ما هو مقدار زكاة ريع العقار ؟
A-
A=
A+
سائل آخر : السلام عليكم .
الشيخ : وعليكم السلام .
السائل : بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، شيخ في بعض الأسئلة بخصوص الزكاة .
الشيخ : نعم .
السائل : ما هي مقدار زكاة ريع العقار ؟ يعني عقار الشقق أو الفلل أو كذا ، ما هو مقدار ريع ... ؟
الشيخ : نحن حينما نُسأل هذا السؤال نقول هو غير وارد بالنسبة إلينا ، ذلك لأنَّنا نقول أن العقارات المُعدَّة للإيجار وللبيع والشراء ليس عليها زكاة ، وبصورة عامة كلُّ عروض التجارة ليس عليها زكاة ، وحينما أقول ليس عليها زكاة ؛ إنما أعني الزكاة المعروفة بشروط مذكورة في كتب الفقه ، مثلًا لا زكاة حتى يحول عليها الحول ، لا زكاة حتى يبلغ النصاب ، على هذا الأساس المعروف عند أكثر العلماء ورد سؤالك ، لكن نحن نقول هذه الزكاة ذات النصاب ومع حَولان الحول لا ترد ، أو لم تُشرع بالنسبة للعقارات ، بل وعروض التجارة كلها ، هذه الزَّكاة ذات النصاب وذات شرط حَولان الحول ؛ لم يأت في الكتاب بل ولا في السنة ما يدلُّ على وجوب إخراج الزكاة السَّنوية عن أيِّ عروض تجارة ، ومنها بيع العقارات وإجارها ، على هذا السؤال بالنسبة إلينا غير وارد ، ولعله من المهم أن نتبسَّط قليلًا في بيان وجهة نظرنا هذه بعدم وجوب الزكاة في عروض التجارة .
نحن نقول إن من المتَّفق عليه بين علماء المسلمين أن الأصل في الفروج التحريم إلا ما أباحه نص ، والأصل في الدماء التحريم إلا ما أباحه النص ، والأصل كذلك في الأموال التحريم إلا ما أباحه نص مُلزم بالأخذ به ، وهذا مأخوذ من نصوص من أقواها وأشهرها ما خطب به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم حجَّة الوداع حين قال : ( ألا إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في عامكم هذا ، في بلدكم هذا ، اللهمَّ هل بلغت ؟ اللهم فاشهد ) ، الأصل في الأموال كهو في الدماء وفي الفروج ، المنع إلا بنصٍّ يبيح ذلك ، فمثلًا واضح جدًّا أنه لا يجوز لمسلم أن يتمتَّع بامرأة بغير طريق النكاح أو طريق التسرِّي ، ولو هي رضيت بذلك وأباحت عرضَها لأيِّ رجل كان ؛ لأن الأصل في الفروج التحريم إلا بنص .
وعلى ذلك فقل بالنسبة للدماء ، وهو أوضح ، ثم يأتي أخيرًا الأموال ، لا يجوز أن يُؤخذ من أموال الناس شيء ما فرضه الله - تبارك وتعالى - عليهم ، أما الصدقة بالنافلة ؛ فهذا بحر لا ساحل له ، إنما البحث الفرض والإيجاب الأصل في الأموال التحريم .
وقد جاء هناك ما يؤكِّد عدم وجوب الزكاة في غير المنصوص عليه ، مثلًا فيما يتعلق بالمواشي قال - عليه الصلاة والسلام - : ( لا صدقة في فرس الرجل ولا في عبده ) ، وبناءً على هذا الحديث الصحيح جاء في " مسند الإمام أحمد " أن جماعةً من التجار جاؤوا في زمن عمر بخيل للتجارة ، جاؤوا إلى عمر فقالوا : " يا أمير المؤمنين ، خذ منها زكاتها " . فقال - رضي الله عنه - : " إنه لم يفعله صاحباي من قبلي " . يعني الرسول - عليه السلام - وأبا بكر ، " إنه لم يفعله صاحباي من قبلي " ، وكان في المجلس علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - جميعًا ، فلما ألحَّ ، فلما رأى أن القوم التجار ألحُّوا على عمر بأن يأخذ منها الزكاة قال عليّ : خُذها يا أمير المؤمنين على أنها صدقة تطوع ، فأخذها منهم ، فطابت بذلك نفوسهم ، وهذا ما لا يقع اليوم ، وإنما يقع العكس ، كثير من الناس تجب عليهم الزكاة فيحتالون لكي يتخلَّصوا منها بشتَّى أنواع الحيل ، لكن هؤلاء بطيب أنفسهم رأوا أنُّو الله أنعم عليهم بهذه الأموال ، ولما أبى عمر أن يأخذ منها الزكاة وأوجد عليهم ابن أبي طالب حلًّا أنه خذها منهم على أنها تطوع ، أخذها منه طابت نفوسهم .
