هل يجوز أن نصل إلى منفعة شرعية بذريعة محرمة أو ذريعة ليست صريحة في التحريم كإتيان المعاريض : (الكنايات).؟
A-
A=
A+
السائل : الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، ومن سلكَ نهجه واهتدى بهديه ، وتمسك بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين ؛ أما بعد :
فإن أصدقَ الحديث كلام الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة ، وكل ضلالةٍ في النار . يسرنا في هذا اليوم المبارك بإذن الله جلَ وعلا أن نلتقي بفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - حفظه الله تبارك وتعالى ، وبارك في عمره ونسأله جل وعلا أن يسخره لخدمة الإسلام والمسلمين - نحن شباب من السودان من جماعة أنصار السنة المحمدية ، وهذه الجماعة كما هو معروف ومعلوم ، تسلك منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم ، ولدينا بعض الأسئلة والاستفسارات حول بعض المواضيع الهامة ، والتي تخص الجماعة السلفية في السودان على وجه الخصوص والدعوة السلفية على مستوى العالم الإسلامي أجمع . وهذه المسائل جُلها يختص بما هو معروف بالمستجدات في هذا العصر ، وأن الدعوة إلى الله جل وعلا لا بد لها من أن تتطور ولا بد لها من أن تقتحم جميع المجالات ونجم في هذا الموضوع بعض الاختلاف في السودان وحدث ما حدث من أشياء ، نسأل الله أن يُسدد الخطى وأن يعفو عن الجميع ، ونحن بدورنا اغتنمنا هذه الفرصة وهذه السانحة بلقائنا هذا عن فضيلة الشيخ الألباني حفظه الله تعالى ، وهذه الأسئلة تختص بموضوع الوسائل التي تُبلغ بها دعوة المولى عز وجل ، سؤالنا الأول كالآتي : هل يجب تحصيل بعض المصالح الكفائية أو العينية إذا كان في الطريق إليها مزالق ومحرمات ؟
الشيخ : لا يجوز ؛ لأنه لا يوجد في الإسلام تلك القاعدة التي تقول الغاية تبرر الوسيلة ، بل الإسلام قد نص بغير ما نصٍ من كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن ما كتب الله للإنسان من الرزق ، لا يجوز أن يتوصل إليه المسلم بالطريق المُحرم ، كما جاء في حديث الحاكم وغيره من قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن ما عند الله لا يُنال الحرام ) ما عند الله من الرزق ، الذي ليس هو كالصلاة ونحوها من الفرائض العينية ، بل هو يطلبه المسلم ليكف نفسه عن أن يحتاج أن يمد كفه إلى الناس ، فلو أنه كان مكفيًا برزقٍ حلال ولم يسعَ وراء الرزق لم يكن مقصرًا لأن طلب الرزق هو لما ذكرنا من أن يكف نفسه عن أن يسأل الناس ، فإذا كان تحصيل هذا الرزق لا يجوز بطريق محرم بدلالة هذا الحديث المعروف وهو قوله عليه السلام : ( فإن ما عند الله لا ينال بالحرام ) فأولى ثم أولى ثم أولى أنه لا يجوز للمسلم ، بله المسلمين ، بله الجماعة الإسلامية التي تريد أن تدعوا الناس إلى العمل بكتاب الله وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريٌّ بهؤلاء أن لا يستحلوا بعض المحرمات ليحصلوا بذلك تحقيق بعض الغايات لأنه قلب لمثل قوله تبارك وتعالى : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) هذا من جهة . ومن جهة أخرى : نحن نختلف عن سائر الجماعات وسائر الأحزاب ؛ لأننا لسنا حزبًا ، ولسنا كتلةً ، وإنما نحن المسلمون ونحاول أن نسير في إسلامنا على منهج سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين ، وكلنا يعلم بالضرورة أنهم ما كانوا يومًا ما ليخطر في بالهم ، فضلاً عن أن يحققوا ذلك في حياتهم أن يستحلوا بعض المحرمات في سبيل تحقيق بعض الغايات الإسلامية ، كيف والآية السابقة تقول : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) ؟! منطق من يقول بجواز ارتكاب بعض المخالفات لتحقيق بعض الغايات الشرعية ! منطق هؤلاء يعكس الآية السابقة ، ويعني منطقهم أن من يتق الله في العصر الحاضر يُطبق أحكام الشريعة بكاملها ، فسوف تكون دعوته محصورة ضيقة ؛ ولذلك فلا بد من تجاوز بعض الأمور التي لم يأذن بها الرسول لكي نتمكن من توسيع دائرة الدعوة ، أنا أقول : إن هناك نُذرًا تبشر بشرٍ خطير ، إذا لم يتدارك أهل الدعوة الحق ، أمرهم قبل أن يستفحل شأنهم ذلك أننا نسمع ما بين آونةٍ وأخرى أنهم يرتكبون محظوراتٍ كثيرة في سبيل ما يسمونه بنشر الدعوة ، ما هي الدعوة التي يريدون نشرها ؟ أهيَّ دعوة الكتاب والسنة ؟ أم هو شيء آخر ؟ سيقولون معنا بل هي دعوة الكتاب والسنة ، لكن هم يعلمون مثلاً أن الإسلام يُحرم على المرأة أن تسافر مع غير محرمٍ ، فكيف وبعضهم قد أذن لجماعاتٍ من النساء ، قد يكون عددهن بالعشرات أو بالمئات ثيباتٍ وأبكارًا ، أن يُسافرن بغير محارم ، لماذا ؟ ما هي الغاية ؟ زعموا في سبيل نشر الدعوة ، وهنا لا بد لي من أن أقف قليلاً .
