شرح قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( يا عبادي ، إنكم لن تبلغوا ضرِّي فتضرُّوني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
شرح قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( يا عبادي ، إنكم لن تبلغوا ضرِّي فتضرُّوني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ) .
A-
A=
A+
الشيخ : فما بقيَ من الحديث بدون تعليق ، وذلك من عند قوله - تبارك وتعالى - في هذا الحديث القدسي : ( يا عبادي ، إنكم لن تبلغوا ضرِّي فتضرُّوني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ) ؛ يعني أنَّ العباد جميعًا لا يستطيعون أن يصلوا إلى الإضرار بالله - تبارك وتعالى - ، وبالتالي فهم لا يضرُّون الله شيئًا ، فكذلك فإن العباد جميعًا لو أرادوا أن يُوصلوا منفَعَتَهم إلى الله - تبارك وتعالى - فلن يستطيعوا أن ينفعوه بشيءٍ ؛ لأن الله هو أصل الخير والشَّرِّ ؛ فكيف يستطيع العباد الذين يُقدِّر الله عليهم ما أرادَه من خير أو شرٍّ ؛ كيف يستطيع هؤلاء العباد أن يضرُّوا الله بشيءٍ أو أن ينفعوه بشيء ، حاشاه و - سبحانه وتعالى - من ذلك ؛ فإنه هو القاهر فوق عباده .

( يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم كانوا على أتقى قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا ) ، هذه العبارة تؤكِّد أن البشر جميعًا لو اجتمعوا على أن ينفعوا الله بشيء ويزيدوا في ملكه شيئًا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا ، لو اجتمعوا كلهم من أوَّلهم إلى آخرهم من إنسهم وجنِّهم ولو كانوا في نسبة واحدة من الصلاح والتقوى فعبدوا الله - عز وجل - كلهم جميعًا فما يزيد ذلك في مُلك الله - تبارك وتعالى - شيئًا ؛ لأن الله هو الغني عن العالمين ، وعلى العكس من ذلك ؛ لو أن الإنس والجنَّ من أولهم إلى آخرهم كانوا على أفجر قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما نقص ذلك من ملكه - تبارك وتعالى - شيئًا ؛ ذلك لأنه هو - أيضًا - الغنيُّ عن العالمين ، ( يا عبادي ، لو أنَّ أولكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم قاموا في صعيدٍ واحد ) ، في مكان واحد مستوي ، اجتمعوا فيه من أولهم إلى آخرهم ( فسألوني ) ، أي كل واحد من هؤلاء البشر الذين لا يحصي عددهم إلا الله ؛ كل واحد منهم توجَّه إلى الله بسؤالٍ له ، فأعطى الله كلَّ سائلٍ منهم مسألته ( ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المِخْيَط إذا أُدخِلَ البحر ) .

المِخْيط هو الإبرة .

... رأس الإبرة في الماء في البحر الواسع ، ثم أخرج هذه الإبرة ؛ فما نسبة النقطة القطرة الصغيرة الذَّرَّة التي علقت في هذه الإبرة بالنسبة لماء البحر المحيط ؟ لا شيء . هو في الحقيقة ليس المقصود هنا إثبات أن الله - عز وجل - لو أعطى كلَّ سائلٍ ممن خلق من أوله إلى آخره سؤله أنه ينقص ذلك من ملكه ، ليس هذا هو المقصود ، وإنما المسألة تقريب ؛ فإن الإبرة حينما تُنزَل في الماء ثم تُخرج فالذي يعلق بها شيءٌ لا يكاد يُذكر إطلاقًا بالنسبة للبحر ، ولكن البحر كله بالنسبة لِمَا عند الله - عز وجل - ما هو ؟ لا شيء - أيضًا - ؛ فإذًا هذا مثل مادي تقريبي إلى أن الله - عز وجل - لو أعطى الخلق كلَّهم ما سألوه ما ينقص ذلك من ملكه شيء إطلاقًا أبدًا ؛ وذلك لأنَّ الله - عز وجل - على كل شيءٍ قدير ، فالمنبع المستمرُّ المُمِدّ مهما أخذ الناس منه فهو لا ينقص ؛ لأنه ماشي ... .

( يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المِخْيط إذا أُدخِلَ البحر ) ، ما هو الغرض المقصود من هذه الفقرة من هذا الحديث ؟

في هناك غرضان : أحدهما يتعلَّق بالله - تبارك وتعالى - وبصفة من صفاته ، والأمر الآخر يتعلق بعباده .

أما الأمر الأول : = -- وعليكم السلام -- = فالمقصود به إثبات سعة ما عند الله - عز وجل - من الخير ومن الفضل العميم .

والشيء الآخر الذي يتعلق بالعباد هو : إذا عرفوا أن ما عند الله من الخير ومما يُمِدُّ به عبادَه من تحقيق مطالبهم ؛ فذلك مما يُطمِعُهم في ربِّهم ويحملهم على أن يسألوه أيَّ شيءٍ مما يدخل في قدرة الله - عز وجل - ، وليس هو من الأمر المستحيل عادةً .

فإذا علم الإنسان هذه السعة من قدرة الله ومن فضله طمع فيما عنده فأكثر من السؤال من ربِّه أي شيءٍ هو في حاجة إليه ؛ سواءٌ كان من أمور الدنيا أم كان من أمور الآخرة = -- وعليكم السلام ورحمة الله -- = فمثلًا جاء في الحديث الصحيح : ( إذا سأل أحدُكم ربَّه شيئًا ) ، أو كما قال - عليه السلام - ، ( فلا يقُلْ إن شئتَ ؛ فإن الله لا مُكرِهَ له ) ، ( إذا سأل أحدكم ربَّه شيئًا ) فلا يقل : اللهم اغفر لي - مثلًا - إن شئت ، اللهم ارزقني إن شئت ؛ ( فإنَّ الله لا مكره له ) ؛ يعني هو يجود بفضله - تبارك وتعالى - باعتباره كريم .

فلذلك لا يجوز وليس من أدب الدعاء في الإسلام أن تقول : ربي اغفر لي إن شئت ، بلا ما تقول : إن شئت ، اجزم كما جاء في بعض روايات الحديث : ( وليعزِمْ في المسألة ) . وليعزِمْ يعني فليقطَعْ في المسألة ولا يُعلِّقها بمشيئة الله ؛ لأنُّو أنت حينما تقول إن شئت فكأن الله هناك في له مكره فيمتنع عن تحقيق ما طلب منه الإنسان ، فنحن نعلم أنَّه لا رادَّ لمشيئته ولا رادَّ لقضائه ، وما دمت أنك تعلم هذه الحقيقة وتعلم أنَّ فضل الله لا ينقصه لو اجتمع الناس كلُّهم في صعيدٍ واحد وسألوه فأعطى كلَّ واحد منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكه شيئًا ، إذًا أقدِمْ على طلبك من الله مهما كان كثيرًا بالنسبة لعجزك وبالنسبة لفقرك ؛ فهو شيء قليل وحقير بالنسبة لسعة فضل الله - عز وجل - وعظيم كرمه .

فإذًا هذا يشجِّعنا على أن نتوجَّهَ إلى الله - عز وجل - في كل حاجٍة لنا إليه مهما كانت كبيرةً بالنسبة إلينا فهي حقيرة بالنسبة لقدرة الله - عز وجل - وفضله .

مواضيع متعلقة