بيان أن الناس يدخلون الجنة برحمة الله - تعالى - ، وأن العمل سبب لدخول الجنة وليس عوضًا عنها . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
بيان أن الناس يدخلون الجنة برحمة الله - تعالى - ، وأن العمل سبب لدخول الجنة وليس عوضًا عنها .
A-
A=
A+
الشيخ : فإذًا الحديث يُحقِّق قضية أخرى هي غير القضية التي أسَّستها الآية الكريمة ، فالآية على التفسير الثاني ، أما على التفسير الأول فيحتاج الأمر إلى شيء من التوضيح ، فالإنسان يعيش في هذه الدنيا ما شاء الله مئة سنة بالكثير ، مائة وخمسين ، سيدنا نوح - عليه السلام - أطول الناس أعمارًا لبث في قومه ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا ، فلبث في قومه ممكن نضيف خمسين عام أخرى ألف سنة ، طيب ؛ هذه الألف سنة مهما عمِل هذا الإنسان بالعمر الطويل ألف سنة من أعمال صالحة مهما فعل ، مهما فعل ؛ فهل هو يستحقُّ جنةً ؟ أوَّلًا من أوصافها الخلود إلى الأبد ، كما قال في الحديث الصحيح : ( يُؤتى بالموت يوم القيامة على هيئة كبشٍ ) على صورة كبش ، ( فيُوقف به على سورٍ بين الجنة وبين النار ، فينادي منادٍ : يا أهل الجنة ، خلودٌ فلا موت ، ويا أهل النار ، خلودٌ فلا موت ، ويُذبح الموت ) ، وسار إلى هذا التحقيق هذا المبدأ أنُّو في الآخرة لا موت لا في الجنة ولا في الجحيم ، فهذا الذي يستحقُّ هذا الذي عاش هذا العمر الطويل المديد وعمل مهما عمل من أعماله الصالحة ؛ هل يستحقُّ هذه الجنة التي فيها الخلود إلى الأبد إلى ما لا نهاية ؟ طبعًا لا ، هو عاش ألف سنة ؛ فإذًا عيش ألف سنة يا أخي ، عيش عشرة آلاف ، عيش مليون ، بلايين بلايين ، أما إلى حيث لا نهاية ؟ لا ، ما يستحقُّ أن يدخل هذه الجنة التي لا نهاية لها بعمل عمله في ألف سنة .

هذا أكبر إيش ؟ مدة من الحياة ، وهذه صفة من صفات الجنة التي يدخلها بالعمل الصالح ، لكن هناك صفات أخرى ، هذه الصفات الأخرى هو يستحقُّ أن يعيش فيها بذلك العمل القليل في ذلك العمر ... القليل القصير بالنسبة للحياة الأبدية في الجنة .

قال - عليه الصلاة والسلام - : ( في الجنة ما لا عينٌ رأت ، ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر على قلبِ بشرٍ ) ، ولعل هذا تمام الحديث القدسي .

فنحن في تلاوة ذاك الحديث القدسي يقول الله - تبارك وتعالى - في الحديث القدسي : ( أعدَدْتُ لعبادي الصالحين في الجنة ما لا عينٌ رأت ، ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ) ، إذا هذا الإنسان الصالح اللي عاش ألف سنة فرضًا وعمل ما عمل من أعمال صالحة ؛ هل يستحقُّ نعيمًا في الجنة يصفه ربُّنا - تبارك وتعالى - في هذا الحديث القدسي ؟ لا يستحقُّ ذلك ، هو إذا عاش في الجنة في دار بسيطة مثل دورنا ليس فيها لا حرَّ ولا قرَّ ، ويأتيهم رزقهم بكرةً وعيشًا يفوز ؛ فكيف إذا انضمَّ إلى ذلك ما لا عينٌ رأت ، ولا أذنٌ سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، كيف إذا انضمَّ إلى هذه الدار البسيطة التي افترضناها تكون كأيِّ دار من دورنا ولكن ليس فيها نصب ولا فيها تعب ولا فيها حرّ ولا قرّ ؟ فكيف إذا كانت الدار في الجنة بالنسبة لأشقى الناس سعتها عشر مرَّات أضعاف الدنيا ، هذا أقل إنسان مما له في الجنة ، بدليل قوله - عليه الصلاة والسلام - : ( إني لأعرف آخر رجلٍ يخرج من النار ، وآخر رجلٍ يدخل الجنة ، رجل يخرج من النار يحبو حبوًا ) ، كناية عن أنَّ النار أهلكته أحرقته ، وأوهنت قواه ، فأصبح لا يستطيع المشي على الأرض سويًّا كما خلقه الله بشرًا سويًّا من قبل ، فهو يخرج من النار يحبو حبوًا كالطفل الصغير ، لم يستعد بعد قواه .

