيد ربِّهم ؛ نقول لهم : الدعوة السلفية بأسمائها المختلفة التي ذكرتُها آنفًا هي معناها فهم الإسلام فهمًا عامًّا شاملًا في جميع أحكامه ، لا يتعلق فقط بالتوحيد ، ولا بما هو أعم من ذلك فيما ما يتعلق في دائرة العقائد في اصطلاح العلماء ، ولا يتعلق فقط في العبادات ولا في الأخلاق ولا في المعاملات ، وإنما هو يتعلَّق بفهم الإسلام من مصدرَيه الصَّافيين كتاب الله وحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بزيادة هامَّة جدًّا ؛ ألا وهي على منهج السلف الصالح - رضي الله عنهم - ، نحن عملنا كلٌّ في حدود استطاعته زيد وبكر وعمرو وإلى آخره كلٌّ يعمل في حدود استطاعته لتوضيح هذا الإسلام من جميع نواحيه ، وقد لا يستطيع الفرد الواحد أن يتولَّى بيان الإسلام من جميع نواحيه ، لكن يجب على الأمة على مجموع الأمة ؛ أو - بعبارة أخرى - على مجموع خاصَّة الأمة ، أو على مجموع العلماء حقًّا هؤلاء أن يتولَّوا بيان الإسلام على ضوء الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ، هذه هي الدعوة ، أما إذا إنسان منَّا قام - مثلًا - فقط فقط بتصحيح الأحاديث الصحيحة وتضعيف الأحاديث الضعيفة ؛ فهذا لا يعني أنه لا يعمل عملًا آخر ، لكن قد يكون عمله الآخر دون ذلك ، أو قريبًا من ذلك ، كما أنه إذا قام رجل آخر يستنبط الأحكام من كتاب الله وحده ، آخر من أحاديث رسول الله وحدها ، ثالث من مجموع المصدرين الكتاب والسنة ، لكن هو لا يستطيع - مثلًا - أن يصحِّح أو يضعِّف ، ما نطعن بهذا لأنه لا يعمل عمل ذاك ، ولا نتكلم في هذا لأنه لا يعمل عمل الأول ولا الثالث وهكذا ، وإنما يجب على المجموعة هذه من العلماء أن يعملوا في سبيل تفهيم الأمة الإسلامية كلها الإسلامَ بالمفهوم الصحيح بالشرط السابق .
يوم توجد الجماعة التي تنهض بهذا الواجب من التفهيم على المنهاج السالف الذكر ؛ يومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله ، أما نريد أن نعمل العمل السياسي ولو أخذنا رئيس جماعة يعملون بالعمل السياسي ويزعم أنه يعمل للإسلام ولإقامة دولة الإسلام ؛ لو سألناه : ما هو توحيد الربوبية ؟ وما هو توحيد الألوهية ؟ وما هو توحيد الأسماء والصفات ؟ لربما كان - كما يُقال في المثل العربي القديم - : " أعيا من باقل " ، يعني بمنتهى العجز عن الإجابة عن هذا السؤال الذي يتعلَّق بالشهادة الأولى ، التي لا ينجو الكافر إلا بالاعتراف بها ، ... الإسلام أوَّلًا ، ثم لا ينجو من الخلود في النار إلا إذا فهمَ معناها أوَّلًا فهمًا صحيحًا على التفصيل السابق المُشار إليه آنفًا ، والذي يتضمَّن أن لا إله إلا الله ؛ أي : لا معبود بحقٍّ في الوجود إلا الله ، فإذا فهمَ هذا المعنى وآمن به من قرارة قلبه نجا من الخلود في النار يوم القيامة ، وإلا لم يُفده شيئًا أنه قال لا إله إلا الله ؛ إلا أنه نجا من الشرك في الدنيا .
