مواصلة الشيخ درس " الأدب المفرد " ، وشرح حديث أبي مسعود الأنصاري رقم ( 293 ) : ( حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا يُخَالِطُ النَّاسَ وَكَانَ مُوسِرًا ، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ ) .
A-
A=
A+
الشيخ : ... من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريط له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )) ، (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ، (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )) ، أما بعد :
فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
بعد انقطاع طال أمده لظروف طارئة ؛ نعود ونستأنف درس " الأدب المفرد " للإمام البخاري ، وقد كان فيما أظنُّ قد انتهى الدَّرس الأخير إلى الحديث الثالث والتسعين بعد المائتين ؛ فنبتدئ به ، وهو من الأحاديث الصحيحة التي رواها الإمام البخاري في هذا الكتاب " الأدب المفرد " بالسند الصحيح عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( حُوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان رجلًا يُخالط الناس وكان موسرًا ، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المُعسر ، قال الله - عز وجل - : نحن أحقُّ بذلك منه ؛ تجاوزوا عنه ) .
في هذا الحديث بيان فضل الخلق الحسن إذا تخلَّق به المسلم ؛ حتى أنَّه لَيكون سببًا في تخليص صاحبه من العذاب الذي يستحقُّه بسبب ما كان اجتَرَحَ واقترف وارتكب من الآثام والذنوب ؛ فهذا رجلٌ يقول عنه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ( كان فيمَن قبلنا - يعني من بني إسرائيل - لم يعمَلْ خيرًا قط ) سوى أنه كان مؤمنًا ، يجب أن نفترض دائمًا وأبدًا في كلِّ حديثٍ نقرؤه أو كلِّ خبر نسمعه فيه مثل هذا الفضل البالغ وليس فيه ذكر أن المستحقَّ لهذا الفضل كان مسلمًا ؛ يجب أن نفترض في كلِّ حديث نسمعه فيه ذكر فضيلة ما أن المستحقَّ لهذه الفضيلة هو كان مسلمًا ، فنحن نسمع في هذا الحديث قوله - عليه السلام - : ( كان رجل ممَّن قبلكم ) ، لم يقل : كان مسلمًا ، فيجب أن نفسِّر هذا الرجل بأنه كان مسلمًا ؛ ولو لم يكن مذكورًا وصفه بالإسلام في الحديث ، وهذا يُؤخذ من قواعد الشريعة ؛ لأن الله - عز وجل - يقول في حقِّ كل مشرك : (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا )) ، ويقول الله - عز وجل - مخاطبًا أمَّة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في شخص النبي ؛ (( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ )) .
فإذا سَمِعْنا مثل هذا الحديث : ( حُوسب رجلٌ ممَّن قبلكم ) ، ثم سمعنا في آخر الحديث أنَّ الله تجاوز عنه ؛ فيجب فورًا أن نخطِّر في بالنا أنَّ هذا الرجل كان مسلمًا ، وفي مثل هذا الحديث بصورة خاصَّة من الضروري جدًّا أن نقدِّر هذا التقدير ؛ أنَّ هذا الرجل كان مسلمًا ؛ لأنه يقول : فلم يُوجد له من الخير شيء ؛ مع أنَّ أكبر خير هو الإيمان ؛ لذلك جاء في أحاديث الشفاعة أنَّ الله - عز وجل - يأمر في آخر الأمر حينما يشفع الرسل والأنبياء والملائكة والصالحون ، ثم يشفع ربُّ العالمين - تبارك وتعالى - ؛ فيقول في بعض الروايات الصحيحة ( أخرجوا ) يقول للملائكة ، ( أخرجوا من النار من كان فيه ذرَّة من خير ) ، والمقصود بهذا الخير هو الإيمان ، فإذا قرأنا هذا الحديث : ( حُوسِبَ رجل ممَّن قبلكم ) ، ثم ختم الحديث بأن الله - عز وجل - بعد محاسبة هذا الإنسان تجاوز عنه ، فيجب أن نقدِّر ونخطِّر في البال أنه كان مسلمًا ، وإلا لو كان مشركًا وكان قد مَلَأَ الدنيا خيرًا وفضلًا فذلك لا يفيده شيئًا كما في ... في الآية السابقة : (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا )) ، ويؤكِّد هذا الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - : معنى الحديث أنَّ المؤمن إذا أَتَى بحسنة جُوزي عليها في الدنيا ، وحُوسب بها - أيضًا - يوم القيامة ؛ يعني كان له جزاءان خيران ؛ الأول في الدنيا عاجلًا ، والآخَر في الآخرة آجلًا ، أما الكافر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أما الكافر فمهما عمل من حسنات في الدنيا جُوزي عليها فيها في الدنيا ؛ حتَّى إذا جاء يوم القيامة جاء وليس في صحيفته من حسناته شيء ، الله - عز وجل - كما قال : (( وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) ، ولكن يحاسب كلَّ شخص بحسب ما قام فيه من إيمان ، فالمؤمن يُجزى بحسناته في الدُّنيا والأخرى خيرًا ، أما الكافر فيُجزى بحسناته في الدنيا ، أما في الآخرة فيأتي وليس في صحيفته حسنة ؛ ذلك لأنه كفر بالله ورسوله وأشرك بالله - عز وجل - ؛ فحبط عمله وكان في الآخرة من الخاسرين .
