ما حكم تحمُّس الشباب عند بداية تديُّنهم ؟
A-
A=
A+
السائل : في - يا شيخ - سؤال : في بعض الناس إذا تديَّن ينجرف ، يبدأ ثوبه من الركبة تقريبًا أو تحت الركبة شوية ، وفي صلاته دائمًا قصير أمن راكب ، ويطلع كأنه ذليل جدًّا جدًّا ، وفي تقريبًا ولا قاعد يتبسم يضحك ولا ؛ هل هذا من السنة ؟
الشيخ : والله هذا السؤال يذكِّرني بشيء كأنه أمر طبيعي بالنسبة للشباب المتحمِّس ، ذلك كما جاء في قصة عبدالله بن عمرو بن العاص كان شابًّا من صُلحاء شباب الصحابة ، ويدلُّكم على ذلك قصَّته بعد أن زوجه أبوه بفتاةٍ من قريش ، وبعد الزواج سأل والده كنَّتَه عن علاقتها أو علاقة زوجها بها ؟ فكان جوابها فيه كناية لطيفة باللغة العربية الفصيحة ؛ قالت : إنه لم يطَأْ لنا بعدُ فراشًا ! يعني كأنما ما تزوَّجنا ، وكشيء طبيعي ما سُرَّ بهذا الخبر والد عبد الله وهو عمر بن العاص ؛ فشكاه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، قال عبد الله : فإما أرسل إليَّ وإما لقيني فقال لي : يا عبد الله ، بلغني أنك تقوم الليل وتصوم النهار ولا تقرب النساء ؟ فقال : قد كان ذلك يا رسول الله . قال : ( فإنَّ في جسدك عليك حقًّا ، ولنفسك عليك حقًّا ، ولزوجك عليك حقًّا ، ولزَورك - أي من يزورك - عليك حقًّا ) ، ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضع له منهجًا في العبادة حتَّى ما يُغالي فيها ولا يتكاسل عنها ، وهو كان يقرأ القرآن في كلِّ ليلة مرة ، وكان يصوم الدهر ، فمن كان كذلك في غلوِّه في عبادته لا يصلح للزواج ؛ لأن نشاطه توجَّه كله إلى العبادة ، وفيما يتعلق بقيامه في البيت وقراءته للقرآن قال له : ( اقرأ القرآن في كلِّ شهر مرَّة ) ، بدل كل يوم مرة ، ( اقرأ القرآن في كل شهر مرة ) قال : يا رسول الله ، إني شابٌّ ، إن بي قوة ، إني أستطيع أكثر من ذلك ، وهذا موضع عجب حقيقة ؛ لأن الناس اليوم على عكس هذا تمامًا ، خاصة الآباء مع الأبناء الصالحين ينبت الولد في منزل صالح ، فيتعبَّد ويحرص على إقامة الصلاة في المساجد ، وعلى حضور الدروس للعلماء الأفاضل ، فيثبِّطه أهله أبوه وأمه ، ويقولان له : حوينتك أنت بعد شاب ، لسا لاحق قدَّامك ، اصبر ، اصبر عمرك ثلاثين أربعين سنة ، أما الشاب هذا المتديِّن يقول : يا رسول الله ، إني شابٌّ ، إن بي قوَّة ، إني أستطيع أكثر من ذلك ؛ كيف تقول لي اقرأ القرآن في الشهر مرة وحدة ؟ فقال له - عليه السلام - : ( اقرأ القرآن في الشهر مرتين ) . قال : يا رسول الله ، إني شابٌّ ، وكرَّر العبارة نفسها ، إلى أن انتهى معه - عليه الصلاة والسلام - إلى قوله : ( فاقرأ القرآن في ثلاث ) ؛ أي : يُسمح لك أن تقرأ القرآن في ثلاث ليالي ، لا أقل من ذلك ؛ ( فمن قرأ القرآن في أقلِّ من ثلاث لم يفقهه ) ، هذا فيما يتعلق بقيام الليل وتلاوة القرآن .
