كلام الشيخ الألباني عن مسألة دخول الجان في بدن الانسان وذكره لكلامه الذي ذكره في السلسلةالصحيحةرقم 2918 في الجزء السادس و رده على كتاب طليعة استحالة دخول الجان جسم الانسان لأبي عبد الرحمن ايهاب بن الحسن الأثري .
A-
A=
A+
أبو ليلى : تفضل يا شيخنا تفضل
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأما بعد فبمناسبة ما ذاع في هذا الزمان في مسألة دخول الجان في بدن الإنسان فمن مؤمن به ومصدق له ومن مغال فيه ومستعين بالجن على إخراجه منه ومن منكر لذلك كله ومتأول للقرآن تأولا متأولا إياه متبعا لهواه وينكر كل الأحاديث المثبتة له ولو كانت صحيحة بهذه المناسبة رأيت من باب الاستعجال بالخير والنصيحة أن أسجل بحثا هاما لي فيما أعتقد حول هذه المسألة كنت أودعت في كتابي سلسلة الأحاديث الصحيحة في آخر المجلد السادس منه برقم ألفين وتسع مائة وثمانية عشر ولما ينشر بعد فقلت هناك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( يا شيطان اخرج من صدر عثمان ) فعل ذلك ثلاث مرات هو من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه وله عنه طرق أربعة الأولى عن عبد الأعلى قال حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عبد الله بن الحكم عن عثمان بن بشر قال سمعت عثمان بن أبي العاص يقول شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسيان القرآن فضرب صدري بيده فقال فذكر الحديث قال عثمان " فما نسيت منه شيئا بعد أحببت أن أذكره " أخرجه الطبراني في المعجم الكبير في المجلد التاسع الصفحة السابعة والثلاثين والرقم سبع وأربعين وثلاث مائة بعد ثمانية آلاف وقال الهيثمي في المجمع في المجلد التاسع في الصفحة الثالثة رواه الطبراني وفيه عثمان بن بشر ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات وأقول بلى هو معروف فقد ترجمه البخاري في التاريخ وابن أبي حاتم وروى عن ابن معين أنه قال " عثمان ابن بشر الثقفي ثقة " وبقية رجال الإسناد ثقات رجال مسلم على ضعف يسير في الطائفة غير عبد الله بن الحكم والظاهر أنه البلوي المترجم في التاريخ وفي ثقات ابن حبان وإنه من هذه الطبقة والإسناد حسن ولعبد الله الطائفي هذا إسناد آخر أصح من هذا وهو الطريق الثانية يرويه معتمر بن سليمان قال سمعت عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي يحدث عن عمه عمر بن الأوس عن عثمان بن أبي العاص قال " استعملني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنا أصغر الستة الذين وفدوا عليه من ثقيف وذلك أني كنت قرأت سورة البقرة فقلت يا رسول الله إن القرآن ينفلت مني فوضع يده على صدري وقال ( يا شيطان اخرج من صدر عثمان ) فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه " أخرجه البيهقي في دلائل النبوة في المجلد الخامس الصفحة الثامنة بعد الثلاثمائة وإسناده صحيح الثالثة يرويه الحسن عنه قال " شكوت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوء حفظي للقران فقال ( ذاك شيطان يقال له خنزب ادن مني يا عثمان ) قال ثم وضع يده على صدري فوجدت بردها بين كتفي ثم قال فذكره فما سمعت بعد ذلك شيئا إلا حفظته " أخرجه أبو نعيم في الدلائل وكذا البيهقي من طريق عثمان بن عبد الوهاب الثقفي قال حدثنا أبي عن يونس وعنبسة عنه قلت وهذا إسناد صحيح لولا عنعنة الحسن وهو البصري فإنه كان يدلس ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عثمان بن عبد الوهاب وثقه ابن حبان في المجلد الثامن في الصفحة الثالثة والخمسين والأربعمائة وأصل الحديث في صحيح مسلم بلفظ آخر وهو في صفة صلاة الطريقة الرابعة يرويه عيينة بن عبد الرحمن حدثني أبي عن عثمان بن أبي العاص قال " لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي فلما رأيت ذلك رحت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ( ابن العاص ) قلت نعم يا رسول الله قال ( ما جاء بك ) قلت يا رسول الله عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي قال ( ذاك الشيطان ادن مني ) فدنوت منه قال فجلست على صدور قدمي قال فضرب صدري بيده وتفل في فمي وقال ( اخرج عدو الله ) ففعل ذلك ثلاث مرات ثم قال ( الحق بعملك ) " أخرجه ابن ماجه و ... في مسنده كلاهما بإسناد واحد عنه وهو إسناد صحيح وفي الحديث إبانة صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان ويدخل فيه ولو كان مؤمنا صالحا وفي ذلك أحاديث كثيرة وقد كنت خرجت أحدها فيما تقدم برقم خمس