بيان حديث : ( إذا بلغت المرأة المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا وجهها وكفَّيها ) .
A-
A=
A+
الشيخ : أما حديث أسماء بنت أبي بكر لما قال لها الرسول - عليه السلام - : ( إذا بلغت المرأة المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا وجهها وكفَّيها ) ، هذا الحديث يقف عنده بعض الناس ممن لا اختصاص عندهم في علم الحديث ولا توسّع لديهم في تتبع طرق الحديث وبخاصة حينما يكون الحديث في بعض طرقه في كتب ليست متداولة على أيدي العلماء الذين ليسُوا من ذوي الاختصاص كما ذكرنا ، هذا الحديث موجود في كتاب من كتب السنن الأربعة المشهورة ، ومن رواية السيدة عائشة ، هذا الحديث بهذا السند لا شك ولا ريب عندنا أن إسناده ضعيف ؛ لأن فيه انقطاعًا ، وفيه ضعف في بعض رواته ، هذا مما ذكرناه في الكتاب السابق الذكر : " حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة " ، ولكن لهذا الحديث شاهد معتبر عند أهل العلم بالحديث ، وليس من طريق عائشة المنقطع والذي فيه راوٍ ضعيف ، وإنما من طريق أخرى ، من طريق أسماء نفسها صاحبة القصة - عفوًا - من طريق أسماء بنت عميس ، هذا الطريق موجود في " سنن البيهقي الكبرى " ، وبإسناد كل رجاله ثُقات ، لا مطعن ولا غمز فيهم سوى رجل واحد ، وهو عبد الله بن لهيعة قاضي مصر في زمانه ، وليس يخفى علينا أن هذا الرجل قد تكلَّم فيه غير ما واحد من علماء الحديث ، لكن كلامهم فيه لم يكن في صدقه ، وإنما كان في ضبطه وسوء حفظه ، وهم يعترفون له بعلمه وبفضله ، وحسبكم أن تعلموا أنه كان من القضاة الذين يحكمون بالشرع ، فهو رجل فاضل ، ولكنه أصيب بمصيبة ؛ ألا وهو أن مكتبته العامرة بالكتب الحديثيَّة وأجزائها أصابها الحريق ، فاحترقت ، ومن عادة علماء الحديث أنَّهم حينما كانوا يحدِّثون الناس في مجالس الحديث كانوا يراجعون أصولَهم لكي يُلقوا الحديث وهم حديثو عهد بمصادر الحديث بألفاظها وأسانيدها ، فيدرس الأحاديث التي يريد أن يلقيها على الناس بالمتون والأسانيد ، ثم يخرج عليهم فيُلقيها ، هكذا كان يفعل عبد الله بن لهيعة القاضي ، كما هو شأن كل يعني عالم بالحديث ، لمَّا احترقت كتبه لم يبقَ لديه مرجع إلا ذاكرته ، فأخذ يحدِّث بالأحاديث ، فظهر فيها الخطأ ، تارة في السند ، وتارة في المتن ، يكون الحديث مثلًا عن صحابي موقوفًا فيقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوهِّمًا ، وليس عنده بقى المرجع الكتب اللِّي سمعها من شيوخه من المحدثين بيرجع إليها ويحضِّر الدرس قبل إلقائه ، فظهر منه بعض الأوهام والأخطاء ، فقيل في ترجمته عبارة فيها منتهى الدِّقَّة : " عبد الله بن لهيعة هو صدوق ساء حفظه لما احترقت كتبه ، وهو صحيح الحديث إذا روى عنه أحد العبادلة " ، وهو صحيح الحديث إذا روى عنه العبادلة ؛ يعنون عبد الله بن يزيد المصري ، وعبد الله بن وهب المصري ، وعبد الله بن المبارك المروزي ، وهؤلاء كلهم من شيوخ الإمام أحمد ، هؤلاء العبادلة إذا رَوَوْا عن عبد الله بن لهيعة حديثًا يكون حديثه صحيحًا ، ما السِّرُّ ؟ قالوا هؤلاء حدثوا عن أبي لهيعة قبل احتراق كتبه ، إلى هنا وصل دقَّة علماء الحديث في تفلية الرجال ، وفي الفحص والبحث عن أحوالهم ، عبد الله بن لهيعة صدوق سيِّئ الحفظ ؛ لأنه ساء حفظه بعد أن احترقت كتبه ، لكن العبادلة هذول الثقات إنما رَوَوْا عنه قبل احتراق كتبه ؛ أي : حينما كانوا يتلقَّون عنه الأحاديث ويسمعونها منه كان هو يحضِّرها من كتبه التي لمَّا تحترق بعد ، فكان يُلقي الحديث كما حفظه حديثًا من كتبه ، بعد أن احترقت كتبه ظهر في أحاديثه - كما قلنا يعني - شيء من الأخطاء ، فقال أهل العلم المحقِّقون منهم : " حديث ابن لهيعة إذا لم يكن من طريق أحد العبادلة الذين ذكرنا أسماءهم آنفًا يُصنَّف حديثه في مرتبة الحديث الضعيف ، ليس الشديد الضعف " .
