قد يرد على قاعدة اشتراط جريان عمل السلف الصالح على جزئيَّات الحديث العام التي لم يتناولها التخصيص لصحة العمل بها ، القاعدة الأصولية تقول : " عدم النقل لا يدل على نقل العدم " ؛ فكيف يُجاب على هذا الإيراد ؟
A-
A=
A+
السائل : هذا السؤال متعلِّق بما ذكرتم ؛ وهو قد يرد على قاعدة اشتراط جريان عمل السلف الصالح على جزئيَّات الحديث العام التي لم يتناولها التخصيص لصحة العمل بها ، القاعدة الأصولية تقول : " عدم النقل لا يدل على نقل العدم " ؛ فكيف يُجاب على هذا الإيراد وجزاكم الله خيرًا ؟
الشيخ : ألمَحْنا إلى الجواب في الجواب السابق الحقيقة ، لكن لا بد من زيادة إيضاح لهذا السؤال الآن .
نحن نقول : إن العبارة التي أشار السَّائل إليها من أقوال أهل العلم ؛ وهي التي تقول : " عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه " ؛ هذا كلام صحيح ، لكن هذا له علاقة في الجزئيَّات التي قد تخفى على عامة الناس ؛ أي : وأنها ليست من الأمور التي تتوفَّر الدواعي لنقلها كالمثال السابق ، والأمثلة في ذلك كثيرة وكثيرة جدًّا ؛ ولذلك نحن نقول : لا بد من التفريق بين شيء ظاهر مُعلَن ، وبين شيء ليس بظاهر ومُعلَن ، يمكن أن يكون الرسول - عليه السلام - أو بعض أصحابه الكرام فَعَلَ ذلك ، ولكن ما أحد اطَّلع لأنه لم يكن أمرًا مُعلَنًا ؛ كما نمثِّل عادةً ببعض الأمثلة مثل صلاة العيدين - مثلًا - لا يُشرع لها الأذان ، وإنما يُشرع لها : الصلاة جامعة ، لكن بقيَّة الصلوات التي تُسَنُّ أو تجب على خلاف الفقهاء في ذلك ، وإنما هي في الغالب عند جماهير العلماء تُعتبر من السُّنن التي من السنة تجميع الناس فيها ، ولكن ليس لها أذان ، فلو قال قائل أخذًا بالعموم : (( اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا )) ، قال : يا أخي ، شو المانع نحن أن نؤذِّن بصلاة من هذه الصلوات التي نعلم أنَّه لم يَرِدْ فيها أذان ، نصٌّ في الأذان ، لكن - أيضًا - كما يقول المبتدعة في بدعهم كلها : في عندك نهي في هذه البدعة ؟ ما في عندنا نهي ، كما يقولون - مثلًا - الصلاة على الرسول بعد الأذان ، فيقولون : إنَّها بدعة حسنة ، لمَّا نحن ننكر عليهم يقولون : في نهي عنها ؟
السائل : تقصد الجهر فضيلة الشَّيخ ؟
الشيخ : نعم ؟
السائل : تقصد الجهر بها بعد الأذان .
