ذكر قصة حصلت للشَّيخ مع بعض الدَّجَّالين قديمًا . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
ذكر قصة حصلت للشَّيخ مع بعض الدَّجَّالين قديمًا .
A-
A=
A+
الشيخ : أما أنا فأحدِّثكم عن قضية جرت بنفسي ؛ كنت منذ ثلاثين سنة وأربعين سنة في " دير عطية " قرية في الطريق إلى حلب ، كنت هناك سامرًا ساهرًا ، وإذا بنا نسمع طرق النافذة لا الباب ، فخرج المضيف صاحب الدار لينظر من الطارق ، فنسمع احتفاءً ومبالغةً في الاحتفاء بالرجل الطارق ولما نره بعد ، أهلًا وسهلًا بأبو فلان ، أنا والمجلس طبعًا بدنا نشوف بقى من هذا الضيف الكريم ، فكانت مفاجأة لي منه ومني له ؛ لأنُّو ضدان اجتمعا ، الرجل أعرفه ، ويمكن بعض الحاضرين الآن يشاركونني في المعرفة من أهل محلة " العمارة " ، هذا الضيف الذي دخل كان يجلس دائمًا وأبدًا بجانب الركن الجنوبي الغربي من مسجد " جامع الجوزة " في الساحة التي أمام دكَّانتي ، في رمضان بيشرب الدخان علنًا ، ثيابه رثَّة ، عيناه جاحظتان محمرَّتان ، الله أعلم من شرب الحشيش والدخان ، هذا الإنسان إذا بصاحب البيت يعتقد فيه الولاية ، ولذلك احتفى به احتفاءً بالغًا ، والرجل لما دخل وفُوجئ بي تظاهر بأنه أبله أو مجنون أو مأخوذ كما يقولون ، فأخذ يركع ويسجد بدون وعي ، ويذكر كلام كما يقول النحاة جملة غير تامة ، لكن كلمات غريبة بيض وباذنجان وهيك كلمات ، بيض وباذنجان بس شو هو أكلنا ... لا ، ما ذكر أي شيء ، بس هيك خلط كلام ؛ حينئذٍ افتتحت كلمة بقوله - تعالى - : (( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )) ، من هم ؟ (( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى )) . (( الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ )) علَّقت على كلمة الإيمان والتقوى ، ولستم بحاجة إلى مثل هذا التعليق .

إذًا الخلاصة أن الولي لله - عز وجل - هو المؤمن بالله إيمانًا جازمًا بما جاء في الكتاب والسنة الصحيحة ، والعامل بأحكام الشريعة أمرًا واجتنابًا ، وبلا شك ما ابتدأت الكلام بمثل هذا إلا لأصل إلى ضيفنا هذا لأقول أنُّو هناك ناس يتظاهرون بالولاية ، وقد يأتون بأمور خارقة للعادة ، فيظنُّها بعض الناس كرامات وإنما هي إهانات ، وتكلَّمت طويلًا في هذا الصدد ، ثم سكتُّ ، ففُوجئت بكلام المضيف رجل عاقل ، قال : والله يا أستاذ ، نحن كنا نعتقد هكذا مثل ما تقول ؛ أنُّو الكرامة والولاية هي العمل بالكتاب والسنة . الشاهد مو هون ، الشاهد فيما يحكيه هذا الرجل كيف طوَّر عقيدته الصحيحة إلى العقيدة الباطلة بمجيء رجل كان من أهل القرية ، وعاش في الأزهر الشريف عشرين سنة أو نحو ذلك ، يرجع إليهم ويعلِّمهم خلاف الإسلام أنُّو المهابيل هدول ؛ هدول أولياء الله ، والحجر اللي ما يعجبك بيفجّك ، قال : كنَّا نعتقد أن هذا هو الإيمان وهذا هو الإسلام كما ذكرت ، حتى جاءنا هذا الشَّيخ ، قال : فأخذ يحدثنا بحكايات وقصص تتلخَّص أن الله - عز وجل - له أشخاص سرُّه فيهم ، إذا نظرتم إليهم ما يعجبكم لا عملهم ولا أقوالهم ولا أفعالهم ، لكن هدول من كبار الأولياء ، هدول بتشوفوهم هنا تاركين الصلاة ، لكن الصلوات الخمس بيصلوها في المسجد الحرام ، هَيْ كرامة لهم ، بتشوفوهم مفطرين عم يأكلوا في رمضان ، لكن الحقيقة صائمين ، أنتم هيك بتشوفوهم مفطرين ، من هذه المخاريق والأكاذيب . لكن المهم القصة الآتية حكاها الشَّيخ الأزهري للجماعة فقَلَبَ أهل القرية إلى أمثال هؤلاء يؤمنون بالخرافات والأباطيل المخالفة للشريعة ، شو هي القصة ؟

قال الشَّيخ الأزهري لأهل القرية في مجالسه : كان هناك في ما مضى من الزمان رجل عالم فاضل ، وكان آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر ، كان يحتسب ؛ ينزل إلى السوق فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ؛ حتى وقف ذات يوم على عطَّار وهو يبيع الحشيش المخدِّر المحرَّم ، فأنكر عليه كعادته في إنكار المنكر ، قال الشَّيخ الأزهري لأصحابه : فما كاد الشَّيخ يُنكر على بائع الحشيش حتى سُلِبَ عقله وعاد كأنه بهيمة لا يفهم شيئًا ، وكان أتباعه وتلامذته مِن حوله ، فأخذوه إلى داره وهو لا يعي شيئًا كالدابة ، لكنهم أهمَّهَم الأمر فأخذوا يتساءلون : كيف العلاج ؟ مَن نسأل ؟ مَن نطلب معالجته ؟ إلى آخره ؛ قال : فدُلُّوا على رجل ذو الجناحين ، وهَيْ تساوي طامَّتها طامَّتين ، ذو الجناحين يعني يعلم بالشريعة والحقيقة ؛ يعني علم الظاهر وعلم الباطن ، وهذا من الدسائس التي أُدخِلَت في الإسلام ليتسنَّى لأعداء الإسلام الهدم من الإسلام باسم الإسلام .

شو هاد يا أخي ؟ هذا حقيقة ؛ الحقيقة شيء ، والشريعة شيء .

شو هاد ؟ هادا من علم الباطن ؛ علم الباطن شيء ، وعلم الظاهر شيء .

فدُلَّ على رجل ذو الجناحين زعموا ، فجاؤوا إليه وقصُّوا عليه قصة عالمهم ، فسرعان ما قال لهم - هنا العبرة - : ذاك البائع للحشيش هو رجل من كبار الأولياء ؛ ولذلك فعالمُكم أُصِيبَ بسبب اعتراضه على ذلك الوليِّ ، فأنا بأجمع بين المتناقضات في وصفه بين الوليِّ الحشاش بائع الحشيش ، هذه حقيقة أمره ، هو ولي وهو بائع حشيش ، هذا الولي الحشاش هو من كبار الأولياء عند هؤلاء الناس ؛ لذلك ذو الجناحين نَصَحَ تلامذة العالم بأن يأخذوه أن يقودوه لا يزالون كالدابة إلى ذاك الوليِّ ، وإلى ذاك الولي الحشاش ، إي نعم ، وأن يطلبوا منه العفو والمغفرة لعالمِهم ، ويعتذرون عنه بالنيابة حتى يفيء إلى نفسه ، وهكذا فعلوا ، فما كاد يطيب قلب الولي الحشاش على العالم العامل بعلمه ومثل إنسان كان نايم واستفاق ، ثم عرف العالم بطبيعة الحال مصيبتَه ، فاعتذر - أيضًا - هو بدوره للولي الحشاش . هذه القصة حكاها لي صاحب الدار عن شيخه شيخ القرية ، وأن مثل هذه القصص جعلت القرية تؤمن بمثل هذه الطَّامَّات وهذه السَّخافات .

إذًا خلاصة الكلام : التصديق بمثل هذه الطَّامَّات والضَّلالات تصدر من ناس يفعلون شرًّا ، لكن هذا في الظاهر ، هذا فتح باب لأمثال هؤلاء الناس أنه إذا بُعِثَ فيهم الدَّجَّال أن يؤمنوا به ؛ لماذا ؟

لأنه يأتيهم من الكرامات بزعمهم ما حكوه عن أحد من أوليائهم ، يقول للسماء : أمطري ؛ فتمطر ، شو بدكم كرامة أعظم من هذه ؟ نحن ما نسميها كرامه ، هذا أمر خارق للعادة ، لكن لما رأينا هذا الرجل يدَّعي الربوبية كان ما صدر منه مما هو من خوارق العادات كان ذلك دليلًا على أن هذه ليست كرامات ، وإنما هي مخاريق وتدجيل منه على الناس . إذًا الحُكْم الفصل بين الكرامة وبين الأمر الخارق للعادة اللي هو فتنة للناس هو أن ننظر إلى المصدر ؛ فمن كان مصدره وليًّا صالحًا فهذا نؤمن بكرامته ، وهناك كرامات صحيحة وثابتة عن بعض الصحابة وبعض السلف لا ننكرها أبدًا ، لكن نحن ننكر مثل هذه الكرامات التي هي في الحقيقة إهانات ، أما أصل الكرامة فنحن نؤمن بها ، وهي فصل من فصول الخوارق خوارق العادات يشترك في الخوارق الصالح والطالح ، والمميِّز هو العمل الصالح ، فمَن كان ذا عملٍ صالحٍ فما صدر منه من خوارق فهي كرامة ، ومَن كان عمله طالحًا فما صدر منه من خوارق فهي ليست كرامة ، بل هي إهانة ، وحسبُكم دليلًا على هذا ما ذكرنا لكم من خوارق العادات التي يُجريها الله - تبارك وتعالى - على يدي الدَّجَّال .

مواضيع متعلقة