وثمانين بعد الأربعمائة من حديث يعلى بن مرة قال " سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأيت منه شيئا عجبا " وفيه " وأتته امرأة فقال إن ابني هذا فيه لمم منذ سبع سنين يأخذه كل يوم مرتين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( أدنيه ) فأدنيته منه فتفل في فيه وقال ( اخرج عدو الله أنا رسول الله ) " رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وهو منقطع ثم خرجته من طرق أخرى عن يعلى جودت البندري أحدها ثم ختمت التخريج بقولي وبالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد وله شواهد كثيرة يزداد بها قوة قد ساقها المؤلف الآتي ذكره وسلم بصحته في الجملة ولكنه ناقش في دلالته ويأتي الرد عليه ثم وقفت على كتاب عجيب من غرائب ما طبع في العصر الحاضر بعنوان طليعة استحالة دخول الجان بدن الإنسان لمؤلفه أبو عبد الرحمن إيهاب بن حسن الأثري كذا الأثري موضة العصر وهذا العنوان وحده يغني القارئ اللبيب عن الاطلاع على ما في الكتاب من الجهل والضلال والانحراف عن الكتاب والسنة باسم الكتاب والسنة باسم الكتاب والسنة و وجوب الرجوع إليهما فقد عقد فصلا في ذلك وفصلا آخر الله أكبر في البدعة وذمها وأنه على عمومها بحيث يظن من لم يتتبع وما ينقله عن العلماء في تأييد ما ذهب إليه من الاستحالة أنه سلفي أو أثري كما انتسب مائة في المائة والواقع الذي يشهد به كتابه أنه خلفي معتزلي من أهل الأهواء يضاف إلى ذلك أنه جاهل بالسنة والأحاديث إلى ضعف شديد باللغة العربية وآدابها حتى كأنه شبه عامي ومع ذلك فهو مغرور بعلمه معجب بنفسه لا يقيم وزنا لأئمة السلف الذين قالوا بخلاف عنوانه كالإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم والطبري وابن كثير والقرطبي والإمام الشوكاني وصديق حسن خان القلوجي ويرميهما بالتقليد على قاعدة " رمتني بدائها وانسلت " الأمر الذي أكد لي أننا في زمان تجلت فيه بعض أشراط الساعة التي منها قوله صلى الله عليه وسلم ( وينطق فيه الرويبضة قيل وما الرويبضة قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ) وهو حديث صحيح مخرج من طرق فيما تقدم برقم ألف وثمانمائة وسبعة وثمانون وألفان ومائتين وثمانية وثلاثون وألفان ومائتان وثلاث وخمسون ونحو الحديث قول عمر رضي الله عنه " فساد الدين إذا جاء العلم من الصغير استعصى عليه الكبير وصلاح الناس إن جاء العلم من قبل الكبير تابعه عليه الصغير " رواه قاسم بن أصبغ بسند صحيح كما قال الحافظ في الفتح وما أكثر هؤلاء الصغار الذين يتكلمون في أمر المسلمين بجهل بالغ وما العهد عنا ببعيد ذلك المصري الآخر الذي ألف في تحريم النقاب على المسلمة تحريم النقاب على المرأة المسلمة وثالث أردني ألف في تضعيف قوله صلى الله عليه وسلم ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ) وفي تضعيف حديث تحريم المعازف المجمع على صحتهما عند المحدثين وغيرهم و غيرهم كثير وكثير جدا وإن من جهل هذا الأثري المزعوم وغباوته أنه رغم تقريره الصفحة الواحدة والسبعون والثامنة والثلاثون بعد المائة قال " منهج أهل السنة والجماعة التوقف في المسائل الغيبية عند ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " التوقف كلام سلفي " التوقف في المسائل الغيبية عند ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه ليس لأحد مهما كان شأنه أن يضيف تفصيلا أو أن ينقص ما ثبت بالدليل أو أن يفسر ظاهر الآيات وفق هواه أو بلا دليل " أقول إنه رغم تقريره لهذا المنهج الحق الأبلج فإنه لم يقف في هذه المسألة الغيبية عند حديث الترجمة الصحيح بل خالفه مخالفة صحيحة لا تحتاج إلى بيان وكنت أظن على أنه على جهل به حتى رأيته قد ذكره نقلا عن غيره صفحة أربعة من الملحق بآخر الكتاب فعرفت أنه تجاهله ولم يخرجه مع حديث يعلى وغيره مما سبقت الإشارة إليه وكذلك لم يقدم أي دليل من الكتاب والسنة على ما زعمه من الاستحالة بل توجه بكليته إلى تأويل قوله تعالى المؤيد للدخول الذي نفاه (( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ )) أوله تأويلا ينتهي به إلى إنكار المس الذي فسره العلماء بالجنون وإلى موافقة بعض الأشاعرة والمعتزلة الذين فسروا المس بوسوسة الشيطان المؤذية وهذا تفسير بالمجاز وهو خلاف الأصل ولذلك أنكره أهل السنة كما سيأتي وهو ما صرح به نقلا عن الفخر الرازي الأشعري صفحة السادسة والسبعون والثامنة والسبعون قال الرازي " كأن الشيطان كأن الشيطان يمس الإنسان