أما فيما يتعلق بالصيام فهو كان يصوم الدهر ، فقال له - عليه الصلاة والسلام - : ( صُمْ من كلِّ شهر ثلاثة أيام ، فالحسنة بعشر أمثالها ) ؛ أي : فكأنما صمتَ الدهر ، قال : يا رسول الله ، إني شاب ، إني أستطيع أكثر من ذلك ، إن بي قوة ؛ فلم يزل - عليه الصلاة والسلام - يتساهل معه إلى أن قال له : ( صُمْ يومًا وأفطر يومًا ؛ فإنه أفضل الصيام ، وهو صوم داود - عليه الصلاة والسلام - ، وكان لا يفرُّ إذا لاقى ) ، هذا الحديث جمع العدل في العبادة والقوَّة في الجسم ، ( صُمْ صوم داود - عليه السلام - ؛ فإنه كان يصوم يومًا ويفطر يومًا ، وكان لا يفرُّ إذا لاقى ) ؛ لأنه لا يزال محتفظًا على قوته ، أما إذا صام الدهر فستنهار قواه مع الزمن ، ولا يستطيع حينذاك أن يثبت في ملاقاة الأعداء ، قال : يا رسول الله ، إني أريد أفضل من ذلك . قال : ( لا أفضل من ذلك ) ، يريد أفضل من صوم داود قال : ( لا أفضل من ذلك ) ، ثم فارق عبدُ الله بن عمرو رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على هذا المنهاج ، وراحت أيام وجاءت أيام ، وانتقل الرسول - عليه الصلاة والسلام - إلى الرفيق الأعلى ، وشاخ عبد الله بن عمرو ، وراحت القوَّة التي كان يفخر بها ، ولكنه كان يشقُّ عليه أن يدعَ ما فارق عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكان يقول : يا ليتني كنتُ قبلت رخصةَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - . شو هي الرخصة ؟ قال له : ( اقرأ القرآن في كل شهر مرة ) ، ما رضي فيها ، قال له : ( صُم من كلِّ شهر ثلاث أيام ) ، ما رضي فيها ، لكن متى انتبه لخطئه ؟ بعد أن شاخَ وأسنّ وكبر ، فكان يقول : يا ليتني كنت قبلتُ رخصةَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - !
في بداية هذه القصة في " مسند الإمام أحمد " - رضي الله عنه - قال له رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( يا عبد الله ، إن لكل عمل شرَّة ، ولكل شرَّة فترة ؛ فمن كانت فترته إلى سُنَّتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى بدعة فقد ضلَّ ) . إيش معنى ( إن لكل عمل شرَّة ) ؟ الشِّرَّة هو النشاط ، النشاط الشديد ، وهي طبيعة الشباب بيهجم على العبادة دون أن يفكِّر إيش ؟ في العاقبة ، ( إن لكل عمل شرَّة ) ، مثاله إنسان بيمسك إيده قبضة حديدية ، لكن إلى متى يستطيع أن يظلَّ قابضًا عليها ؟ مهما كان قوي العضلات ، سيظلُّ يعمل كذا و و وبعدين ... العمر ، ولذلك أمر الرسول - عليه السلام - بالاعتدال ، فقالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( أحبُّ الأعمال إلى الله أدوَمُها وإن قلَّ ) .