الشاهد أن هذا يدل على أن عروض التجارة ليس عليها زكاة مفروضة معينة ، كذلك مما يدلُّ على ما ذكرنا من عدم فرضيَّة أموال زكاة العروض بعض الآثار التي جاءت عن بعض العلماء تتلخَّص بأنه لا زكاة على الثمار إلا ما كان تمرًا أو عنبًا ، وما كان من الحبوب قمحًا أو شعيرًا ، واحتجوا على ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لمَّا أرسل معاذًا إلى اليمن قال : ( لا تأخذ الصدقة منهم إلا من التَّمر والزَّبيب والقمح والشَّعير ) ، فهذا يدل على أنُّو الأصل المنع ؛ لأنه نهاه - عليه الصلاة والسلام - أن يأخذ الصدقة من غير هذه الأصناف الأربعة من الثمار والحبوب . قلت أنُّو الأصل في الأموال المنع ، ولا يُعطى أو لا يجب إعطاء الزكاة ، وشرحت الزكاة ، هي الزكاة هذي المقنَّنة بنصاب وبنسبة معروفة بالمائة اثنين ونص ، لكن هناك زكاة مطلقة فيما لم يفرض الشارع الحكيم فيها زكاة الفريضة في هناك زكاة مطلقة ، من باب قوله - تعالى - : (( خذ من أموالهم صدقةً تطهِّرهم وتزكيهم بها )) ، فإذا فرضنا رجلًا كما هو واقع كثير من التجار اليوم ،
كلَّما توفرت لديه الدراهم والدنانير بما يسمَّى اليوم بالسُّيولة حوَّلوها إلى أموال عروض التجارة ؛ فهو بلا شك أنه غنيٌّ ، بل قد يكون من أغنى الأغنياء ، ولكن قد لا يكون عنده من الأموال ما يصحُّ أن يُقال حال عليه الحول ، ووجب أن يُخرج بالمائة اثنين ونصف ، لكن مع ذلك هو يعلم يقينًا أنه رجل غني ، وأن في ماله حقّ كما قال - تعالى - : (( وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم )) ، فيكون نتيجة الحكم هذه العقارات وهذه العروض ؛ أنه ليس عليها زكاة سنويَّة مقنَّنة بالمائة اثنين ونص ، وإنما ما جادت به نفس الغني ، ما جادت به نفس الغني . هذا ما يمكن أن يقال بالنسبة للأدلة الشرعية ، باختصار ليس هناك أيُّ دليل صحيح يوجب الزكاة على هذه الأنواع من عروض التجارة ، ومن ثمار أو حبوب غير الأنواع الأربعة التي ذكرنا .
وهنا يرد إشكال ، يقولون : أنُّو إذا قيل ليس في عروض التجارة زكاة أصاب من ذلك الفقراء ضرر كبير ؛ لأنه حينئذٍ سوف لا يتقدَّم الأغنياء إليهم بشيء من زكاة أموالهم ، وجوابنا على ذلك من ناحيتين :
الناحية الأولى : إننا قلنا لا يجب الزكاة في أموال الزكاة المقنَّنة المفروضة المحددة ، لكن الزكاة المطلقة من باب تطهير المال ، بل تطهير النفس مما جُبلت عليه ، كما قال - تعالى - : ((وأحضرت الأنفس الشُّحَّ )) ؛ فهذا لا بد منه ، لكن لا يُقال انتظر حتى يحول الحول ، أو تعجَّل قبل ما ينتهي الحول ، لا يقال أنه بيطلع عليك بالمائة اثنين ونص ، فاعمل جرد كل سنة من أول بضاعة لآخر بضاعة ، واحسب كم قيمتها في الساعة ، وأعط بالمائة اثنين ونصف ، هذا لا يقال ، لكن أخرج ما تطيب به نفسك من أيِّ نوع عندك ، سواء كان من الدراهم أو الدنانير أو بضاعة كرز أو سكر أو أي شيء ينفع الفقير ، هذا الجواب الأول .