فيجن " كأن يعني ما في مس حقيقة هذا اسمه مجاز ونقل في الصفحة التاسعة بعد الثمانين عن غيره أنه قال "كأن الجن مسته " كأن الجن وعليه خص المس هذا بمن خالف شرع الله فقال في صفحة اثنان وعشرون وما كان ليمس أحد كذا غير منصوب هذا من أميته هي لازم تكوم وما كان ليمس أحدا فهو طبعها أحدٌ إلا بالابتعاد عن المنهج المرسوم هذا تعطيل وتأويل ولو سلمنا جدلا أن الأمر كما قال فلا يلزم منه عند العلماء ثبوت دعوى النفي لإمكان وجود دليل آخر على الدخول كما في هذا الحديث الصحيح بينما توهم الرجل أنه يرده دلالة الآية على الدخول يثبت نفيه إياه وليس الأمر كذلك لو سلمنا برده فكيف وهو مردود عليه بهذا الحديث الصحيح وبحديث يعلى المتقدم وبهما تفسر الآية ويبطل تفسيره إياها بالمجاز ومن جهل الرجل وتناقضه أنه بعد أن فسر الآية بالمجاز الذي يعنه أنه لا مس حقيقة عاد ليقول الصفحة الثالثة والتسعون واللغة أجمعت على أن المس الجنون هذا بينقض كلامه ولكنه فسره على هواه فقال أي من الخارج لا من الداخل يعني الشيطان بيمس الإنسان من الخارج لا من الداخل قال ألا ترى مثلا إلى الكهرباء كيف تصعق المماس لها من الخارج نقط إلى آخر هراءه إنه دخل في تفاصيل تتعلق بأمر غيبي قياسا على أمور مشاهدة مادية وذكرنا آنفا أنه قال ما بيجوز الدخول في تفصيل الغيبيات وهذا خلاف المنهج السلفي الذي تقدم نقله عنه ومع ذلك فقد تعامى عما هو معروف في علم الطب أن هناك جراثيم تقتل من الداخل كجرثومة كوروخ في مرحلته الثالثة يعني جرثومة السل فلا مانع عقلا أن يدخل الجان من الخارج إلى بدن الإنسان وتعمل عملها وأذاها فيه من الداخل كما لا مانع من خروجها منه بسبب أو آخر وقد ثبت كل من الأمرين في الحديث فآمنا به ولم نضرب به كما فعل المعتزلة وأمثالهم من أهل الأهواء وهذا المؤلف الأثري زعم منهم كيف لا وقد تعامى عن حديث الترجمة فلم يخرجه البتة في جملة الأحاديث الأخرى التي خرجها وساق ألفاظها من صفحة مائة وواحد وعشرون إلى صفحة مائة وست وعشرون كلها أحاديث وهو صحيح جدا كما رأيت وهو إلى ذلك لم يأخذ من مجموع تلك الأحاديث ما دل عليه هذا الحديث من إخراجه صلى الله عليه وآله وسلم للشيطان من ذاك المجنون وهي معجزة عظيمة من معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم بل نصب خلافا بين رواية ( اخرج عدو الله ) و رواية ( اخسأ عدو الله ) فقد أورد على نفسه صفحة مائة وأربع وعشرون قول بعضهم إن الإمام الألباني استغلال إن الإمام الألباني قد صحح الحديث هو نقل عن بعضهم أنه قال إن الإمام الألباني قد صحح الحديث فعقب عليه هو بقوله فهذا كذب مفترى انظر إلى ما قاله الشيخ الألباني لتعلم الكذب المجلد الأول من سلسلة الصحيحة صفحة الخامسة والتسعون بعد السبعمائة ورقم الحديث خمس وثمانون بعد الأربعمائة ثم ساق كلامي فيه ونص ما في آخره كما تقدم هنا وبالجملة والحديث بهذه المتابعة جيد هذا كلام الألباني والله أعلم قلت فتكذيب المذكور غير وارد إذن ولعل العكس هو الصواب وقد صرح هو بأنه ضعيف دون أي تفصيل صفحة اثنان وعشرون واغتر به البعض نعم لقد شكك في دلالة الحديث على الدخول بإشارته إلى الخلاف الواقع في الروايات وقد ذكرت لفظين منها آنفا ولكن ليس يخفى على طلاب هذا العلم المخلصين أنه ليس من العلم في شيء أن تضرب الروايات المختلفة بعضها ببعض وإنما علينا أن نأخذ منها ما اتفق عليه الأكثر وإن مما لا شك فيه أن اللفظ الأول ( اخرج ) أصح من الآخر (اخسأ ) لأنه جاء في خمس روايات من الأحاديث التي ساقها واللفظ الآخر ( اخسأ ) جاء في روايتين منها فقط أرى أنه لا أرى بينهما خلافا كبيرا في المعنى فكلاهما يخاطب به فكلاهما يخاطب بهما شخص أحدهما صريح في أن المخاطب داخل المجنون والآخر يدل عليه ضمنا وإن مما يؤكد أن الأول هو الأصح صراحة حديث الترجمة الذي سيكون القاضي بإذن الله على كتاب الاستحالة المزعومة ما تقدم من البيان أنها مجرد دعوى في أمر غيبي مخالفة للمنهج الذي سبق ذكره ولا بد لي قبل ختم الكلام على هذا الموضوع أن أقدم إلى القراء الكرام ولو مثالا واحدا على الجهل بالسنة الذي وصفت به الرجل فيما تقدم ولو أنه فيما سلف كفاية للدلالة على ذلك لقد ذكر الحديث المشهور في النهي عن اتباع سنن الكفار بلفظ لا أصل له رواية ولا دراية فقال في الصفحة السابع والعشرين " وصدق رسول الله إذ يقول لتتبعن من قبلكم من الأمم حذاء القذة بالقذة " حذاء هو الحديث ( حذو ) هو ما بيفرق بجهله بين حذاء وبين حذو شوفوا بقى ... " حذاء القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ورائهم قالوا اليهود والنصارى يا رسول الله قال فمن أو كما قال صلى الله عليه وسلم " انتهى ومجال نقده أو نقدي إياه في سياقه للحديث هكذا واسع جدا وإنما أردت نقده في حرف واحد منه أفسد به معنى الحديث بقوله "حذاء" فإن هذا تحريف قبيح للحديث لا يخفى على أقل الناس ثقافة والصواب ( حذو ) وليس هو خطأ مطبعيا كما قد يتبادر لأذهان البعض فقد أعاده في مكان آخر فقال الصفحة أربعة وثلاثين مقرونا بخطأ آخر "حذاء القَذَّة بالقَذَّة " هو القُذَّة وأعاد كلمة حذاء القَذَّة بالقَذَّة كذا ضبطه بفتح القاف وإنما هو بالضم وهو مخرج في الصحيحة من طرق ألفاظ متقاربة برقم ثلاثة آلاف وثلاثمائة واثنا عشر ونحو ذلك مما يدل على جهله بالسنة قوله صفحة مائتين وأربعين " بقول السلف ليس الخبر كالمعاينة " وهذا حديث مرفوع رواه جماعة من الأئمة منهم أحمد عن ابن عباس مرفوعا وفيه قصة وهو مخرّج في صحيح جامع الصغير برقم خمس آلاف ومائتين وخمسين ومن أمثلة جهله بما يقتضيه المنهج السلفي أنه حشر صفحة أربعة وسبعين في زمرة تفاسير المعتبرة تفسير الكشّاف وتفسير الفخر الرازي فهل رأيت أو سمعت أثريا يقول مثل هذا تفسير الكشاف معتزلي تفسير الفخر الرازي أشعري بيقول هي من تفاسير السلف الله أكبر ومن أمثلة جهله بما يقتضيه المنهج السلفي أنه حشر في زمرة تفاسير المعتبرة تفسير الكشّاف وتفسير الفخر الرازي فهل رأيت أو سمعت أثريا يقول مثل هذا فلا غرابة بعد هذا أن ينحرف عن السنة متأثرا بهما ويفسر آية الربا تفسيرا مجازيا إتباعا لهما وأما أخطاؤه الإملائية الدالة على أنه شبه أمِّي فلا تكاد تحصر فهو يقول في أكثر من موضع تعالى معي تعالى قال الله تعالى ... يقول تعال معي بيقول تعالى معي وقال صفحة مائة و واحد وثلاثين " ثم تعالى لقوله تعالى " الله يهديهم الله المستعان شر البلية ما يبكي نعم وذكر آية ثم تعال بدل ما يقول تعالى لقوله تعالى وذكر آية وفي صفحة كذا " فمن المستحيل أن تفوت هذه المسألة هذان الإمامان الجليلان " بدل ما يقول هذين الإمامين الجليلين وصفحة كذا يقول " أضف إلى ذلك أن الإمامين ليسا طبيبان " ... يقول ليسا طبيبين فهو يرفع المنصوب مرارا وتكرارا وفي الختام أقول ليس غرضي مما تقدم إلا إثبات ما أثبته الشرع من الأمور الغيبية والرد على من ينكرها ولكنني من جانب آخر أنكر أشد الإنكار على الذين يستغلون هذه العقيدة ويتخذون استحضار الجن ومخاطبتهم مهنة لمعالجة المجنونين والمصابين بالصرع ويتخذون في ذلك من الوسائل التي تزيد على مجرد تلاوة القرآن مما لم ينزِّل الله به سلطانا كالضرب الشديد الذي قد يترتب عليه أحيانا قتل المصاب كما وقع هنا في عمان وفي مصر مما صار حديث الجرائد والمجالس لقد كان الذين يتولون القراءة على المصروعين أفرادا قليلين صالحين فيما مضى فصاروا اليوم بالمئات صاروا اليوم بالمئات وفيهم بعض النسوة المتبرجات فخرج الأمر عن كونه وسيلة شرعية لا يقوم بها الأطباء عادة إلى أمور و وسائل أخرى لا يعرفها الشرع ولا الطب معها فهي عندي نوع من الدجل و الوساوس يوحي بها الشيطان إلى عدوه الإنسان وإن الشياطين ليوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا وهو نوع من الاستعانة بالجن التي كان عليها المشركون في الجاهلية والمذكورة في قوله تعالى (( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا )) فمن استعان بهم على فك سحر زعموا أو معرفة هوية الجني المتلبس بالإنسي أذكر هو أم أنثى مسلم أم كافر وصدقه المستعين به ثم صدق هذا الحاضرون عنده فقد شملهم جميعا وعيد قوله صلى الله عليه وسلم ( من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) وفي حديث آخر ( لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ) رواه مسلم وغيره وهو مخرَّج في غاية المرام رقم أربعة وثمانين ومائتين و رواه الطبراني من طريق أخرى بقيد ( غير مصدق لم تقبل ) وهو منكر بهذه الزيادة ولذلك خرجته في الضعيفة برقم ست آلاف وخمسمائة وخمسة وخمسين والحديث الذي قبله صحيح أيضا وهو مخرَّج في الإرواء فينبغي الانتباه لهذا فقد علمت أن كثيرا ممن ابتلوا بهذه المهنة هم من الغافلين عن هذه الحقيقة وأنصحهم إن استمروا في مهنتهم أن لا يزيدوا في مخاطبتهم على قول النبي صلى الله عليه وسلم ( اخرج عدو الله ) مذكرا لهم بقوله تبارك وتعالى (( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله
السائل : جزاك الله خير شيخنا تعبانك معانا يا شيخ
الشيخ : إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأما بعد فبمناسبة ما ذاع في هذا الزمان في مسألة دخول الجان في بدن الإنسان فمن مؤمن به ومصدق له ومن مغال فيه ومستعين بالجن على إخراجه منه ومن منكر لذلك كله ومتأول للقرآن تأولا متأولا إياه متبعا لهواه وينكر كل الأحاديث المثبتة له ولو كانت صحيحة بهذه المناسبة رأيت من باب الاستعجال بالخير والنصيحة أن أسجل بحثا هاما لي فيما أعتقد حول هذه المسألة كنت أودعت في كتابي سلسلة الأحاديث الصحيحة في آخر المجلد السادس منه برقم ألفين وتسع مائة وثمانية عشر ولما ينشر بعد فقلت هناك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( يا شيطان اخرج من صدر عثمان ) فعل ذلك ثلاث مرات هو من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه وله عنه طرق أربعة الأولى عن عبد الأعلى قال حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عبد الله بن الحكم عن عثمان بن بشر قال سمعت عثمان بن أبي العاص يقول شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسيان القرآن فضرب صدري بيده فقال فذكر الحديث قال عثمان " فما نسيت منه شيئا بعد أحببت أن أذكره " أخرجه الطبراني في المعجم الكبير في المجلد التاسع الصفحة السابعة والثلاثين والرقم سبع وأربعين وثلاث مائة بعد ثمانية آلاف وقال الهيثمي في المجمع في المجلد التاسع في الصفحة الثالثة رواه الطبراني وفيه عثمان بن بشر ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات وأقول بلى هو معروف فقد ترجمه البخاري في التاريخ وابن أبي حاتم وروى عن ابن معين أنه قال " عثمان ابن بشر الثقفي ثقة " وبقية رجال الإسناد ثقات رجال مسلم على ضعف يسير في الطائفة غير عبد الله بن الحكم والظاهر أنه البلوي المترجم في التاريخ وفي ثقات ابن حبان وإنه من هذه الطبقة والإسناد حسن ولعبد الله الطائفي هذا إسناد آخر أصح من هذا وهو الطريق الثانية يرويه معتمر بن سليمان قال سمعت عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي يحدث عن عمه عمر بن الأوس عن عثمان بن أبي العاص قال " استعملني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأنا أصغر الستة الذين وفدوا عليه من ثقيف وذلك أني كنت قرأت سورة البقرة فقلت يا رسول الله إن القرآن ينفلت مني فوضع يده على صدري وقال ( يا شيطان اخرج من صدر عثمان ) فما نسيت شيئا بعده أريد حفظه " أخرجه البيهقي في دلائل النبوة في المجلد الخامس الصفحة الثامنة بعد الثلاثمائة وإسناده صحيح الثالثة يرويه الحسن عنه قال " شكوت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوء حفظي للقران فقال ( ذاك شيطان يقال له خنزب ادن مني يا عثمان ) قال ثم وضع يده على صدري فوجدت بردها بين كتفي ثم قال فذكره فما سمعت بعد ذلك شيئا إلا حفظته " أخرجه أبو نعيم في الدلائل وكذا البيهقي من طريق عثمان بن عبد الوهاب الثقفي قال حدثنا أبي عن يونس وعنبسة عنه قلت وهذا إسناد صحيح لولا عنعنة الحسن وهو البصري فإنه كان يدلس ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عثمان بن عبد الوهاب وثقه ابن حبان في المجلد الثامن في الصفحة الثالثة والخمسين والأربعمائة وأصل الحديث في صحيح مسلم بلفظ آخر وهو في صفة صلاة الطريقة الرابعة يرويه عيينة بن عبد الرحمن حدثني أبي عن عثمان بن أبي العاص قال " لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف جعل يعرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي فلما رأيت ذلك رحت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ( ابن العاص ) قلت نعم يا رسول الله قال ( ما جاء بك ) قلت يا رسول الله عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي قال ( ذاك الشيطان ادن مني ) فدنوت منه قال فجلست على صدور قدمي قال فضرب صدري بيده وتفل في فمي وقال ( اخرج عدو الله ) ففعل ذلك ثلاث مرات ثم قال ( الحق بعملك ) " أخرجه ابن ماجه و ... في مسنده كلاهما بإسناد واحد عنه وهو إسناد صحيح وفي الحديث إبانة صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان ويدخل فيه ولو كان مؤمنا صالحا وفي ذلك أحاديث كثيرة وقد كنت خرجت أحدها فيما تقدم برقم خمس وثمانين بعد الأربعمائة من حديث يعلى بن مرة قال " سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأيت منه شيئا عجبا " وفيه " وأتته امرأة فقال إن ابني هذا فيه لمم منذ سبع سنين