فنحن في الوقت الذي نُسَرُّ بإقبال الشباب اليوم على الدِّين والتعبد والتقرب إلى الله - عز وجل - بما شرع فنحن ننصح بالاعتدال - أيضًا - في العبادة خشيةَ أن ينعكس معهم الأمر ، وينقلب إلى الإفلات في الموضوع ، وعدم الاهتمام حتى بالفرائض من العبادات ، فخير الأعمال أدومها وإن قلَّ ، هكذا نحن ننصح إخواننا الشباب بأن يعتدلوا ، وألَّا يُغالوا ؛ لأنَّ الله - عز وجل - يقول : (( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق )) ، وقال - عليه السلام - منطلقًا من هذه الآية : ( إيَّاكم والغلوَّ في الدين ؛ فإنَّ ما أهلك الذين من قبلكم غلوُّهم في دينهم ) ، فنحن ننصح هؤلاء كما ننصح الفريق المقابل لهم الذين لا يهتمُّون إلا بأداء الفرائض فقط ، ثمَّ لا يُبالون بارتكاب المخالفات الشرعية بحجة أنهم يصلون الصلوات ، ويصومون رمضان ، وأن هذه الصلوات وصيام رمضان من المكفِّرات ، ولا ينتبهون إلى أن كثيرًا من هذه الصلوات والصيام بحاجة إلى ما يتمُّ هذه العبادات لما فيها من نقص ، كما جاء في قصة الصلاة - مثلًا - قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إنَّ الرجل لَيُصلي الصلاة ما يُكتب له منها إلا : عشرها ، تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، نصفها ) ؛ فإذًا الصلاة التي يصلِّيها أكثر الناس إنما يُكتب لهم بأحسن الأحوال النصف ، وإلا بعضهم العشر ، أحسن من العشر التسع ، وهكذا ؛ فإذًا إذا كان هذا النقص موجودًا في الصلاة فيجب أن يكون عندنا احتياطي من الصلاة ؛ وهو الإكثار من النوافل .
كذلك قال - عليه الصلاة والسلام - في حقِّ كثير من الصُّوَّام قال - عليه الصلاة والسلام - : ( من لم يدَعْ قول الزُّور والعمل به ؛ فليس لله حاجة في أن يدعَ طعامه وشرابه ) ، فالصيام صومان ، صوم عن الماديات المفطِّرة ، وصوم عن المعنويات المفطرة ، لكنها من رحمة الله - عز وجل - لم يجعَلْها مبطلةً ؛ المفطرات المعنوية لم يجعلها مفطرة مُبطلة للصيام لصعوبة ذلك على الناس ، فقوله - عليه الصلاة والسلام - في الحديث السابق : ( من لم يدَعْ قول الزور والعمل به ؛ فليس لله حاجة في أن يدعَ طعامه وشرابه ) ، هذا كأنه يعني أن لا صيامَ له ، الذي يشهد شهادة الزور ، ويكذب في أقواله ، ويرتكب الفسق والفجور ؛ فهذا ليس لله حاجة أن يدعَ طعامه وشرابه ، لكنَّ الله - عز وجل - إنما جعل المُبطل للصيام إنما هو المفطِّرات المادية المعروفة ؛ كالأكل والشرب والجماع والاستفراغ .
بهذا نحن نأمر الفريقين ؛ الذين يُغالون في عبادتهم أن يعتدلوا ، وألا يأخذوها هبَّةً واحدة ؛ لأنه يُخشى أن يتراجع القهقرى ، كما نأمر الشباب الآخر الذي يكتفي بالإتيان بالفرائض وبس ثم لا يهتمُّ بإتمام هذا النقص الذي يقع في صلاة كلِّ واحدٍ منَّا بمثل قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( أوَّل ما يُحاسب العبد يوم القيامة الصلاة ، فإن تمَّت فقد أفلح وأنجح ، فإن نقصت قال الله - عز وجل - لملائكته : انظروا هل لعبدي من تطوع فتتمُّوا له به فريضته ؟ ) . الفريضة التي لم يُكتب له منها إلا عشرها ، وفي أحسن الأحوال نصفها ، وين النصف الثاني ؟ يُكمَّل منها النوافل ، ولذلك فعلى المسلم أن يحرصَ على الإتيان بالفرائض من الصلاة والصيام والنوافل - أيضًا - ؛ حتى يوم القيامة إذا وُزِنَت صلاته وعباداته تُكمَّل له من النوافل التي كان قد أتى بها مع الفرائض .
