ضوابط جواز أمر من باب المصلحة الشرعية ؟
A-
A=
A+
السائل : شيخنا ، نسمع وأحيانًا نقرأ لبعض الدعاة في هذا الموضوع نفسه ، وأحيانًا يتوسَّعون في مواضيع أخرى ، ويقولون : نحن نُجيز هذه الأشياء من باب المصلحة لمثل الدعوة وما شابه ذلك ، وأحيانًا يزيدون على كلمة المصلحة اصطلاحًا فقهيًّا يؤثِّرون به على عقول بعض الشباب المتحمس للدين ، فيقولون من باب المصلحة المرسلة ، فحبذا لو ألقيتم الضَّوء رد على هذه الشُّبه . بارك الله فيكم .
الشيخ : لا يخفى على أهل العلم أن المصلحة المرسلة هي وسيلة في حدِّ ذاتها ليست مخالفةً للشريعة ، فإذا ما كانت تحقِّق مصلحة شرعية جاز أو وجب الأخذ بها ؛ لأنها أولًا : وسيلة غير مخالفة للشريعة ، وثانيًا : تحقِّق مصلحة شرعية ، ومع أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها كما شرح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " حيث قال : " إن المصلحة المرسلة لا يجوز الأخذ بها على إطلاقها ، وإنما لا بد من تفصيل " ، وذكر ما يأتي باختصار يقول : " المصلحة المرسلة إذا وجد السبب المقتضي لها بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيُنظر ؛ هل الأخذ بهذا السبب كان قائمًا في عهد النبي - صلى الله عليه آله وسلم - ومع ذلك لم يأخذ به ؟ أو لم يكن هذا السبب قائمًا ، فإن كان الأمر الأول لم يجز للمسلمين أن يأخذوا بهذا السبب ، ولو كان بزعمهم يحقِّق مصلحة شرعية ؛ لأن هذا السبب لو كان مشروعًا وكان فعلًا يحقق مصلحة شرعية ؛ كان الرسول - عليه السلام - أولى الناس أن يجعل ذلك سببًا مشروعًا وأن يتبنَّاه ؛ لأنه يحقق مصلحة شرعية .
قال : فإذا لم يكن السبب المقتضي للأخذ به تحقيقًا للمصلحة المرسلة قائمًا في عهد النبي - صلى الله عليه آله وسلم - نظرنا في الحامل لنا أن نأخذ به لتحقيق المصلحة ؛ هل هو تقصير المسلمين في القيام ببعض الأحكام الشرعية ؟ فإن كان المقتضي بالأخذ بهذا السبب هو بسبب تقصير المسلمين في القيام ببعض الأحكام الشرعية ؛ فلا يجوز - أيضًا - الأخذ بهذا السبب ، فليقال لهم : خذوا بما شرع الله لكم من الوسائل والأسباب المشروعة ؛ فهي تكفي لتحقيق المصلحة المنشودة ، بهذا السبب الحادث هذا الوجه الثاني .
الوجه الثالث والأخير : إذا لم يكن السبب هذا الموجب للأخذ به تقصير المسلمين في القيام ببعض الأحكام الشرعية ، بل هم آخذون بها لكن هذا السبب - أيضًا - يُحقِّق لهم مصلحة زائدة على تلك الأسباب المشروعة ؛ هنا يقول : يجوز أن نأخذ به " .
