يردُّ بعضهم الحديث الصحيح : ( إذا التقى المسلمان بسيفَيهما ، فقتل أحدُهما صاحبَه ؛ فالقاتلُ والمقتولُ في النَّارِ ) بأن الصحابة اقتتلوا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان منهم بعض المبشَّرين بالجنة ؛ فكيف التوفيق بين الحديثين وبين قتال بعض الصحابة زمن عليٍّ - رضي الله عنهم - ؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
يردُّ بعضهم الحديث الصحيح : ( إذا التقى المسلمان بسيفَيهما ، فقتل أحدُهما صاحبَه ؛ فالقاتلُ والمقتولُ في النَّارِ ) بأن الصحابة اقتتلوا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان منهم بعض المبشَّرين بالجنة ؛ فكيف التوفيق بين الحديثين وبين قتال بعض الصحابة زمن عليٍّ - رضي الله عنهم - ؟
A-
A=
A+
عيد عباسي : سؤال : يردُّ بعضهم الحديث الصحيح : ( إذا تقابَلَ المسلمان بسيفَيهما ؛ فالقاتل والمقتول في النار ) بالصفة التالية : لقد اقتتل الصحابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان منهم بعض المبشَّرين بالجنة ؛ فكيف التوفيق بين الحديث وبين اقتتال بعض الصحابة زمن علي - رضي الله عنه - ؟

الشيخ : الحديث محمول على الذين أو الذَين يقتَتِلان لا في سبيل الله ، وإنما في سبيل الانتصار للنفس أو الحرص على المال أو نحو ذلك ، وهذا الحمل للحديث لا بد منه ، والسؤال يرد في الواقع من عدم تذكُّر السَّائل على الأقل ولا أقول من عدم علمه بمثل قول الله - عز وجل - : (( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ )) ، فنحن نجد في هذه الآية تصريح ربِّ العالمين - عز وجل - بإطلاق كلمة المؤمنين على كلٍّ من الطائفتين الصالحة والباغية ، (( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ )) ، فحينما يحكم ربُّنا - عز وجل - على كلٍّ من الطائفتين المتقاتلين بأنهما من المؤمنين فحينئذٍ لا نستطيع أن نجمع بين الآية وبين هذا الحديث إلا بأن يُحمل الحديث على تقاتل في سبيل الدنيا لا في سبيل المطالبة بالحقِّ كما هو المقصود بالآية السابقة ، فكلاهما في النار هنا ؛ لأن كلًّا منهما أراد قتل صاحبه بغير حقٍّ ، أما حينما يكون كلٌّ منهما يقاتل صاحبه فيما يعتقد أنه يقاتله في سبيل الله ؛ فهذا الحديث لا يُحمل على مثل هذه الصورة ، وإنما الآية تُحمل على هذه الصورة ، وحين ذاك لا بد من حمل الحديث على التقاتل في سبيل الدنيا .

وكلٌّ من الصورتين يوجد في هذه الأرض ، فتقاتل علي مع معاوية ، تقاتل علي مع جيش عائشة ونحو ذلك ؛ كلُّه داخل في عموم آية : (( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ )) إلى آخرها . هذا نقوله للتوفيق بين الآية والحديث ، ولكن كل طائفة مؤمنة يمكن أن نتصوَّر وجود أفراد فيهم ليسوا بمؤمنين أصلًا ، وإنما هم أظهَرُوا الإسلام وأبطنوا الكفر ، فظهروا مسلمين ، ولكنهم في أنفسهم شرعًا هم منافقون ، وهم كما قال - تعالى - : (( فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ )) ، فالجيشان المتقاتلان جيش علي وجيش معاوية أنا شخصيًّا لا أستبعد أن يكون هناك أفراد في كل من الجيشين لا ينطبق عليهم الآية ، لكن ينطبق عليهم الحديث ؛ يعني أفراد أخذوها حميَّة جاهلية في كلٍّ من الطائفتين ، بينما الجمهور يتصوَّر فيهم أنهم قاتلوا ، قاتل بعضهم بعضًا في سبيل إحقاق الحقِّ الذي يعتقده .

فالخلاصة : أن الحديث يُحمل على مَن كانت نيَّته سيِّئة ، والآية على من كانت نيَّته صالحة لكن قد يكون في عمله مخطئ وغير مصيب .

وهذا يذكِّرني أن أقرِّر لكم معنى حديث آخر ؛ وهو حديث مشهور وصحيح ، وكثيرًا ما يُبتلى به بعض الناس بسوء تطبيقه أو سوء فهمه ؛ أَلَا وهو قوله - عليه السلام - : ( مَن قال لأخيه : يا كافر ؛ فقد باءَ بها أحدهما ) ، ومن قال لمسلم كافر ، ( من كفَّر مسلمًا فقد كفر ) ، أيضًا هذا الحديث يجب أن يُحمل وأن يُفسَّر كما فُسِّر حديث المسلمين المتقاتلين ، وأنهما كلاهما في النار لسوء قصدهما بخلاف ما لو كان قصدهما حسنًا ، فمن كفَّر مسلمًا فقد كفر فيما إذا كفَّره وهو يعلم أنه ليس بكافر ، يعلم أنه مسلم ثم يصدر عليه حكم الكفر ؛ فيعود عليه هذا الكفر ، أما إذا كفَّره بناءً على ما سمع منه أو ما ظهر له لم يتسرَّع ولم ينتصر لنفسه ، ولم يتَّبع هواه ؛ فهذا الحديث لا ينطبق عليه ؛ حتى لو كفَّره وهو مخطئ ما دام أنه لم يقصِدْ تكفيره بقلبه ، وإنما قَصَدَ إطلاق الحكم الذي يستحقه شرعًا ، لكن في النتيجة كان مخطئًا . هكذا يجب أن تُفسَّر الأحاديث على ضوء الأحاديث والقواعد الشرعية ، وهذا - أيضًا - يذكِّرنا بحقيقة هامة جدًّا ضلَّ عنها أقوام قديمًا وحديثًا فانحرفوا عن جادَّة الجماعة المسلمة .

يذكِّرنا بأن الكفر كفران ؛ كفر قلبي وكفر عملي ، فالكفر القلبي هو الذي يخرج به صاحبه من الملة ، أما الكفر العملي فلا يخرج به من الملة ، وعلى هذا - أيضًا - ينبغي تفسير أحاديث منها قوله - عليه السلام - : ( سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ) ؛ مجرَّد قتال المسلم لأخيه المسلم كفر ؛ هل يعني كفر ردة ؟ الجواب : ننظر لقتاله لأخيه المسلم ؛ إن كان قتالًا مقرونًا باستحلال قلبي لهذا القتال قتال المسلم فهو كفر اعتقادي ، ومعناه ردَّة ، وإن كان قتاله لأخيه المسلم لم يقترِنْ معه استحلال هذا القتال بقلبه وإنما هو معصية من معاصيه لربِّه فهو كفر عملي وليس كفرًا اعتقاديًّا ، وهذا بحث طالما طرقناه مرارًا وتكرارًا .

مواضيع متعلقة