يأخذه كل يوم مرتين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( أدنيه ) فأدنيته منه فتفل في فيه وقال ( اخرج عدو الله أنا رسول الله ) " رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وهو منقطع ثم خرجته من طرق أخرى عن يعلى جودت البندري أحدها ثم ختمت التخريج بقولي وبالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد وله شواهد كثيرة يزداد بها قوة قد ساقها المؤلف الآتي ذكره وسلم بصحته في الجملة ولكنه ناقش في دلالته ويأتي الرد عليه ثم وقفت على كتاب عجيب من غرائب ما طبع في العصر الحاضر بعنوان طليعة استحالة دخول الجان بدن الإنسان لمؤلفه أبو عبد الرحمن إيهاب بن حسن الأثري كذا الأثري موضة العصر وهذا العنوان وحده يغني القارئ اللبيب عن الاطلاع على ما في الكتاب من الجهل والضلال والانحراف عن الكتاب والسنة باسم الكتاب والسنة باسم الكتاب والسنة و وجوب الرجوع إليهما فقد عقد فصلا في ذلك وفصلا آخر الله أكبر في البدعة وذمها وأنه على عمومها بحيث يظن من لم يتتبع وما ينقله عن العلماء في تأييد ما ذهب إليه من الاستحالة أنه سلفي أو أثري كما انتسب مائة في المائة والواقع الذي يشهد به كتابه أنه خلفي معتزلي من أهل الأهواء يضاف إلى ذلك أنه جاهل بالسنة والأحاديث إلى ضعف شديد باللغة العربية وآدابها حتى كأنه شبه عامي ومع ذلك فهو مغرور بعلمه معجب بنفسه لا يقيم وزنا لأئمة السلف الذين قالوا بخلاف عنوانه كالإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم والطبري وابن كثير والقرطبي والإمام الشوكاني وصديق حسن خان القلوجي ويرميهما بالتقليد على قاعدة " رمتني بدائها وانسلت " الأمر الذي أكد لي أننا في زمان تجلت فيه بعض أشراط الساعة التي منها قوله صلى الله عليه وسلم ( وينطق فيه الرويبضة قيل وما الرويبضة قال الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ) وهو حديث صحيح مخرج من طرق فيما تقدم برقم ألف وثمانمائة وسبعة وثمانون وألفان ومائتين وثمانية وثلاثون وألفان ومائتان وثلاث وخمسون ونحو الحديث قول عمر رضي الله عنه " فساد الدين إذا جاء العلم من الصغير استعصى عليه الكبير وصلاح الناس إن جاء العلم من قبل الكبير تابعه عليه الصغير " رواه قاسم بن أصبغ بسند صحيح كما قال الحافظ في الفتح وما أكثر هؤلاء الصغار الذين يتكلمون في أمر المسلمين بجهل بالغ وما العهد عنا ببعيد ذلك المصري الآخر الذي ألف في تحريم النقاب على المسلمة تحريم النقاب على المرأة المسلمة وثالث أردني ألف في تضعيف قوله صلى الله عليه وسلم ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ) وفي تضعيف حديث تحريم المعازف المجمع على صحتهما عند المحدثين وغيرهم و غيرهم كثير وكثير جدا وإن من جهل هذا الأثري المزعوم وغباوته أنه رغم تقريره الصفحة الواحدة والسبعون والثامنة والثلاثون بعد المائة قال " منهج أهل السنة والجماعة التوقف في المسائل الغيبية عند ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " التوقف كلام سلفي " التوقف في المسائل الغيبية عند ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه ليس لأحد مهما كان شأنه أن يضيف تفصيلا أو أن ينقص ما ثبت بالدليل أو أن يفسر ظاهر الآيات وفق هواه أو بلا دليل " أقول إنه رغم تقريره لهذا المنهج الحق الأبلج فإنه لم يقف في هذه المسألة الغيبية عند حديث الترجمة الصحيح بل خالفه مخالفة صحيحة لا تحتاج إلى بيان وكنت أظن على أنه على جهل به حتى رأيته قد ذكره نقلا عن غيره صفحة أربعة من الملحق بآخر الكتاب فعرفت أنه تجاهله ولم يخرجه مع حديث يعلى وغيره مما سبقت الإشارة إليه وكذلك لم يقدم أي دليل من الكتاب والسنة على ما زعمه من الاستحالة بل توجه بكليته إلى تأويل قوله تعالى المؤيد للدخول الذي نفاه (( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ )) أوله تأويلا ينتهي به إلى إنكار المس الذي فسره العلماء بالجنون وإلى موافقة بعض الأشاعرة والمعتزلة الذين فسروا المس بوسوسة الشيطان المؤذية وهذا تفسير بالمجاز وهو خلاف الأصل ولذلك أنكره أهل السنة كما سيأتي وهو ما صرح به نقلا عن الفخر الرازي الأشعري صفحة السادسة والسبعون والثامنة والسبعون قال الرازي " كأن الشيطان كأن الشيطان يمس الإنسان فيجن " كأن يعني ما في مس حقيقة هذا اسمه مجاز ونقل في الصفحة التاسعة بعد الثمانين عن غيره أنه قال "كأن الجن مسته " كأن الجن وعليه خص المس هذا بمن خالف شرع الله فقال في صفحة