إذا استحضرنا هذا التفصيل وعدنا إلى السؤال ، أول شيء يعترض سبيل شرعيَّة الأخذ بهذه الوسيلة لتحقيق مصلحة شرعية أن هذه وسيلة غير مشروعة ، فإذا هم رجعوا إلى القول بأنو لأ هذه الصور ليست يعني محرمة ؛ عاد البحث إلى ما كنا فيه آنفًا ، أما إذا سلَّموا بأن هذه الوسيلة محرمة وغير مشروعة حينئذٍ ؛ فمن السهل جدًّا أن يقال لهم كيف تستحلُّون ارتكاب وسيلة محرمة لتحقيق مصلحة شرعية في زعمهم ؟ والواقع أنه لا يجوز الأخذ بسبب ليس مخالفًا للشريعة إذا لم يأخذ به الرسول - عليه السلام - تحقيقًا للمصلحة الشرعية ، ففرق كبير جدًّا بين هذا الذي ذكرته آنفًا عليه الدليل أن سببًا كان قائمًا المقتضي للأخذ به لتحقيق مصلحة والرسول لم يأخذ به ؛ إذًا لا يجوز لنا أن نأخذ به ، فكيف نأخذ بوسيلة حرَّمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
ولذلك فالواقع أن هؤلاء الذين يُفتون بهذه الفتاوى في اعتقادي يتبنَّون القاعدة الكافرة ، وهي التي تقول : " الغاية تبرر الوسيلة " ، وهذه - مع الأسف - يعني ظاهرة مستشرية جدًّا عند كثير من الكُتَّاب الإسلامين ، الذين لم يؤتوا حظًّا وافرًا من العلم ، " الغاية تبرر الوسيلة " هَيْ شوف - يا أخي - هَيْ بتحقق مصلحة ، لا ينظرون إلى هذا التفصيل العلمي الذي جاء به وأوضحه بن تيمية -رحمه الله - ، ويحسن أن نذكر بعض الأمثلة بالنسبة للأقسام الثلاثة ، وأهمها القسم الذي يقول : إذا كان السبب حدث بعد أن لم يكن ، والمقتضي للأخذ به هو تقصير المسلمين ؛ فلا يجوز الأخذ به ، مثاله واقع الدول الإسلامية اليوم الذين يفرضون على الشعوب المسلمة ضرائب وأموال يأخذونها منهم رغم أنوفهم ، لماذا ؟ يا أخي مصلحة الدولة تقتضي ذلك ، كيف الدولة بدها تحقق مصالح الشعب بدون مال ، فهؤلاء يُقال لهم خذوا الوسائل المشروعة في جمع الأموال من الزَّكوات المعروفة في الحيوانات مثلًا والثمار وفي بعض النباتات المعروف حكمها في الإسلام ، والتركات ونحو ذلك ممَّا لا وارث لها ، طبِّقوا هذه الأحكام الشرعية ، واجمعوا هذه الأموال في خزينة الدولة ؛ حينذاك إذا لم تكفِ هذه الأموال للقيام بمصالح الدولة ومصالح الشعب المسلم ممكن أن تفرضوا ضريبة جديدة تتناسب مع الحاجة ، أما وأنتم أعرضتم عن الأسباب التي شرعها الله لإغناء خزينة الدولة فجئتم - بعد أن عطَّلتموها - بأسباب وقوانين فرضتموها من عندكم ؛ هذه لا يجوز الأخذ بها ، بدعوى أنها تُحقِّق المصلحة ؛ لأن هذه المصلحة قد حقَّقها الشارع بشرع أعرضتم عنه .
هذا من الأمثلة التي يعني يتَّضح بها أنه مو كل شيء بيحقق مصلحة يجب أن نحن نتشبَّث به ، وإنما يجب أن يُدرس على ضوء الأحكام الشرعية ، على العكس من ذلك مثلًا ، وهذا قد يخفى أمره على كثير من طلاب العلم ، شرعيَّة عثمان للأذان الثاني ، هذا وسيلة أخذ بها عثمان ، لا شك أن هذه الوسيلة لم تكن في عهد الرسول - عليه السلام - ، لكن الذي أشار إليه ابن تيمية في كلامه السابق وُجد المقتضي في زمن عثمان ولم يكن موجودًا في زمن الرسول - عليه السلام - ؛ لأنه كما يقول السائل الذي يريد أن عثمان - رضي الله عنه - زاد الأذان الثاني لما تكاثرت البيوت حول المسجد النبوي ، ولم يعد أصحاب هذه البيوت يسمعون الأذان من المسجد النبوي ؛ فجعل أذانًا ثانيًا في مكان معروف " الزوراء " ، يُسمع البعيدين في بيوتهم عن المسجد النبوي ، هذا السبب وُجد بعد الرسول - عليه السلام - أولًا ، وثانيًا لم يكن هذا السبب ناشئًا بسبب تقصير المسلمين في القيام ببعض الأحكام الشرعية كما مثَّلنا آنفًا بالنسبة للقوانين التي تُفرض على بعض الشعوب الإسلامية من الضرائب ، ولذلك لم يكن أذان عثمان موضع إنكار من الصحابة الذين كانوا معه يومئذٍ ، وإنما كان مقررًا لأنه لا يدخل في باب الإحداث في الدين ، وإنما يدخل في باب الأخذ بالمصلحة المرسلة .