وبهذا القدر كفاية ؛ لأنك أنت تفضَّلت وجئت من هناك بسيارتك ، والآن عليك إنك ترجع معنا ، وترجع إلى هنا ، ويكون دخل نصف الليل ؛ فجزاك الله خيرًا .
السائل : الله يبارك فيك .
الشيخ : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
الشيخ : والله هذا السؤال يذكِّرني بشيء كأنه أمر طبيعي بالنسبة للشباب المتحمِّس ، ذلك كما جاء في قصة عبدالله بن عمرو بن العاص كان شابًّا من صُلحاء شباب الصحابة ، ويدلُّكم على ذلك قصَّته بعد أن زوجه أبوه بفتاةٍ من قريش ، وبعد الزواج سأل والده كنَّتَه عن علاقتها أو علاقة زوجها بها ؟ فكان جوابها فيه كناية لطيفة باللغة العربية الفصيحة ؛ قالت : إنه لم يطَأْ لنا بعدُ فراشًا ! يعني كأنما ما تزوَّجنا ، وكشيء طبيعي ما سُرَّ بهذا الخبر والد عبد الله وهو عمر بن العاص ؛ فشكاه إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، قال عبد الله : فإما أرسل إليَّ وإما لقيني فقال لي : يا عبد الله ، بلغني أنك تقوم الليل وتصوم النهار ولا تقرب النساء ؟ فقال : قد كان ذلك يا رسول الله . قال : ( فإنَّ في جسدك عليك حقًّا ، ولنفسك عليك حقًّا ، ولزوجك عليك حقًّا ، ولزَورك - أي من يزورك - عليك حقًّا ) ، ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضع له منهجًا في العبادة حتَّى ما يُغالي فيها ولا يتكاسل عنها ، وهو كان يقرأ القرآن في كلِّ ليلة مرة ، وكان يصوم الدهر ، فمن كان كذلك في غلوِّه في عبادته لا يصلح للزواج ؛ لأن نشاطه توجَّه كله إلى العبادة ، وفيما يتعلق بقيامه في البيت وقراءته للقرآن قال له : ( اقرأ القرآن في كلِّ شهر مرَّة ) ، بدل كل يوم مرة ، ( اقرأ القرآن في كل شهر مرة ) قال : يا رسول الله ، إني شابٌّ ، إن بي قوة ، إني أستطيع أكثر من ذلك ، وهذا موضع عجب حقيقة ؛ لأن الناس اليوم على عكس هذا تمامًا ، خاصة الآباء مع الأبناء الصالحين ينبت الولد في منزل صالح ، فيتعبَّد ويحرص على إقامة الصلاة في المساجد ، وعلى حضور الدروس للعلماء الأفاضل ، فيثبِّطه أهله أبوه وأمه ، ويقولان له : حوينتك أنت بعد شاب ، لسا لاحق قدَّامك ، اصبر ، اصبر عمرك ثلاثين أربعين سنة ، أما الشاب هذا المتديِّن يقول : يا رسول الله ، إني شابٌّ ، إن بي قوَّة ، إني أستطيع أكثر من ذلك ؛ كيف تقول لي اقرأ القرآن في الشهر مرة وحدة ؟ فقال له - عليه السلام - : ( اقرأ القرآن في الشهر مرتين ) . قال : يا رسول الله ، إني شابٌّ ، وكرَّر العبارة نفسها ، إلى أن انتهى معه - عليه الصلاة والسلام - إلى قوله : ( فاقرأ القرآن في ثلاث ) ؛ أي : يُسمح لك أن تقرأ القرآن في ثلاث ليالي ، لا أقل من ذلك ؛ ( فمن قرأ القرآن في أقلِّ من ثلاث لم يفقهه ) ، هذا فيما يتعلق بقيام الليل وتلاوة القرآن .