أردْتُ بهذا الكلام أن أُلفِتَ النظر وأن تتفقَّهن في الدين حينما تقرأن حديثًا كهذا ( كان فيمن قبلكم رجل ، ثم تجاوز الله عن آثامه ، يجب أن تخطِّروا في البال أنه كان مسلمًا ، وإلا لو كان مشركًا لم يُفِدْه عمله الصالح شيئًا .
بعد هذا أقول : قال - عليه السلام - : ( حُوسب رجلٌ ممَّن كان قبلكم فلم يُوجد له من الخير شيء ) .
في هذا الحديث إشارة إلى أن الحساب في يوم الحساب معناه مناقشة الإنسان فيما قدَّم من خير أو شرٍّ ، وعرض هذه الحصيلة وهذه النتيجة على الإنسان لِيَرَى عاقبة ذلك ؛ إمَّا أن يكون من أهل الجنة أو أن يكون من أهل النار . بعد أن حوسب هذا الرجل ولم يوجد في صحيفته من الخير شيء إلا الإيمان كما ذكرنا ... .
فإن خير الكلام كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
بعد انقطاع طال أمده لظروف طارئة ؛ نعود ونستأنف درس " الأدب المفرد " للإمام البخاري ، وقد كان فيما أظنُّ قد انتهى الدَّرس الأخير إلى الحديث الثالث والتسعين بعد المائتين ؛ فنبتدئ به ، وهو من الأحاديث الصحيحة التي رواها الإمام البخاري في هذا الكتاب " الأدب المفرد " بالسند الصحيح عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( حُوسب رجل ممن كان قبلكم فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان رجلًا يُخالط الناس وكان موسرًا ، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المُعسر ، قال الله - عز وجل - : نحن أحقُّ بذلك منه ؛ تجاوزوا عنه ) .
في هذا الحديث بيان فضل الخلق الحسن إذا تخلَّق به المسلم ؛ حتى أنَّه لَيكون سببًا في تخليص صاحبه من العذاب الذي يستحقُّه بسبب ما كان اجتَرَحَ واقترف وارتكب من الآثام والذنوب ؛ فهذا رجلٌ يقول عنه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ( كان فيمَن قبلنا - يعني من بني إسرائيل - لم يعمَلْ خيرًا قط ) سوى أنه كان مؤمنًا ، يجب أن نفترض دائمًا وأبدًا في كلِّ حديثٍ نقرؤه أو كلِّ خبر نسمعه فيه مثل هذا الفضل البالغ وليس فيه ذكر أن المستحقَّ لهذا الفضل كان مسلمًا ؛ يجب أن نفترض في كلِّ حديث نسمعه فيه ذكر فضيلة ما أن المستحقَّ لهذه الفضيلة هو كان مسلمًا ، فنحن نسمع في هذا الحديث قوله - عليه السلام - : ( كان رجل ممَّن قبلكم ) ، لم يقل : كان مسلمًا ، فيجب أن نفسِّر هذا الرجل بأنه كان مسلمًا ؛ ولو لم يكن مذكورًا وصفه بالإسلام في الحديث ، وهذا يُؤخذ من قواعد الشريعة ؛ لأن الله - عز وجل - يقول في حقِّ كل مشرك : (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا )) ، ويقول الله - عز وجل - مخاطبًا أمَّة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في شخص النبي ؛ (( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ )) .
