شرح حديث : ( من رغب عن سنتي فليس مني ) .
A-
A=
A+
الشيخ : من ذلك مثلا حديث الرهط الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهم ثلاثة رجال فلم يجدوه فسألوا أهله عليه الصلاة والسلام عن عبادته عن قيامه وصيامه و قربانه لنسائه فذكرن ما يعلمن من ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلن إنه عليه الصلاة والسلام يصوم ويفطر ويقوم الليل وينام ويتزوج النساء . فلما سمع الرهط كلام نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقول أو يقول راوي الحديث وهو أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: لما سمعوا ذلك تقآلوها أي وجدوا عبادة الرسول قليلة. سبحان الله رسول الله الذي قام حتى تفطرت وفي لفظ تشققت قدماه يقول هذا الرهط أن عبادة الرسول عليه السلام قليلة لماذا ؟ هنا الشاهد وهنا النكتة يا إخواننا فانتبهوا إنهم كانوا يتوهمون أن التقرب إلى الله تبارك وتعالى إنما يكون بالترهب أي بأن ينذر المسلم نفسه لعبادة الله فقط ولا يهتم بشيء من أمور الدنيا لا يهتم بشيء يتعلق بنسائه و أولاده هكذا هم تصوروا وهذا بلا شك تصور مخالف للإسلام الذي من أقواله عليه الصلاة والسلام: ( لا رهبانية في الإسلام ) من أجل هذا التوهم الخاطئ وجدوا عبادة الرسول عليه السلام قليلة ولذلك رجعوا إلى أنفسهم يقولون هذا رسول الله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر لسان حاله يقول: لماذا لا يتمتع الرسول بنسائه؟ لماذا لا يتمتع النبي عليه السلام بنومه؟ لماذا لا يتمتع الرسول بطعامه وشرابه؟ إذن هو كان يصوم ويفطر ويقوم الليل وينام ويتزوج النساء أن يغتسل منهن هم تصوروه عليه السلام حسب تصورهم الخاطئ أنه قائم الليل كل الليل أنه صائم الدهر كل الدهر وأنه لا يقرب النساء كما قال بعض القدامى: ضاع العلم بين أفخاذ النساء فتصورا الرسول عليه السلام أنه لا علاقة له بهذه الدنيا ثم عادوا يعللون تلك القلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعلة لو أنهم صمّموا عليها وأصروا عليها ولم يعودوا إلى سنته عليه السلام لضلوا ضلالا بعيدا لأنهم قالوا ولماذا رسول الله يتعب نفسه فيصلي الليل كله و يصوم الدهر لا ما فيه حاجه الله غفر له كما يقال في بعض البلاد حط رجليه في الميه الباردة واستراح هذا طعن طعن في عبادة الرسول عليه السلام وهو الذي جاء في صحيح البخاري من حديث جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه واله وسلم ومنهم المغيرة بن شعبة قال " قام رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حتى تفطرت قدماه قالوا: يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر " كأنهم يقولون له: ارفق بنفسك اشفق عليها لماذا تقوم هكذا حتى تشققت قدماك فكان جوابه عليه السلام كما هو المفروض في سيد البشر وأفضل البشر وأكمل البشر قاطبة قال: ( أفلا أكون عبدا شكورا ) إذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما نسبه ذلك الرهط إلى الإقلال في العبادة كانوا مخطئين كل الخطأ كانوا متوهيمن لأنهم كانوا يحملون في فكرهم الرهبانية التي ليست من الإسلام بناء على ذلك الوهم القائم في أذانهم وبعد أن عللوا قلة عبادة نبيهم أن الله غفر له وانتهى الأمر قالوا أما نحن فنحن لا نعلم بأن الله قد غفر لنا فما هو السبيل لنحصل مغفرة ربنا عز وجل فتعاهد الثلاثة بعضهم مع بعض على ما يأتي أما أحدهم فقال ناذرا قال: أما أنا فأصوم الدهر ولا أفطر قال الثاني أما أنا فأقوم الليل ولا أنام أما الثالث قال أما أنا فلا أتزوج النساء وانصرفوا متعاهدين على أن يقوم كل واحد منهم بما عاهد الله عليه من قيام الليل كله من صيام الدهر كله ومن اجتناب النساء بالكلية وانصرفوا هكذا ولما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى نسائه وأخبرنه الخبر دخل المسجد وجمع الناس وخطبهم وقال قال عليه الصلاة والسلام: ( ما بال أقوام كذا وكذا ... ) يعني ثلاثة أقوال عرفتموها فلا حاجة لإعادتها -لكن الشاهد في الآتي ( أما إني أتقاكم لله وأخشاكم لله أما إني أصوم وأفطر وأقوم الليل وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ) الشاهد من هذا الحديث كله الجملة الأخيرة بعد أن عرفتم سبب ورودها هذه الجملة الأخيرة مع الأسف أكثر المسلمين المتعبدين لا أعني الزاهدين في عبادة الرسول عليه السلام والمعرضين عنها بالكلية إنما أعني الزاهدين المتعبدين الراغبين في الآخرة قال في خاتمة الحديث: ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) انتهى الحديث وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما , أريد أن أقف