الشيخ : لا ، أقصد أنا ما هو أعم من الجهر ، الجهر واضح لدى جميع الناس ، وربَّما سمعتموني بعض السَّائلين سألوني آنفًا عن هذه القضية ، ففرَّقت بين أن يقول المؤذِّن : اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة وبين أن يصلِّي على الرسول - عليه السلام - ؛ لأن الأمر الأول فيه نصٌّ عام ؛ ( مَن قال حين يسمع النداء ) إلى آخره ، أما الصلاة على الرسول ليس فيها إلا النَّصُّ الخاص الموجَّه للسَّامعين ؛ فلذلك بعض المؤلفين في العصر الحاضر من أنصار السنة يُدندنون حول إنكار الجهر ، وهذا إنكار قاصر ؛ لأنَّ إضافة المؤذِّن ولو سرًّا إلى الأذان للصلاة على الرسول - عليه السلام - أيضًا هذا لا نُقِلَ ولا هناك نصٌّ عامٌّ يشمله بينه وبين ربه - تبارك وتعالى - ؛ فلذلك نحن نقول أن هؤلاء المبتدعة في كلِّ بدعهم لا يعدمون أبدًا أن يجدوا نصًّا عامًّا يُدخلون تحته بدعتَهم ، ولذلك فكان من دقَّة الإمام الشاطبي - رحمه الله - في كتابه العظيم " الاعتصام " الذي أنصح أنا طلاب العلم أن يُعنَوا بدراسته وتفهُّمه تفهُّمًا جيِّدًا ؛ لأنَّه حُشِيَ علمًا ، مُلِئَ علمًا ؛ يفرِّق بعد أن يعمِّم قول الرسول - عليه السلام - كما هو واضح : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) هو يقسم البدعة إلى قسمين ؛ بدعة حقيقية ، وبدعة إضافية ، ويُفهم من كلامه أنَّ البدعة الإضافية هي التي ابتُليت بها الأمة أكثر وأكثر من ابتلائها بالبدعة الحقيقية ؛ وهو يعني بالبدعة الحقيقية هي البدعة التي ليس لها أصل مطلقًا في الكتاب ولا في السنة ، وهي في الغالب تكون بدعة اعتقاديَّة ، أما البدعة الإضافية فهي عنده بالنظر إلى جانب من الأدلة تظهر أنها مشروعة ، وبالنظر إلى جوانب أخرى تظهر أنها غير مشروعة ؛ فحينئذٍ يصح أن يُطلق عليها إنها بدعة ضلالة .
ويأتي على ذلك بأمثلة طيِّبة وموضِّحة جدًّا للمسألة ، يقول - مثلًا - الاستغفار بعد الصلاة ، الاستغفار بعد الصلاة سنة ؛ لأنه جاء في " صحيح مسلم " من حديث ثوبان - رضي الله عنه - أنه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلَّم من الصلاة استغفر الله ثلاثًا ، يقول : لكن الجهر بالاستغفار وبصوت واحد هذا أُضِيف إلى هذه السنة ؛ فبهذا الاعتبار أُلحِقَت بالبدعة وليست من السنة ، كذلك - مثلًا - يقول : الهيئة الاجتماعية التي تُقام بعد الصلوات خاصَّة بعد العصر وبعد الصبح ؛ حيث أن الإمام حين يستقبل المؤتمِّين به يلقِّنُهم التسبيح والتحميد والتكبير ، ثم يدعو ويرفع يديه ، ثم هم يؤمِّنون على دعائه ، يقول : هذا له أصل في السنة ؛ لأن التسبيح مأمور به ، والدعاء بصورة مطلقة - أيضًا - جاءت بعض الأحاديث بذلك ، لكن هذا الاجتماع بهذه الكيفيَّة حدث بعد الرسول - عليه السلام - ؛ فهذا الاجتماع إذًا بدعة ، لكن له أصل في الشرع من حيث أنَّ هذه الأوراد والأذكار واردة فيه ، فيسمِّي ذلك بدعة إضافية ، فأنا أقول : إذا لم يُلاحظ هذه القاعدة وهي : " أنَّ كلَّ نصٍّ شرعيٍّ من كتاب أو سنة تضمَّن أجزاء كثيرة ، وبعض هذه الأجزاء لم يجرِ عمل المسلمين عليه فيكون بدعة " ؛ إذا لم يلاحظ هذا ، فبارك الله للمبتدعة في بدعهم ؛ لأنهم - كما قلنا آنفًا - لا يعدمون نصًّا عامًّا يؤيِّد بدعتهم ؛ ولهذا فينبغي نحن أن نتسلَّح بفَهْمِ بهذه القاعدة على خصومنا ومخالفينا من المبتدعة لكي نُقيمَ الحجَّة عليهم ولا تكون حجَّتهم قائمة علينا . فهذه ذكرى ، والذكرى تنفع المؤمنين إن شاء الله .
