الكلام على حديث معاذ : ( واذكر الله - عز وجل - عند كلِّ حجر وعند كلِّ شجر ) .
A-
A=
A+
الشيخ : ثم زاد في حديث معاذ : ( واذكر الله عند كلِّ حجر وعند كلِّ شجر ) ، هذا معناه الاستمرار استمرار العبد في ذكر الله - عز وجل - ، فهذا واضح ( عند كلِّ حجر وعند كلِّ شجر ) ، وهذا يعني ألَّا يغفل الإنسان عن ذكر ربه أوَّلًا ، هذا يعني أوَّلًا ألَّا يغفل الإنسان عن ذكر ربه - عز وجل - في كل أحواله ؛ سواءٌ كان جالسًا أو منطلقًا يمشي .
وجه آخر أن ذكر الله - عز وجل - المأمور في السنة ومنها هذا الحديث أن تذكُرَ الله عند كلِّ حجر وكلِّ شجر ؛ معنى هذا أن ذكر العبد لربِّه لا يحتاج إلى مراسيم وإلى طقوس وإلى مجالس وحلقات ذكر تُسمَّى ، ونحو ذلك ؛ أيضًا مما أُحدث في الإسلام ؛ لأنه يقول لك : ( اذكروا الله عند كلِّ حجر وشجر ) ، يعني اذكروا الله يعني يعنون مجلس ذكر وصلاة على الرسول عند كلِّ حجر وشجر ؟ لا ، هو يعني لا تتقيَّد بجلوس معيَّن ؛ حتى ولو أن تستقبلَ القبلة ، قد يبدو لبعض الناس أنَّ ذكر الله كالصلاة لازم نتَّخذ له الآداب بل الواجبات التي يقوم بها الذي يريد الصلاة ؟ الجواب : لا ، لم يأتِ في السنة فضلًا عن القرآن أيُّ شرط للذِّكر ، كيف وربُّنا - عز وجل - يقول في وصف نوعٍ من عباده المصطفين الأخيار يصفهم بقوله : (( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ )) ، فإذا جلست أنت جلسةً تأخذ بها راحة لجسمك فذكرت الله في هذه الحالة ؛ فلا ضير عليك شرعًا إطلاقًا ؛ وإن كان لا يروقُ مثل هذا لبعض الذينَ يستحسنون أحكامًا في الدِّين بدون إذن من ربِّ العالمين ؛ (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ )) ، فالله - عز وجل - يصف - كما قلت - نخبة من عباده المصطفين الأخيار مش عامة الناس : (( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ )) ؛ أي : يذكرون الله حين يكونون قائمين ، ويذكرون الله حين يكونون قاعدين ، ويذكرون الله حين يكونون مضطجعين ، فلا يُلزِمُنا ربُّنا - عز وجل - أن نتمسَّك بصفة من هذه الصفات الثلاث ، وإنما كما يتيسَّر لك ، وكأن هذه الحديث أو هذه الفقرة من هذا الحديث مقتبسة من هذه الآية : ( اذكروا الله عند كلِّ حجر وعند كلِّ شجر ) ، لسْتَ مكلَّفًا أن تتَّخذ هيئات وصفات واستعدادات ، ومن ذلك إعلان خاص كأنَّما يجتمع المسلمون لصلاة الاستسقاء أو لصلاة الكسوف ، هذه العبادات التي شَرَعَها الإسلام على لسان الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، ثم - مع الأسف الشديد - أصبحت نسيًا منسيًّا ، ومن أسباب ذلك أن الناس أحلُّوا محلَّها وأقاموا مقامها عبادات اخترعوها من أنفسهم ، فهلَّا سمعتم أحدًا منهم أعلَنَ في بضع سنين صلاة الاستسقاء ؟ صلاة خسوف أو كسوف ؟ أبدًا .
