الكلام في الترجيح بين روايتي ابن عباس المرسلة والموصولة ، وما ذكره العلماء في ذلك ، والكلام على مسألة زيادة الثِّقة .
A-
A=
A+
الشيخ : ابن خزيمة وتلميذه ابن حبان ، لكن أتبَعَ ذلك بأن الإمام النَّقَّاد الحافظ أبا عبد الرحمن النسائي رجَّحَ إرساله ، ومعنى هذا الكلام أن الحديث رُوِيَ عن ابن عباس من طريق عكرمة عنه ، فبعض الرواة رواه هكذا موصولًا عن عكرمة عن ابن عباس أن أعرابيًّا إلى آخره . ورواة آخرون أرسلوه بمعنى أنهم لم يذكروا في إسناده ابن عباس ، وإنما قالوا : عن عكرمة أن أعرابيًّا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، عكرمة تابعي لم يدرِكْ عصر النبوة والرسالة ، فهو حين يقول : جاء أعرابي إلى الرسول يكون هناك فجوة وانقطاع بينه وبين هذا الحديث الذي يحدِّث به ، هذا الحديث يسمَّى على الغالب بحديث المرسل ، ويُعبَّر عنه أحيانًا بأنه منقطع ، والتعبير الأول أدق .
بعض الرواة قالوا : عن عكرمة عن ابن عباس فهو موصول ، وبعض الرواة قال : عن عكرمة أن أعرابيًّا ، لم يذكر هؤلاء الرواة بين عكرمة وبين النبي - عليه الصلاة والسلام - ابن عباس .
تُرى ما هو الراجح من هاتين الروايتين ؛ آلرواية الموصولة أم الرواية المرسلة ؟
رجَّحَ الإمام النسائي الرواية المرسلة ، وهذا الترجيح من الحافظ النسائي هو الراجح في الواقع من ناحيتين اثنتين ، الناحية الأولى بما عُرِفَ من دقَّة نقد الإمام النسائي للأسانيد ، يُقابله ما عُرف من تساهل ابن خزيمة وابن حبان في التصحيح ، فإذا تقابل تصحيح ابن خزيمة وابن حبان مع طعن أو إعلام مثل الإمام النسائي دون أن نعرف نحن الحقيقة الواقعة فلا شكَّ أن النفس تطمئنُّ إلى ما ذهب إليه النسائي أكثر مما ذهب إليه ابن خزيمة أو ابن حبان ؛ لأن ابن خزيمة وابن حبان متساهلان في التصحيح ، أما النسائي فإمام نقَّاد ؛ فإذا رجَّحَ الحديث المرسل فيكون هو الصواب ؛ هذا من حيث المقابلة والمفاضلة بين الأئمة النُّقَّاد ، لكن انضمَّ إلى هذا - أيضًا - فيما بَقِيَ في ذهني من دراسة إسناد الحديث أن الدراسة العلمية تؤيِّد ما رجَّحَه الإمام النسائي من أن هذا الحديث مرسل .
وإذ الأمر كذلك فهل هناك تنافٍ وتنافر وتضادّ بين تصحيح ابن خزيمة وابن حبان لهذا الحديث ، وبين إعلال النسائي له بالإرسال ؟
الجواب : نعم ؛ لأنه من المعلوم عند العلماء لمصطلح الحديث أن الحديث المرسل هو قسم من أقسام الحديث الضعيف ، فإذا قيل الحديث الفلاني مرسل ؛ فذلك يساوي عندهم حديث ضعيف ، ولا شك حين ذاك أن حديث ضعيف يُباين قولَ مَن قال : إنه حديث صحيح . فهذا معنى قول الحافظ ابن حجر معقِّبًا على ما نَقَلَه من تصحيح ابن خزيمة وابن حبان للحديث بقوله : ورجَّحَ النسائي إرساله ؛ يعني أن الراجح أن الحديث ضعيف ، وعلَّته الإرسال .
