هل صحيح أنه يجوز الوقوع في بعض المفاسد لأجل بعض المصالح.؟
A-
A=
A+
السائل : سمعت من بعض الدّعاة في السودان أن في أصول الفقه قاعدة تعرف بالوقوع في مفسدة من أجل مصلحة وضرب لهذه القاعدة مثلا ، هي قصة الخضر عليه السلام ، أنه خرق السفينة ، وأنه قتل الغلام ، وترتب على ذلك بعض المصالح التي ذكرها المولى عز وجل ، في سورة الكهف وكذلك ضرب بهذا حديث أم كلثوم في صحيح الإمام مسلم ، أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يرخص في الكذب إلا في ثلاث ، وكذلك بأن المولى عز وجل أباح للمسافر الفطر في رمضان والقصر من الصلاة فما هو الرد على هذا ؟
الشيخ : اليوم بارك الله فيك أن القاعدة التي ذكرتها هي على خلاف ما عليه علماء الأصول قاطبة ، وأنا أجيب على حسب ما سمعت منك ولعل في النقل شيئا خطئا منك ، أو من الذي تلفظ به العلماء يقولون: " درء المفسدة قبل جلب المصلحة " و ليس يجوز ارتكاب المفسدة لجلب المصلحة. لا. العكس هو الصواب ترك المصلحة خشية أنها تجلب مفسدة ، أما ما ذكرت من الأدلة من قصة الخضر عليه السلام ، وترخيص الرسول صلى الله عليه وسلم للزوج أن يكذب على زوجته ، ونحو ذلك من الأدلة . فهي ضد ما ذهب إليه ذلك المستدل ، أباح الرسول عليه السلام بالنسبة لحديث الكذب دفعا للمفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى وليس جلبا لمصحلة ، وإنما دفعا لمفسدة كبرى بمفسدة صغرى وهنا تأتي قاعدة أخرى جميلة جدا عند الفقهاء وهي أن المسلم إذا وقع بين شرين اختار أقلهما شرا ، إذا وقع ولا بد لا مناص له إلا أن يقع بين شرين أحدهما شر من الآخر ، والآخر أخف من الأول ، حينئذ لا يجوز له ان يختار الشر الأكبر ، وفي استطاعته أن يختار الشر الأصغر. مثاله رجل في الصحراء في البرية تعرض للموت جوعا ، فتيسر له ميتة أصلها حلال ، وميتة أخرى أصلها حرام يعني تيسر له شاة ميتة وتيسر له سبع أسد نمر ميت ، هذا النمر لو كان حيا وذبح فحرام أكله ، لأنه من السباع أما الشاة فهي حلال ، فهنا ميتتان ، فهل له الخيرة أن يأكل من أيهما شاء ؟ الجواب لا ، يختار أقلهما شرا ، أقلهما شرا هي الميتة التي كان أصلها حلالا. وهكذا نقول إباحة الرسول عليه السلام للزوج أن يكذب على زوجته إنما هو دفع المفسدة الكبرى بالصغرى ، هي كلمة ، و هذه الكلمة إذا أتقن الزوج الكذب فيها ، ومن أحسن ذلك أن يكون تعريضا ، وكما جاء عمن عمران بن حصين ، مرفوعا وموقوفا ، والصحيح الوقف ( إن المعاريض لمندوحة عن الكذب ) فإذا اختار الزوج كلمة ظاهرها كذب ، وباطنها صدق ، وهذا من باب التورية ، فهذا يكون خطره قليل جدا ، بينما إذا صارحها بالواقع ، فربما تنشز وتخرج عن طاعة الزوج ، ويكون السبب في ذلك هو سوء تصرف الرجل مع زوجته وعدم استعمال الحكمة معها ولو أنه اضطر إلى استعمال الكذب الذي لا ضرر ولا ذيول له من الأضرار ، أما قصة الخضر عليه الصلاة والسلام فهي قصة استغلها طائفة من الصوفية الذين ليس من عادتهم أن يهتدوا بالكتاب والسنة ، بل هم قد خرجوا في كثير من سلوكهم ومن منهجهم في حياتهم عن كثير مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح من بعده ، وفي كثير من الأحيان ، يتكلفون تأويل النصوص من