الجواب الثاني أن كثيرًا من الناس يقعون في غفلة عجيبة ، وتتبيَّن هذه الغفلة حينما نُورد السؤال الآتي ؛ ألا وهو لا شك أنه يجوز للغني أن يحصر أو أن يكنز ماله من الذهب والفضة في صندوق حديدي ولا يطرحه في السوق للتجارة ، بشرط أن يُخرج الزكاة عن هذا المال في كل سنة ، هذا أظن معروف لدى الجميع ، حينئذٍ نقول من فعل هذا ؛ هل عليه مؤاخذة ؟ إذا أخرج زكاة ماله كل سنة ؟ الجواب لا .
تاجر آخر ليس في صندوقه ولا درهم ولا دينار ، كله مطروح في التجارة ، ونفترض أن كلًّا من التاجرين ماله مساوي للمال الآخر من حيث الكمية ، هذا مثلًا رأس ماله مليون وهذا رأس ماله مليون ، الأول المليون مكنوز في الصندوق، وكل سنة بيطالع بالمائة اثنين ونص ، الثاني المليون تبعه مطروح في السوق ، في أيِّ عرض من عروض التجارة ، الآن السؤال يأتي أيُّ الغنيين من هذين أمره أنفع للفقير ؟ آلأوَّل أم الآخر ؟
الآن قولوا ما عندكم ، وأنتم كثير منكم تجار ، أنا لست بتاجر ، أيُّ رجل أنفع ؟ هل عندكم شك في هذا الكلام ؟ ما في شك ، إذًا حينما يقول القائل متوهِّمًا أننا حين نقول أنه من تحوَّل ماله إلى عروض التجارة أضرَّ الفقراء هو واهم ، هو إذا صح أن نقول أضرَّ بالفقراء هو الرجل الأول ، حبس ماله وكنزه ، لكن الشارع قال له مادام تُخرج الزكاة ؛ فليس عليك بالإثم ؛ فحينئذٍ كيف يُقال أنه هذا أضرَّ بالفقراء ؟ إن كان أحد أضرّ من الجنسين أو النوعين ؛ فإنما هو الرجل الأول .
نقول أخيرًا الرجل الثاني هو الذي ينفع الفقراء ؛ لأنه لما بشغِّل رأس ماله بيوجد حركة في البلد ، بيوجد عمل للفقراء ، لو فرضنا كلُّ الأغنياء من نمط الجنس الأول ؛ لَأصابت البطالة العمال والفقراء والمحتاجين ، والعكس بالعكس تمامًا ، فإذًا يجب أن نُلاحظ الآن شيئًا هامًّا جدًّا ؛ أن الله - عز وجل - حينما لم يفرض على عروض التجارة زكاةً ، وعلى العكس من ذلك فرضَ على الأموال المكنوزة زكاةً ؛ فكأنُّو ربنا - عز وجل - يقول للأغنياء اطرحوا أموالكم في بين الأيدي ، واشتغلوا بها في عروض التجارة ، فذلك خير للناس من أن تكنزوها في صناديقكم أو في كنوزكم .
فإذًا هنا حكمة بالغة أن الله - عز وجل - حينما لا نجد في كتاب الله ولا في حديث رسول الله نصًّا يُلزم هذا الغني الذي طرح رأس ماله في السوق أنه يجب عليه في كل سنة أن يعمل إحصاء ، ويُقوِّم هذه الأموال الطائلة ، إنما تسامح معه هذا التسامح ؛ لأنه يستحق ، لأنه أنفع بعمله هذا ... للفقراء من ذاك الغني الذي كنز ماله ، ومع ذلك تسامحَ الله معه ؛ ما دام أنه يُخرج من هذه الأموال المكدَّسة المكنوزة بالمائة اثنين ونصف .
خلاصة القول في ما نفهم نحن هذا الموضوع اجتمع النقل والعقل في آنٍ واحد أنَّ عروض التجارة لا زكاة عليها ، وأنَّ رفعَ الشارع الحكيم الزكاة عنها هو لصالح الفقير ؛ لأنه يُساعد الغنيَّ على أن لا يكنز المال ، فإذا كنزه قلَّت استفادة الفقير منه ، ومن جهة أخرى يُساعد الغني على أن يطرح ماله في السوق ، فيستفيد الفقراء منه أكثر مما يستفيدون من الأموال ، وهذا ما عندي في هذه القضية .