خلاصة الجواب : التفريق بين الأمور الظاهرة التي تتوافر دواعي لنقلها ، والأمور التي ليست كذلك .
نعم .
السائل : جزاكم الله خير .
الشيخ : وإياكم .
الشيخ : ألمَحْنا إلى الجواب في الجواب السابق الحقيقة ، لكن لا بد من زيادة إيضاح لهذا السؤال الآن .
نحن نقول : إن العبارة التي أشار السَّائل إليها من أقوال أهل العلم ؛ وهي التي تقول : " عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه " ؛ هذا كلام صحيح ، لكن هذا له علاقة في الجزئيَّات التي قد تخفى على عامة الناس ؛ أي : وأنها ليست من الأمور التي تتوفَّر الدواعي لنقلها كالمثال السابق ، والأمثلة في ذلك كثيرة وكثيرة جدًّا ؛ ولذلك نحن نقول : لا بد من التفريق بين شيء ظاهر مُعلَن ، وبين شيء ليس بظاهر ومُعلَن ، يمكن أن يكون الرسول - عليه السلام - أو بعض أصحابه الكرام فَعَلَ ذلك ، ولكن ما أحد اطَّلع لأنه لم يكن أمرًا مُعلَنًا ؛ كما نمثِّل عادةً ببعض الأمثلة مثل صلاة العيدين - مثلًا - لا يُشرع لها الأذان ، وإنما يُشرع لها : الصلاة جامعة ، لكن بقيَّة الصلوات التي تُسَنُّ أو تجب على خلاف الفقهاء في ذلك ، وإنما هي في الغالب عند جماهير العلماء تُعتبر من السُّنن التي من السنة تجميع الناس فيها ، ولكن ليس لها أذان ، فلو قال قائل أخذًا بالعموم : (( اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا )) ، قال : يا أخي ، شو المانع نحن أن نؤذِّن بصلاة من هذه الصلوات التي نعلم أنَّه لم يَرِدْ فيها أذان ، نصٌّ في الأذان ، لكن - أيضًا - كما يقول المبتدعة في بدعهم كلها : في عندك نهي في هذه البدعة ؟ ما في عندنا نهي ، كما يقولون - مثلًا - الصلاة على الرسول بعد الأذان ، فيقولون : إنَّها بدعة حسنة ، لمَّا نحن ننكر عليهم يقولون : في نهي عنها ؟
السائل : تقصد الجهر فضيلة الشَّيخ ؟
الشيخ : نعم ؟
السائل : تقصد الجهر بها بعد الأذان .
الشيخ : لا ، أقصد أنا ما هو أعم من الجهر ، الجهر واضح لدى جميع الناس ، وربَّما سمعتموني بعض السَّائلين سألوني آنفًا عن هذه القضية ، ففرَّقت بين أن يقول المؤذِّن : اللهم ربَّ هذه الدعوة التامة وبين أن يصلِّي على الرسول - عليه السلام - ؛ لأن الأمر الأول فيه نصٌّ عام ؛ ( مَن قال حين يسمع النداء ) إلى آخره ، أما الصلاة على الرسول ليس فيها إلا النَّصُّ الخاص الموجَّه للسَّامعين ؛ فلذلك بعض المؤلفين في العصر الحاضر من أنصار السنة يُدندنون حول إنكار الجهر ، وهذا إنكار قاصر ؛ لأنَّ إضافة المؤذِّن ولو سرًّا إلى الأذان للصلاة على الرسول - عليه السلام - أيضًا هذا لا نُقِلَ ولا هناك نصٌّ عامٌّ يشمله بينه وبين ربه - تبارك وتعالى - ؛ فلذلك نحن نقول أن هؤلاء المبتدعة في كلِّ بدعهم لا يعدمون أبدًا أن يجدوا نصًّا عامًّا يُدخلون تحته بدعتَهم ، ولذلك فكان من دقَّة