في اعتقادي من مصائب هذا العصر وبدعه التي لا يكاد يتنبه لها كثير من أهل الفضل فضلاً عن غيرهم أن الناس انقسموا إلى قسمين ، دُعاة وغير دُعاة ، ثم انقسم الدعاة إلى ذكور وإناث ، فصار هناك دعاة وصار هناك داعيات ، ومعنى هذا تمامًا أن الدعاة الإسلاميين لا يستطيعون أن يقوموا بواجب الدعوة إلى شرع الله عز وجل كتابًا وسنة ، ولذلك فقد أفسحوا المجال للنساء أن يشتركن في الدعوة ، ليت أن اشتراكهن في الدعوة كان مع محافظتهن على أنوثتهن وعلى آدابهن الخاصة بهن على اعتبارهن من النساء ، لكن تعدت هذه الداعيات زعمن طور جنسهن الذي سماه الرسول عليه السلام أو لقبه بالقوارير ، ليت أنهن التزمن الآداب الخاصة بهن باعتبارهن من النساء اللاتي ينبغي عليهن حتى فيما يتعلق بالصلوات الخمس أن يلزمن دورهن وأن يصلين في بيوتهن ومع ذلك وأنا أشير طبعًا إلى أمر معروف لدى السامعين جميعًا من قوله عليه السلام في حق النساء : ( وبيوتهن خير لهن ) خير لهن من ماذا ؟ خير لهن أن يحضرن الصلوات الخمس في المساجد مع جماعة المسلمين ، فكيف يكون خيرًا لهن أن يخرجن وأن يسافرن في سبيل الدعوة ؟ ثم قد يقع هناك الاختلاط بين الرجال والنساء في بعض الدور أو في بعض البيوت أو ما شابه ذلك ، ومن المعلوم أن الاختلاط أمر توارثه المسلمون خلفًا عن سلف على أنه مما منع منه الشارع الحكيم من باب ما يُسمى عند الفقهاء بسد الذريعة ، إن النبي صلى الله عليه وسلم قد منع النساء عن كثير من الأمور هي من ما أمر به الرجال ، مثلاً الحديث الصحيح الذي يقول فيه الرسول عليه السلام : ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ) إذا كان هذا نظام الإبعاد للنساء عن الاختلاط بالرجال في أقدس الأماكن وفي خير البقاع كما جاء في الحديث الصحيح لما سُئل عليه السلام عن خير البقاع وشر البقاع ؟ أجاب بأن خير البقاع المساجد وشر البقاع الأسواق ، لقد حال الرسول صلى الله عليه وسلم بين النساء والرجال أن يختلطوا بعضهم مع بعض في خير البقاع وهي المساجد ، فكيف يجوز أن نسمع اليوم من هنا وهناك من بعض الدعاة الإسلاميين أن يجيزوا للفتيات المسلمات أن يدخلن الجامعات القائم التدريس فيها على الاختلاط بين الجنسين ؟ زعموا أن المصلحة تقتضي ذلك ، إذًا ماذا يكون موقفهم أولاً إيمانًا ؟ ثم تطبيقًا بالنسبة للآية السابقة : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجًا )) الآية ثم ما موقفهم من هذه السدود التي جعلها الرسول عليه الصلاة والسلام بين النساء والرجال دفعًا للاختلاط في خير البقاع ؟ إنهم سيقولون إما بلسان حالهم أو بلسان قالهم ولسان الحال أنطق من لسان المقال ، تلك أمة سبقت ؛ إذًا يكون منطلقهم هذا تُرجمانا لما في نفوسهم أن الشرع الذي تلقيناه عن نبينا صلى الله عليه وسلم من طريق الصحابة ومن تطبيقهم إياه ، ليس شرعًا مسلمًا به ، وإنما ذاك كما يقولون اليوم في التعبير العصري شريعة زمنية انقضت وذهبت دولتها ، أما اليوم فهي كما يقول بعض المتفقهة - ولا أقول بعض الفقهاء - كما يقول بعض المتفقهة في العصر الحاضر : " إن الأحكام تتغير بتغير الزمان والمكان " هذه الجملة وإن كانت تستعمل كثيرًا في بعض كتب الفقهاء المتأخرين فيجب أن نشطب على كثير من المعنى الواسع الذي يوسعه الذين يعلنون هذه القاعدة على رؤوس الأشهاد ، فنقول : إنها لا تصح أن تقال على إطلاقها وعمومها وشمولها ؛ لأن معنى ذلك تعطيل الأحكام الشرعية وتعريض للشريعة الإسلامية أن تصبح كالشرائع الأولى ، التي حرفها أتباعها كاليهود والنصارى فهم في كل عصرٍ أو مصرٍ يغيرون الأحكام حسب تغيّر الزمان والمكان ، هذا الإطلاق لا يجوز أبدًا أن نستعمله ونعلنه على جماهير من المسلمين وإنما نقول بعض الأحكام التي قيلت اجتهادًا واستنباطًا وفهمًا لبعض العلماء ممكن أن يُقال مثل هذه الأحكام تتغير بتغير الزمان