الكتاب والسنة حتى تتوافق مع انحرافهم أو انحرافاتهم عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك اعتمادهم في كثير من الأحيان على تصرف الخضر عليه السلام في تلك القصص الثلاث بزعم أن الخضر عليه السلام كان وليا ولم يكن نبيا ومع ذلك فقد كان أعلم من موسى كليم الله ، هكذا زعموا ولكنهم أخطؤوا وضلوا ضلالا بعيدا ، حينما تأولوا قصة الخضر بتفاصيلها المذكورة في القرآن أولا ، وتفاصيلها الأكثر المذكورة في حديث البخاري ثانيا ، تجاهلوا مثلا حكاية الله عز وجل عن الخضر عليه السلام أنه في نهاية المطاف قال لموسى: (( وما فعلته عن أمري )) ، إذا إنما فعل ما فعل من خرق السفينة وإقامة الجدار وقتل الغلام ما فعل ذلك إلا بأمر من الله تبارك وتعالى ، وذلك لا يكون إلا لنبي ، لأنه صحيح كما قال عليه السلام: ( قد كان فيمن قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي فعمر ) ، لكن المحدث هو غير النبي ، النبي يوحى إليه بوحي مقطوع به ، يستطيع أن يفعل ما لا يستطيع المحدث أن يتقدم إليه لأنه ليس معصوما وهذا هو الفرق بني النبي وبين المحدث فلو فرضنا أن الخضر عليه الصلاة والسلام لم يكن نبيا كما يزعم الصوفية ، وإنما كان محدثا ملهما ، لكن الملهم لا يخالف الشرع ، فقتله للغلام وهو أهم ما في القصة غلام ما بلغ سن التكليف ، ولو بلغ سن التكليف ما ندري نحن أمؤمن أو كافر ؟ أقول نحن أي الذين ليسوا معصومين وليسوا بأنبياء ولا مرسلين فتقدم الخضر عليه الصلاة والسلام ، لا أذكر خرق السفينة وإقامة الجدار فهذا كله سهل بالنسبة لقتله الغلام فقتله للغلام ، لا يمكن أن يتقدم إليه إنسان لا يوحى إليه بوحي السماء ، الذي يجعله معصوما ويكشف له عن أمور غيبية لا يراه من دونهم من الناس الصالحين فإذا كان الله يقول أولا في نهاية هذه القصة على لسان الخضر لموسى (( و ما فعلته عن أمري )) إذا كان تصرّف الخضر بهذه الأشياء التي ما تحملها موسى عليه السلام ، وهو كليم الله ، لمخالفتها لشريعة الله ، فكان جواب الخضر (( ما فعلته عن أمري )) ، لم تنقم عليّ ؟ وتفصيل هذا في حديث البخاري الذي أشرت إليه آنفا أن الخضر لما ركب هو وموسى في السفينة أرسل الله طيرا فنقر نقرات من هذا الماء ، فقال موسى: ( ما علمي وعلمك بالنسبة لعلم الله إلا كهذه القطرات من هذا البحر ) ، ثم قال له و هنا الشاهد: ( أنت على علم علمك إياه الله ) ، الخضر يقول لموسى: ( أنت على علم علمك إياه الله لا أعلمه أنا ) وهو الخضر وهو النبي ، ( وأنا على علم ) الخضر يقول عن نفسه: ( وأنا على علم أعلمه لا تعلمه يا موسى يا كليم الله ) ، فإذا كل منهما كان له شريعة كل منهما كان ينطلق في حدود ما أوحى الله عز وجل إليه " إذا فيه حواليكم قليل من الماء " ، أنت على علم أعطاك الله إياه لا أعلمه ,أنا على علم أعطاني إياه أنت لا تعلمه ، فإذا لا يجوز حشر القصة هذه التي وقعت بين موسى وبين الخضر عليهما السلام في الأحكام المتعلقة بشريعة الإسلام ، لأنها تلك أمة قد سبقت أما شريعة الإسلام ، فهي شريعة مستقلة وهي مهيمنة على كل الشرائع السابقة ، ولذلك كان الرأي الراجح عند علماء الأصول القاعدة التي تتردد على وجهين " شريعة من قبلنا شريعة لنا ؟ أم ليست شريعة لنا ؟ " الصواب أن شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا لماذا ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء بالقرآن مهيمنا كما أشرنا آنفا على سائر الكتب السماوية ، وثانيا وهو أبين وأوضح قد قال عليه الصلاة والسلام: ( فضلني الله عز وجل على من قبلي بخمس ) وذكر منها ( وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة ) ، فالشرائع التي كانت قبل الإسلام دعوتها محصورة في الأقوام الذين أرسل إليهم الأنبياء والرسل بخلاف دعوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهي كما تعلمون من القرآن والسنة ، و من هذا الحديث كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة ، فإذا شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا ، و لهذا لا يجوز أن نستدل لإثبات حكم في شرعنا بحكم سبق في شرع من قبلنا هذا هو القول الراجح ، وإذا عرفنا كل هذا الكلام الذي سبق بيانه عرفنا أن القاعدة هي مقلوبة ، -جزاك الله خير - لا يجوز ارتكاب المفسدة لجلب المصلحة بل على العكس من ذلك يجوز ترك المصلحة دفعا للمفسدة. ومن الدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ، أنها حدثت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة في غزوة الفتح ، فتح مكة ، وصلى فيها ركعتين ، أرادت هي اقتداء بنبيها و زوجها صلى الله عليه وسلم أن تصلي أيضا ركعتين ، و لكنه عليه الصلاة والسلام إذا كان بوصف الله عز وجل إياه في القرآن الكريم (( بالمؤمنين رؤوف رحيم )) ، فهو أولى أن يكون كذلك مع زوجاته ، ولقد كان الصعود يومئذ والدخول إلى جوف الكعبة صعبا كما هو اليوم مع الأسف ، حيث الباب كان مرتفعا فمن الصعب أن يتسلق الإنسان ويدخل الكعبة لو كان رجلا ، فكيف به إذا كان امرأة ، لذلك قال لها عليه الصلاة والسلام :( صلي في الحجر فإنه من البيت ، وإن قومك لما جددوا بناء الكعبة قصرت بهم النفقة ، فأخرجوا الحجر من الكعبة ) ، والشاهد قوله عليه الصلاة والسلام فيما بعد: ( ولولا أن قومك حديثوا عهد لهدمت الكعبة ولبنيتها على أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام ) يعني لأدخل الحجر في جوف الكعبة ، ( ولبنيتها على أساس إبراهيم عليه الصلاة و السّلام ولجعلت لها بابين مع الأرض ) ، كأي مسجد من المساجد ( بابين مع الأرض بابا يدخلون منه وبابا يخرجون منه ) ، الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الكعبة على بناء الجاهلية وعلى عدم استطاعتهم أن يوسعوا دائرة الكعبة وأن يدخلوا الحجر إليها ، فترك القديم على قدمه لماذا ؟ هل هو لا يريد الإصلاح ؟ هو سيد المصلحين عليه الصلاة والسلام ،وبه عرفنا طريق الصلاح والإصلاح ، لكنه قد صرح في هذا الحديث ، أنه ترك توسيع الكعبة خشية أن يصيب بعض ضعفاء الإيمان شيء من الشك أو الريب ، ( لولا أن قومك حديث عهد بالشرك ، لهدمت الكعبة ولبنيتها على أساس إبراهيم عليه السلام ) ، إلى آخر الحديث ، من هذا الحديث وأمثاله ، أخذ أهل العلم أن القاعدة الصحيحة هي " ترك المفاسد قبل جلب المصالح " درء المفسدة قبل جلب المصلحة هذا جواب ما سألت ، وأرجو أن أكون موفقا في ذلك إن شاء الله .