قليلا معكم عند قوله: (سنتي) فمن رغب عن سنتي فليس مني , لعل الكثيرين منكم قرؤوا شيئا من الفقه على أي مذهب من المذاهب الأربعة المتبعة من جماهير المسلمين أهل السنة والجماعة ويقرؤون في هذه الكتب تقسيم العبادات إلى أقسام منها فرض ومنها سنة ولا أزيد على هذا لأن هنا الشاهد ويعرفون السنة من حيث ثوابها ومن حيث حكم تاركها بأن من فعلها أثيب عليها دون ثواب الفريضة ومن تركها لا يعاقب عليها بعضهم يزيد والزيادة لا أصل لها لا يعاقب عليها لكن يزيد فيقول: لكنه يعاتب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الزيادة وهي قول بعضهم أن من ترك سنة من سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي هي ليست بفريضة ولا هي أيضا بواجبة بالنسبة لرأي الحنفية الذين يفرقون بين الفرض والواجب فهي دون الفرض فدون الواجب فيقولون قوله الحق لا يعاقب تاركها لكن يزيدون فيقولون: يعاتب تاركها هذا العتاب ليس له أصل لا في كتاب الله ولا في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا في أثر من الآثار الواردة عن السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين وإنما على العكس من ذلك أذكركم بحديث ذلك الأعرابي الذي سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عما فرض الله عليه في كل يوم وليلة فقال: ( خمس صلوات ) فلما قال له: هل على غيرهن قال: ( لا إلا أن تطوع ) فقال عليه الصلاة والسلام: ( أفلح الرجل إن صدق ) ( دخل الجنة إن صدق ) فأين هذا العتاب المدعى هذه كلمة كما يقال على الماشي لكن الذي أريد أن أدندن حوله هو هل السنة في هذا الحديث المتفق عليه هو بمعنى السنة التي ليست بفريضة ولا واجبة ؟ الجواب لا هذا اصطلاح اصطلح الفقهاء ولا مشاحة كما يقول العلماء في الاصطلاح اصطلحوا في سبيل بيان الأحكام وتوضيحها للناس فقسموا الأحكام إلى فقسموا العبادات أو الأحكام إلى خمسة فقالوا فرض وقالوا سنة وقالوا مستحب ونحو ذلك ليس المقصود في قوله عليه السلام: ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) ليس المقصود بالسنة في هذا الحديث هي السنة المصطلح عليها وهي التي دون الفرض وإنما المقصود بهذه السنة في الحديث الصحيح الطريق والمنهج والشريعة التي سار عليها الرسول عليه الصلاة والسلام بما فيها من أحكام حتى المباح آخر حكم من الاحكام الخمسة المباح فكما لا يجوز لمسلم أن يحرم ما أباح الله كذلك لا يجوز لمسلم أن يحلل ما حرم الله كذلك لا يجوز لمسلم أن يشرّع للناس فيقول لهم: هذه سنة أو أن يقول لهم وهنا بيت القصيد هذه سنة أو بدعة حسنة لا يجوز أن يقول هذا الكلام لما سبق بيانه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذم البدعة الدينية و أرجو أن تنتبهوا لهذا القيد لأن كثيرا من الناس الغافلين أو الجاهلين حينما يقال لهم هذه بدعة فلا تفعلها يقول اللي لابسه أنت كله بدعة , اللي راكب السيارة هي بدعة هذا من جهلهم اُتوا لأنكم عرفتم آنفا أن البدعة التي ذمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذما مطلقا وحكم على صاحبها بأنه على ضلالة إنما عنى البدعة في الدين بدليل قوله في الحديث المتفق بين الشيخين: ( من أحدث في أمرنا هذا - في ديننا هذا - ما ليس منه فهو رد ) إذن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) ما دلالة هذا الحديث على العموم الذي ذكرناه آنفا صريحا في بعض الأحاديث التي تذم البدعة ذما عاما شاملا بحيث يسد على كل من كان قاصدا أن يعرف الحق فيما اختلف فيه الناس يسد عليه الطريق أن يقول لا هناك بدعة حسنة قلنا هذا أمر مستحيل أن يصدر من مسلم مؤمن يؤمن بالله و رسوله حقا لأنه يعتبر مشاق يعتبر مشاقاة لله ولرسوله رسولك أيها المسلم يقول لك: ( كل بدعة ضلالة ) وأنت بكل جرأة تقول لا ليس كل بدعة ضلالة إنما هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة هذا لا يقوله إلا أحد رجلين إما جاهل وإما غافل لا يدري ما يخرج من فمه فأقول قوله عليه الصلاة والسلام: ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) سنته أي شريعة الله التي أنزلها على قلب محمد عليه السلام وشريعة الله قد علمتم مما سبق من البيان أنها قد كملت والحمد لله بشهادة تلك الآية الصريحة (( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )) ما بعد الكمال إلا النقصان أما الزيادة فلا مجال للزيادة في الدين أبدا قلت لكم ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) هل هناك مسلم مهما تصورناه عالما زاهدا صالحا أن يكون مثل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في العبادة ؟ هذا مستحيل لأنه لا مثله عليه الصلاة السلام لا في علمه ولا في خلقة ولا في عبادته إذن ما هو الشيء الذي يمكن أن نتصوره في بعض عباد الله الصالحين الذين يأتون في المرتبة في الصلاح والعبادة والتقرب إلى الله بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ سنقول: لا بد أن يكون هؤلاء دون رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في العبادة كما قيل: " فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح " يعني حسب المسلم الصالح والعالم بشريعة الله عز وجل أن يتشبه برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبالكاد أن يقترب من عبادته بالكاد أما أن يكون مثله فهذا أمر مستحيل إذن رجعنا إلى حديث من تلك الأحاديث ( ما تركت شيئا يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به ) إذن يا مسلمون لقد أغلق باب التشريع وباب الإستحسان في الدين بأن الدين قد كُمل قد كَمل نصا في الآية ونصا في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام لذلك قال تلك الكلمة العظيمة جدا ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) لنتأمل الآن لمن قال فمن رغب عن سنتي فليس مني لمن أراد أن يبتدع في الإسلام بدعة لا أصل لها لأن هناك شبهة يقول بعضهم أن البدعة الضلالة هي التي ليس لها أصل مطلقا لا في الكتاب ولا في السنة لننظر الآن في حق من قال عليه الصلاة والسلام: ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) من أراد أن يقوم الليل كل الليل فهل قيام الليل بدعة؟ لا أحد والحمد لله يقول إلا أنها عبادة عظيمة جدا وبخاصة أن هناك أحاديث صحيحة تأمر بقيام الليل مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين من قبلكم ) لا أحد يقول أن قيام الليل بدعة الآخرون ماذا قالوا؟ أن يصوموا الدهر الصيام أيضا خير عمل وقد عرفتم أن الرسول عليه السلام كان يصوم كذلك الثالث الذي قال: أنا لا أتزوج النساء فعدم تزوج النساء إذا كان من باب الرهبنة فقد عرفتم أن ذلك لا رهبانية في الإسلام الآن نقول بالنسبة للذي أراد أن يصوم الدهر وأن يقوم الليل كله إنما أراد كل من هذين الزيادة في التقرب إلى الله عز وجل بالصيام والقيام , الصيام والقيام عبادة إذن هو أراد أو هما أرادا زيادة التقرب إلى الله عز وجل بما أصله مشروع وهو الصيام والقيام فهل قبل ذلك الرسول عليه السلام من ذينك الرجلين ؟ لا . رد ذلك عليهما بكلام فيه تشديد عليهما قال: ( أما والله إني أخشاكم لله وأتقاكم لله ) كأنه يقول عليه السلام لهما أنتما أتقى لله مني أنتما أو أنتم أخشى لله مني أنا أقوم الليل وأنا وأصوم وأفطر أنتم الآن تريدون أن تصوموا الدهر وأن قوموا الليل كله يعني معناه انعكست القضية أنتم أخشى وأنتم أتقى هذا أمر مستحيل فلا أفضل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذن خذوا من هذا الحديث دليلا دليلا واضحا أن الزيادة في الدين ولو كانت عبادة في الأصل فهذه زيادة منكرة أنكرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالمقصود من هذا الحديث كأمثلة بدأت في عهد الرسول عليه السلام باسم الزيادة في الدين وباسم زيادة التقرب إلى رب العالمين مع ذلك رفضها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفضا باتا ولفت نظرهم أن من يصر على التقرب إلى الله عز وجل بهذه العبادة الزائدة على ما جاء به عليه السلام فمعنى ذلك أن الزائد هو أتقى لربه وأخشى لربه من نبيه عليه الصلاة والسلام و لا شك أن من تصور هذه الأفضلية لا يكون مسلما لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أفضل البشر قاطبة في كل شيء لا سيما أنه قد اصطفاه عز وجل بخاتمة الشرائع والأديان على هذا النموذج وعلى هذا النهج جاءت أقوال السلف الصالح تلتقي في ذم البدعة التي يراد بها زيادة التقرب إلى الله تبارك وتعالى من ذلك مثلا ما روي عن حذيفة بن اليمان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا تعبدوها " أي فلا تتعبدوها انظروا هذه الكلية من هذا الصحابي الجليل صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تتعبدوها الله أكبر كم من عبادة اليوم نراها في المساجد وفي البيوت يريدون أن يزدادوا بها قربة إلى الله عز وجل وهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعلها أن السلف الصالح لم يفعلها أن الأئمة كل الأئمة وعلى رأسهم الأربعة لم يفعلوها ما هو جوابهم ؟ يا أخي شو فيها هذه زيادة الخير خير كلمة عامية يقولونها زيادة الخير خير
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 710
- توقيت الفهرسة : 00:32:35
- نسخة مدققة إملائيًّا