تتمة الكلام حول ما هي ضوابط المصالح المرسلة ومن هم الذين يقررون ذلك ؟
A-
A=
A+
الشيخ : فما هي السّبل الّتي شرعها الشّارع الحكيم على لسان نبيّه الكريم ؟ أوّل ذلك الزّكاة كما قال تعالى: (( خذ من أموالهم صدقة تطهرّهم و تزكّيهم بها )) الأموال الّتي يفرض عليها الزّكاة تنقسم إلى قسمين قسم لم يكلّف الشّارع الحكيم الدّولة بجمعها و تحصيلها وهي النّقدان الذّهب و الفضّة زكاة هذين النّقدين يعود إخراجها إلى المكلّفين و لا يجب بل لا يجوز للدّولة أن تفاتش و تحقّق في أموال الأغنياء و تطّلع على دخائل ما عندهم من الألوف أو الملايين من الأموال لكي تأخذ منهم زكاتها , ما دام الأموال هي من النّقدين القسم الثّاني وكّل الشّارع الحكيم أمر جبياتها إلى الدّولة وهي زكاة المواشي و زكاة الحبوب و الثّمار على تفصيل معروف في كتب الفقه . فالآن ماذا تفعل أكثر الدّول الإسلاميّة , لقد أهدرت طريقة جمع الأموال ووضعها في خزينة الدّولة الطّريقة المشروعة في كتاب الله و سنّة رسول الله و طريقة المسلمين ولذلك فالدّولة لا تستطيع بطبيعة الحال أن تعيش دون مال و ما دام أنّها لا تجمع الأموال بالطّريق الّذي شرعه الله عزّ و جلّ هي إذن ستضطرّ أن تستعيض و تستبدل الطّريق المشروع بطريق غير مشروع و هي ضرب الضّرائب و هذه من الأمور الّتي تحقّق مصلحة للدّولة و لكن على طريقة مخالفة لطريقة الرّسول صلّى الله عليه و آله و سلّم فحقّ على هؤلاء الّذين تركوا الطّريق المشروع المعروف عند المسلمين قاطبة في جلب الأموال إلى خزينة الدّولة إلى طريق غير مشروع حقّ فيهم قوله تبارك و تعالى لليهود الّذين نزعم نحن أنّنا نريد محاربتهم ثمّ نفعل فعلهم , ماذا فعلوا ؟ لم يقنعوا بالمنّ و السّلوى بل طلبوا من الله تبارك و تعالى أن يرزقهم الثّوم و البصل كما جاء في القرآن الكريم فقال ربّ العالمين: (( أتستبدلون الّذي هو أدنى بالّذي هو خير )) هكذا حينما نعرض عن هدي الرّسول عليه السّلام في جمع الأموال لخزينة الدّولة يضطرّ هؤلاء الحكّام أن يجمعوا الأموال بطريقة أخرى تخالف طريقة الرّسول عليه السّلام و هي فرض الضّرائب . هذه الطّريقة طريقة فرض الضّرائب تليق بأمّة لا شريعة لها , لا كتاب لها و هم الكفّار من اليهود و النّصارى . صحيح هؤلاء في الأصل أهل كتاب لكن كتابهم أوّلا في أصله لم يكن كتابا يصلح للعمل به إلى قيام السّاعة لأنّ الله عزّ و جلّ حينما أنزل تلك الكتب قبل القرآن الكريم أنزلها ليحكم بها في زمن معيّن و في بلاد معيّنة فلو أراد اليهود و النّصارى اليوم أن يستبدلوا الضّرائب بشريعة عندهم لا يجدونها لسببين اثنين , السّبب الأوّل ما ذكرته آنفا أنّ التّوراة و الإنجيل ليس فيها من التّشاريع الّتي تحقّق أهدافا للأمّة في هذا الزّمان كما يوجد في الإسلام و لذلك فالنّصارى و اليهود بحكم كونهم لا شريعة عندهم و لا نظام لديهم يجمع لهم الأموال