كلام الشيخ على أنه اتفاق جميع العلماء حتى من كان من أهل البدع أنه لا يشترط في الأحكام أن يكون دليلها قطعي الثبوت وقطعي الدلالة
A-
A=
A+
الشيخ : هنا لا بد لي من وقفة قصيرة لأفلت نظر إخواننا الحاضرين وأن ينتبهوا معي إلى هذه الكلمة وما ينطوي تحتها من دس ناعم لطيف لا يتنبه لها إلا أفراد قليلون من أهل العلم أو من طلابه وهو قول السؤال لا يوجد نص قطعي, اتفق علماء المسلمين أن الأحكام الشرعية اتفق العلماء قاطبة حتى من كان من أهل البدعة منهم ومن بدعتهم أنهم يقولون أن العقيدة لا تؤخذ من الأحاديث الصحيحة وإنما من الأحاديث الصحيحة المتواترة, قد قيل هذا من بعض علماء الكلام أي العقيدة لا تؤخذ من الحديث الصحيح إلا إذا كان حديثا متواترا أما الأحكام الشرعية فما اشترطوا فيها هذا الشرط من التواتر ثم أولئك الذين يشترطون التواتر في حديث العقيدة يشترطون شيئا آخر وهو أن تكون دلالة النص المتواتر أيضا دلالة قطعية, فالعقيدة لا تثبت إذا عند أولئك المشار إليهم بعلماء الكلام إلا بشرطين اثنين أن يكون النص قطعي الثبوت وأن تكون دلالته قطعية الثبوت شرطان إذا قطعي الثبوت قطعي الدلالة فإذا اختل أحد هذين الشرطين لم يبق هناك حجة في النص يلزم هذا النص المسلم أن يتبنى ما فيه إلا إذا توفر فيه قطعية الدلالة وقطعية الثبوت, أحد هذين إذا اختل لم تثبت العقيدة فهل الأمر كذلك في الأحكام الشرعية ؟ الجواب لا, باتفاق العلماء وقع ذاك الخلاف في العقيدة أما في الأحكام الشرعية فلم يقع مثل هذا الخلاف يكفي في الأحكام الشرعية أن يكون النص ثابتا ليس بيشترط أن يكون ثبوته على القطع بل على غلبة الظن كما أنه لا يشترط أن تكون دلالة هذا النص دلالة قطعية وإنما يكفي فيه أن تكون دلالته أيضا ظنية وأريد على اعتبار أن الحاضرين إن شاء الله كلهم أو على الأقل جلهم من طلاب العلم فأريد أن ألفت النظر إلى أن القطعي يقابل عند العلماء بالظني نص قطعي الدلالة يقابله ظني الدلالة نص قطعي الثبوت يقابله ظني الثبوت, هذا قد يمر بطالب العلم فالذي أريد التذكير به أن لا يذهبن وهل أحد من طلاب العلم أن المقصود بالظن في كل من النصين ظني الثبوت أو ظني الدلالة أن لا يذهب وهله إلى أن هذا الظن هو الظن المذموم في القرآن الكريم وفي حديث الرسول عليه السلام قال في حق المشركين (( إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا )) ليس هذا الظن المذكور في هذه الآية أو في حديث البخاري ومسلم ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) ليس هذا الظن المذموم قرآنا وسنة هو الظن الذي يعنيه الفقهاء حينما يقولون يشترط أن يكون النص قطعي الثبوب قطعي الدلالة في العقائد لا يشترط ذلك في الأحكام فيكفي في الأحكام أن يكون النص ظني الثبوت ظني الدلالة لا يعنون هذا الظن إذا ماذا يعنون؟ هذه نقطة مهمة جدا لأن كثيرا من الذين يجادلون بغير علم حينما يبحثون في الموضوع الأول المتعلق بالعقيدة يقولون نحن لا نأخذ بحديث الآحاد في العقيدة لأنه لا يفيد إلا الظن صدقوا وكذبوا, صدقوا لأنهم ينقلون عن أهل العلم بأن حديث الآحاد لا يفيد إلا الظن وكذبوا لأنهم يعنون هنا بالظن الظن المرجوح الذي لا يجوز العمل به لذلك فهم لفّقوا بين حقيقة عرفية علمية وبين جهل صادر منهم فخرجوا بنتيجة خطيرة جدا وهي أنّ حديث الآحاد لا يؤخذ به في العقيدة لأنه باتفاق العلماء لا يفيد إلا الظن والظن مذموم ويأتون بالآية السابقة والأخرى والحديث وهنا يقعون في جهل بالغ جدا إذاً ما الذي نفهمه أو ينبغي أن نفهمه حينما نقف أمام مثل هذه العبارة هذا نص ظني الثبوت هذا نص ظني الدلالة؟ لا يعني أنه أولا لا يؤخذ بهذا النص لأنه ظني الثبوت لأنهم يعنون الظن الراجح, والآن أريد أن أقرب لكم هذه المسألة أي قاض شرعي يحكم بما أنزل الله حتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما يحكم بين اثنين قد وضع للقضاة من بعده قاعدة ينطلقون منها ويسيرون عليها وهي قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ( إنكم لتختصمون إلي وإن أحدكم ألحن بحجّته من أخيه -أو- من الآخر فأسمع منه فأحكم له فإنما أقطع له قطعة من النار ) ما معنى هذا الحديث يقول الرسول عليه السلام يأتي رجلان يختصمان أي يتحاكمان عندي فأسمع من هذا وأسمع من هذا فيكون أحدهما ألحن أي أقوى حجة من الآخر ولا يسعه عليه السلام إلا أن يسمع منه لأنه ولو كان هو ممدودا بوحي السماء لكنه في الحكم بين الناس كان يحكم كقاض ويريد أن يعلم الناس على ماذا يستندون وبأي شيء يحكمون فقال أنتم تأتون وتتقاضون إلي وتتحاكمون فأنا أسمع من هذا وأسمع من هذا فقد يكون أحدهما أقوى حجة من الآخر فيظهر لي أن الحق معه فأحكم له ويكون الحق مع الآخر الذي ليس عنده بيان وفصاحة يدلي بحجته يقول فأحكم له أي أحكم له بما ليس له قال ( فإنما أقطع له قطعة من نار فإن شاء فليأخذها وإن شاء فليدعها ) من هنا جاءت قاعدة أصولية عند العلماء لخصوها واختصروها من هذا الحديث نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر الآن القضاة يمشون على هذه القاعدة الآن نقول القاضي حينما يريد أن يحكم بين اثنين ليس عنده وحي وإنما يسمع من هنا ومن هنا ويكوّن رأيا عنده فيحكم قد يكون حكمه بقتل فلان لماذا؟ لأنه جاء مثلا شاهدان وشهدا وقد يكون أو تكون شهادتهم زورا ويقولون نعم نحن شاهدنا فلانا هو الذي قتلا فلانا إذا يحكم بالقتل ويكون مخطئا لكن هو عمل باجتهاده وحكم بما غلب على ظنه هذا الحكم بغلبة الظن هو الذي لا يكلف المسلم بأكثر من ذلك في كل حكم شرعي لذلك العلماء يكتفون في الأحكام الشرعية بالنص ظني الثبوت ظني الدلالة يكفي أن يكون ظني الثبوت ظني الدلالة فإن كان قطعي الثبوت فنور على نور وإن كان قطعي الثبوت وقطعي الدلالة فنور على نور على نور.
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 1040
- توقيت الفهرسة : 00:18:04