والمكان ؛ لأنهم فهموا هذا الحكم حسب واقعهم يومئذ وتصورهم ، لكن لما تغير الزمان وتغير المكان ، ممكن أن يأخذ ذلك الحكم وجهًا آخر ، وأنا أضرب مثلاً واحدًا فقط ، لقد جاء في كتب الشافعية أنه لا تصح الصلاة في أرجوحةٍ ليست مُعلقةً بالسقف ولا مُدعمةً من الأرض ، لا تصح الصلاة زعموا لأنه يصلي في لا مكان والآن وجدت الأرجوحة التي ليست معلقة في السماء ولا مدعمة من الأرض ، ألا وهي الطائرة وبخاصة المسماة بالهليكوبتر ، التي تقف هكذا في الفراغ معنى تلك الجملة أن الصلاة في هذه الطائرة لا تصح ، والآن لا يمكن أن نتصور فقيهًا أو متفقهًا يقول بعدم صحة الصلاة في هذه الطائرة ، إذًا ذاك كان حكمًا يتناسب مع تصورهم ومع خيالهم للأرجوحة ، لكن الآن وجدت سيارة طيارة ، أعني ما أقول ، وجدت سيارة طيارة ، فهي ليست معلقة بالسقف ولا مدعمةً من الأرض ، فكما تصح الصلاة في السيارة تصح أيضًا الصلاة في السيارة الطيارة ، وهكذا ، ولذلك إذا ما نحن انطلقنا من قاعدة " الغاية تبرر الوسيلة " وإن كانوا لا يقولونها بألسنتهم ، فهم ينفذونها في مناهجهم وبرامجهم ، وهذا الواقع أكبر شاهدٍ على ذلك وهناك من يُفتي بجواز دخول الفتاة لتتعلم الطب مثلاً مع أنها تتعرض لمخالطة الأطباء والشباب منهم بخاصة ، وتتعرض أن يكون وجهها بل ونفسها مع نفس الطبيب المعلم وفي مكان واحد ، وفي غرفةٍ واحدة ، لماذا ؟ قالوا : لا بد من هذا حتى نُحصل الفرض الكفائي ، نحن نُسلم بأنه من الفروض الكفائية أن يتعلم المسلمون رجالاً ونساءً ، كلُ من الجنسين بما يتناسب معهم مع جنسه ، فنحن مثلاً نقول من الواجب تعلم علوم الهندسة على اختلاف أنواعها ، لكن لا يجوز ذلك للنساء ، لكن يجب على النساء أن يتعلمن الطب والطبابة ، من أجل أن نتحاشى تعريض نسائنا للأطباء من الرجال ، ولكن إذا كان من لازم ذلك أن نُعرض نساءنا وفتياتنا للفتنة ، فنحن نقول حينئذٍ كما قال عليه السلام : ( ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ) ، فلا نسمح لبناتنا ولا لنسائنا ولا لأخواتنا أن يدخلن مكانا فيه مخالفة للشرع ولو أنه فيه تحصيل لفرض كفائي لأن هذا الفرض الكفائي ممكن تحصيله مع الزمن بطريقٍ مشروع وذلك مما يسهل على كل إنسان أن يفهمهُ. إن المسلمين ليسوا سواءً من حيث خضوعهم للأحكام الشرعية أولاً . ثانيًا : العلماء المتبعون في هذا الزمان ليسوا كلهم سواء فيما يفتون به من تحريم أو تحليل ، ولذلك نحن نتمسك بالحيطة والحذر ولا نسمح كما قلنا للنساء أن يختلطن مع الرجال في سبيل تحقيق فرض كفائي ، لكن لا بد أن يكون هناك كما هو مشاهد من فتياتٍ قد لا يلتفتن إلى ما هو حرام أو حلال ، فالأحكام عندهن سواء ، أو منهن من تهتم بمعرفة الحرام والحلال ولكنها لا تعدم أن تجد من يفتيها كما نحن في صدد الكلام أنه يجوز لها أن تدخل الجامعة وتدرس الطب ، ونحو ذلك في سبيل تحصيل الفرض الكفائي ، حينئذٍ نحن نقول هؤلاء هم كبش الفداء ، هن اللاتي يتقدمن لتحصيل هذا العلم ويعرضن أنفسهن للفتنة الصغرى ولا بد ، أو الفتنة الكبرى لا سمح الله ، بعد ذلك يأتي دور نسائنا نحن فيتعلمن من هذه النسوة ولا يتعلمن من الرجال . الشاهد : أنه لا يجوز في الإسلام أن نتبنى هذه القاعدة " الغاية تبرر الوسيلة " وهي تنافي تمامًا ما ذكرته آنفًا من حديث ومن قوله تعالى : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجًا )) ومشكلة المسلمين اليوم أفرادًا وجماعات وأحزابا هي أنهم لا يهتمون بتقوى الله ، فتجد كل الناس يرتكبون ما حرم الله لأتفه الأسباب ، فالتجار مثلاً يودعون أموالهم في البنوك ، بل لا أقول التجار الأغنياء الذين لا يتاجرون ، يودعون أموالهم في البنوك ، يقولون يا أخي أين نذهب بهذه الأموال ؟ نحن نخشى عليها اللصوص ، بل نخشى على أنفسنا من اللصوص ، هل هذا منطق من يؤمن بالآية السابقة (( ومن يتق الله يجعل له مخرجًا )) الآية ؟ الجواب : لا ، وإذًا فنحن في العصر الحاضر وبخاصة الدعاة الإسلاميين لسنا بحاجة قصوى وكبرى لتنظيم واستحلال في سبيل هذا التنظيم لبعض حرمات الله تبارك وتعالى ، بل نحن بحاجة أن نغرس في قلوب الناس الإيمان الصادق الذي يحول بينهم وبين ارتكاب ما حرم الله عز وجل لأتفه الأسباب ، لهذا نحن نرى أن أي تكتل أو تحزبٍ قبل كل شيء يقوم على قاعدة استباحة بعض الحُرمات لتحقيق بعض الغايات أن هذا يكون على المذهب ، مذهب أبي نواس الذي كان يقول: " وداوني بالتي كانت هي الداء " ، فلا يجوز معالجة مشاكل المسلمين بمخالفة بعض ما أقول كل بمخالفة بعض أحكام رب العالمين بحجة أن الغاية تبرر الوسيلة ، بل نحن نقول: إنه ما ظهر في الآونة الحاضرة من تحزب في الدعوة الصالحة وهي الدعوة السلفية يكفي فيها أنها قد فرقت الجماعة السلفية في بعض البلاد جعلتها طائفتين ، طائفة تنتمي إلى حزبٍ لها نظامها ومن جملة هذا النظام أنهُ من كان معنا فهو منا ، ومن كان ليس معنا فهو علينا ، وليس من الضروري أن يكون هذا معلنًا كتابةً وبيانًا ، وإنما يكفي أن ذلك واقعًا عمليًا ، فمن كان منذ أيام له منزلة عندهم في الصلاح وفي النشاط في الدعوة ، أصبح اليوم لأنه لم ينتمِ للحزب ليس منهم ، وإذًا تأتي هنا الآية الكريمة التي نكررها في هذا الصدد مرارًا وتكرارًا (( ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون )) . خلاصة الكلام : الأسباب التي تتيسر في العصر الحاضر يجب الأخذ بها بشرط أن لا تكون مخالفة للشرع ، مثلاً هذه المسجلة فهي تنقل المحاضرات والدروس والمواعظ والنصائح إلى الناس بيسر وبدقة ، فهي وسيلة خلقها الله عز وجل في العصر الحاضر فيجب الانتفاع بها ، كذلك الراد أو الراديو إذا كانت هناك دولة مسلمة فباستطاعتها أن تستعمل هذا الجهاز في سبيل نشر الدعوة على وجه الكرة الأرضية كلها ، وليس فقط في العالم الإسلامي . تأتي أخيرًا وسيلة حديثة العهد بعض الشيء وهي التلفاز ، فنحن نقول : التلفاز باعتبار أن فيه الصور والتصوير ، فالأصل فيه أنه لا يجوز ، وليس كالمسجلة والراديو ، وإنما فيه من الصور والتصوير والعناية باستعمال آلات لتصوير الأشخاص ، نقول : الأصل في التلفاز أنه لا يجوز ، إلا فيما تقتضيه الضرورة ، والعلماء متفقون على قاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " ولكن لا نرى التوسع في ذلك كما هو واقع اليوم عند من لا يبالون بما يسمى حرامًا أو حلالاً ، وإنما بقدر ما تُحقق المصلحة التي يأذن الشارع بها ، وفي حدود النص الآذن بذلك ، نحن نعلم مثلا - ولا أريد إطالة البحث في هذه المسألة - أن التصوير حرام على كل أشكاله وأنواعه ، لكن نعلم أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح للسيدة عائشة أن تلعب ببناتها من الخرق ، كانت تستعملها وكان الرسول عليه السلام يُسرب إليها بنات جاراتها لكي تتسلى بهن ، ودخل الرسول عليه السلام مرة وهي تلعب وفيها فرس وله جناحان ، فقال عليه الصلاة والسلام لها : ( يا عائشة فرس له جناحان ؟ ) فقالت : ألم يبلغك أن خيل سليمان عليه السلام كانت ذوات أجنحة ؟ الشاهد : من هذا الحديث نستطيع أن نأخذ منه وأن ننفذ منه إلى جواز استعمال الصور ، ومن ذلك التلفاز في حدود الحاجة التي لا يترتب من ورائها ضرر سواء في العقيدة أو في الأخلاق أو نحو ذلك من المخالفات ، أما هذا التوسع فلا يجوز استعماله لأن الأصل فيه محرم ، هكذا ينبغي فيما أرى وفيما أعتقد أن يكون موقفنا استغلال كل وسيلة حدثت ما لم نخالف فيها شريعة الإسلام ونضع جانبًا تلك القاعدة الكافرة التي بها استحلت الدماء والأعراض من الكفار ، وهي قولهم : " الغاية تبرر الوسيلة " وهذا ليس من الإسلام ، بل الإسلام يقول : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) هل بقي شيء من ..