وههنا مسألة حديثيَّة وفيها دقة ، وكثير من المشتغلين بعلم الحديث اليوم لا يتنبَّهون لها لدقَّتِها ، وهي إذا كان هذا الحديث قد رواه بعض الرواة موصولًا ؛ أي : عن عكرمة عن ابن عباس ، وبعض آخر رواه عن عكرمة دون ذكر ابن عباس ؛ فهنا قاعدة تُذكر بذكر هذه المناسبة أن الذي ذكر ابن عباس فقد جاء بزيادة في السند على الذي لم يذكر فيه ابن عباس على الذي أرسله ، ومن المعلوم عند علماء الحديث أن زيادة الثقة مقبولة ؛ فلماذا رُفِضَت هذه الزيادة من هنا في هذا الحديث وصرَّح الحافظ نقلًا عن النسائي أن الراجح الإرسال ؟ لماذا لم يقبل قول مَن قال : عن عكرمة عن ابن عباس وهذه الزيادة ؟
الجواب : أن زيادة الثقة مقبولة ليست على إطلاقها ، وهنا موضع الدِّقَّة ، زيادة الثقة تُقبل حينما يكون الذي جاء بالزيادة إما مثل الذي لم يأتِ بها أو خيرًا منه ، أما إذا كان الذي جاء بالزيادة فردٌ ، والذين لم يأتوا بالزيادة جماعة ؛ فهنا لا تَرِدُ هذه القاعدة : " زيادة الثقة مقبولة " لا ترد هنا ، وإنما هنا يرد أن هذه الزيادة شاذَّة ؛ لأنُّو الحديث الشاذ هو أن يروي الثقة ما خالف فيه غيره من الثقات ، أو على الأقل خالف فيه مَن هو أوثق منه ؛ حين ذاك الزيادة لا تُقبل ، إنما تُقبل زيادة الثقة إذا كان الزائد مثل الذي لم يزِدْ أو أحفظ منه ، أما إذا كان الزائد دون الذي لم يزِدْ في الضَّبط والحفظ ، أو أقل عددًا من الذين لم يأتوا بالزيادة ؛ حينئذٍ الزيادة يُحكم عليها بالشذوذ ، ولا يُقال فيها : زيادة الثقة مقبولة . ولهذا نجد كثيرًا من الأحاديث إذا دُرِسَت هذه الأحاديث بالنظر إلى طريقٍ رجال إسناده كلهم ثقات وهو متَّصل ؛ إذا دُرِسَ هذا السند بالذات قيل : إنه إسناد صحيح ، ولكن إذا ما نُظِرَ إلى هذا الإسناد من طرقه الأخرى انكشف لنا أن الطريق الأولى فيها راوٍ ثقة خالف فيه جماعةً من الثقات ؛ هذه المخالفة حينَ ذاك تجعَلُنا نغيِّر نظرتنا السابقة .
أعيد الكلام : يأتي الحديث أحيانًا من طريق ثقة من الثقات بسند صحيح إليه ، وهذا الثقة يرويه - أيضًا - بإسناد صحيح إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيُقال في هذا السند : إسناده صحيح ، ولكن الثقة الذي دارت طرق الحديث إليه اختلف الرواة عليه ؛ فالإسناد الأول جاء عنه بإسناد صحيح كما قلنا ، ثم جاءت أسانيد أخرى ، وإذا بهذه الأسانيد الأخرى تُبيِّن أن في الإسناد الأول علة ، ويمكن هذا تصويره بصور كثيرة جدًّا ولنقل - مثلًا - الإمام الزهري ، وهو أشهر من أن يُذكر ؛ يروي كثيرًا عن سعيد بن المسيَّب ، وهو يروي عن أبي هريرة ، فيأتي ثقة يروي عن الزهري عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة ، فماذا يكون هذا الإسناد ؟ يكون صحيحًا ، ولكن لما يتَّسع الباحث في دراسة هذا الحديث بهذا الإسناد وإذا به يجد ثقاتًا آخرين شاركوا الثقة الأول في رواية الحديث عن الزهري ، لكن خالفوه في الإسناد ؛ فقالوا - مثلًا - عن الزهري عن سعيد بن المسيَّب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لم يذكروا أبا هريرة ، فهل يقال هنا أو هل نظل نقول أن الحديث إسناده صحيح باعتبار أن الثقة الأول رواه عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، وزيادة الثقة مقبولة أم نقول : لا ، هذه الثقة الذي زاد في السند فذكر فيه أبا هريرة قد خالف الثقات الذين روَوه جميعًا عن الزهري عن سعيد مرسلًا ؟ يقال : نعم ، رواية الثقات هنا هي الراجحة ، فيكون الحديث معلَّلًا بالإرسال .