الشيخ : اليوم بارك الله فيك أن القاعدة التي ذكرتها هي على خلاف ما عليه علماء الأصول قاطبة ، وأنا أجيب على حسب ما سمعت منك ولعل في النقل شيئا خطئا منك ، أو من الذي تلفظ به العلماء يقولون: " درء المفسدة قبل جلب المصلحة " و ليس يجوز ارتكاب المفسدة لجلب المصلحة. لا. العكس هو الصواب ترك المصلحة خشية أنها تجلب مفسدة ، أما ما ذكرت من الأدلة من قصة الخضر عليه السلام ، وترخيص الرسول صلى الله عليه وسلم للزوج أن يكذب على زوجته ، ونحو ذلك من الأدلة . فهي ضد ما ذهب إليه ذلك المستدل ، أباح الرسول عليه السلام بالنسبة لحديث الكذب دفعا للمفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى وليس جلبا لمصحلة ، وإنما دفعا لمفسدة كبرى بمفسدة صغرى وهنا تأتي قاعدة أخرى جميلة جدا عند الفقهاء وهي أن المسلم إذا وقع بين شرين اختار أقلهما شرا ، إذا وقع ولا بد لا مناص له إلا أن يقع بين شرين أحدهما شر من الآخر ، والآخر أخف من الأول ، حينئذ لا يجوز له ان يختار الشر الأكبر ، وفي استطاعته أن يختار الشر الأصغر. مثاله رجل في الصحراء في البرية تعرض للموت جوعا ، فتيسر له ميتة أصلها حلال ، وميتة أخرى أصلها حرام يعني تيسر له شاة ميتة وتيسر له سبع أسد نمر ميت ، هذا النمر لو كان حيا وذبح فحرام أكله ، لأنه من السباع أما الشاة فهي حلال ، فهنا ميتتان ، فهل له الخيرة أن يأكل من أيهما شاء ؟ الجواب لا ، يختار أقلهما شرا ، أقلهما شرا هي الميتة التي كان أصلها حلالا. وهكذا نقول إباحة الرسول عليه السلام للزوج أن يكذب على زوجته إنما هو دفع المفسدة الكبرى بالصغرى ، هي كلمة ، و هذه الكلمة إذا أتقن الزوج الكذب فيها ، ومن أحسن ذلك أن يكون تعريضا ، وكما جاء عمن عمران بن حصين ، مرفوعا وموقوفا ، والصحيح الوقف ( إن المعاريض لمندوحة عن الكذب ) فإذا اختار الزوج كلمة ظاهرها كذب ، وباطنها صدق ، وهذا من باب التورية ، فهذا يكون خطره قليل جدا ، بينما إذا صارحها بالواقع ، فربما تنشز وتخرج عن طاعة الزوج ، ويكون السبب في ذلك هو سوء تصرف الرجل مع زوجته وعدم استعمال الحكمة معها ولو أنه اضطر إلى استعمال الكذب الذي لا ضرر ولا ذيول له من الأضرار ، أما قصة الخضر عليه الصلاة والسلام فهي قصة استغلها طائفة من الصوفية الذين ليس من عادتهم أن يهتدوا بالكتاب والسنة ، بل هم قد خرجوا في كثير من سلوكهم ومن منهجهم في حياتهم عن كثير مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح من بعده ، وفي كثير من الأحيان ، يتكلفون تأويل النصوص من الكتاب والسنة حتى تتوافق مع انحرافهم أو انحرافاتهم عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك اعتمادهم في كثير من الأحيان على تصرف الخضر عليه السلام في تلك القصص الثلاث بزعم أن الخضر عليه السلام كان وليا ولم يكن نبيا ومع ذلك فقد كان أعلم من موسى كليم الله ، هكذا زعموا ولكنهم أخطؤوا وضلوا ضلالا بعيدا ، حينما تأولوا قصة الخضر بتفاصيلها المذكورة في القرآن أولا ، وتفاصيلها الأكثر