فإن أصدقَ الحديث كلام الله تعالى ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة ، وكل ضلالةٍ في النار . يسرنا في هذا اليوم المبارك بإذن الله جلَ وعلا أن نلتقي بفضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - حفظه الله تبارك وتعالى ، وبارك في عمره ونسأله جل وعلا أن يسخره لخدمة الإسلام والمسلمين - نحن شباب من السودان من جماعة أنصار السنة المحمدية ، وهذه الجماعة كما هو معروف ومعلوم ، تسلك منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم ، ولدينا بعض الأسئلة والاستفسارات حول بعض المواضيع الهامة ، والتي تخص الجماعة السلفية في السودان على وجه الخصوص والدعوة السلفية على مستوى العالم الإسلامي أجمع . وهذه المسائل جُلها يختص بما هو معروف بالمستجدات في هذا العصر ، وأن الدعوة إلى الله جل وعلا لا بد لها من أن تتطور ولا بد لها من أن تقتحم جميع المجالات ونجم في هذا الموضوع بعض الاختلاف في السودان وحدث ما حدث من أشياء ، نسأل الله أن يُسدد الخطى وأن يعفو عن الجميع ، ونحن بدورنا اغتنمنا هذه الفرصة وهذه السانحة بلقائنا هذا عن فضيلة الشيخ الألباني حفظه الله تعالى ، وهذه الأسئلة تختص بموضوع الوسائل التي تُبلغ بها دعوة المولى عز وجل ، سؤالنا الأول كالآتي : هل يجب تحصيل بعض المصالح الكفائية أو العينية إذا كان في الطريق إليها مزالق ومحرمات ؟
الشيخ : لا يجوز ؛ لأنه لا يوجد في الإسلام تلك القاعدة التي تقول الغاية تبرر الوسيلة ، بل الإسلام قد نص بغير ما نصٍ من كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن ما كتب الله للإنسان من الرزق ، لا يجوز أن يتوصل إليه المسلم بالطريق المُحرم ، كما جاء في حديث الحاكم وغيره من قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن ما عند الله لا يُنال الحرام ) ما عند الله من الرزق ، الذي ليس هو كالصلاة ونحوها من الفرائض العينية ، بل هو يطلبه المسلم ليكف نفسه عن أن يحتاج أن يمد كفه إلى الناس ، فلو أنه كان مكفيًا برزقٍ حلال ولم يسعَ وراء الرزق لم يكن مقصرًا لأن طلب الرزق هو لما ذكرنا من أن يكف نفسه عن أن يسأل الناس ، فإذا كان تحصيل هذا الرزق لا يجوز بطريق محرم بدلالة هذا الحديث المعروف وهو قوله عليه السلام : ( فإن ما عند الله لا ينال بالحرام ) فأولى ثم أولى ثم أولى أنه لا يجوز للمسلم ، بله المسلمين ، بله الجماعة الإسلامية التي تريد أن تدعوا الناس إلى العمل بكتاب الله وبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حريٌّ بهؤلاء أن لا يستحلوا بعض المحرمات ليحصلوا بذلك تحقيق بعض الغايات لأنه قلب لمثل قوله تبارك وتعالى : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) هذا من جهة . ومن جهة أخرى : نحن نختلف عن سائر الجماعات وسائر الأحزاب ؛ لأننا لسنا حزبًا ، ولسنا كتلةً ، وإنما نحن المسلمون ونحاول أن نسير في إسلامنا على منهج سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين ، وكلنا يعلم بالضرورة أنهم ما كانوا يومًا ما ليخطر في بالهم ، فضلاً عن أن يحققوا ذلك في حياتهم أن يستحلوا بعض المحرمات في سبيل تحقيق بعض الغايات الإسلامية ، كيف والآية السابقة تقول : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) ؟! منطق من يقول بجواز ارتكاب بعض المخالفات لتحقيق بعض الغايات الشرعية ! منطق هؤلاء يعكس الآية السابقة ، ويعني منطقهم أن من يتق الله في العصر الحاضر يُطبق أحكام الشريعة بكاملها ، فسوف تكون دعوته محصورة ضيقة ؛ ولذلك فلا بد من تجاوز بعض الأمور التي لم يأذن بها الرسول لكي نتمكن من توسيع دائرة الدعوة ، أنا أقول : إن هناك نُذرًا تبشر بشرٍ خطير ، إذا لم يتدارك أهل الدعوة الحق ، أمرهم قبل أن يستفحل شأنهم ذلك أننا نسمع ما بين آونةٍ وأخرى أنهم يرتكبون محظوراتٍ كثيرة في سبيل ما يسمونه بنشر الدعوة ، ما هي الدعوة التي يريدون نشرها ؟ أهيَّ دعوة الكتاب والسنة ؟ أم هو شيء آخر ؟ سيقولون معنا بل هي دعوة الكتاب والسنة ، لكن هم يعلمون مثلاً أن الإسلام يُحرم على المرأة أن تسافر مع غير محرمٍ ، فكيف وبعضهم قد أذن لجماعاتٍ من النساء ، قد يكون عددهن بالعشرات أو بالمئات ثيباتٍ وأبكارًا ، أن يُسافرن بغير محارم ، لماذا ؟ ما هي الغاية ؟ زعموا في سبيل نشر الدعوة ، وهنا لا بد لي من أن أقف قليلاً .