وإنما هو ضعف وسط ، بحيث يمكن أن يتقوَّى بمجيئه من طريق أخرى ، بل بعض العلماء يحسِّنون حديثه ، مجرَّد ما يكون فيه ابن لهيعة بيقولوا حديثه حسن ، وهذا في الوقت الذي نحن نشهد بأنُّو هذا تساهل ؛ لأنُّو أكثر العلماء حكموا على حديثه بالضعف ، ولكن ألا يكون حديثه حسنًا على الأقل حينما يأتي له شاهد في " سنن أبي داود " من حديث عائشة ، وليس في هذا الحديث متَّهم ، وإنما فيه انقطاع من فوق ، وفيه ضعف قليل - أيضًا - من جهة الحفظ ، من راوي اسمه سعيد بن بشير ؟
فإذا كان حديث ابن لهيعة لا يستحقُّ حديثه التحسين لذاته ؛ فهو على الأقل يستحقُّ التحسين لغيره حينما يوجد له شاهد ، فنحن حينما نحتجُّ بهذا الحديث لا نحتجُّ بالنظر فقط للحديث الذي رواه أبو داود عن عائشة بالسند الضعيف ، وإنما نحتجُّ بهذا الحديث بهذا زايد طريق عبد الله بن لهيعة الذي هو في " سنن الإمام البيهقي " .
وأخيرًا : ألا يزداد هذا الحديث قوَّةً وصحَّةً بتذكُّرنا للأحاديث الصحيحة التي ذكرناها آنفًا ، وآخرها حديث الخثعمية ، حينما كان ينظر إليها الفضل ، ولا يقول الرسول - عليه السلام - لها : ( استري وجهك ) ؛ لأن ستر الوجه عورة ، لا بل أقرَّها على ذلك ، فهذا يؤكد حديث عائشة وحديث أسماء بنت عميس الذي يقول : ( إذا بلغت المرأة المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا وجهها وكفَّيها ) .
وإنما هو ضعف وسط ، بحيث يمكن أن يتقوَّى بمجيئه من طريق أخرى ، بل بعض العلماء يحسِّنون حديثه ، مجرَّد ما يكون فيه ابن لهيعة بيقولوا حديثه حسن ، وهذا في الوقت الذي نحن نشهد بأنُّو هذا تساهل ؛ لأنُّو أكثر العلماء حكموا على حديثه بالضعف ، ولكن ألا يكون حديثه حسنًا على الأقل حينما يأتي له شاهد في " سنن أبي داود " من حديث عائشة ، وليس في هذا الحديث متَّهم ، وإنما فيه انقطاع من فوق ، وفيه ضعف قليل - أيضًا - من جهة الحفظ ، من راوي اسمه سعيد بن بشير ؟
فإذا كان حديث ابن لهيعة لا يستحقُّ حديثه التحسين لذاته ؛ فهو على الأقل يستحقُّ التحسين لغيره حينما يوجد له شاهد ، فنحن حينما نحتجُّ بهذا الحديث لا نحتجُّ بالنظر فقط للحديث الذي رواه أبو داود عن عائشة بالسند الضعيف ، وإنما نحتجُّ بهذا الحديث بهذا زايد طريق عبد الله بن لهيعة الذي هو في " سنن الإمام البيهقي " .
وأخيرًا : ألا يزداد هذا الحديث قوَّةً وصحَّةً بتذكُّرنا للأحاديث الصحيحة التي ذكرناها آنفًا ، وآخرها حديث الخثعمية ، حينما كان ينظر إليها الفضل ، ولا يقول الرسول - عليه السلام - لها : ( استري وجهك ) ؛ لأن ستر الوجه عورة ، لا بل أقرَّها على ذلك ، فهذا يؤكد حديث عائشة وحديث أسماء بنت عميس الذي يقول : ( إذا بلغت المرأة المحيض لم يصلح أن يُرى منها إلا وجهها وكفَّيها ) .
- فتاوى الكويت - شريط : 7
- توقيت الفهرسة : 00:45:10
- نسخة مدققة إملائيًّا