هذا واقع حديث ابن عباس ، فحديث بن عباس مداره على عكرمة عن ابن عباس ، رواه ثقة ، جاء الآخرون فروَوْه عن عكرمة مرسلًا ؛ من أجل ذلك رجَّحَ الإمام النسائي إرساله ، وبعد معرفة أن هذا الحديث ضعيف بعلَّة الإرسال حينئذٍ يظهر لنا الفرق بين دلالة الحديث الأول الصحيح وبين دلالة الحديث الآخر الضعيف ؛ فإن الأول يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَبِلَ شهادة عبد الله المعروف عنده بالعدالة والصدق والضبط ونحو ذلك ؛ بينما الحديث الأول قَبِلَ شهادة الأعرابي الذي لم يعرف إسلامه إلا ساعة الشهادة ، فهذا فيه تساؤل كبير ؛ لو أن الحديث صحَّ كان يعطينا حكمًا زائدًا عن الحديث الأول ؛ لذلك فنحن لا نبني عليه حكمًا ، وإنما نقتصر في استنباط الحكم السابق من حديث المتقدِّم من رواية ابن عمر - رضي الله عنه - .
بعض الرواة قالوا : عن عكرمة عن ابن عباس فهو موصول ، وبعض الرواة قال : عن عكرمة أن أعرابيًّا ، لم يذكر هؤلاء الرواة بين عكرمة وبين النبي - عليه الصلاة والسلام - ابن عباس .
تُرى ما هو الراجح من هاتين الروايتين ؛ آلرواية الموصولة أم الرواية المرسلة ؟
رجَّحَ الإمام النسائي الرواية المرسلة ، وهذا الترجيح من الحافظ النسائي هو الراجح في الواقع من ناحيتين اثنتين ، الناحية الأولى بما عُرِفَ من دقَّة نقد الإمام النسائي للأسانيد ، يُقابله ما عُرف من تساهل ابن خزيمة وابن حبان في التصحيح ، فإذا تقابل تصحيح ابن خزيمة وابن حبان مع طعن أو إعلام مثل الإمام النسائي دون أن نعرف نحن الحقيقة الواقعة فلا شكَّ أن النفس تطمئنُّ إلى ما ذهب إليه النسائي أكثر مما ذهب إليه ابن خزيمة أو ابن حبان ؛ لأن ابن خزيمة وابن حبان متساهلان في التصحيح ، أما النسائي فإمام نقَّاد ؛ فإذا رجَّحَ الحديث المرسل فيكون هو الصواب ؛ هذا من حيث المقابلة والمفاضلة بين الأئمة النُّقَّاد ، لكن انضمَّ إلى هذا - أيضًا - فيما بَقِيَ في ذهني من دراسة إسناد الحديث أن الدراسة العلمية تؤيِّد ما رجَّحَه الإمام النسائي من أن هذا الحديث مرسل .
وإذ الأمر كذلك فهل هناك تنافٍ وتنافر وتضادّ بين تصحيح ابن خزيمة وابن حبان لهذا الحديث ، وبين إعلال النسائي له بالإرسال ؟
الجواب : نعم ؛ لأنه من المعلوم عند العلماء لمصطلح الحديث أن الحديث المرسل هو قسم من أقسام الحديث الضعيف ، فإذا قيل الحديث الفلاني مرسل ؛ فذلك يساوي عندهم حديث ضعيف ، ولا شك حين ذاك أن حديث ضعيف يُباين قولَ مَن قال : إنه حديث صحيح . فهذا معنى قول الحافظ ابن حجر معقِّبًا على ما نَقَلَه من تصحيح ابن خزيمة وابن حبان للحديث بقوله : ورجَّحَ النسائي إرساله ؛ يعني أن الراجح أن الحديث ضعيف ، وعلَّته الإرسال .
