التنبيه على حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) وضرب أمثلة لذلك
A-
A=
A+
كثير من الناس يقرأون ويرددون الحديث الذي افتتح به الإمام البخاري كتابه الصحيح ألا وهو حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) كثير منا يقرأ هذا الحديث ولكنه لا ينتبه إلى ما يستفاد منه من أحكام فقهية دقيقة منها ما نحن الآن في صدده وأضرب على ذلك مثلا كنت قرأته في بعض شروح هذا الحديث ( إنما الأعمال بالنيات ) زوج سافر عن زوجته وغاب ما شاء الله ثم عاد إليها ليلا دخل الدار وأتى الفراش وأتى زوجته وهذا أمر طبيعي بالنسبة للزوج الذي اشتاق إلى زوجته فلما أصبح الصباح وإذا هذه ليست زوجته وإنما هي امرأة غريبة عنه وما بهمنا التفاصيل لأن هذا يقع ممكن تكون أخت المرأة ممكن تكون بنت عمتها بنت خالتها بنت عمه بنت إلى آخره هل هذا ارتكب محرما؟ الجواب لا هو أتى شهوته لكن ما كان نيته ارتكاب المحرم بل إتيان الحلال وهو في ظنه أنه يأتي حلاله لكن فيما بعد تبين أنه أتى حراما هذا يعذب ؟ الجواب لا خذ المثال المقابل زوج له زوجة ولكن على حد ما قيل " إن الطيور على أشكالها تقع " ما كاد الزوج يخرج من داره إلا خرجت الزوجة أيضا من بعده كل منهما يتطلب الحرام ثم قدر الله عز وجل أن الزوجين اجتمعا في بيت الزنى وأتى أحدهما الآخر ولما اوقدت الأنوار وإذا الزوج أمام زوجته هذا ارتكب حراما أم حلالا؟ حراما مع أنه أتى حلاله كيف اختلفت القضية ( إنما الأعمال بالنيات ) فإذا هذا المال الذي تأخذه صحح نيتك فيه فإن أخذته أجرا كما تأخذ أجر أي عمل مادي فالذي تفعله ليس مادة إنما هو عبادة فيحرم عليك أن تأخذ على هذه العبادة أجرا وهنا يأتي الحديث الثاني الذي قد يتوهم السائل أنه يعارض حديث ( إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ) هنا أي حينما تأخذ هذا المال أجرا على العلم الشرعي حينئذ يأتي حديث القوس أما إذا أخذت هذا المال بمعنى من المعاني المشروعة كما قلنا في مطلع الجواب أن المال قد يعطى مقابل شيء أو مقابل لا شيء فأنتم تعرفون في الفتوحات الإسلامية الأولى أن بعض الخلفاء لما اتسعت الأموال في خلافته جعل لكل مسلم راتبا مقطوعا لا يقابله عمل ما ، كما أن قبل أن تتسع دائرة الأموال التي تأتي الخليفة الراشد كان بعض الحكام يجعل لهم راتب هذا يسمى جعالة ومن أبواب الفقه والحديث كتاب أو باب الجعالة أول خليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما تعلمون أبو بكر الصديق جلعوا له جعالة لماذا؟ لأنه انصرف بسبب تكليف المسلمين له بالقيام بإدارة الدولة المسلمة انصرف عن عمله عن بيعه وشراءه وتجارته فجعلوا له جعالة ومع أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه هو في الصلاح وفي التقوى والخوف من الله تبارك وتعالى يأتي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة ما تورع أن يقول لمن حوله من أهل الشورى " إن هذا الذي جعلتموه لي لا يكفيني " هل يجوز أن نسمي هذا أجرا يأخذه أبو بكر الصديق مقابل قيامه بواجب إدارة شؤون الدولة ؟ الجواب لا هذا جعالة هذا تعويد سموه الآن راتبا مش المهم الأسماء المهم المعاني ولذلك فالمثال الواضح جدا جدا القارئ يعلم الناس القرآن المحدث يعلم الناس الحديث الفقيه يعلم الناس الفقه فهذه عبادات إذا قصد فيها ليس المال ندع المال جانيا الآن قصد فيها معنا آخر لا يلتقي مع الإخلاص لله في هذا العمل عمله يحبط كما جاء في الحديث الصحيح الذي لم يتمكن راويه الأول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن يسرده سردا إلا بعد أن غشي عليه المرة بعد المرة لهول هذا الحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام ( أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة عالم ومجاهد وغني ) هو أبو هريرة راوي هذا الحديث وهو في * صحيح مسلم * قيل له حدثتنا قديما بحديث الثلاثة فأعده علينا فتهيأ للتحديث به فغشي عليه أول مرة وثاني مرة ثالث مرة استطاع أن يجمع نفسه وأن يقويها ليحدث بهذا الحديث لماذا ؟ لما فيه من الخطورة أجناس ثلاثة هم في الجملة خير خلق الله لو كانوا مخلصين فيما ميزهم الله عز وجل به على خلقه العالم بعلمه والغني بماله والمجاهد بقوته وجهاده فقال أبو هريرة رضي الله عنه سمعت رسول الله أو قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( أول من تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة عالم ومجاهد وغني يؤتى بالعالم يوم القيامة فيقال له أي عبدي ماذا عملت فيما علمت فيقول يا رب علمته في سبيلك ) هذا هو الظاهر فيقال له والله اعلم بما في قلبه وبما في نيته ( يقال له كذبت إنما علمت ليقول الناس فلان عالم ) ما علم مشان أن يأخذ راتب أو أجر هذا هو بيت القصيد من الحديث إنما علم ليقول الناس ما شاء الله فلان عالم جاء في الحديث ( وقد قيل ) أي إن الذي ابتغيته ورميت إليه بتصدرك المجالس وتعليمك الناس إنما هو أن يتحدث الناس بأن فلان عالم قد حصلته أذخت أجرك في الدنيا خذ أجرك الآن في الآخرة ( خذوا به إلى النار فيلقى به في النار ) من العالم؟ الذي قيل فيه في القرآن الكريم (( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات )) هذا حط في الدركات لماذا ؟ لأنه لم يخلص في علمه وفي بيانه لله المجاهد هكذا والغني هكذا يؤتى بكل منهما يقال لمجاهد ( ما فعلت بما أعطيت من قوة فيقول يا رب جاهدت في سبيلك فيقال له كذبت إنما جاهدت ليقال فلان بطل فلان شجاع وقد قيل ) أيضا هذا أخذ أجره في الدنيا ( خذوا به إلى النار ) كذلك ( الغني ماذا فعلت بالمال قال يا رب أنفقته في سبيلك فيقال له كذبت إنما أنفقت ليقال فلان كريم ) هذا مو من أجل المال شبعان من لمال بطران من المال مع ذلك ألقي في النار لأنه أنفق ليقال الناس فلان كريم وقد قيل ( قال خذوا به إلى النار ) قال أبو هريرة ( فهؤلاء هم أول من يلقى في النار أو تحشر به النار يوم القيامة ) إذا فالعبرة بما في القلب فمن علم من أجل الدرهم والدينار والسمعة بين الناس أو نحو ذلك من معاني المادية فهو المحرم وهو الأجر الذي لا يجوز وعليه يطبق حديث القوس
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 1067
- توقيت الفهرسة : 00:41:49