اثنان وعشرون وما كان ليمس أحد كذا غير منصوب هذا من أميته هي لازم تكوم وما كان ليمس أحدا فهو طبعها أحدٌ إلا بالابتعاد عن المنهج المرسوم هذا تعطيل وتأويل ولو سلمنا جدلا أن الأمر كما قال فلا يلزم منه عند العلماء ثبوت دعوى النفي لإمكان وجود دليل آخر على الدخول كما في هذا الحديث الصحيح بينما توهم الرجل أنه يرده دلالة الآية على الدخول يثبت نفيه إياه وليس الأمر كذلك لو سلمنا برده فكيف وهو مردود عليه بهذا الحديث الصحيح وبحديث يعلى المتقدم وبهما تفسر الآية ويبطل تفسيره إياها بالمجاز ومن جهل الرجل وتناقضه أنه بعد أن فسر الآية بالمجاز الذي يعنه أنه لا مس حقيقة عاد ليقول الصفحة الثالثة والتسعون واللغة أجمعت على أن المس الجنون هذا بينقض كلامه ولكنه فسره على هواه فقال أي من الخارج لا من الداخل يعني الشيطان بيمس الإنسان من الخارج لا من الداخل قال ألا ترى مثلا إلى الكهرباء كيف تصعق المماس لها من الخارج نقط إلى آخر هراءه إنه دخل في تفاصيل تتعلق بأمر غيبي قياسا على أمور مشاهدة مادية وذكرنا آنفا أنه قال ما بيجوز الدخول في تفصيل الغيبيات وهذا خلاف المنهج السلفي الذي تقدم نقله عنه ومع ذلك فقد تعامى عما هو معروف في علم الطب أن هناك جراثيم تقتل من الداخل كجرثومة كوروخ في مرحلته الثالثة يعني جرثومة السل فلا مانع عقلا أن يدخل الجان من الخارج إلى بدن الإنسان وتعمل عملها وأذاها فيه من الداخل كما لا مانع من خروجها منه بسبب أو آخر وقد ثبت كل من الأمرين في الحديث فآمنا به ولم نضرب به كما فعل المعتزلة وأمثالهم من أهل الأهواء وهذا المؤلف الأثري زعم منهم كيف لا وقد تعامى عن حديث الترجمة فلم يخرجه البتة في جملة الأحاديث الأخرى التي خرجها وساق ألفاظها من صفحة مائة وواحد وعشرون إلى صفحة مائة وست وعشرون كلها أحاديث وهو صحيح جدا كما رأيت وهو إلى ذلك لم يأخذ من مجموع تلك الأحاديث ما دل عليه هذا الحديث من إخراجه صلى الله عليه وآله وسلم للشيطان من ذاك المجنون وهي معجزة عظيمة من معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم بل نصب خلافا بين رواية ( اخرج عدو الله ) و رواية ( اخسأ عدو الله ) فقد أورد على نفسه صفحة مائة وأربع وعشرون قول بعضهم إن الإمام الألباني استغلال إن الإمام الألباني قد صحح الحديث هو نقل عن بعضهم أنه قال إن الإمام الألباني قد صحح الحديث فعقب عليه هو بقوله فهذا كذب مفترى انظر إلى ما قاله الشيخ الألباني لتعلم الكذب المجلد الأول من سلسلة الصحيحة صفحة الخامسة والتسعون بعد السبعمائة ورقم الحديث خمس وثمانون بعد الأربعمائة ثم ساق كلامي فيه ونص ما في آخره كما تقدم هنا وبالجملة والحديث بهذه المتابعة جيد هذا كلام الألباني والله أعلم قلت فتكذيب المذكور غير وارد إذن ولعل العكس هو الصواب وقد صرح هو بأنه ضعيف دون أي تفصيل صفحة اثنان وعشرون واغتر به البعض نعم لقد شكك في دلالة الحديث على الدخول بإشارته إلى الخلاف الواقع في الروايات وقد ذكرت لفظين منها آنفا ولكن ليس يخفى على طلاب هذا العلم المخلصين أنه ليس من العلم في شيء أن تضرب الروايات المختلفة بعضها ببعض وإنما علينا أن نأخذ منها ما اتفق عليه الأكثر وإن مما لا شك فيه أن اللفظ الأول ( اخرج ) أصح من الآخر (اخسأ ) لأنه جاء في خمس روايات من الأحاديث التي ساقها واللفظ الآخر ( اخسأ ) جاء في روايتين منها فقط أرى أنه لا أرى بينهما خلافا كبيرا في المعنى فكلاهما يخاطب به فكلاهما يخاطب بهما شخص أحدهما صريح في أن المخاطب داخل المجنون والآخر يدل عليه ضمنا وإن مما يؤكد أن الأول هو الأصح صراحة حديث الترجمة الذي سيكون القاضي بإذن الله على كتاب الاستحالة المزعومة ما تقدم من البيان أنها مجرد دعوى في أمر غيبي مخالفة للمنهج الذي سبق ذكره ولا بد لي قبل ختم الكلام على هذا الموضوع أن أقدم إلى القراء الكرام ولو مثالا واحدا على الجهل بالسنة الذي وصفت به الرجل فيما تقدم ولو أنه فيما سلف كفاية للدلالة على ذلك لقد ذكر الحديث المشهور في النهي عن اتباع سنن الكفار بلفظ لا أصل له رواية ولا دراية فقال في الصفحة السابع والعشرين " وصدق رسول الله إذ يقول لتتبعن من قبلكم من الأمم حذاء القذة بالقذة " حذاء هو الحديث ( حذو ) هو ما بيفرق بجهله بين حذاء وبين حذو شوفوا بقى ... " حذاء القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ورائهم قالوا اليهود والنصارى يا رسول الله قال فمن أو كما قال صلى الله عليه وسلم " انتهى ومجال نقده أو نقدي