أما فيما يتعلق بالصيام فهو كان يصوم الدهر ، فقال له - عليه الصلاة والسلام - : ( صُمْ من كلِّ شهر ثلاثة أيام ، فالحسنة بعشر أمثالها ) ؛ أي : فكأنما صمتَ الدهر ، قال : يا رسول الله ، إني شاب ، إني أستطيع أكثر من ذلك ، إن بي قوة ؛ فلم يزل - عليه الصلاة والسلام - يتساهل معه إلى أن قال له : ( صُمْ يومًا وأفطر يومًا ؛ فإنه أفضل الصيام ، وهو صوم داود - عليه الصلاة والسلام - ، وكان لا يفرُّ إذا لاقى ) ، هذا الحديث جمع العدل في العبادة والقوَّة في الجسم ، ( صُمْ صوم داود - عليه السلام - ؛ فإنه كان يصوم يومًا ويفطر يومًا ، وكان لا يفرُّ إذا لاقى ) ؛ لأنه لا يزال محتفظًا على قوته ، أما إذا صام الدهر فستنهار قواه مع الزمن ، ولا يستطيع حينذاك أن يثبت في ملاقاة الأعداء ، قال : يا رسول الله ، إني أريد أفضل من ذلك . قال : ( لا أفضل من ذلك ) ، يريد أفضل من صوم داود قال : ( لا أفضل من ذلك ) ، ثم فارق عبدُ الله بن عمرو رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على هذا المنهاج ، وراحت أيام وجاءت أيام ، وانتقل الرسول - عليه الصلاة والسلام - إلى الرفيق الأعلى ، وشاخ عبد الله بن عمرو ، وراحت القوَّة التي كان يفخر بها ، ولكنه كان يشقُّ عليه أن يدعَ ما فارق عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكان يقول : يا ليتني كنتُ قبلت رخصةَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - . شو هي الرخصة ؟ قال له : ( اقرأ القرآن في كل شهر مرة ) ، ما رضي فيها ، قال له : ( صُم من كلِّ شهر ثلاث أيام ) ، ما رضي فيها ، لكن متى انتبه لخطئه ؟ بعد أن شاخَ وأسنّ وكبر ، فكان يقول : يا ليتني كنت قبلتُ رخصةَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - !
في بداية هذه القصة في " مسند الإمام أحمد " - رضي الله عنه - قال له رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( يا عبد الله ، إن لكل عمل شرَّة ، ولكل شرَّة فترة ؛ فمن كانت فترته إلى سُنَّتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى بدعة فقد ضلَّ ) . إيش معنى ( إن لكل عمل شرَّة ) ؟ الشِّرَّة هو النشاط ، النشاط الشديد ، وهي طبيعة الشباب بيهجم على العبادة دون أن يفكِّر إيش ؟ في العاقبة ، ( إن لكل عمل شرَّة ) ، مثاله إنسان بيمسك إيده قبضة حديدية ، لكن إلى متى يستطيع أن يظلَّ قابضًا عليها ؟ مهما كان قوي العضلات ، سيظلُّ يعمل كذا و و وبعدين ... العمر ، ولذلك أمر الرسول - عليه السلام - بالاعتدال ، فقالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( أحبُّ الأعمال إلى الله أدوَمُها وإن قلَّ ) .
