كلام في التوكل وشرح حديث ( يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب ولا عقاب .... وعلى ربهم يتوكلون ) . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
كلام في التوكل وشرح حديث ( يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب ولا عقاب .... وعلى ربهم يتوكلون ) .
A-
A=
A+
الشيخ : أذكر حديثا هنا بهذه المناسبة فيها معنى لفت النظر إلى بعض الأسباب التي هي ينبغي على المسلم أن لا يعتمدها من باب التوكّل على الله تبارك و تعالى توكّلا كاملا حقيقيا جاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ذات يوم و هو في المسجد ( يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب و لا عذاب وجوههم كالقمر ليلة البدر ) قال عليه الصلاة و السلام هذا الحديث ثم دخل بيته و تعلمون أن بيته بجانب مسجده فأخذ أصحابه الذين سمعوا هذا الحديث منه يتساءلون و يتظننون من يكون هؤلاء السبعين ألف طوبى لهم يدخلون الجنّة وجوههم كالقمر ليلة البدر بدون حساب و لا عذاب بعضهم يقول هؤلاء نحن المهاجرون الذين هاجرنا من أوطاننا من مكّة إلى المدينة في سبيل الله عزّ و جلّ و آخرون من الأنصار يقولون لا إنما نحن الأنصار الذين نصرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم , ناس آخرون يقولون لا , لا أنتم و لا أنتم إنما هم أبناؤنا الذين يأتون من بعدنا سواء كنا من المهاجرين أو الأنصار يؤمنون برسول الله صلى الله عليه و سلم و لم يروه . لا شكّ لكلّ من هذه الجماعات فضلها من المهاجرين و الأنصار و أبناء المهاجرين و الأنصار لكنها درجات و إذا بالرسول عليه السلام يخرج عليهم فيقول لهم ليرفع هذا النزاع و هذا الخلاف فيقول ( هم الذين لا يسترقون و لا يكتوون و لا يتطيرون و على ربهم على يتوكّلون ) ما معنى لا يسترقون ؟ أي لا يطلبون الرقية أي مريض يشعر بألم في رأسه في يده في منكبه في أي ناحية من بدنه يأتي إلى رجل يعتقد فيه العلم أو الصلاح يقول في التعبير العامي " تبسني " إرقيني هذا يجوز شرعا ما هو حرام لكن ليس من كمال التوكّل لأن الرسول عليه السلام قال في صفة أولئك السبعين الذين كما عرفتم الجنة بغير حساب و لا عذاب وجوههم كالقمر ليلة البدر لا تطلبوا الرقية من الرجل الصالح و إنما أطلبوا من الله عزّ و جلّ أن يعافيك و أن يشفيك لماذا ؟ لأن طلبك الرقية من هذا الشيخ أو من هذا الصالح مظنون أن يتحقق دعائه فيك موش مقطوع و لا هو غالب الظنّ أنه سيتجاب دعائه فيك إذا دع أن تستعين بغيرك في مثل هذه القضية و سل الله وحده تبارك وتعالى هذه الخصلة الأولى ( هم الذين لا يسترقون ) ( و لا يكتوون ) الكي بالنار معروف خاصة عند العرب و البدو منهم بصورة أخصّ أنه علاج ناجح في كثير من الأمراض حتى جاء في بعض الأحاديث الصحيحة أنه من خير ما تداويتم به وهو الكي بالنار لكنه عليه السلام من باب (( بالمؤمنين رؤوف رحيم )) قال ( و أنهى أمّتي عن الكيّ ) لما ؟ لأنه و إن كان من خير ما تداوى الناس به فإنه تعذيب بالنار و لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار هذه الخصلة الثانية التي هي من صفات السبعين ألف , الخصلة الثالثة ( و لا يتطيرون ) الطيرة هي بمعنى التشاؤم و معروف التشاؤم لدى كل الشعوب و لدى كلّ الأمم لكن التشاؤم تختلف هذه الشعوب و هذه الأمم في كثرة تشاؤمهم و قلة تشاؤمهم أما المسلم فلا يتشاءم إطلاقا أما المسلم الضعيف العلم و الإيمان فقد يتشاءم أما الكافر فأخواته كلها شؤم في شؤم فالرسول صلى الله عليه و آله و سلّم يقول أن من صفات هؤلاء السبعين ألف أنهم لا يتشائمون أي لا يتطيرون الطيرة تصدّ الناس عن مصالحهم و أصل الطيرة في اللغة العربية مشتقة من الطير و كان من عادة العرب في الجاهلية حيث كانوا مرضى في قلوبهم و في عقولهم و حسبكم دليل على ذلك أنهم كانوا يعبدون حجرا ينحتونه بأيديهم ثم يعبدونه من دون الله تبارك وتعالى فهذه حماقة ما بعدها حماقة و قلة عقل ما بعدها قلة عقل و من هذا القبيل الطيرة إشتقت من الطير لماذا ؟ لأن العربي كان إذا خرج عازما على السفر فإذا صادفه طير و لابدّ أن يصادف طيرا إما إذا كان يعيش في بلدة في مدينة أو في القرية أو في البادية لابدّ يصادفه طير هذا الطير الذي لا يعقل و هذا الإنسان يعقل بل لا يعقل لماذا ؟ لأنه كان إذا رأى هذا الطير هذا الحوين الصغير إذا طار يمينا تفائل خيرا أن هذه سفرته سيكون موفقا فيها و إذا طار يسارا تراجع عن سفره لأن الطير طار يسارا سبحان الله هو الطير نفسه لا يدري لما طار يمينا أو طار يسارا فكيف يدري عن سفرة هذا الرجل سيكون موفقا أو لا من هنا إشتقت الطيرة , إشتقت الطيرة فقال عليه السلام في صفات أولئك السبعين ( و لا يتطيرون و على ربهم يتوكّلون ) هنا الشاهد الآن ( و على ربهم يتوكّلون ) هذه الجملة تشمل الأنواع الثلاثة أما في الرقية و طلبها من الغير فقد عرفتم أن المفروض فيه التوجّه إلى الله و يتوكّل على الله فإن شاء عافاه و إن شاء إبتلاه أما الكي بالنار فعرفتم السبب أنه تعذيب بالنار فلا ينبغي للمسلم أن يعذب نفسه بالنار و أن يلجأ أيضا إما إلى الطبّ النبوي الذي يقول مثلا عليه الصلاة و السلام في بعض ما جاء عنه ( في الحبة السوداء شفاء لكلّ داء إلا السام ) أي الموت أو يستعمل إذا كان هذا المرض الذي يريد أن يكويه بالنار له علاج من الطب المادي المعروف و لو كان يعني إستفدناه من الكفار فلا مانع من أن نستفيد منهم ما لم يتعارض مع ديننا من دنياهم هذا ما يتعلق بالكي بالنار و ما يتعلق بالطيرة فأدعى للمسلم أن لا يهتمّ بالطيرة إذا فاجأته و الطيرة كما قلنا الأصل يتعلق بالطير لكن الطيرة هو التشاؤم يتحقق بصور كثيرة و كثيرة جدا تارة تكون متوارثة بين الناس خرافة من الخرافات يقيمون لها وزنا مثلا بعضهم يقول أن الغسيل ما بيجوز أن يغسل في يوم كذا , الصابون ما بيجوز أن يدخل البيت في يوم كذا إلخ , السيارة إذا ما علّقت عليها نعل من خلف فستصاب كلّ هذا ينافي التوكّل على الله تبارك و تعالى و من ذلك التشاؤم أن الإنسان قد يسمع كلمة فيتشاءم منها كأن يسمع كلمة من إنسان يخاطب آخر لا يقصده أبدا هو خارج للسفر فيسمع واحد يقول للثاني الله لا يوفّقك هذا يسمعه فيفاجأ بها لكن عليه أن يتوكّل على الله و لا يبالي بهذه الكلمة لأنه إذا إهتمّ بها فيكون شأنه شأن ذلك الجاهلي الذي اهتم بالطير لما طار يسارا و هو لا يدري لم طار يمينا أو يسارا ( و على ربهم يتوكّلون ) هذا التوكل هو الذي ينبغي على المسلم أن يعتمد عليه و أن يعرض عن الوسائل الأخرى التي لم تشرع نصا كما جاء في هذا الحديث أو لم تشرع إستنباطا من أدلة الكتاب و السنة كما تحدّثنا آنفا عن موضوع الربا الذي هو بيع التقسيط و عن موضوع الإشتراك في شركات التأمين على إختلاف أشكالها و أنواعها . أخيرا أقول تعلمون أن التأمين على السيارة مثلا فيه إختياري و فيه إجباري فما كان إجباريا فهو ما يدفع بطلب من الدولة كسائر الضرائب التي تفرض على أفراد الشعب و لابد لهم من أن يدفعوها فلا إثم عليهم في ذلك أما التأمين أو الإشتراك في الشركة في التأمين الإختياري هذا لا ينبغي لمسلم أبدا أن يوافق على ذلك ما وجد إلى ذلك سبيلا و بهذا القدر كفاية و الحمد لله رب العالمين و لعلي أجبت الأخ عن كلّ ما تضمّنه سؤاله أقول هذا خشية أن يكون يفوتني شيء
السائل : جزاكم الله خير و بارك الله فيك على ما أوضحتم و تفضلتم به .
الشيخ : و إياكم إن شاء الله , بارك الله في الجميع
أبو ليلى : جزاك الله خير شيخنا
لشيخ : أهلا و سهلا
أبو ليلى : و يعطيك العافية
الشيخ : هي الساعة تسعة و عشرة

مواضيع متعلقة