إلى أين يمشي ؟ يمشي إلى الجنة ، أَذِنَ الله له ، أخرجه من النار بسبب أنه كان قد بَقِيَ في قلبه مثقال ذرَّة من إيمان ، هذا المثقال من الذَّرَّة من إيمان أنقذه من النار وأدخله الجنة ، يمشي هذا الإنسان حبوًا ، يحبو حبوًا في طريقه إلى الجنة فتبدو له من بعيد شجرة عظيمة جدًّا خضراء يانعة ، فيقول : يا ربي ، أوصِلْني إلى هذه الشجرة حتى أستظلَّ بظلِّها . هلكان من النار أصبح حممًا سودا ؛ فحم أسود ؛ فهو يريد أن يستظلَّ من حرِّ النار الذي لا يزال يشعر به في جسده . فيقول : أوصلني إلى هذه الشجرة حتى أستظلَّ بظلِّها ، وآكل من ثمرها ، وأشرب من مائها ، فيقول الله - تبارك وتعالى - : ( يا عبدي إذا أنا أوصلتك إليها ؛ فهل عسيت أن تسألني غيرها ؟ ) . يقول : لا يا ربي ، لا أسألك غيرها . فيوصله الله - عز وجل - بقدرته وفضله إلى هذه الشجرة ، فيستظلُّ بظلِّها ويأكل من ثمرها ، ويشرب من مائها ، ثم يتابع طريقه إلى الجنة ، فتبدو له شجرةٌ ثانية أضخم وأجلُّ وأعظم من الشجرة الأولى ، فيقول : يا ربي ، أوصلني إلى هذه الشجرة حتى أستظلَّ بظلِّها ، وآكل من ثمرها ، وأشرب من مائها . فيقول الرَّبُّ - تبارك وتعالى - : يا عبدي ، أَلَم تعاهدني ألَّا تسألني غيرها - يعني الأولى - ؟ ( فلعلك تسألني غير هذه ؟ ) . يقول : يا رب لا أسألك غيرها ، فيوصله إليها ، فيستظلُّ بظلِّها ، ويأكل من ثمرها ، ويشرب من مائها ، ثم يتابع طريقه إلى الجنة ، فتبدو له شجرة ثالثة أعظم وأنضر من الشَّجرتين الأوليَين ، فيطمع العبد في فضل ربِّه لا غنى له عن فضل ربه . الله الله .

بمناسبة أنُّو العبد لا غنى له عن فضل ربِّه أروي لكم حديثًا من " صحيح البخاري " له علاقة بنبيٍّ من أنبياء الله - تبارك وتعالى - ، فيقول الرسول - عليه السلام - : ( إن الله - عز وجل - أنزل ذات يومٍ على أيوب - عليه السلام - من السماء جرادًا من ذهب ) ، فالمقصود بالجراد كوم ، كوم من ذهب ، الله أنزل له إياه من السماء معجزةً وكرامةً لسيدنا أيوب - عليه السلام - ، فأخذ يحثو في جيبه من هذا الجراد من الذهب ، فناداه الرَّبُّ قائلًا له : ( وأنت - يا أيوب - تحب المال ؟ ) ، أو كما قال له - تبارك وتعالى - ، فكان جوابه أن قال : وهل لنا غنًى عن فضلك يا رب ؟

-- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته -- .

فطمِع العبد الذي هو آخر من خرج من النار وآخر من يدخل الجنة ، طمع في فضل الله حتى في المرة السابقة لما رأى الشجرة الضخمة العظيمة ، فأرسله الله - عز وجل - وأخذ العهد منه في السابق أن لا يسأله - تبارك وتعالى - غيرها ، فلما وصل إليها ، واستظلَّ بظلِّها ، وأكل من ثمارها ، وشرب من مائها ، تابع طريقه إلى الجنة ، حتى وصل إلى باب الجنة ، فسمع غناء الحور العين وجاءه مِن رَوحها وريحها ، وهو أصبح قريبًا من بابها ، فقال : يا رب ، أدخلني الجنة - ولو يعني من خلف الباب - أدخلني الجنة فيقول له الله - تبارك وتعالى - : ( ادخل الجنة ولك فيها مثل الدنيا وعشرة أضعافها ) . ما بيصدق العبد المسكين ، يقول له : يا رب ، أتهزأ بي وأنت الرَّبُّ ؟! يعني مثل ما جاء في قصة الثلاثة الذين أَوَوا إلى غار في الجبل لما نزلت عليهم الأمطار ، فأحدهم الأجير اللي كان عمل عند صاحب العمل على " أفَّة " رز ، وعاء من رز ، فلما عرض عليه الفَرَق هذا أعرض عنه ، وراح انطلق غضبان ، صاحب العمل أخذ " أفَّة " الرز - أي : وعاء رز - وزرعه وحصده ، وزرعه وحصد إلى آخره ، اجتمع عنده مع طول الزمن بقر وغنم ورعيان وبركات الله ، جاء صاحب الإيش ؟ الفَرَق من الرز ، قال له : يا فلان ، أعطني حقِّي . قال له : انظر إلى تلك البقر اذهب وخذها . قال له : أتهزأ بي ؟ إنما لي عندك فرق من أرز بتقول لي : خذ البقر كله ؟ يقول له : روح خذها ؛ فإنما تلك البقر من ذاك الفَرَق .

الشاهد : فهذا ما صدَّق لما قاله له : خذ البقر ، هذا العبد من أين بدو يصدِّق له في الجنة عشرة أضعاف الدنيا وهو محروق خارج من النار آخر أهل النار ، فوَرَدَ الحديث إلينا مسلسلًا بالضحك ، فالذي يروي الحديث من الصحابة ابن مسعود ، يقول الراوي عن ابن مسعود : لما وصل ابن مسعود إلى قول العبد للرَّبِّ : أتهزأ بي وأنت الرَّبُّ ؟ ضحك ابن مسعود ، قالوا له : ... لم تضحك ؟ قال : لما حدَّثني الرسول إلى هنا ضحك الرسول ، فسألناه : لِمَ تضحك يا رسول الله ؟ قال : ( لأن الرَّبُّ - سبحانه وتعالى - ضحك من عبده حينما قال له : أتهزأ بي وأنت الرَّبُّ ؟ فقال له : ادخل الجنة ولك فيها مثل الدنيا وعشرة أضعافها ) .

مواضيع متعلقة