الشيخ : وعليكم السلام .
السائل : بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، شيخ في بعض الأسئلة بخصوص الزكاة .
الشيخ : نعم .
السائل : ما هي مقدار زكاة ريع العقار ؟ يعني عقار الشقق أو الفلل أو كذا ، ما هو مقدار ريع ... ؟
الشيخ : نحن حينما نُسأل هذا السؤال نقول هو غير وارد بالنسبة إلينا ، ذلك لأنَّنا نقول أن العقارات المُعدَّة للإيجار وللبيع والشراء ليس عليها زكاة ، وبصورة عامة كلُّ عروض التجارة ليس عليها زكاة ، وحينما أقول ليس عليها زكاة ؛ إنما أعني الزكاة المعروفة بشروط مذكورة في كتب الفقه ، مثلًا لا زكاة حتى يحول عليها الحول ، لا زكاة حتى يبلغ النصاب ، على هذا الأساس المعروف عند أكثر العلماء ورد سؤالك ، لكن نحن نقول هذه الزكاة ذات النصاب ومع حَولان الحول لا ترد ، أو لم تُشرع بالنسبة للعقارات ، بل وعروض التجارة كلها ، هذه الزَّكاة ذات النصاب وذات شرط حَولان الحول ؛ لم يأت في الكتاب بل ولا في السنة ما يدلُّ على وجوب إخراج الزكاة السَّنوية عن أيِّ عروض تجارة ، ومنها بيع العقارات وإجارها ، على هذا السؤال بالنسبة إلينا غير وارد ، ولعله من المهم أن نتبسَّط قليلًا في بيان وجهة نظرنا هذه بعدم وجوب الزكاة في عروض التجارة .
نحن نقول إن من المتَّفق عليه بين علماء المسلمين أن الأصل في الفروج التحريم إلا ما أباحه نص ، والأصل في الدماء التحريم إلا ما أباحه النص ، والأصل كذلك في الأموال التحريم إلا ما أباحه نص مُلزم بالأخذ به ، وهذا مأخوذ من نصوص من أقواها وأشهرها ما خطب به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم حجَّة الوداع حين قال : ( ألا إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في عامكم هذا ، في بلدكم هذا ، اللهمَّ هل بلغت ؟ اللهم فاشهد ) ، الأصل في الأموال كهو في الدماء وفي الفروج ، المنع إلا بنصٍّ يبيح ذلك ، فمثلًا واضح جدًّا أنه لا يجوز لمسلم أن يتمتَّع بامرأة بغير طريق النكاح أو طريق التسرِّي ، ولو هي رضيت بذلك وأباحت عرضَها لأيِّ رجل كان ؛ لأن الأصل في الفروج التحريم إلا بنص .
وعلى ذلك فقل بالنسبة للدماء ، وهو أوضح ، ثم يأتي أخيرًا الأموال ، لا يجوز أن يُؤخذ من أموال الناس شيء ما فرضه الله - تبارك وتعالى - عليهم ، أما الصدقة بالنافلة ؛ فهذا بحر لا ساحل له ، إنما البحث الفرض والإيجاب الأصل في الأموال التحريم .
وقد جاء هناك ما يؤكِّد عدم وجوب الزكاة في غير المنصوص عليه ، مثلًا فيما يتعلق بالمواشي قال - عليه الصلاة والسلام - : ( لا صدقة في فرس الرجل ولا في عبده ) ، وبناءً على هذا الحديث الصحيح جاء في " مسند الإمام أحمد " أن جماعةً من التجار جاؤوا في زمن عمر بخيل للتجارة ، جاؤوا إلى عمر فقالوا : " يا أمير المؤمنين ، خذ منها زكاتها " . فقال - رضي الله عنه - : " إنه لم يفعله صاحباي من قبلي " . يعني الرسول - عليه السلام - وأبا بكر ، " إنه لم يفعله صاحباي من قبلي " ، وكان في المجلس علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - جميعًا ، فلما ألحَّ ، فلما رأى أن القوم التجار ألحُّوا على عمر بأن يأخذ منها الزكاة قال عليّ : خُذها يا أمير المؤمنين على أنها صدقة تطوع ، فأخذها منهم ، فطابت بذلك نفوسهم ، وهذا ما لا يقع اليوم ، وإنما يقع العكس ، كثير من الناس تجب عليهم الزكاة فيحتالون لكي يتخلَّصوا منها بشتَّى أنواع الحيل ، لكن هؤلاء بطيب أنفسهم رأوا أنُّو الله أنعم عليهم بهذه الأموال ، ولما أبى عمر أن يأخذ منها الزكاة وأوجد عليهم ابن أبي طالب حلًّا أنه خذها منهم على أنها تطوع ، أخذها منه طابت نفوسهم .
