الشيخ : ... أن تصنع له شيئًا كما يقول في تمام الحديث قال : ( تعين ضائعًا ) الرجل الضائع هو صاحب العيال وذو الفقر . ( أو تصنع لأخرق ) ، والأخرق خلاف ما يتبادر لأذهان الناس ، الأخرق هو الذي لا صنعة له ، الذي لا طريق له فأنت تعينه على ذلك ، لو فرضنا - مثلًا - أنت صاحب مهنة نجَّار ، وجارك أصابَه عطل في بعض مرافقه أو أبوابه إلى آخره ، فأنت إذا أعنتَه وهو ليس باستطاعته أن يصنعَ شيئًا من ذلك بنفسه فهذه صدقة ، ولا ... دراهم أو دنانير ؛ إذًا إذا لم تستطع أن تعملَ بعض العمل لتكسب به مالًا فتتصدَّق به فلا أقلَّ من أن تُعينَ فقيرًا ذا عيال على حاجاته ببدنك أو تصنع لأخرق بمهنَتِك .

فالسائل عم يتتبَّع الرسول - عليه السلام - في أسئلته مرحلة مرحلة يضيِّق الأمر لعله أن ليستفيد ، ففي الأوَّل سألَه عن أفضل الرقاب فتبيَّن له أن أفضل الرقاب معناه أن يكون عنده عبد له ثمن فهو يتصدَّق به ، فهو لا يستطيع ؛ لأن هذا يحتاج لمال ليشتري مثل هذا العبد ويتصدق به ، قال له : إذا كان لا يستطيع العمل ... فأحاله على أن يعين بعض المحتاجين بإعانتهم ببدنه ، قال : أَفَرَأيت إن ضعفت ؟ أي : لا أنا بالذي يستطيع أن ... بالمال ، ولا أنا بالذي يستطيع أن يعين ... ببدنه وبقوَّته . قال : ( تدع الناس من الشَّرِّ ؛ فإنها صدقة تصدَّقها على نفسك ) . فأنت إذًا إذا لم تُنفق المال ... عندك ، ولم تستطع أن تعمل عملًا لتجمع مالًا تتصدَّق به ، ولم تستطع أن تُعين فقيرًا ببدنك أو آخر بمهنتك ، فعلى الأقلِّ تبتعد عن الشَّرِّ وخلِّص الناس من شرِّك ، فهذا الابتعاد عن الشَّرِّ هو صدقة تتصدَّق بها على نفسك ، وهذا في الواقع منتهى الفضل الإلهي على عباده المؤمنين ؛ حيث جعل ابتعاد المسلم عن الشَّرِّ والإضرار بغيره صدقة منه تعود على نفسه .