للدّولة فهم يضطرّون أن يفرضوا على شعوبهم تلك الضّرائب و تلك الجبايات أمّا المسلمون فقد أغناهم الله عزّ و جلّ بنظام لا مثيل له في العالم حتّى لقد ألّفت كتب في الشّريعة الإسلاميّة اسمها كتاب الأموال , كتب خاصّة في طريقة جمع الأموال لخزينة الدّولة و هذا ليس عجيبا أن يتفرّد به الإسلام لأنّ الأمر كما قال عليه السّلام: ( ما تركت شيئا يقرّبكم إلى الله و إلاّ و أمرتكم به ) فحينما يتبنّى بعض الدّول الإسلاميّة نظام فرض الضّرائب فإنّما يقلّدون الشّعوب الكافرة الفقيرة في تشريعها لأنّه لا شريعة لديها فأولئك يليق بهم أن يفرضوا نظاما هو نظام الضّرائب , أمّا المسلمون فقد أغناهم الله عزّ و جلّ بما شرع لهم في الكتاب و السّنّة من وسائل تحقّق مصلحة الدّولة أّوّلا و بالتّالي مصلحة الأمّة أو الشّعب ثانيا . لذلك لا يجوز فرض الضّرائب في الوقت الّذي يهملون فيه تطبيق نظام الإسلام في جلب الأموال بالطّرق المشروعة . قلت في أوّل الجواب أنّ فرض الضّرائب لا يجوز و قد يجوز الآن بيّنت الطّرف الأوّل من الجواب أنّه لا يجوز لأنّه يصدق كما قلنا آنفا على هؤلاء الّذين هجروا تطبيق الكتاب و السّنّة إلى فرض الضّرائب قوله تعالى: (( أتستبدلون الّذي هو أدنى بالذّي هو خير )) يجوز أحيانا و لا يكون ذلك نظاما مستمرّا و ذلك كأن يفاجأ المسلمون بحالة طارئة , قلنا آنفا مثلا يغزى المسلمون في عقر دارهم من بعض الكفّار و المال المتوفّر بالطّريقة الإسلاميّة الّتي أشرنا إليها آنفا , المتوفّر في خزينة الدّولة لا يكفي لردّ غائلة العدوّ أو مثلا لا سمح الله أصاب البلاد قحط و تعرّض بسبب هذا القحط كثير من المسلمين للتّعرّض للموت جوعا و ما يوجد في خزينة الدّولة من الأموال لا يكفي لإغاثة هؤلاء النّاس فتفرض الدّولة و الحالة هذه ضريبة مؤقّتة و لا يصحّ أن تكون ضريبة أبديّة مستمرّة إلى أن تزول هذه الغائلة أو هذه المصيبة الّتي نزلت بالمسلمين . هذه مصلحة تحقّق بوسيلة جديدة لأنّنا نحن ما قصّرنا في اتّخاذ الوسائل المشروعة من هنا نتوصّل إلى ما ذكره بعض العلماء أنّ السّبب الّذي حدث بعد النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم و يحقّق مصلحة شرعيّة يجب أن ندرس هذا السّبب هل هو سبب نحن لسنا بسبب تقصيرنا في تطبيق شريعة ربّنا , تقصيرنا هذا هو الّذي أدّانا إلى الأخذ بهذا السّبب أو ليس الأمر كذلك فإذا كان نحن سبب تقصيرنا هو السّبب في الأخذ بهذه الوسيلة فلا يجوز الأخذ بها لأنّ الشّرع يقول لنا عودوا إلى ما شرعت لكم من الوسائل و ستستغنون بعد ذلك عن تشريعات من عند أنفسكم. أمّا إذا كان الواقع الّذي يفرض علينا أن نتّخذ وسيلة لم تكن من قبل لسنا نحن السّبب كما ضربت لكم مثلا في هجوم كافر على بلاد المسلمين أو نزول مثلا قحط أو بلاء على طائفة من بلاد المسلمين ثمّ لم يوجد في خزينة الدّولة ما يكفي لدفع هذه الغائلة