حديث : ( إلعنوهنَّ فإنهن ملعونات ) هل اللعن يكون في الخفاء أم على المباشر.؟ وهل هو على وجه العموم .؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
حديث : ( إلعنوهنَّ فإنهن ملعونات ) هل اللعن يكون في الخفاء أم على المباشر.؟ وهل هو على وجه العموم .؟
A-
A=
A+
علي الحلبي : شيخنا أحد الإخوة يسأل عن حديث اللعن، طالما ريثما تشربوا القهوة، هل هو على وجه الخصوص أم على وجه العموم، العنوهن، امرأة بعينها، أم بالعموم، مباشرة أم بالخفاء؟.

الشيخ : أولًا، بصورة عامة ليس النهي عن اللعن بصورة عامة، فيجوز لعن أشخاص معينين سواء كانوا نساء أو رجالًا.

فنحن نذكر دائمًا جوابًا عن مثل هذا السؤال، لعن الرسول عليه السلام لرعل وذكون من القبائل العربية الذين كانوا قتلوا ظلمًا وبغيًا وعدوانًا سبعين صحابيًا من قراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فحزن عليهم حزنًا شديدًا، وقنت عليهم في الصلوات الخمس يدعو ويلعنهم حتى أنزل الله عز وجل قوله في القرآن الكريم: (( ليس لك من الأمر شيءٌ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون )) .

فلما نزلت هذه الآية ترك الدعاء عليهم، ثم تبيّن فيما بعد أنه كان قد سبق في علم الله عز وجل أن هؤلاء القتلة الذين لعنهم الرسول عليه السلام في الصلاة، سبق في علم الله عز وجل أنهم سيعودون ويتوبون إلى الله ويدخلون في الإسلام، لذلك جاء في الآية (( أو يتوب عليهم أو يعذبهم )) ، فتحقق أنهم تابوا فتاب الله عليهم، فإذا دعاء الرسول عليهم باللعن هو دليل لبيان جواز اللعن أشخاص بأعيانهم، ولا يعترض بأن الرسول في النهاية ترك اللعن، لعنه إياهم لأن السبب أن الله أنزل عليه هذه الآية وأنهم عادوا إلى الله عزّ وجل تائبين. هذا أصل في الصحيحين يؤكده نصوص أخرى، من أوضحها غير حديث ( العنوهن فإنهن ملعونات ) وسيأتي الجواب عن السؤال المتعلق به، لكن من أوضح الأدلة على جواز لعن شخص بعينه بشرط أن يكون مستحقا للعنه، ما جاء في كتاب الأدب المفرد للإمام البخاري وغيره من كتب السنة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم جاء شاكيًا إليه له جار له ظلمه، فقال له عليه الصلاة والسلام: اجعل متاعك على قارعة الطريق ففعل، فكان الناس يمرون عليه يقولون له: ما لك يا فلان؟، يقول: فلان جاري ظلمني، فيقولون قاتله الله لعنه الله ، عالماشي قاتله الله لعنه الله.

فضاقت على الظالم الأرض بما رحبت وانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقول له: مر جاري ليعيد متاعه إلى داره فقد لعنني الناس، فقال عليه الصلاة والسلام: لقد لعنك من في السماء قبل أن يلعنك من في الأرض ) .

السائل : الله أكبر.

الشيخ : إلى هنا انتهى الحديث، والشاهد منه أن هؤلاء المارّة هم صحابه، وأنه بالتعبير العصري اليوم تعلموا وتخرجوا من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، وما كان لهم لأن يصبوا لعناتهم على هذا الرجل الظالم لجاره لولا أنهم تلقوا من نبيهم جواز هذا اللعن لمثل ذلك الظالم.

هذا أولًا، ثانيًا: لما حكى الظالم لعن الناس إياه للرسول عليه السلام راجيًا منه أن يأمر جاره المظلوم بأن يعيد متعاه إلى داره، قال له الرسول: ( لقد لعنك من في السماء قبل أن يلعنك من في الأرض ) ، معنى هذا أن أهل السماء يلعنون أشخاص بأعيانهم أولًا، وثانيًا أن النبي صلى الله عليه وسلّم أقرّ اللاعنين لهذا الظالم، وإقراره حكم وشرع، ولو لم يكن عندنا قصة دعاء الرسول عليه السلام على رعل وعلى ذكوان.

إذا عرفنا هذه الحقيقة، ورجعنا إلى قوله عليه السلام في النساء المتبرجات: ( العنوهن فإنهن ملعونات ) ، هل هذا جهر أم هذا سر؟.

ليست المسألة الآن ابتداءً هل يجوز علنًا أو لا يجوز؟ البدء يبدأ هل يجوز مطلقًا أم لا؟، هل يجوز أنا أدعو في نفسي أن الله يلعن فلانا ولا أحد يسمعني ثم بعد ذلك يأتي سؤال، هل يجوز أن ألعن هذا الذي ألعنه في نفسي أن أفعل ذلك جهرًا أيضًا؟، هذه مسألة أخرى.

فإذا قوله عليه السلام: ( العنوهن فإنهن ملعونات ) دليل صريح على جواز لعن المتبرجات من النساء، أما هل يجوز ذلك علنًا، فالجواب كما سمعتم يجوز ذلك لأن الصحابة لعنوا ذلك الرجل علنًا، ولكن إذا أردنا أن نلعن النساء المتبرجات اقتداءً بأولئك الأصحاب الكرام الذين لعنوا الظالم وأقرهم الرسول عليه السلام، ينبغي أن نلاحظ أن أولئك أرادوا تربية ذلك الظالم وردعه عن ظلمه، فإذا كنا نحن نريد أن نرفع صوتنا مسمعين لعنتنا للفاسقات أو المتبرجات إصلاحًا لهنّ ويغلب على ظننا أن هذه الوسيلة تكون تربية لهن فهذا هو المشروع .

أمّا إذا كان أولًا لا يترتب من وراء هذا الإعلان مصلحة كما أظن أنا في هذا الزمان، بل قد يترتب من وراء هذا الإعلان مفسدة، لأن الجو العام ليس مع الإسلام وليس مع شرائع الإسلام، فأنتم تسمعون مثلًا ليلًا نهارًا كثير من الفساق والفجار والذين لا خلاق لهم يسبّون الله عزّ وجل، ويسبّون الرسول، ويسبّون الدين، والقانون لا يهتم بذلك، أما لو سب حضرة الملك جلالة الملك، فسرعان ما يُؤخذ ويحاكم ويسجن ووإلى آخره، فكأنهم جعلوا الملك فوق الجلالة الحقيقة، فوق رب العزّة.

فالجو إذا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يساعد لتطبيق الجهر بلعن النساء الفاجرات لأنه سيؤخذ وسيذم ويشتم وربما يسجن، ثم يصير معه مثل ما صار مع بعض ضعفاء الإيمان لما هزمت العراق وانتصر الكفار، شو قال صاحبك هاذ اللي ما هو صاحبك .

السائل : قال الآن آمنت أن المسيحية هي الحق .

الشيخ : الله أكبر.

السائل : لأنها انتصرت على الإسلام .

الشيخ : هذا يقوله مسلم، المهم هنا إذًا في موضوع الجهر باللعن للمتبرجات مباشرة يدخل في السياسة الشرعية حيث غلب على الظن أن هذا الجهر يفيد شُرع إلا فلا.

الشيخ : غيره.

مواضيع متعلقة