الشاهد أن هذا يدل على أن عروض التجارة ليس عليها زكاة مفروضة معينة ، كذلك مما يدلُّ على ما ذكرنا من عدم فرضيَّة أموال زكاة العروض بعض الآثار التي جاءت عن بعض العلماء تتلخَّص بأنه لا زكاة على الثمار إلا ما كان تمرًا أو عنبًا ، وما كان من الحبوب قمحًا أو شعيرًا ، واحتجوا على ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لمَّا أرسل معاذًا إلى اليمن قال : ( لا تأخذ الصدقة منهم إلا من التَّمر والزَّبيب والقمح والشَّعير ) ، فهذا يدل على أنُّو الأصل المنع ؛ لأنه نهاه - عليه الصلاة والسلام - أن يأخذ الصدقة من غير هذه الأصناف الأربعة من الثمار والحبوب . قلت أنُّو الأصل في الأموال المنع ، ولا يُعطى أو لا يجب إعطاء الزكاة ، وشرحت الزكاة ، هي الزكاة هذي المقنَّنة بنصاب وبنسبة معروفة بالمائة اثنين ونص ، لكن هناك زكاة مطلقة فيما لم يفرض الشارع الحكيم فيها زكاة الفريضة في هناك زكاة مطلقة ، من باب قوله - تعالى - : (( خذ من أموالهم صدقةً تطهِّرهم وتزكيهم بها )) ، فإذا فرضنا رجلًا كما هو واقع كثير من التجار اليوم ،
كلَّما توفرت لديه الدراهم والدنانير بما يسمَّى اليوم بالسُّيولة حوَّلوها إلى أموال عروض التجارة ؛ فهو بلا شك أنه غنيٌّ ، بل قد يكون من أغنى الأغنياء ، ولكن قد لا يكون عنده من الأموال ما يصحُّ أن يُقال حال عليه الحول ، ووجب أن يُخرج بالمائة اثنين ونصف ، لكن مع ذلك هو يعلم يقينًا أنه رجل غني ، وأن في ماله حقّ كما قال - تعالى - : (( وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم )) ، فيكون نتيجة الحكم هذه العقارات وهذه العروض ؛ أنه ليس عليها زكاة سنويَّة مقنَّنة بالمائة اثنين ونص ، وإنما ما جادت به نفس الغني ، ما جادت به نفس الغني . هذا ما يمكن أن يقال بالنسبة للأدلة الشرعية ، باختصار ليس هناك أيُّ دليل صحيح يوجب الزكاة على هذه الأنواع من عروض التجارة ، ومن ثمار أو حبوب غير الأنواع الأربعة التي ذكرنا .
وهنا يرد إشكال ، يقولون : أنُّو إذا قيل ليس في عروض التجارة زكاة أصاب من ذلك الفقراء ضرر كبير ؛ لأنه حينئذٍ سوف لا يتقدَّم الأغنياء إليهم بشيء من زكاة أموالهم ، وجوابنا على ذلك من ناحيتين :
الناحية الأولى : إننا قلنا لا يجب الزكاة في أموال الزكاة المقنَّنة المفروضة المحددة ، لكن الزكاة المطلقة من باب تطهير المال ، بل تطهير النفس مما جُبلت عليه ، كما قال - تعالى - : ((وأحضرت الأنفس الشُّحَّ )) ؛ فهذا لا بد منه ، لكن لا يُقال انتظر حتى يحول الحول ، أو تعجَّل قبل ما ينتهي الحول ، لا يقال أنه بيطلع عليك بالمائة اثنين ونص ، فاعمل جرد كل سنة من أول بضاعة لآخر بضاعة ، واحسب كم قيمتها في الساعة ، وأعط بالمائة اثنين ونصف ، هذا لا يقال ، لكن أخرج ما تطيب به نفسك من أيِّ نوع عندك ، سواء كان من الدراهم أو الدنانير أو بضاعة كرز أو سكر أو أي شيء ينفع الفقير ، هذا الجواب الأول .