فإذا سَمِعْنا مثل هذا الحديث : ( حُوسب رجلٌ ممَّن قبلكم ) ، ثم سمعنا في آخر الحديث أنَّ الله تجاوز عنه ؛ فيجب فورًا أن نخطِّر في بالنا أنَّ هذا الرجل كان مسلمًا ، وفي مثل هذا الحديث بصورة خاصَّة من الضروري جدًّا أن نقدِّر هذا التقدير ؛ أنَّ هذا الرجل كان مسلمًا ؛ لأنه يقول : فلم يُوجد له من الخير شيء ؛ مع أنَّ أكبر خير هو الإيمان ؛ لذلك جاء في أحاديث الشفاعة أنَّ الله - عز وجل - يأمر في آخر الأمر حينما يشفع الرسل والأنبياء والملائكة والصالحون ، ثم يشفع ربُّ العالمين - تبارك وتعالى - ؛ فيقول في بعض الروايات الصحيحة ( أخرجوا ) يقول للملائكة ، ( أخرجوا من النار من كان فيه ذرَّة من خير ) ، والمقصود بهذا الخير هو الإيمان ، فإذا قرأنا هذا الحديث : ( حُوسِبَ رجل ممَّن قبلكم ) ، ثم ختم الحديث بأن الله - عز وجل - بعد محاسبة هذا الإنسان تجاوز عنه ، فيجب أن نقدِّر ونخطِّر في البال أنه كان مسلمًا ، وإلا لو كان مشركًا وكان قد مَلَأَ الدنيا خيرًا وفضلًا فذلك لا يفيده شيئًا كما في ... في الآية السابقة : (( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا )) ، ويؤكِّد هذا الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - : معنى الحديث أنَّ المؤمن إذا أَتَى بحسنة جُوزي عليها في الدنيا ، وحُوسب بها - أيضًا - يوم القيامة ؛ يعني كان له جزاءان خيران ؛ الأول في الدنيا عاجلًا ، والآخَر في الآخرة آجلًا ، أما الكافر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أما الكافر فمهما عمل من حسنات في الدنيا جُوزي عليها فيها في الدنيا ؛ حتَّى إذا جاء يوم القيامة جاء وليس في صحيفته من حسناته شيء ، الله - عز وجل - كما قال : (( وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا )) ، ولكن يحاسب كلَّ شخص بحسب ما قام فيه من إيمان ، فالمؤمن يُجزى بحسناته في الدُّنيا والأخرى خيرًا ، أما الكافر فيُجزى بحسناته في الدنيا ، أما في الآخرة فيأتي وليس في صحيفته حسنة ؛ ذلك لأنه كفر بالله ورسوله وأشرك بالله - عز وجل - ؛ فحبط عمله وكان في الآخرة من الخاسرين .
أردْتُ بهذا الكلام أن أُلفِتَ النظر وأن تتفقَّهن في الدين حينما تقرأن حديثًا كهذا ( كان فيمن قبلكم رجل ، ثم تجاوز الله عن آثامه ، يجب أن تخطِّروا في البال أنه كان مسلمًا ، وإلا لو كان مشركًا لم يُفِدْه عمله الصالح شيئًا .
بعد هذا أقول : قال - عليه السلام - : ( حُوسب رجلٌ ممَّن كان قبلكم فلم يُوجد له من الخير شيء ) .
في هذا الحديث إشارة إلى أن الحساب في يوم الحساب معناه مناقشة الإنسان فيما قدَّم من خير أو شرٍّ ، وعرض هذه الحصيلة وهذه النتيجة على الإنسان لِيَرَى عاقبة ذلك ؛ إمَّا أن يكون من أهل الجنة أو أن يكون من أهل النار . بعد أن حوسب هذا الرجل ولم يوجد في صحيفته من الخير شيء إلا الإيمان كما ذكرنا ... .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 24
- توقيت الفهرسة : 00:00:00
- نسخة مدققة إملائيًّا