الإمام الشاطبي - رحمه الله - في كتابه العظيم " الاعتصام " الذي أنصح أنا طلاب العلم أن يُعنَوا بدراسته وتفهُّمه تفهُّمًا جيِّدًا ؛ لأنَّه حُشِيَ علمًا ، مُلِئَ علمًا ؛ يفرِّق بعد أن يعمِّم قول الرسول - عليه السلام - كما هو واضح : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) هو يقسم البدعة إلى قسمين ؛ بدعة حقيقية ، وبدعة إضافية ، ويُفهم من كلامه أنَّ البدعة الإضافية هي التي ابتُليت بها الأمة أكثر وأكثر من ابتلائها بالبدعة الحقيقية ؛ وهو يعني بالبدعة الحقيقية هي البدعة التي ليس لها أصل مطلقًا في الكتاب ولا في السنة ، وهي في الغالب تكون بدعة اعتقاديَّة ، أما البدعة الإضافية فهي عنده بالنظر إلى جانب من الأدلة تظهر أنها مشروعة ، وبالنظر إلى جوانب أخرى تظهر أنها غير مشروعة ؛ فحينئذٍ يصح أن يُطلق عليها إنها بدعة ضلالة .
ويأتي على ذلك بأمثلة طيِّبة وموضِّحة جدًّا للمسألة ، يقول - مثلًا - الاستغفار بعد الصلاة ، الاستغفار بعد الصلاة سنة ؛ لأنه جاء في " صحيح مسلم " من حديث ثوبان - رضي الله عنه - أنه كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلَّم من الصلاة استغفر الله ثلاثًا ، يقول : لكن الجهر بالاستغفار وبصوت واحد هذا أُضِيف إلى هذه السنة ؛ فبهذا الاعتبار أُلحِقَت بالبدعة وليست من السنة ، كذلك - مثلًا - يقول : الهيئة الاجتماعية التي تُقام بعد الصلوات خاصَّة بعد العصر وبعد الصبح ؛ حيث أن الإمام حين يستقبل المؤتمِّين به يلقِّنُهم التسبيح والتحميد والتكبير ، ثم يدعو ويرفع يديه ، ثم هم يؤمِّنون على دعائه ، يقول : هذا له أصل في السنة ؛ لأن التسبيح مأمور به ، والدعاء بصورة مطلقة - أيضًا - جاءت بعض الأحاديث بذلك ، لكن هذا الاجتماع بهذه الكيفيَّة حدث بعد الرسول - عليه السلام - ؛ فهذا الاجتماع إذًا بدعة ، لكن له أصل في الشرع من حيث أنَّ هذه الأوراد والأذكار واردة فيه ، فيسمِّي ذلك بدعة إضافية ، فأنا أقول : إذا لم يُلاحظ هذه القاعدة وهي : " أنَّ كلَّ نصٍّ شرعيٍّ من كتاب أو سنة تضمَّن أجزاء كثيرة ، وبعض هذه الأجزاء لم يجرِ عمل المسلمين عليه فيكون بدعة " ؛ إذا لم يلاحظ هذا ، فبارك الله للمبتدعة في بدعهم ؛ لأنهم - كما قلنا آنفًا - لا يعدمون نصًّا عامًّا يؤيِّد بدعتهم ؛ ولهذا فينبغي نحن أن نتسلَّح بفَهْمِ بهذه القاعدة على خصومنا ومخالفينا من المبتدعة لكي نُقيمَ الحجَّة عليهم ولا تكون حجَّتهم قائمة علينا . فهذه ذكرى ، والذكرى تنفع المؤمنين إن شاء الله .
خلاصة الجواب : التفريق بين الأمور الظاهرة التي تتوافر دواعي لنقلها ، والأمور التي ليست كذلك .
نعم .
السائل : جزاكم الله خير .
الشيخ : وإياكم .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 15
- توقيت الفهرسة : 00:33:28
- نسخة مدققة إملائيًّا