أو المفسدة فحينئذ يجوز للحاكم المسلم أن يفرض ضريبة مع ملاحظة العدل في تطبيق هذه الضّرائب و لا تكون أيضا كهذه النّظم الّتي لا تفرّق بين غنيّ و فقير فكلّ من عنده دار مثلا لابدّ أن يدفع ضريبة سنويّة مستمرّة دائما و أبدا هذه الضّرائب كما قلنا آنفا ما كانوا بحاجة إليها لو أنّهم جمعوا أموال الزّكاة و التّركات الّتي لا وارث لها و الوصايا التي و الأوقاف و إلى آخره ووضعت في خزينة الدّولة لاستغنت بذلك عن جعل نظام اسمه نظام الضّرائب فإذن باختصار نقول أنّ الوسيلة الّتي يراد تحقيق مصلحة بها إمّا أن تكون قائمة في عهد النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم هذه الوسيلة فلم يأخذ بها فلا يجوز لنا أن نأخذ بها و الحالة الثّانية أنّ هذه الوسيلة ما كانت معروفة في عهد الرّسول عليه السّلام لكن حدثت الآن فإذا كان الدّافع على الأخذ بها تقصير المسلمين في تطبيق بعض الأحكام الشّرعيّة فأيضا لا يجوز الأخذ بها أمّا إذا لم يكن هناك تقصير و تحقّق مصلحة شرعيّة فعلا جاز الأخذ بها و هذه هي المصلحة المرسلة و من الّذي يحكم بهذا ؟ قلنا سابقا هم أهل العلم , أهل المعرفة بالكتاب و السّنّة. بعد هذا لا بدّ لي من إضافة كلمة قد يبدو أنّها خارجة عن الموضوع لكن لها صلة وثقى بالموضوع وهو قلت آنفا أنّ الوسيلة إما أن تكون حدثت أو كانت من قبل موجودة من الّذي يحكم بأنّها كانت موجودة من قبل أو لم تكن ؟ هو الّذي يتتبّع سيرة الرّسول صلّى الله عليه و سلّم و يعرف حياة السّلف الصّالح و كيف كانوا يطبّقون شريعة الله تبارك و تعالى هذا الّذي بإمكانه أن يقول: هذا أمر كان و لم يفعل أو كان و فعل , أمّا من كان بعيدا عن معرفة السّنّة بتفاصيلها فهذا لا سبيل له إلى أن يعلم أنّ هذا الأمر كان في الزّمن الأوّل أو لم يكن. الآن و لا أريد أن أطيل في هذا البيان حينما يقال عن شيء ما أنّه بدعة و بغضّ النّظر عن الاختلاف في كونه بدعة حسنة أو سيّئة لسنا الآن في هذا الصّدد إيش معنى هذا الشّيء بدعة يعني لم يكن في زمان الرّسول عليه السّلام , من الّذي يستطيع أن يقول أنّ هذا الشّيء لم يكن في زمن الرّسول ؟ هو الّذي قرأ كتيّب في الحديث أو كتاب كبير في الحديث أو كتابين ثلاثة ؟ لا هذا ينبغي أن يكون يكاد أن يكون يصدق عليه و هذا مستحيل طبعا أحاط بكّل شيء علما ممّا ألّف في سيرة الرّسول عليه السّلام هذا مستحيل لكن يقارب ذلك , أمّا إنسان يمكن قرأ له كتاب من كتب السّنّة ثمّ قنع بذلك و انصرف إلى شيء آخر فهذا لا يستطيع أن يقول أنّ هذا الشّيء بدعة و بغضّ النّظر كما قلت و أكرّر أنّ هذا بدعة حسنة أو سيّئة هذا يدخل بقى في علم أصول الفقه كما ذكرنا آنفا , هذا ما عندي جوابا عن السّؤال المتعلّق بالمصلحة المرسلة .
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 430
- توقيت الفهرسة : 00:00:42
- نسخة مدققة إملائيًّا