فنحن في الوقت الذي نُسَرُّ بإقبال الشباب اليوم على الدِّين والتعبد والتقرب إلى الله - عز وجل - بما شرع فنحن ننصح بالاعتدال - أيضًا - في العبادة خشيةَ أن ينعكس معهم الأمر ، وينقلب إلى الإفلات في الموضوع ، وعدم الاهتمام حتى بالفرائض من العبادات ، فخير الأعمال أدومها وإن قلَّ ، هكذا نحن ننصح إخواننا الشباب بأن يعتدلوا ، وألَّا يُغالوا ؛ لأنَّ الله - عز وجل - يقول : (( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق )) ، وقال - عليه السلام - منطلقًا من هذه الآية : ( إيَّاكم والغلوَّ في الدين ؛ فإنَّ ما أهلك الذين من قبلكم غلوُّهم في دينهم ) ، فنحن ننصح هؤلاء كما ننصح الفريق المقابل لهم الذين لا يهتمُّون إلا بأداء الفرائض فقط ، ثمَّ لا يُبالون بارتكاب المخالفات الشرعية بحجة أنهم يصلون الصلوات ، ويصومون رمضان ، وأن هذه الصلوات وصيام رمضان من المكفِّرات ، ولا ينتبهون إلى أن كثيرًا من هذه الصلوات والصيام بحاجة إلى ما يتمُّ هذه العبادات لما فيها من نقص ، كما جاء في قصة الصلاة - مثلًا - قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إنَّ الرجل لَيُصلي الصلاة ما يُكتب له منها إلا : عشرها ، تسعها ، ثمنها ، سبعها ، سدسها ، خمسها ، ربعها ، نصفها ) ؛ فإذًا الصلاة التي يصلِّيها أكثر الناس إنما يُكتب لهم بأحسن الأحوال النصف ، وإلا بعضهم العشر ، أحسن من العشر التسع ، وهكذا ؛ فإذًا إذا كان هذا النقص موجودًا في الصلاة فيجب أن يكون عندنا احتياطي من الصلاة ؛ وهو الإكثار من النوافل .
كذلك قال - عليه الصلاة والسلام - في حقِّ كثير من الصُّوَّام قال - عليه الصلاة والسلام - : ( من لم يدَعْ قول الزُّور والعمل به ؛ فليس لله حاجة في أن يدعَ طعامه وشرابه ) ، فالصيام صومان ، صوم عن الماديات المفطِّرة ، وصوم عن المعنويات المفطرة ، لكنها من رحمة الله - عز وجل - لم يجعَلْها مبطلةً ؛ المفطرات المعنوية لم يجعلها مفطرة مُبطلة للصيام لصعوبة ذلك على الناس ، فقوله - عليه الصلاة والسلام - في الحديث السابق : ( من لم يدَعْ قول الزور والعمل به ؛ فليس لله حاجة في أن يدعَ طعامه وشرابه ) ، هذا كأنه يعني أن لا صيامَ له ، الذي يشهد شهادة الزور ، ويكذب في أقواله ، ويرتكب الفسق والفجور ؛ فهذا ليس لله حاجة أن يدعَ طعامه وشرابه ، لكنَّ الله - عز وجل - إنما جعل المُبطل للصيام إنما هو المفطِّرات المادية المعروفة ؛ كالأكل والشرب والجماع والاستفراغ .
بهذا نحن نأمر الفريقين ؛ الذين يُغالون في عبادتهم أن يعتدلوا ، وألا يأخذوها هبَّةً واحدة ؛ لأنه يُخشى أن يتراجع القهقرى ، كما نأمر الشباب الآخر الذي يكتفي بالإتيان بالفرائض وبس ثم لا يهتمُّ بإتمام هذا النقص الذي يقع في صلاة كلِّ واحدٍ منَّا بمثل قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( أوَّل ما يُحاسب العبد يوم القيامة الصلاة ، فإن تمَّت فقد أفلح وأنجح ، فإن نقصت قال الله - عز وجل - لملائكته : انظروا هل لعبدي من تطوع فتتمُّوا له به فريضته ؟ ) . الفريضة التي لم يُكتب له منها إلا عشرها ، وفي أحسن الأحوال نصفها ، وين النصف الثاني ؟ يُكمَّل منها النوافل ، ولذلك فعلى المسلم أن يحرصَ على الإتيان بالفرائض من الصلاة والصيام والنوافل - أيضًا - ؛ حتى يوم القيامة إذا وُزِنَت صلاته وعباداته تُكمَّل له من النوافل التي كان قد أتى بها مع الفرائض .
وبهذا القدر كفاية ؛ لأنك أنت تفضَّلت وجئت من هناك بسيارتك ، والآن عليك إنك ترجع معنا ، وترجع إلى هنا ، ويكون دخل نصف الليل ؛ فجزاك الله خيرًا .
السائل : الله يبارك فيك .
الشيخ : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .