تكلم على الدول والشعوب المسلمة و ما هو موقفهم بالنسبة لهذا الأمر وعلى قاعدة ( الأسباب تعطى حكم الغايات ).؟
A-
A=
A+
الشيخ : ... إذا إلى هنا ننتهي عن الكلام فيما يتعلق بالحكومات ويبقى الكلام الذي يتعلق بالشعوب أو أفراد الشعوب من المسلمين ولكن قبل ذلك أريد أن ألفت النظر إلى شيء ينبغي أن ننبه له أن الإسلام يعطي للأسباب حكم الغايات فمن أمر بقتل نفس مؤمنة بغير حق فحكمه حكم الذي باشر القتل بيده هناك آمر بقتل رجل مسلم و مأمور بهذا القتل وهذا المأمور نفّذ القتل فالآمر حكمه حكم هذا القاتل الذي باشر القتل لأنه أمر بما حرم الله عز وجل أريد من هذا المثال والأمثلة كثيرة وكثيرة جدا أن الوسائل التي تؤدي إلى غايات محرمة فهذه الوسائل أيضا هي محرمة .كما أن الوسائل التي تؤدي إلى غايات مشروعة فهي أيضا وسائل مشروعة على خلاف القاعدة الأوربية الكافرة الصليبية التي تقول: " الغاية تبرر الوسيلة " ، أي الغاية التي يرونها هي من صالحهم تبرر لهم الوسيلة مهما كانت مؤدية إلى غاية غير مشروعة ومع الأسف الشديد إن بعض الأحزاب الإسلاميّة تتبنى هذه القاعدة الكافرة الغاية تبرر الوسيلة من حيث يدرون أو لا يدرون من حيث يشعرون أو لا يشعرون . أعني إنهم يجوزون لأنفسهم أن يتبنوا من الوسائل والأسباب ما يعلمون أنها ليست أسبابا مشروعة لكنها بزعمهم تؤدي إلى غاية مشروعة الوسائل والأسباب كالغايات يجب أن تكون مشروعة ولا يجوز أن تكون مخالفة للشرع ، الغرض أن أذكّر الآن أنه كان من نتيجة ذاك البغي وألمحت إلى هذا ولكنني أذكّر مرة أخرى كان من نتيجة ذاك البغي الذي لو افترضنا أنه لم يقع لم تقع هذه الفتنة الكبرى وهي جلب الكفار الصليبين إلى بلاد الإسلام لا أقول بأبخس ثمن بل دون ثمن بل وبثمن يدفعه المستعينون بهؤلاء الكفار وهذا من أسوء ما وقع في التاريخ الإسلامي حسب علمي وهنا أذكر بمثل عربي قديم لكن لا أريد منه إلا التذكير بهذا المثل ولا أريد منه أن نبرر أو أن نسوغ هذه الاستعانة فقد عرفتم أنها مخالفة لصريح القاعدة النبوية كما ذكرنا هذا المثل العربي يقول: " قال الحائط للوتد: لم تشقني؟ قال: سل من يدقني ". أقول أنا هذا بلسان الدولة السعودية لكن هذا ليس عذرا لهم أي أنني استعنت بهؤلاء الكفار والذين مع الأسف يسمونهم بالأصدقاء حينما يتحدثون أننا استعنا بالدول العربية الإسلامية وبالأصدقاء من الدول الأخرى كيف يكون هؤلاء أصدقاء وهم أعداء الأمة الإسلامية كما ذكرنا آنفا هذا ليس عذرا لهم لكن حقيقة الأمر لولا أن الوتد شق الجدار ما كان انشق " قال الحائط للوتد: لم تشقني؟ قال: سل من يدقني " فلا عذر مطلقا لا للباغي ولا للمستعين للكفار في مثل هاتين المخالفتين للشرع. الآن أدخل فيما يتعلق بالشعوب المسلمة وافراد المسلمين وهو الأمر الثاني أو الأمر الثالث إذا ما قسمنا الدول إلى باغية وإلى مستعينة فهاذان قسمان القسم الثالث ما هو الموقف وهذا السؤال لا أقول يطرح نفسه فقد طرح نفسه مرارا وتكرار والناس يتحدثون فيه في كل مجلس يعقد في هذه الأيام ما هو موقف المسلمين كأفراد وجماعات وأحزاب ؟ أنا أقول إذا لم تستطع الدول العربية مجموعة أن تحل هذه المشلكة وأن تقضي عليها فما عسى أن تفعل الأحزاب والجماعات والأفراد؟ لا تستطيع أن تفعل شيئا مطلقا لأن الفرد أضعف من الجماعة والجماعة أضعف من الحزب المنظم المكتّل وهذه المجموعة كلها هي أضعف بكثير سواء قلنا عن الضعف من الناحية العلمية أو من الناحية المادية من هذه الدول العربية مجتمعة وهذه كلها لم تستطع أن تصنع شيئا لا أن تحول بين الباغي وبغيه ولا أن تصد الباغي إلى أرضه فماذا يفعل أفراد المسلمون اليوم ؟ لذلك نحن نذكر عامة المسلمين بواجبهم في أوقات الفتن وهذه الفتنة أنا شخصيا لا أعلم نظيرها وقع في العالم الإسلامي وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في كثير من الأحاديث الصحيحة: ( إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي كافرا ويصبح مؤمنا ) في بعضها في بعض هذه الأحاديث ( يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا قليل ) وفي البعض الآخر (فإذا أدركتم ذلك) أو كما قال عليه الصلاة والسلام قال: ( فكونوا أحلاس بيوتكم ) أي الزموا بيوتكم ولا تتدخلوا في مثل هذه الفتن لأنكم لا تستطيعون أن تصلحوا لأن الدول التي هي أقوى منكم كما ذكرنا لن تستطع أن تصلح ولا أنتم يا معشر الأفراد من الشعوب أو الجماعات أو الأحزاب لن تستطيعوا أن تقاتلوا والدول كلها لن تستطيع أن تقاتل . إذا صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ( كونوا أحلاس بيوتكم ). هذا ختام ما أردت أن أقوله بهذه المناسبة ولكني أيضا أريد أن ألفت النظر إلى بعض الظواهر التي نلمسها الآن مما يذكرنا ببعض الفقرات التي جاءت في بعض تلك الأحاديث منها قوله عليه الصلاة والسلام أن الناس في زمن الفتن لهم عقول لكنها كالهباء يحسبون أو يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء وإذا كانت هذه الفتنة بهذه المثابة في الضخامة والخطورة ولم يلتزم المسلم بيته وداره فمتى يلتزم داره ؟ نحن نعلم أنه وقع في التاريخ الأول خلاف بين المسلمين لم يتدخل الكافر الصليبي الذي أمر المسلمون بمقاتلته وبأن يدعوا إلى واحدة من ثلاث إما الإسلام وإما الجزية وإما أن يدفعوا وإما القتل أن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون وإما الحرب لم يتدخل في ذلك الخلاف الذي وقع في الإسلام الأول أعني ما بين علي ومعاوية رضي الله عنهما لم يتدخل الكافر بين الفريقين بل كان يحسب حسابهما ويخشى سطوتهما ومع ذلك فقد انحاز كثير من الصحابة عن الطائفتين ولم ينضموا إلى إحداهما لماذا ؟ لأنه كان ستراق و فعلا أريقت دماء كثير من المسلمين من بين الطائفتين المتقاتلتين فكان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اعتزلوهما بأنها فتنة المسلم يقاتل أخاه المسلم في أمر فيه شبهة فيه دقة هذا خليفة المسلمين وهو علي بن أبي طالب لم يبايعه معاوية وهو في دمشق الشام لكنه يحتج بأنه يطالب بقتل الذين قتلوا الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه. إذا لكل من المتقاتلين وجهة نظر وإن كان نحن اليوم بعد أن تمكنا من دراسة التاريخ الإسلامي وهذا الخلاف الذي وقع قديما الآن نستطيع أن نقول بكل صراحة وبكل جرأة أن عليا كان الحق معه وأن معاوية باغيا مع أنه مسلم ومع أنه صحابي لكن كيف عرفنا هذا وهل يمكن الآن أن نعرف هذا الخلاف الناشب بين الدول العربية وهو أدق بكثير من ذاك الخلاف الذي تبين الحق لنا بعد دراستنا لأسباب الخلاف وعرفنا أن أحد الصحابة الذين انمازوا وانحازوا عن كل من الطائفتين انضم أخيرا إلى جيش علي حينما رأى نبوءة من نبوءات الرسول صلى الله عليه وسلم ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية ) فلما قتل عمار رضي الله عنه وكان في جيش علي حينئذ انضم بعض الصحابة من الذين سمعوا هذا الحديث من فم الرسول عليه السلام كان من قبل لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء لما ذكرت آنفا من أنه في هناك شبهة فهو لا يريد أن يقاتل المسلمين من أجل أن هذا المسلم يرى أنه أولئك على خطأ لكن لما تبين له من المعصوم شهادة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ( ويح عمار تقتله الفئة الباغية ) انضم إلى علي هل نحن معشر أفراد المسلين اليوم نستطيع أن نقول إننا يجب أن نكون مع هؤلاء أو مع هؤلاء أن نكون مع هؤلاء على هؤلاء أو مع هؤلاء على أولئك أين الدليل في هذا؟ علما بعد أن شرحنا لكم أن كلا منهما مخالف للشرع وليس الأمر كما كان في عهد علي الحق كان مع علي ومعاوية كان هو الباغي مع ذلك مع الفارق الواضح الكبير بين تلك الفتنة وبين هذه الفتنة الفارق الكبير من جهة أنه هناك فتنة كانت بين طائفتين مسلمتين أما الآن فالفتنة أولا بين طائفتين مسلمتين زايد أن مع إحدى الطائفتين دول مشركة كافرة صليبية وهي أيّدت اليهود على المسلمين فالمشكلة هنا أكبر و أكبر لذلك لا يستطيع المسلم في هذه الظروف الحرجة إلا في أن يتمسك بقوله عليه السلام بل و أن يعض عليه بالنواجذ: ( كونوا أحلاس بيوتكم ) هذا آخر ما يتيسر لي ذكره في هذه المناسبة وأنا أعلم يقينا أن هناك كثيرا من الأسئلة والإشكالات لكني أريد إن كان هناك شيء من ذلك أن يلاحظ السائلون ما قدمت آنفا من التفريق بين العلماء وغيرهم ألا يحكم أحدهم برأي واجتهاد من عنده وهو ليس من أهل العلم والاجتهاد (( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )) . نعم .
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 454
- توقيت الفهرسة : 00:35:35
- نسخة مدققة إملائيًّا