في اعتقادي من مصائب هذا العصر وبدعه التي لا يكاد يتنبه لها كثير من أهل الفضل فضلاً عن غيرهم أن الناس انقسموا إلى قسمين ، دُعاة وغير دُعاة ، ثم انقسم الدعاة إلى ذكور وإناث ، فصار هناك دعاة وصار هناك داعيات ، ومعنى هذا تمامًا أن الدعاة الإسلاميين لا يستطيعون أن يقوموا بواجب الدعوة إلى شرع الله عز وجل كتابًا وسنة ، ولذلك فقد أفسحوا المجال للنساء أن يشتركن في الدعوة ، ليت أن اشتراكهن في الدعوة كان مع محافظتهن على أنوثتهن وعلى آدابهن الخاصة بهن على اعتبارهن من النساء ، لكن تعدت هذه الداعيات زعمن طور جنسهن الذي سماه الرسول عليه السلام أو لقبه بالقوارير ، ليت أنهن التزمن الآداب الخاصة بهن باعتبارهن من النساء اللاتي ينبغي عليهن حتى فيما يتعلق بالصلوات الخمس أن يلزمن دورهن وأن يصلين في بيوتهن ومع ذلك وأنا أشير طبعًا إلى أمر معروف لدى السامعين جميعًا من قوله عليه السلام في حق النساء : ( وبيوتهن خير لهن ) خير لهن من ماذا ؟ خير لهن أن يحضرن الصلوات الخمس في المساجد مع جماعة المسلمين ، فكيف يكون خيرًا لهن أن يخرجن وأن يسافرن في سبيل الدعوة ؟ ثم قد يقع هناك الاختلاط بين الرجال والنساء في بعض الدور أو في بعض البيوت أو ما شابه ذلك ، ومن المعلوم أن الاختلاط أمر توارثه المسلمون خلفًا عن سلف على أنه مما منع منه الشارع الحكيم من باب ما يُسمى عند الفقهاء بسد الذريعة ، إن النبي صلى الله عليه وسلم قد منع النساء عن كثير من الأمور هي من ما أمر به الرجال ، مثلاً الحديث الصحيح الذي يقول فيه الرسول عليه السلام : ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها ، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ) إذا كان هذا نظام الإبعاد للنساء عن الاختلاط بالرجال في أقدس الأماكن وفي خير البقاع كما جاء في الحديث الصحيح لما سُئل عليه السلام عن خير البقاع وشر البقاع ؟ أجاب بأن خير البقاع المساجد وشر البقاع الأسواق ، لقد حال الرسول صلى الله عليه وسلم بين النساء والرجال أن يختلطوا بعضهم مع بعض في خير البقاع وهي المساجد ، فكيف يجوز أن نسمع اليوم من هنا وهناك من بعض الدعاة الإسلاميين أن يجيزوا للفتيات المسلمات أن يدخلن الجامعات القائم التدريس فيها على الاختلاط بين الجنسين ؟ زعموا أن المصلحة تقتضي ذلك ، إذًا ماذا يكون موقفهم أولاً إيمانًا ؟ ثم تطبيقًا بالنسبة للآية السابقة : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجًا )) الآية ثم ما موقفهم من هذه السدود التي جعلها الرسول عليه الصلاة والسلام بين النساء والرجال دفعًا للاختلاط في خير البقاع ؟ إنهم سيقولون إما بلسان حالهم أو بلسان قالهم ولسان الحال أنطق من لسان المقال ، تلك أمة سبقت ؛ إذًا يكون منطلقهم هذا تُرجمانا لما في نفوسهم أن الشرع الذي تلقيناه عن نبينا صلى الله عليه وسلم من طريق الصحابة ومن تطبيقهم إياه ، ليس شرعًا مسلمًا به ، وإنما ذاك كما يقولون اليوم في التعبير العصري شريعة زمنية انقضت وذهبت دولتها ، أما اليوم فهي كما يقول بعض المتفقهة - ولا أقول بعض الفقهاء - كما يقول بعض المتفقهة في العصر الحاضر : " إن الأحكام تتغير بتغير الزمان والمكان " هذه الجملة وإن كانت تستعمل كثيرًا في بعض كتب الفقهاء المتأخرين فيجب أن نشطب على كثير من المعنى الواسع الذي يوسعه الذين يعلنون هذه القاعدة على رؤوس الأشهاد ، فنقول : إنها لا تصح أن تقال على إطلاقها وعمومها وشمولها ؛ لأن معنى ذلك تعطيل الأحكام الشرعية وتعريض للشريعة الإسلامية أن تصبح كالشرائع الأولى ، التي حرفها أتباعها كاليهود والنصارى فهم في كل عصرٍ أو مصرٍ يغيرون الأحكام حسب تغيّر الزمان والمكان ، هذا الإطلاق لا يجوز أبدًا أن نستعمله ونعلنه على جماهير من المسلمين وإنما نقول بعض الأحكام التي قيلت اجتهادًا واستنباطًا وفهمًا لبعض العلماء ممكن أن يُقال مثل هذه الأحكام تتغير بتغير الزمان