وههنا مسألة حديثيَّة وفيها دقة ، وكثير من المشتغلين بعلم الحديث اليوم لا يتنبَّهون لها لدقَّتِها ، وهي إذا كان هذا الحديث قد رواه بعض الرواة موصولًا ؛ أي : عن عكرمة عن ابن عباس ، وبعض آخر رواه عن عكرمة دون ذكر ابن عباس ؛ فهنا قاعدة تُذكر بذكر هذه المناسبة أن الذي ذكر ابن عباس فقد جاء بزيادة في السند على الذي لم يذكر فيه ابن عباس على الذي أرسله ، ومن المعلوم عند علماء الحديث أن زيادة الثقة مقبولة ؛ فلماذا رُفِضَت هذه الزيادة من هنا في هذا الحديث وصرَّح الحافظ نقلًا عن النسائي أن الراجح الإرسال ؟ لماذا لم يقبل قول مَن قال : عن عكرمة عن ابن عباس وهذه الزيادة ؟
الجواب : أن زيادة الثقة مقبولة ليست على إطلاقها ، وهنا موضع الدِّقَّة ، زيادة الثقة تُقبل حينما يكون الذي جاء بالزيادة إما مثل الذي لم يأتِ بها أو خيرًا منه ، أما إذا كان الذي جاء بالزيادة فردٌ ، والذين لم يأتوا بالزيادة جماعة ؛ فهنا لا تَرِدُ هذه القاعدة : " زيادة الثقة مقبولة " لا ترد هنا ، وإنما هنا يرد أن هذه الزيادة شاذَّة ؛ لأنُّو الحديث الشاذ هو أن يروي الثقة ما خالف فيه غيره من الثقات ، أو على الأقل خالف فيه مَن هو أوثق منه ؛ حين ذاك الزيادة لا تُقبل ، إنما تُقبل زيادة الثقة إذا كان الزائد مثل الذي لم يزِدْ أو أحفظ منه ، أما إذا كان الزائد دون الذي لم يزِدْ في الضَّبط والحفظ ، أو أقل عددًا من الذين لم يأتوا بالزيادة ؛ حينئذٍ الزيادة يُحكم عليها بالشذوذ ، ولا يُقال فيها : زيادة الثقة مقبولة . ولهذا نجد كثيرًا من الأحاديث إذا دُرِسَت هذه الأحاديث بالنظر إلى طريقٍ رجال إسناده كلهم ثقات وهو متَّصل ؛ إذا دُرِسَ هذا السند بالذات قيل : إنه إسناد صحيح ، ولكن إذا ما نُظِرَ إلى هذا الإسناد من طرقه الأخرى انكشف لنا أن الطريق الأولى فيها راوٍ ثقة خالف فيه جماعةً من الثقات ؛ هذه المخالفة حينَ ذاك تجعَلُنا نغيِّر نظرتنا السابقة .
أعيد الكلام : يأتي الحديث أحيانًا من طريق ثقة من الثقات بسند صحيح إليه ، وهذا الثقة يرويه - أيضًا - بإسناد صحيح إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيُقال في هذا السند : إسناده صحيح ، ولكن الثقة الذي دارت طرق الحديث إليه اختلف الرواة عليه ؛ فالإسناد الأول جاء عنه بإسناد صحيح كما قلنا ، ثم جاءت أسانيد أخرى ، وإذا بهذه الأسانيد الأخرى تُبيِّن أن في الإسناد الأول علة ، ويمكن هذا تصويره بصور كثيرة جدًّا ولنقل - مثلًا - الإمام الزهري ، وهو أشهر من أن يُذكر ؛ يروي كثيرًا عن سعيد بن المسيَّب ، وهو يروي عن أبي هريرة ، فيأتي ثقة يروي عن الزهري عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة ، فماذا يكون هذا الإسناد ؟ يكون صحيحًا ، ولكن لما يتَّسع الباحث في دراسة هذا الحديث بهذا الإسناد وإذا به يجد ثقاتًا آخرين شاركوا الثقة الأول في رواية الحديث عن الزهري ، لكن خالفوه في الإسناد ؛ فقالوا - مثلًا - عن الزهري عن سعيد بن المسيَّب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لم يذكروا أبا هريرة ، فهل يقال هنا أو هل نظل نقول أن الحديث إسناده صحيح باعتبار أن الثقة الأول رواه عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، وزيادة الثقة مقبولة أم نقول : لا ، هذه الثقة الذي زاد في السند فذكر فيه أبا هريرة قد خالف الثقات الذين روَوه جميعًا عن الزهري عن سعيد مرسلًا ؟ يقال : نعم ، رواية الثقات هنا هي الراجحة ، فيكون الحديث معلَّلًا بالإرسال .
هذا واقع حديث ابن عباس ، فحديث بن عباس مداره على عكرمة عن ابن عباس ، رواه ثقة ، جاء الآخرون فروَوْه عن عكرمة مرسلًا ؛ من أجل ذلك رجَّحَ الإمام النسائي إرساله ، وبعد معرفة أن هذا الحديث ضعيف بعلَّة الإرسال حينئذٍ يظهر لنا الفرق بين دلالة الحديث الأول الصحيح وبين دلالة الحديث الآخر الضعيف ؛ فإن الأول يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَبِلَ شهادة عبد الله المعروف عنده بالعدالة والصدق والضبط ونحو ذلك ؛ بينما الحديث الأول قَبِلَ شهادة الأعرابي الذي لم يعرف إسلامه إلا ساعة الشهادة ، فهذا فيه تساؤل كبير ؛ لو أن الحديث صحَّ كان يعطينا حكمًا زائدًا عن الحديث الأول ؛ لذلك فنحن لا نبني عليه حكمًا ، وإنما نقتصر في استنباط الحكم السابق من حديث المتقدِّم من رواية ابن عمر - رضي الله عنه - .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 158
- توقيت الفهرسة : 00:00:00
- نسخة مدققة إملائيًّا