حديث : ( ذهب أهل الدثور بالأجور ) .
A-
A=
A+
الشيخ : من هنا نعرف حرص التجار الأولين من أصحاب الرسول عليه السلام حينما جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم حينما أرسلوا رسولا منهم أي شخصا منهم قال " يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور " الدثور يعني الأموال أي الأغنياء " ذهب أهل الدثور بالأجور يصلون كما نصلي و يصومون كما نصوم و يحجون كما نحج و يتصدقون و لا نتصدق " أخذ هذا على خاطرهم أنه نحن فقراء و مساكين إلا الأغنياء سبقونا في الخير يعملون الطاعات و العبادات و يشاركوننا فيها و نحن لا نستطيع أن نشاركهم في الخصلة التي تفردوا بها عنا و هي أنهم يتصدقون بأموالهم و نحن فقراء فقال لهم عليه الصلاة و السلام ( أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من قبلكم و لم يدرككم من بعدكم إلا من فعل مثلكم تسبحون الله دبر كلّ صلاة ثلاثا و ثلاثين و تحمدون الله ثلاثا و ثلاثين و تكبرون الله ثلاثا و ثلاثين ) أو قال ( أربعا و ثلاثين ) أي آخرها ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو كل شيء قدير ) فرجع رسول الفقراء إليهم فرحا مسرورا أي الرسول عليه السلام أعطاهم مادة من العبادة لا يدركهم فيها إلا من فعل مثلهم فأخذ الفقراء يُعنَون بهذا الذكر دبر الصلاة لكن سرعان ما رجع رسول الفقراء إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم ليقول له " يا رسول الله سمع الأغنياء بما وصفت " أو " بما قلت لنا ففعلوا مثل ما فعلنا " فقال عليه الصلاة و السلام ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) غرضه من هذا الحديث هو أن الفقراء بسبب عدم إنشغالهم بالتجارة و البيع و الشراء عندهم فراغ فهم يستغلون هذا الفراغ في ذكر الله في تلاوة القرآن في الصلاة على الرسول عليه السلام بقراءة الأوراد في الصباح و المساء و في كل مناسبة و هناك كتب كثيرة جدا تبين هذه الأذكار و الأوراد أما الأغنياء بسبب إنشغالهم كما قلت آنفا بأمور التجارة المقننة و المرتبة و المنظّمة اليوم قلّ منهم من يستطيع أن يحرص على أداء العبادات التي هي من نوع التطوع و التنفل فأنا أقول قد جعل الله عزّ و جلّ لكلّ شيء سببا و عدّد الطرق إلى التقرب إلى الله عز و جل كل بحسبه نقول الآن التجار لا يستطيعون من العبادات و الأذكار ما يستطيعه الفقراء لكن التجار يستطيعون أن يفعلوا من القربات و الطاعات ما يفوقون بها و هم في أثناء تجارتهم ما يفوقون أو يسبقون الفقراء المتفرغين للعبادة و الطاعة كيف ذلك ؟ بأن يعرضوا عن بيع التقسيط و يبيعون بيعة واحدة بسعر النقد و قلنا آنفا أن هذا أنفع لهم دنيا و تجارة لأن الزبائن كلهم راح يرجعوا عنده و من ناحية أخرى حينما يبيع التاجر بسعر النقد لإنسان فقير لا يستطيع أن يفي له السعر نقدا أنظروا الآن كم سيربح هذا التاجر يقول الرسول عليه الصلاة و السلام في الحديث الصحيح ( قرض درهمين صدقة درهم ) قرض درهمين يساوي عند الله صدقة درهم إذا أقرضت مسلما مائتي دينار كما أنك تصدقت بمائة دينار فتصوروا هؤلاء التجار كم من القروض من مئات القروض يقدمونها إلى إخوانهم المسلمين فكم من الصدقات سيتوفّر لهم في آخر النهار مما لا يستطيعون أن يسجلوه في دفاتيرهم لأن هذه الصدقات إنما يسجّلها ربّنا تبارك و تعالى لهم يوم القيامة (( يوم لا ينفع مال و لا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم )) فالبنك الإسلامي بارك الله فيكم يستغل ذلك القول الفقهي الذي يبيح بيع التقسيط بثمن غالي أكثر من بيع النقد ثم يضمّ إلى ذلك مع مخالفته للسنة كما ذكرنا أنه يحتال فيدخل وسيطا بين تاجر الثلاجة مثلا أو السيارة أو الحديد أو الإسمنت أو ما شابه ذلك كل هذا واقع و بين هذا الفقير فيأخذ منه الزيادة التي كان يفترض في حقه أن يقرض رأس المال للفقير أقرضه مثلا خمسمائة دينار فكأنه تصدّق بمائتين و خمسين دينار لكن الجشع و الطمع و الغفلة عن الطاعة و العبادة و عدم تذكر ذلك اليوم الذي قلنا آنفا (( يوم لا ينفع مال و لا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم )) وقع هؤلاء المسلمون في مثل هذه المخالفة الشرعية من جهة و المعاكسة للمقصد المادي و الربح المادي من جهة أخرى لو كانوا يعلمون .
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 685
- توقيت الفهرسة : 00:45:46