مثاله تمامًا الآن إذاعة الأذان كما تسمعون في مكبِّر الصوت ، هذه وسيلة حدثت ، وليس المسلمون هم سبب تقصيرهم بالقيام ببعض الأحكام الشرعية هو السبب الأخذ بهذه الوسيلة لا ، ولذلك جاز لنا وعلى ضوء الأحاديث التي تُشعرنا بأنه ينبغي أن يكون المؤذن صيِّتًا جهوريَّ الصوت ؛ فإذًا هذا المكبر أو هذه الإذاعة تحقِّق معنًى شرعيًّا ، هذه الوسيلة لم تكن موجودة في عهد الرسول - عليه السلام - ، حدثت الآن ، وحدوثها ليس ناتجًا بسبب تقصير المسلمين للقيام بالأحكام الشرعية ؛ إذًا جاز لنا أن نأخذ بها .
لكن انظروا الآن كيف تختلف المسائل ، أنا أقول شيئًا ربما ما سمعتموه ، ولكني أدين الله به ، أعتقد أن إذاعة الأذان بمكبر الصوت مصلحة شرعية ، لكن إذاعة الإقامة بنفس الوسيلة ليست مصلحة شرعية ؛ لأن الشارع الحكيم حينما شرع الأذان وشرع الإقامة فاوتَ بينهما ، جعل الأذان على سطح المسجد ، وجعل الإقامة في داخل المسجد ، جعل الآذان على سطح المسجد لإبلاغ صوت المؤذن إلى أبعد مكان ممكن ، ورغِب في أن يكون هذا المؤذن صيِّتًا ، أما الإقامة فجعلها بين جدران المسجد الأربعة ، كذلك يُلحق بالإقامة ؛ فلا يُشرع إذاعة قراءة الإمام يوم الجمعة بخاصة ، بل وفي الصلوات الخمس بعامة إلى خارج المسجد ؛ لأن هذه القراءة ليس المقصود بها تسميع الناس كلهم ، وإنما التسميع للذين يُصلون في المسجد ، وعلى هذا فأنا أرى ما عليه العالم الإسلامي اليوم من عدم التفريق بين إذاعة الآذان وإذاعة الإقامة وإذاعة القراءة ؛ هذا خلط قبيح بين ما هو مشروع ، وما ليس بمشروع ، كل ذلك مراعاة بدقَّة لتطبيق قاعدة المصالح المرسلة ، هذا الذي نقوله ، وندين الله به .
السائل : جزاك الله خيرًا .
الشيخ : لا يخفى على أهل العلم أن المصلحة المرسلة هي وسيلة في حدِّ ذاتها ليست مخالفةً للشريعة ، فإذا ما كانت تحقِّق مصلحة شرعية جاز أو وجب الأخذ بها ؛ لأنها أولًا : وسيلة غير مخالفة للشريعة ، وثانيًا : تحقِّق مصلحة شرعية ، ومع أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها كما شرح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في كتابه " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " حيث قال : " إن المصلحة المرسلة لا يجوز الأخذ بها على إطلاقها ، وإنما لا بد من تفصيل " ، وذكر ما يأتي باختصار يقول : " المصلحة المرسلة إذا وجد السبب المقتضي لها بعد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيُنظر ؛ هل الأخذ بهذا السبب كان قائمًا في عهد النبي - صلى الله عليه آله وسلم - ومع ذلك لم يأخذ به ؟ أو لم يكن هذا السبب قائمًا ، فإن كان الأمر الأول لم يجز للمسلمين أن يأخذوا بهذا السبب ، ولو كان بزعمهم يحقِّق مصلحة شرعية ؛ لأن هذا السبب لو كان مشروعًا وكان فعلًا يحقق مصلحة شرعية ؛ كان الرسول - عليه السلام - أولى الناس أن يجعل ذلك سببًا مشروعًا وأن يتبنَّاه ؛ لأنه يحقق مصلحة شرعية .
قال : فإذا لم يكن السبب المقتضي للأخذ به تحقيقًا للمصلحة المرسلة قائمًا في عهد النبي - صلى الله عليه آله وسلم - نظرنا في الحامل لنا أن نأخذ به لتحقيق المصلحة ؛ هل هو تقصير المسلمين في القيام ببعض الأحكام الشرعية ؟ فإن كان المقتضي بالأخذ بهذا السبب هو بسبب تقصير المسلمين في القيام ببعض الأحكام الشرعية ؛ فلا يجوز - أيضًا - الأخذ بهذا السبب ، فليقال لهم : خذوا بما شرع الله لكم من الوسائل والأسباب المشروعة ؛ فهي تكفي لتحقيق المصلحة المنشودة ، بهذا السبب الحادث هذا الوجه الثاني .