لو سألنا بعض المشتغلين بالسياسة مثل هذا السؤال لَعجزوا عن الجواب . وكما تُروى عندنا نكتة في بعض البلاد السورية يقولون : أحد الأكراد لقي يهوديًّا في الطَّريق يوم عزَّة الإسلام ، فأخذ في تلابيبه وأخرجَ الخنجر بجانبه ، قال له ... : أسلم وإلا قتلتك ، قال : دَخْلَك ؛ ماذا أقول ؟ قال : والله لا أدري ( الجميع يضحك ! ) ، هو بيهدِّدو بالقتل منشان يأسلم !! لكن لا بد ... طريق الإسلام ، يقول : لا أعلم . بمثل هؤلاء الناس يريد الساسة أن ينتصروا على العدو المحيط بنا من كل جانب !! لا نصر أبدًا إلا قبل كل شيء لفهم التوحيد في الشهادة الأولى لا إله إلا الله ، ثم بفهم الشهادة الثانية وأن محمَّدًا رسول الله ، وكما قلنا ونقول ... جميعًا في هذه البلاد وغيرها أن الشهادة الأولى تستلزم ألَّا نعبد مع الله أحدًا ، والشهادة الأخرى تستلزم ألَّا نعبد الله إلا بما شرع الله ، هالمعنيين هدول أكثر المسلمين اليوم - وبخاصة الذين يشتغلون بالسياسة - هم لا يعرفون هذا ، وفاقد الشيء لا يعطيه ؛ فإذًا نحن لا ندعو للعمل السياسي ليس لأن العمل في السياسة ليس مشروعًا ؛ الإسلام أوسع مما يتوهَّمون ، ولكن كما قال بعضهم :
" العلم إن طلبته كثير
والعمر عن تحصيله قصير
فقدِّم الأهمَّ منه فالأهمّ "
فنحن نريد أن ننظر اليوم ما هو الأحوج للعالم الاسلامي ؟ العالم الإسلامي ما هو الأحوج أن يتعرَّف عليه ؟ أَهُو العمل السياسي أم أن نفهم العقيدة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمَّدًا رسول الله ؟! ويحسِّن إيمانو بالغيب الذي هو الموصِّل الأول الذي ذكره الله - عز وجل - في أول سورة البقرة (( الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين )) من هم ؟ (( الذين يؤمنون بالغيب )) ، ثم ذكر (( ويقيمون الصلاة )) ، فما بالكم اليوم العالم الإسلامي يعيش بمتاهات تتعلق بالإيمان بالغيب ، وبصورة خاصة - إذا صحَّ التعبير - الناس تائهون اليوم بالإيمان بغيب الغيوب ، وهو ربُّ العالمين - تبارك وتعالى - ؛ بدليل أن خاصة العالم الإسلامي اليوم في كثير من البلاد لا يعرفون الله كما وصف الله نفسه في كتابه ، وكما وصفه نبيُّه في سنَّته ؟ بل لا ، المصيبة أكبر ، أنا أقول أو قلت آنفًا : لا يعرفون الله كما وصف به نفسه ، وكما وصفَه به نبيُّه ، بل هم يعرفونه على خلاف ذلك ، هم يعرفون الله على خلاف ما وصف الله به نفسه ، هذه مشكلة المشاكل .
نضرب مثل المشهور اليوم ، والخلاف قائم على ساق وقدم ، ربنا يقول في غير ما آية في القرآن : (( الرحمن على العرش استوى )) ، ما رأيكم كبار العلماء أو كبار هيئة العلماء في كثير من البلاد المشهورة في طلب العلم وتدريس العلم يقولون : لا ، ربُّنا ما استوى ؟ هكذا ! لماذا ؟ لأنهم يعطِّلون الآية ، ويفسِّرونها بغير تفسيرها ، ( ينزل الله ) - صدق رسول الله ؛ الحديث متواتر - ، ( في كل ليلة إلى السَّماء الدنيا ) ، هم يقولون : لا ، ربُّنا لا بينزل ولا ... ولا يتحرَّك ولا شيء ، أرادو أن ينزِّهوا الله عن ... المخلوقين المُميَّزين ؛ أعني الملائكة والبشر ، ربنا - عز وجل - فضَّلهم كما قال بالنسبة للبشر : و (( لقد كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر )) ، (( كرَّمنا بني آدم )) أرادوا أن يُنزِّهوا الله أن لا يشبِّهوه ببني آدم ، لأن بني آدم ينزل ويصعد ويجيء ويقف و و إلى آخره ، فوقعوا فيما هو شرٌّ ممَّا منه هربوا ، هربوا من تشبيه الخالق بالمخلوق ، وهذا حقٌّ ، ... يا مسلم أن يشبِّه الله بخلق من خلقه ، لكنهم وقعوا فيما هو أشرُّ مما منه فرُّوا ، فشبَّهوه ليس بمن كرَّمه الله وهم بنو آدم كما سمعتم ؛ بل شبَّهوه بالصَّخر والجمد الذي لا يأتي ولا يتحرَّك ، فسبحان الله ! انطبق فيهم المثل الذي يقول : " كان تحت المطر صار تحت المزراب ! " ، فرَّ من نقاط من المطر وإذا هو ... تحت الميزاب الذي يجمع المطر فيصبُّه عليه ، فهم شرٌّ يعيشون في العقيدة بعيدًا عن الكتاب والسنة ، وعن منهج السلف الصالح ، مع ذلك يريدون تشغيل الأمة بالسياسة .
نحن نعتقد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أول ما بدأ بدأ بدعوة الناس إلى عبادة الله - عز وجل - وحده ؛ أن يعبدوا الله ويجتنبوا الطَّاغوت ، تلك دعوة الأنبياء والرسل جميعًا .