إياه في سياقه للحديث هكذا واسع جدا وإنما أردت نقده في حرف واحد منه أفسد به معنى الحديث بقوله "حذاء" فإن هذا تحريف قبيح للحديث لا يخفى على أقل الناس ثقافة والصواب ( حذو ) وليس هو خطأ مطبعيا كما قد يتبادر لأذهان البعض فقد أعاده في مكان آخر فقال الصفحة أربعة وثلاثين مقرونا بخطأ آخر "حذاء القَذَّة بالقَذَّة " هو القُذَّة وأعاد كلمة حذاء القَذَّة بالقَذَّة كذا ضبطه بفتح القاف وإنما هو بالضم وهو مخرج في الصحيحة من طرق ألفاظ متقاربة برقم ثلاثة آلاف وثلاثمائة واثنا عشر ونحو ذلك مما يدل على جهله بالسنة قوله صفحة مائتين وأربعين " بقول السلف ليس الخبر كالمعاينة " وهذا حديث مرفوع رواه جماعة من الأئمة منهم أحمد عن ابن عباس مرفوعا وفيه قصة وهو مخرّج في صحيح جامع الصغير برقم خمس آلاف ومائتين وخمسين ومن أمثلة جهله بما يقتضيه المنهج السلفي أنه حشر صفحة أربعة وسبعين في زمرة تفاسير المعتبرة تفسير الكشّاف وتفسير الفخر الرازي فهل رأيت أو سمعت أثريا يقول مثل هذا تفسير الكشاف معتزلي تفسير الفخر الرازي أشعري بيقول هي من تفاسير السلف الله أكبر ومن أمثلة جهله بما يقتضيه المنهج السلفي أنه حشر في زمرة تفاسير المعتبرة تفسير الكشّاف وتفسير الفخر الرازي فهل رأيت أو سمعت أثريا يقول مثل هذا فلا غرابة بعد هذا أن ينحرف عن السنة متأثرا بهما ويفسر آية الربا تفسيرا مجازيا إتباعا لهما وأما أخطاؤه الإملائية الدالة على أنه شبه أمِّي فلا تكاد تحصر فهو يقول في أكثر من موضع تعالى معي تعالى قال الله تعالى ... يقول تعال معي بيقول تعالى معي وقال صفحة مائة و واحد وثلاثين " ثم تعالى لقوله تعالى " الله يهديهم الله المستعان شر البلية ما يبكي نعم وذكر آية ثم تعال بدل ما يقول تعالى لقوله تعالى وذكر آية وفي صفحة كذا " فمن المستحيل أن تفوت هذه المسألة هذان الإمامان الجليلان " بدل ما يقول هذين الإمامين الجليلين وصفحة كذا يقول " أضف إلى ذلك أن الإمامين ليسا طبيبان " ... يقول ليسا طبيبين فهو يرفع المنصوب مرارا وتكرارا وفي الختام أقول ليس غرضي مما تقدم إلا إثبات ما أثبته الشرع من الأمور الغيبية والرد على من ينكرها ولكنني من جانب آخر أنكر أشد الإنكار على الذين يستغلون هذه العقيدة ويتخذون استحضار الجن ومخاطبتهم مهنة لمعالجة المجنونين والمصابين بالصرع ويتخذون في ذلك من الوسائل التي تزيد على مجرد تلاوة القرآن مما لم ينزِّل الله به سلطانا كالضرب الشديد الذي قد يترتب عليه أحيانا قتل المصاب كما وقع هنا في عمان وفي مصر مما صار حديث الجرائد والمجالس لقد كان الذين يتولون القراءة على المصروعين أفرادا قليلين صالحين فيما مضى فصاروا اليوم بالمئات صاروا اليوم بالمئات وفيهم بعض النسوة المتبرجات فخرج الأمر عن كونه وسيلة شرعية لا يقوم بها الأطباء عادة إلى أمور و وسائل أخرى لا يعرفها الشرع ولا الطب معها فهي عندي نوع من الدجل و الوساوس يوحي بها الشيطان إلى عدوه الإنسان وإن الشياطين ليوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا وهو نوع من الاستعانة بالجن التي كان عليها المشركون في الجاهلية والمذكورة في قوله تعالى (( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا )) فمن استعان بهم على فك سحر زعموا أو معرفة هوية الجني المتلبس بالإنسي أذكر هو أم أنثى مسلم أم كافر وصدقه المستعين به ثم صدق هذا الحاضرون عنده فقد شملهم جميعا وعيد قوله صلى الله عليه وسلم ( من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) وفي حديث آخر ( لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ) رواه مسلم وغيره وهو مخرَّج في غاية المرام رقم أربعة وثمانين ومائتين و رواه الطبراني من طريق أخرى بقيد ( غير مصدق لم تقبل ) وهو منكر بهذه الزيادة ولذلك خرجته في الضعيفة برقم ست آلاف وخمسمائة وخمسة وخمسين والحديث الذي قبله صحيح أيضا وهو مخرَّج في الإرواء فينبغي الانتباه لهذا فقد علمت أن كثيرا ممن ابتلوا بهذه المهنة هم من الغافلين عن هذه الحقيقة وأنصحهم إن استمروا في مهنتهم أن لا يزيدوا في مخاطبتهم على قول النبي صلى الله عليه وسلم ( اخرج عدو الله ) مذكرا لهم بقوله تبارك وتعالى (( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )) والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله
السائل : جزاك الله خير شيخنا تعبانك معانا يا شيخ
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 825
- توقيت الفهرسة : 00:01:04