الجواب الثاني أن كثيرًا من الناس يقعون في غفلة عجيبة ، وتتبيَّن هذه الغفلة حينما نُورد السؤال الآتي ؛ ألا وهو لا شك أنه يجوز للغني أن يحصر أو أن يكنز ماله من الذهب والفضة في صندوق حديدي ولا يطرحه في السوق للتجارة ، بشرط أن يُخرج الزكاة عن هذا المال في كل سنة ، هذا أظن معروف لدى الجميع ، حينئذٍ نقول من فعل هذا ؛ هل عليه مؤاخذة ؟ إذا أخرج زكاة ماله كل سنة ؟ الجواب لا .
تاجر آخر ليس في صندوقه ولا درهم ولا دينار ، كله مطروح في التجارة ، ونفترض أن كلًّا من التاجرين ماله مساوي للمال الآخر من حيث الكمية ، هذا مثلًا رأس ماله مليون وهذا رأس ماله مليون ، الأول المليون مكنوز في الصندوق، وكل سنة بيطالع بالمائة اثنين ونص ، الثاني المليون تبعه مطروح في السوق ، في أيِّ عرض من عروض التجارة ، الآن السؤال يأتي أيُّ الغنيين من هذين أمره أنفع للفقير ؟ آلأوَّل أم الآخر ؟
الآن قولوا ما عندكم ، وأنتم كثير منكم تجار ، أنا لست بتاجر ، أيُّ رجل أنفع ؟ هل عندكم شك في هذا الكلام ؟ ما في شك ، إذًا حينما يقول القائل متوهِّمًا أننا حين نقول أنه من تحوَّل ماله إلى عروض التجارة أضرَّ الفقراء هو واهم ، هو إذا صح أن نقول أضرَّ بالفقراء هو الرجل الأول ، حبس ماله وكنزه ، لكن الشارع قال له مادام تُخرج الزكاة ؛ فليس عليك بالإثم ؛ فحينئذٍ كيف يُقال أنه هذا أضرَّ بالفقراء ؟ إن كان أحد أضرّ من الجنسين أو النوعين ؛ فإنما هو الرجل الأول .
نقول أخيرًا الرجل الثاني هو الذي ينفع الفقراء ؛ لأنه لما بشغِّل رأس ماله بيوجد حركة في البلد ، بيوجد عمل للفقراء ، لو فرضنا كلُّ الأغنياء من نمط الجنس الأول ؛ لَأصابت البطالة العمال والفقراء والمحتاجين ، والعكس بالعكس تمامًا ، فإذًا يجب أن نُلاحظ الآن شيئًا هامًّا جدًّا ؛ أن الله - عز وجل - حينما لم يفرض على عروض التجارة زكاةً ، وعلى العكس من ذلك فرضَ على الأموال المكنوزة زكاةً ؛ فكأنُّو ربنا - عز وجل - يقول للأغنياء اطرحوا أموالكم في بين الأيدي ، واشتغلوا بها في عروض التجارة ، فذلك خير للناس من أن تكنزوها في صناديقكم أو في كنوزكم .
فإذًا هنا حكمة بالغة أن الله - عز وجل - حينما لا نجد في كتاب الله ولا في حديث رسول الله نصًّا يُلزم هذا الغني الذي طرح رأس ماله في السوق أنه يجب عليه في كل سنة أن يعمل إحصاء ، ويُقوِّم هذه الأموال الطائلة ، إنما تسامح معه هذا التسامح ؛ لأنه يستحق ، لأنه أنفع بعمله هذا ... للفقراء من ذاك الغني الذي كنز ماله ، ومع ذلك تسامحَ الله معه ؛ ما دام أنه يُخرج من هذه الأموال المكدَّسة المكنوزة بالمائة اثنين ونصف .
خلاصة القول في ما نفهم نحن هذا الموضوع اجتمع النقل والعقل في آنٍ واحد أنَّ عروض التجارة لا زكاة عليها ، وأنَّ رفعَ الشارع الحكيم الزكاة عنها هو لصالح الفقير ؛ لأنه يُساعد الغنيَّ على أن لا يكنز المال ، فإذا كنزه قلَّت استفادة الفقير منه ، ومن جهة أخرى يُساعد الغني على أن يطرح ماله في السوق ، فيستفيد الفقراء منه أكثر مما يستفيدون من الأموال ، وهذا ما عندي في هذه القضية .
- فتاوى الكويت - شريط : 2
- توقيت الفهرسة : 00:09:36
- نسخة مدققة إملائيًّا