الوجه الثالث والأخير : إذا لم يكن السبب هذا الموجب للأخذ به تقصير المسلمين في القيام ببعض الأحكام الشرعية ، بل هم آخذون بها لكن هذا السبب - أيضًا - يُحقِّق لهم مصلحة زائدة على تلك الأسباب المشروعة ؛ هنا يقول : يجوز أن نأخذ به " .
إذا استحضرنا هذا التفصيل وعدنا إلى السؤال ، أول شيء يعترض سبيل شرعيَّة الأخذ بهذه الوسيلة لتحقيق مصلحة شرعية أن هذه وسيلة غير مشروعة ، فإذا هم رجعوا إلى القول بأنو لأ هذه الصور ليست يعني محرمة ؛ عاد البحث إلى ما كنا فيه آنفًا ، أما إذا سلَّموا بأن هذه الوسيلة محرمة وغير مشروعة حينئذٍ ؛ فمن السهل جدًّا أن يقال لهم كيف تستحلُّون ارتكاب وسيلة محرمة لتحقيق مصلحة شرعية في زعمهم ؟ والواقع أنه لا يجوز الأخذ بسبب ليس مخالفًا للشريعة إذا لم يأخذ به الرسول - عليه السلام - تحقيقًا للمصلحة الشرعية ، ففرق كبير جدًّا بين هذا الذي ذكرته آنفًا عليه الدليل أن سببًا كان قائمًا المقتضي للأخذ به لتحقيق مصلحة والرسول لم يأخذ به ؛ إذًا لا يجوز لنا أن نأخذ به ، فكيف نأخذ بوسيلة حرَّمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
ولذلك فالواقع أن هؤلاء الذين يُفتون بهذه الفتاوى في اعتقادي يتبنَّون القاعدة الكافرة ، وهي التي تقول : " الغاية تبرر الوسيلة " ، وهذه - مع الأسف - يعني ظاهرة مستشرية جدًّا عند كثير من الكُتَّاب الإسلامين ، الذين لم يؤتوا حظًّا وافرًا من العلم ، " الغاية تبرر الوسيلة " هَيْ شوف - يا أخي - هَيْ بتحقق مصلحة ، لا ينظرون إلى هذا التفصيل العلمي الذي جاء به وأوضحه بن تيمية -رحمه الله - ، ويحسن أن نذكر بعض الأمثلة بالنسبة للأقسام الثلاثة ، وأهمها القسم الذي يقول : إذا كان السبب حدث بعد أن لم يكن ، والمقتضي للأخذ به هو تقصير المسلمين ؛ فلا يجوز الأخذ به ، مثاله واقع الدول الإسلامية اليوم الذين يفرضون على الشعوب المسلمة ضرائب وأموال يأخذونها منهم رغم أنوفهم ، لماذا ؟ يا أخي مصلحة الدولة تقتضي ذلك ، كيف الدولة بدها تحقق مصالح الشعب بدون مال ، فهؤلاء يُقال لهم خذوا الوسائل المشروعة في جمع الأموال من الزَّكوات المعروفة في الحيوانات مثلًا والثمار وفي بعض النباتات المعروف حكمها في الإسلام ، والتركات ونحو ذلك ممَّا لا وارث لها ، طبِّقوا هذه الأحكام الشرعية ، واجمعوا هذه الأموال في خزينة الدولة ؛ حينذاك إذا لم تكفِ هذه الأموال للقيام بمصالح الدولة ومصالح الشعب المسلم ممكن أن تفرضوا ضريبة جديدة تتناسب مع الحاجة ، أما وأنتم أعرضتم عن الأسباب التي شرعها الله لإغناء خزينة الدولة فجئتم - بعد أن عطَّلتموها - بأسباب وقوانين فرضتموها من عندكم ؛ هذه لا يجوز الأخذ بها ، بدعوى أنها تُحقِّق المصلحة ؛ لأن هذه المصلحة قد حقَّقها الشارع بشرع أعرضتم عنه .