المذكورة في حديث البخاري ثانيا ، تجاهلوا مثلا حكاية الله عز وجل عن الخضر عليه السلام أنه في نهاية المطاف قال لموسى: (( وما فعلته عن أمري )) ، إذا إنما فعل ما فعل من خرق السفينة وإقامة الجدار وقتل الغلام ما فعل ذلك إلا بأمر من الله تبارك وتعالى ، وذلك لا يكون إلا لنبي ، لأنه صحيح كما قال عليه السلام: ( قد كان فيمن قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي فعمر ) ، لكن المحدث هو غير النبي ، النبي يوحى إليه بوحي مقطوع به ، يستطيع أن يفعل ما لا يستطيع المحدث أن يتقدم إليه لأنه ليس معصوما وهذا هو الفرق بني النبي وبين المحدث فلو فرضنا أن الخضر عليه الصلاة والسلام لم يكن نبيا كما يزعم الصوفية ، وإنما كان محدثا ملهما ، لكن الملهم لا يخالف الشرع ، فقتله للغلام وهو أهم ما في القصة غلام ما بلغ سن التكليف ، ولو بلغ سن التكليف ما ندري نحن أمؤمن أو كافر ؟ أقول نحن أي الذين ليسوا معصومين وليسوا بأنبياء ولا مرسلين فتقدم الخضر عليه الصلاة والسلام ، لا أذكر خرق السفينة وإقامة الجدار فهذا كله سهل بالنسبة لقتله الغلام فقتله للغلام ، لا يمكن أن يتقدم إليه إنسان لا يوحى إليه بوحي السماء ، الذي يجعله معصوما ويكشف له عن أمور غيبية لا يراه من دونهم من الناس الصالحين فإذا كان الله يقول أولا في نهاية هذه القصة على لسان الخضر لموسى (( و ما فعلته عن أمري )) إذا كان تصرّف الخضر بهذه الأشياء التي ما تحملها موسى عليه السلام ، وهو كليم الله ، لمخالفتها لشريعة الله ، فكان جواب الخضر (( ما فعلته عن أمري )) ، لم تنقم عليّ ؟ وتفصيل هذا في حديث البخاري الذي أشرت إليه آنفا أن الخضر لما ركب هو وموسى في السفينة أرسل الله طيرا فنقر نقرات من هذا الماء ، فقال موسى: ( ما علمي وعلمك بالنسبة لعلم الله إلا كهذه القطرات من هذا البحر ) ، ثم قال له و هنا الشاهد: ( أنت على علم علمك إياه الله ) ، الخضر يقول لموسى: ( أنت على علم علمك إياه الله لا أعلمه أنا ) وهو الخضر وهو النبي ، ( وأنا على علم ) الخضر يقول عن نفسه: ( وأنا على علم أعلمه لا تعلمه يا موسى يا كليم الله ) ، فإذا كل منهما كان له شريعة كل منهما كان ينطلق في حدود ما أوحى الله عز وجل إليه " إذا فيه حواليكم قليل من الماء " ، أنت على علم أعطاك الله إياه لا أعلمه ,أنا على علم أعطاني إياه أنت لا تعلمه ، فإذا لا يجوز حشر القصة هذه التي وقعت بين موسى وبين الخضر عليهما السلام في الأحكام المتعلقة بشريعة الإسلام ، لأنها تلك أمة قد سبقت أما شريعة الإسلام ، فهي شريعة مستقلة وهي مهيمنة على كل الشرائع السابقة ، ولذلك كان الرأي الراجح عند علماء الأصول القاعدة التي تتردد على وجهين " شريعة من قبلنا شريعة لنا ؟ أم ليست شريعة لنا ؟ " الصواب أن شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا لماذا ؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جاء بالقرآن مهيمنا كما أشرنا آنفا على سائر الكتب السماوية ، وثانيا وهو أبين وأوضح قد قال عليه الصلاة والسلام: ( فضلني الله عز وجل على من قبلي بخمس ) وذكر منها ( وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة ) ، فالشرائع التي كانت قبل الإسلام دعوتها محصورة في الأقوام الذين أرسل إليهم الأنبياء والرسل بخلاف دعوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهي كما تعلمون من القرآن والسنة ، و من هذا الحديث كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة ، فإذا شريعة من قبلنا ليست شريعة لنا ، و لهذا لا يجوز أن نستدل لإثبات حكم في شرعنا بحكم سبق في شرع من قبلنا هذا هو القول الراجح ، وإذا عرفنا كل هذا الكلام الذي سبق بيانه عرفنا أن القاعدة هي مقلوبة ، -جزاك الله خير - لا يجوز ارتكاب المفسدة لجلب المصلحة بل على العكس من ذلك يجوز ترك المصلحة دفعا للمفسدة. ومن الدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ، أنها حدثت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة في غزوة الفتح ، فتح مكة ، وصلى فيها ركعتين ، أرادت هي اقتداء بنبيها و زوجها صلى الله عليه وسلم أن تصلي أيضا ركعتين ، و لكنه عليه الصلاة والسلام إذا كان بوصف الله عز وجل إياه في القرآن الكريم (( بالمؤمنين رؤوف رحيم )) ، فهو أولى أن يكون كذلك مع زوجاته ، ولقد كان الصعود يومئذ والدخول إلى جوف الكعبة صعبا كما هو اليوم مع الأسف ، حيث الباب كان مرتفعا فمن الصعب أن يتسلق الإنسان ويدخل الكعبة لو كان رجلا ، فكيف به إذا كان امرأة ، لذلك قال لها عليه الصلاة والسلام :( صلي في الحجر فإنه من البيت ، وإن قومك لما جددوا بناء الكعبة قصرت بهم النفقة ، فأخرجوا الحجر من الكعبة ) ، والشاهد قوله عليه الصلاة والسلام فيما بعد: ( ولولا أن قومك حديثوا عهد لهدمت الكعبة ولبنيتها على أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام ) يعني لأدخل الحجر في جوف الكعبة ، ( ولبنيتها على أساس إبراهيم عليه الصلاة و السّلام ولجعلت لها بابين مع الأرض ) ، كأي مسجد من المساجد ( بابين مع الأرض بابا يدخلون منه وبابا يخرجون منه ) ، الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الكعبة على بناء الجاهلية وعلى عدم استطاعتهم أن يوسعوا دائرة الكعبة وأن يدخلوا الحجر إليها ، فترك القديم على قدمه لماذا ؟ هل هو لا يريد الإصلاح ؟ هو سيد المصلحين عليه الصلاة والسلام ،وبه عرفنا طريق الصلاح والإصلاح ، لكنه قد صرح في هذا الحديث ، أنه ترك توسيع الكعبة خشية أن يصيب بعض ضعفاء الإيمان شيء من الشك أو الريب ، ( لولا أن قومك حديث عهد بالشرك ، لهدمت الكعبة ولبنيتها على أساس إبراهيم عليه السلام ) ، إلى آخر الحديث ، من هذا الحديث وأمثاله ، أخذ أهل العلم أن القاعدة الصحيحة هي " ترك المفاسد قبل جلب المصالح " درء المفسدة قبل جلب المصلحة هذا جواب ما سألت ، وأرجو أن أكون موفقا في ذلك إن شاء الله .
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 411
- توقيت الفهرسة : 00:02:51
- نسخة مدققة إملائيًّا