والمكان ؛ لأنهم فهموا هذا الحكم حسب واقعهم يومئذ وتصورهم ، لكن لما تغير الزمان وتغير المكان ، ممكن أن يأخذ ذلك الحكم وجهًا آخر ، وأنا أضرب مثلاً واحدًا فقط ، لقد جاء في كتب الشافعية أنه لا تصح الصلاة في أرجوحةٍ ليست مُعلقةً بالسقف ولا مُدعمةً من الأرض ، لا تصح الصلاة زعموا لأنه يصلي في لا مكان والآن وجدت الأرجوحة التي ليست معلقة في السماء ولا مدعمة من الأرض ، ألا وهي الطائرة وبخاصة المسماة بالهليكوبتر ، التي تقف هكذا في الفراغ معنى تلك الجملة أن الصلاة في هذه الطائرة لا تصح ، والآن لا يمكن أن نتصور فقيهًا أو متفقهًا يقول بعدم صحة الصلاة في هذه الطائرة ، إذًا ذاك كان حكمًا يتناسب مع تصورهم ومع خيالهم للأرجوحة ، لكن الآن وجدت سيارة طيارة ، أعني ما أقول ، وجدت سيارة طيارة ، فهي ليست معلقة بالسقف ولا مدعمةً من الأرض ، فكما تصح الصلاة في السيارة تصح أيضًا الصلاة في السيارة الطيارة ، وهكذا ، ولذلك إذا ما نحن انطلقنا من قاعدة " الغاية تبرر الوسيلة " وإن كانوا لا يقولونها بألسنتهم ، فهم ينفذونها في مناهجهم وبرامجهم ، وهذا الواقع أكبر شاهدٍ على ذلك وهناك من يُفتي بجواز دخول الفتاة لتتعلم الطب مثلاً مع أنها تتعرض لمخالطة الأطباء والشباب منهم بخاصة ، وتتعرض أن يكون وجهها بل ونفسها مع نفس الطبيب المعلم وفي مكان واحد ، وفي غرفةٍ واحدة ، لماذا ؟ قالوا : لا بد من هذا حتى نُحصل الفرض الكفائي ، نحن نُسلم بأنه من الفروض الكفائية أن يتعلم المسلمون رجالاً ونساءً ، كلُ من الجنسين بما يتناسب معهم مع جنسه ، فنحن مثلاً نقول من الواجب تعلم علوم الهندسة على اختلاف أنواعها ، لكن لا يجوز ذلك للنساء ، لكن يجب على النساء أن يتعلمن الطب والطبابة ، من أجل أن نتحاشى تعريض نسائنا للأطباء من الرجال ، ولكن إذا كان من لازم ذلك أن نُعرض نساءنا وفتياتنا للفتنة ، فنحن نقول حينئذٍ كما قال عليه السلام : ( ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ) ، فلا نسمح لبناتنا ولا لنسائنا ولا لأخواتنا أن يدخلن مكانا فيه مخالفة للشرع ولو أنه فيه تحصيل لفرض كفائي لأن هذا الفرض الكفائي ممكن تحصيله مع الزمن بطريقٍ مشروع وذلك مما يسهل على كل إنسان أن يفهمهُ. إن المسلمين ليسوا سواءً من حيث خضوعهم للأحكام الشرعية أولاً . ثانيًا : العلماء المتبعون في هذا الزمان ليسوا كلهم سواء فيما يفتون به من تحريم أو تحليل ، ولذلك نحن نتمسك بالحيطة والحذر ولا نسمح كما قلنا للنساء أن يختلطن مع الرجال في سبيل تحقيق فرض كفائي ، لكن لا بد أن يكون هناك كما هو مشاهد من فتياتٍ قد لا يلتفتن إلى ما هو حرام أو حلال ، فالأحكام عندهن سواء ، أو منهن من تهتم بمعرفة الحرام والحلال ولكنها لا تعدم أن تجد من يفتيها كما نحن في صدد الكلام أنه يجوز لها أن تدخل الجامعة وتدرس الطب ، ونحو ذلك في سبيل تحصيل الفرض الكفائي ، حينئذٍ نحن نقول هؤلاء هم كبش الفداء ، هن اللاتي يتقدمن لتحصيل هذا العلم ويعرضن أنفسهن للفتنة الصغرى ولا بد ، أو الفتنة الكبرى لا سمح الله ، بعد ذلك يأتي دور نسائنا نحن فيتعلمن من هذه النسوة ولا يتعلمن من الرجال . الشاهد : أنه لا يجوز في الإسلام أن نتبنى هذه القاعدة " الغاية تبرر الوسيلة " وهي تنافي تمامًا ما ذكرته آنفًا من حديث ومن قوله تعالى : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجًا )) ومشكلة المسلمين اليوم أفرادًا وجماعات وأحزابا هي أنهم لا يهتمون بتقوى الله ، فتجد كل الناس يرتكبون ما حرم الله لأتفه الأسباب ، فالتجار مثلاً يودعون أموالهم في البنوك ، بل لا أقول التجار الأغنياء الذين لا يتاجرون ، يودعون أموالهم في البنوك ، يقولون يا أخي أين نذهب بهذه الأموال ؟ نحن نخشى عليها اللصوص ، بل نخشى على أنفسنا من اللصوص ، هل هذا منطق من يؤمن بالآية السابقة (( ومن يتق الله يجعل له مخرجًا )) الآية ؟ الجواب : لا ، وإذًا فنحن في العصر الحاضر وبخاصة الدعاة الإسلاميين لسنا بحاجة قصوى وكبرى لتنظيم واستحلال في سبيل هذا التنظيم لبعض حرمات الله تبارك وتعالى ، بل نحن بحاجة أن نغرس في قلوب الناس الإيمان الصادق الذي يحول بينهم وبين ارتكاب ما حرم الله عز وجل لأتفه الأسباب ، لهذا نحن نرى أن أي تكتل أو تحزبٍ قبل كل شيء يقوم على قاعدة استباحة بعض الحُرمات لتحقيق بعض الغايات أن هذا يكون على المذهب ، مذهب أبي نواس الذي كان يقول: " وداوني بالتي كانت هي الداء " ، فلا يجوز معالجة مشاكل المسلمين بمخالفة بعض ما أقول كل بمخالفة بعض أحكام رب العالمين بحجة أن الغاية تبرر الوسيلة ، بل نحن نقول: إنه ما ظهر في الآونة الحاضرة من تحزب في الدعوة الصالحة وهي الدعوة السلفية يكفي فيها أنها قد فرقت الجماعة السلفية في بعض البلاد جعلتها طائفتين ، طائفة تنتمي إلى حزبٍ لها نظامها ومن جملة هذا النظام أنهُ من كان معنا فهو منا ، ومن كان ليس معنا فهو علينا ، وليس من الضروري أن يكون هذا معلنًا كتابةً وبيانًا ، وإنما يكفي أن ذلك واقعًا عمليًا ، فمن كان منذ أيام له منزلة عندهم في الصلاح وفي النشاط في الدعوة ، أصبح اليوم لأنه لم ينتمِ للحزب ليس منهم ، وإذًا تأتي هنا الآية الكريمة التي نكررها في هذا الصدد مرارًا وتكرارًا (( ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون )) . خلاصة الكلام : الأسباب التي تتيسر في العصر الحاضر يجب الأخذ بها بشرط أن لا تكون مخالفة للشرع ، مثلاً هذه المسجلة فهي تنقل المحاضرات والدروس والمواعظ والنصائح إلى الناس بيسر وبدقة ، فهي وسيلة خلقها الله عز وجل في العصر الحاضر فيجب الانتفاع بها ، كذلك الراد أو الراديو إذا كانت هناك دولة مسلمة فباستطاعتها أن تستعمل هذا الجهاز في سبيل نشر الدعوة على وجه الكرة الأرضية كلها ، وليس فقط في العالم الإسلامي . تأتي أخيرًا وسيلة حديثة العهد بعض الشيء وهي التلفاز ، فنحن نقول : التلفاز باعتبار أن فيه الصور والتصوير ، فالأصل فيه أنه لا يجوز ، وليس كالمسجلة والراديو ، وإنما فيه من الصور والتصوير والعناية باستعمال آلات لتصوير الأشخاص ، نقول : الأصل في التلفاز أنه لا يجوز ، إلا فيما تقتضيه الضرورة ، والعلماء متفقون على قاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " ولكن لا نرى التوسع في ذلك كما هو واقع اليوم عند من لا يبالون بما يسمى حرامًا أو حلالاً ، وإنما بقدر ما تُحقق المصلحة التي يأذن الشارع بها ، وفي حدود النص الآذن بذلك ، نحن نعلم مثلا - ولا أريد إطالة البحث في هذه المسألة - أن التصوير حرام على كل أشكاله وأنواعه ، لكن نعلم أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح للسيدة عائشة أن تلعب ببناتها من الخرق ، كانت تستعملها وكان الرسول عليه السلام يُسرب إليها بنات جاراتها لكي تتسلى بهن ، ودخل الرسول عليه السلام مرة وهي تلعب وفيها فرس وله جناحان ، فقال عليه الصلاة والسلام لها : ( يا عائشة فرس له جناحان ؟ ) فقالت : ألم يبلغك أن خيل سليمان عليه السلام كانت ذوات أجنحة ؟ الشاهد : من هذا الحديث نستطيع أن نأخذ منه وأن ننفذ منه إلى جواز استعمال الصور ، ومن ذلك التلفاز في حدود الحاجة التي لا يترتب من ورائها ضرر سواء في العقيدة أو في الأخلاق أو نحو ذلك من المخالفات ، أما هذا التوسع فلا يجوز استعماله لأن الأصل فيه محرم ، هكذا ينبغي فيما أرى وفيما أعتقد أن يكون موقفنا استغلال كل وسيلة حدثت ما لم نخالف فيها شريعة الإسلام ونضع جانبًا تلك القاعدة الكافرة التي بها استحلت الدماء والأعراض من الكفار ، وهي قولهم : " الغاية تبرر الوسيلة " وهذا ليس من الإسلام ، بل الإسلام يقول : (( ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب )) هل بقي شيء من ..
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 401
- توقيت الفهرسة : 00:03:21
- نسخة مدققة إملائيًّا