هذا من الأمثلة التي يعني يتَّضح بها أنه مو كل شيء بيحقق مصلحة يجب أن نحن نتشبَّث به ، وإنما يجب أن يُدرس على ضوء الأحكام الشرعية ، على العكس من ذلك مثلًا ، وهذا قد يخفى أمره على كثير من طلاب العلم ، شرعيَّة عثمان للأذان الثاني ، هذا وسيلة أخذ بها عثمان ، لا شك أن هذه الوسيلة لم تكن في عهد الرسول - عليه السلام - ، لكن الذي أشار إليه ابن تيمية في كلامه السابق وُجد المقتضي في زمن عثمان ولم يكن موجودًا في زمن الرسول - عليه السلام - ؛ لأنه كما يقول السائل الذي يريد أن عثمان - رضي الله عنه - زاد الأذان الثاني لما تكاثرت البيوت حول المسجد النبوي ، ولم يعد أصحاب هذه البيوت يسمعون الأذان من المسجد النبوي ؛ فجعل أذانًا ثانيًا في مكان معروف " الزوراء " ، يُسمع البعيدين في بيوتهم عن المسجد النبوي ، هذا السبب وُجد بعد الرسول - عليه السلام - أولًا ، وثانيًا لم يكن هذا السبب ناشئًا بسبب تقصير المسلمين في القيام ببعض الأحكام الشرعية كما مثَّلنا آنفًا بالنسبة للقوانين التي تُفرض على بعض الشعوب الإسلامية من الضرائب ، ولذلك لم يكن أذان عثمان موضع إنكار من الصحابة الذين كانوا معه يومئذٍ ، وإنما كان مقررًا لأنه لا يدخل في باب الإحداث في الدين ، وإنما يدخل في باب الأخذ بالمصلحة المرسلة .
مثاله تمامًا الآن إذاعة الأذان كما تسمعون في مكبِّر الصوت ، هذه وسيلة حدثت ، وليس المسلمون هم سبب تقصيرهم بالقيام ببعض الأحكام الشرعية هو السبب الأخذ بهذه الوسيلة لا ، ولذلك جاز لنا وعلى ضوء الأحاديث التي تُشعرنا بأنه ينبغي أن يكون المؤذن صيِّتًا جهوريَّ الصوت ؛ فإذًا هذا المكبر أو هذه الإذاعة تحقِّق معنًى شرعيًّا ، هذه الوسيلة لم تكن موجودة في عهد الرسول - عليه السلام - ، حدثت الآن ، وحدوثها ليس ناتجًا بسبب تقصير المسلمين للقيام بالأحكام الشرعية ؛ إذًا جاز لنا أن نأخذ بها .
لكن انظروا الآن كيف تختلف المسائل ، أنا أقول شيئًا ربما ما سمعتموه ، ولكني أدين الله به ، أعتقد أن إذاعة الأذان بمكبر الصوت مصلحة شرعية ، لكن إذاعة الإقامة بنفس الوسيلة ليست مصلحة شرعية ؛ لأن الشارع الحكيم حينما شرع الأذان وشرع الإقامة فاوتَ بينهما ، جعل الأذان على سطح المسجد ، وجعل الإقامة في داخل المسجد ، جعل الآذان على سطح المسجد لإبلاغ صوت المؤذن إلى أبعد مكان ممكن ، ورغِب في أن يكون هذا المؤذن صيِّتًا ، أما الإقامة فجعلها بين جدران المسجد الأربعة ، كذلك يُلحق بالإقامة ؛ فلا يُشرع إذاعة قراءة الإمام يوم الجمعة بخاصة ، بل وفي الصلوات الخمس بعامة إلى خارج المسجد ؛ لأن هذه القراءة ليس المقصود بها تسميع الناس كلهم ، وإنما التسميع للذين يُصلون في المسجد ، وعلى هذا فأنا أرى ما عليه العالم الإسلامي اليوم من عدم التفريق بين إذاعة الآذان وإذاعة الإقامة وإذاعة القراءة ؛ هذا خلط قبيح بين ما هو مشروع ، وما ليس بمشروع ، كل ذلك مراعاة بدقَّة لتطبيق قاعدة المصالح المرسلة ، هذا الذي نقوله ، وندين الله به .
السائل : جزاك الله خيرًا .
- رحلة الخير - شريط : 1
- توقيت الفهرسة : 00:56:48
- نسخة مدققة إملائيًّا