سبحان الله ! حينما نقرأ قصة نوح - عليه السلام - ، وأقول نوح لأنه ضرب مثلًا قياسيًّا في طول العمر وصبره على قومه في دعوته إياهم ، تُرى إلى ماذا كان يدعوهم ؟ ليس إلا فقط لعبادة الله وحده لا شريك له ؛ ألف سنة إلا خمسين عامًا ، مسلمونا في آخر الزمان يقولون : إلى متى أنتم تشغلون المسلمين بدعوة التوحيد ؟ هكذا يقولون ! ولا يفكِّرون في أن نوحًا - عليه السلام - لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا ، ليس هناك تشريع كتشريع الذي جاء به الإسلام ، وليس هناك توسُّع في الفروق والأخلاق والعبادات ، وإنما أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ، ثم هم مع ذلك يستكثرون علينا أن نذكِّر مثل هذه الذكرى ، لأنه يجب على المسلمين جميعًا ، هذا فرض عين على كل مسلم .
العلم قسمان : فرض عين وفرض كفاية ، فرض عين على كل مسلم أن يعرف الله كما وصف الله به نفسه ، ونبيُّه - أيضًا - وصفه في سنَّته كما ذكرنا ، لا يعرِّجون على هذا إطلاقًا ، حتى لقد صرَّح لي أحد دعاتهم منذ أكثر من عشرين عامًا أنُّو هذا الزمان ليس هو زمان البحث في التفاصيل وفي الخلافيَّات ؛ قلنا يعني حتى في التوحيد ؟ قال : نعم ، حتى في التوحيد . قلت : حتى في فهم لا إله إلا الله وأنت تعرف أن بعضهم ألَّف رسالةً فسَّر لا إله إلا الله بمعنى لا معبود إلا الله ؟ أي : فسَّر جملة التوحيد الكلمة الطَّيِّبة بالعقيدة التي هي أضلُّ عقيدة على وجه الأرض وهي وجدة الوجود ، لأنُّو - انتبهوا للفرق ! - المعنى الصحيح للكلمة الطَّيِّبة لا معبود بحقٍّ في الوجود إلا الله ، هذا يعني أن هناك معبودات كثيرة ، لكنها كلها باطلة إلا المعبود الحق وهو الله - تبارك وتعالى - ، فإذا لم تُقرن إذا لم يُقرن هذا التفسير بكلمة بحقٍّ انقلب التوحيد إلى الشرك الأكبر ، والضلال الأكبر ، وهو القول بوحدة الوجود .
أُلِّفت رسائل عدة عندنا في دمشق وفي باكستان أو الهند من بعض الجماعات المشهورة اليوم ؛ فسِّر لا إله إلا الله ؛ أي : لا معبود إلا الله ، وهذه المعبودات الأخرى التي عُبدت وتُعبد إلى الآن من دون الله - تبارك وتعالى - ؟ الجواب في كتب الصوفية : " لما عبد المجوس النار ما عبدوا إلا الواحد القهار !! " ، هذا تأويل التفسير الخاطئ للكلمة الطيبة ؛ لا إله إلا الله ؛ أي : لا معبود إلا الله ، فـ " كلُّ ما تراه بعينك فهو الله " ، هذا قول آخر لابن عربي المعروف عندنا في الشام !! " كلُّ ما تراه بعينك فهو الله !! " ؛ النار التي يعبدها المجوس قديمًا وربما حديثًا هذه لا تخرج عن كونها الإله ، البوذيُّون الذين يعبدون البقر ما يعبدون غير الله ، لأن هذا ... يقول في كتابه الذي سمَّاه على غير اسمه هو : " الانسان الكامل " ، في كتاب " الإنسان الكامل يقول تلك العبارة : " لما عبد المجوس الناس ما عبدوا إلا الواحد القهار " ، هذا كناية عن جملة توحيد الإيه ؟ وحدة الوجود ، يعني ليس هناك شيئان ، ليس هناك خالق ولا مخلوق ، حتى إنهم ليصرِّحون هذا شرك !! أنتم مشركون حينما تقولون : في وجودان ؛ وجود أزلي وهو الله ، ووجود حادث وهو خلق الله ؛ هذا شركٌ ! لكن نحن الموحدون حيث نقول بألفاظنا : " لا هو إلا هو " .
العالم الإسلامي يعيش في ضلال كبير ويريد بعض الناس الذين يجهلون هذه الحقائق المرَّة أن يُشغلوا الناس بالسياسة ، وأنا أضرب لكم مثلًا قريبًا ؛ يدلُّكم على جهل الناس وليس عامَّة الناس ، بل خاصَّة الناس ، وليس خاصَّة الناس الذين لا يهتمُّون بالمسلمين والإسلام ، بل هم الذين يحلمون بمناسبات شتَّى بإقامة الدولة الإسلامية وقرآننا ودستورنا ونحو ذلك !
لما قام الخميني ... .
- فتاوى المدينة - شريط : 7
- توقيت الفهرسة : 00:42:36
- نسخة مدققة إملائيًّا