أما الصلاة التي يستطيعها المسلم بينَه وبين ربِّه في أيِّ وقتٍ بدا له أو تيسَّر له أو بدا له هذه تعقد لها مجالس خاصة ، وذلك ليس من السنة في شيء ، وأنا حين أقول هذا أعرف أنَّ ناسًا سينقمون ويستنكرون فنجابِهُهم سَلَفًا بسنَّة أصحاب الرسول - عليه السلام - وقصَّتهم في إنكارهم لمُحدثات الأمور ، ولو كانت هذه المُحدثات حسنة في زعم الجمهور كما يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة " ، نجابِهُهم بقصة ابن مسعود مع أصحاب مجالس الذكر المجالس الخاصَّة ؛ فقد جاء في " سنن الدارمي " بإسناد صحيح أنَّ أبا موسى الأشعري - رضي الله عنه - أتى صباح يوم دارَ عبد الله بن مسعود ، فوجد طائفةً من الناس في انتظاره ، فقال لهم : أَخَرَجَ أبو عبد الرحمن - يعني ابن مسعود - ؟ قالوا : لا . فجلس ينتظره ، فلما خرج قال : يا أبا عبد الرحمن ، لقد دخلت المسجد آنفًا ؛ فرأيت فيه ناسًا حلقًا حلقًا ، وأمام كلِّ رجل منهم حصى يعدُّ به التسبيح والتكبير والتحميد ، وفي وسط كلِّ حلقة رجل يقول لِمَن حوله : سبِّحوا كذا ، احمدوا كذا ، كبِّروا كذا . قال ابن مسعود : أَفَلَا أنكرتَ عليهم ؟ قال : لا ، انتظار أمرك أو انتظار رأيك . قال : أَفَلَا أمرتهم أن يعدُّوا سيئاتهم وضَمِنْتَ لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ؟ ثم عاد إلى داره وخرج متلثِّمًا لا يعرف ؛ حتى دخل المسجد ورأى ما وُصِفَ له من التحلُّق والذكر المعدود بعدد لم يُشرع ، لما تبيَّن الأمر كشف عن وجهه اللثام وقال : ويحكم ؟! ما هذا الذي تصنعون ؟ أنا عبد الله بن مسعود صحابي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ، حصى نعدُّ به التسبيح والتكبير والتحميد . قال : عدُّوا سيِّئاتكم ، وأنا الضامن لكم ألَّا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم ما أسرع هَلَكَتَكم ! هذه ثيابه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم تبْلَ ، وهذه آنيته لم تُكسَرْ ، والذي نفس محمد بيده ؛ أإنَّكم لَأهدى من أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أو متمسِّكون بذَنَبِ ضلالة ، ما قال : متمسكون بضلالة فحسب ، وإنما بذَنَبِ ضلالة ! قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير .
وهذا جواب جماهير المبتدعة ؛ خاصَّة التابعين منهم ، أما المتبوعون فالغالب عليهم أنهم يعرفون وينحرفون لمآرب كثيرة الله أعلم بما في نفوسهم ، أما التابعون فجمهورهم يتَّبعون رؤساءهم بنوايا حسنة ، يصوِّرون لهم أن هذا ذكر ، وأنَّه ذكر مشروع فيتَّبعونهم على ذلك تمامًا كما قال القوم لابن مسعود : والله ما أردنا إلا الخير ، لكن الجواب القاطع للظُّهور قولُ ابن مسعود : وكم من مريد للخير لا يُصيبه !! أي : لا يكفي أن يكون قصد أحدكم الخير ، وإنما يجب أن يقترنَ مع هذا القصد الخَيِّر أن يكون الطريق - أيضًا - الذي يسلُكُه في طلب الخير خيرًا في نفسه ، ولا يكون كذلك أبدًا إلَّا إذا كان هو طريق الرسول - عليه الصلاة والسلام - ؛ كما قال الله - عز وجل - : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) ، فهذا الطريق إذا سَلَكَه القاصد للخير فهو في خير يقينًا ، أما إذا سلك طريقًا آخر وهو يقصد الخير فلن يفيد هذا شيئًا إطلاقًا ، وهذا من معاني قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ، ومن مقاصد قوله الآخر : ( مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ) ؛ لذلك قال ابن مسعود : وكم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! لأنكم تقصدون الخير بخلاف طريق محمد - عليه السلام - ؛ إذًا لن تصيبوا هذا الخير ، ثم ضرب لهم على ذلك مثلًا حديثًا سَمِعَه من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إن أقوامًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرَهم ) أي : لا يصل إلى قلوبهم ، إنما لقلقة لسان ، وتجارة بالقرآن كما هو الواقع في آخر الزمان . ( لا يجاوز حناجرَهم ؛ يمرقون من الدين كما يمرق السَّهم من الرميَّة ) . إلى هنا تنتهي قصة ابن مسعود مع أصحاب المجالس المبتدعة ، لكن العبرة بتمام القصة التي يرويها مشاهِدُها قال : فلقد رأينا أولئك الأقوام - أي : أصحاب حلقات الذكر غير المشروع - رأيناهم يقاتلوننا يوم النهروان .
أي : إنَّ أصحاب حلقات الذِّكر صاروا من الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقاتلهم عليٌّ - رضي الله عنه - واستأصل شأفتهم إلَّا أفرادًا قليلين منهم ، فلم تُفِدْهم مجالسُهم شيئًا ، وذلك لأنَّهم خالفوا في ذلك السنة ، و هذا شاهد لقول العلماء : " الصغائر بريد الكبائر " ، وأنا أقتبس من قولهم هذا فأقول : " البدعة الصغيرة بريد البدعة الكبيرة " . هذا هو شاهد يُطابق ما أقول تمامًا ، حلقات مُبتدعة يذكرون الله بصورة غير مشروعة أوصَلَتْهم إلى البدعة الكبرى ، وهي الخروج على أمير وقتالهم إياه ؛ لذلك يجب أن نقف عند حدود الله ، وألَّا نتألَّى على الله فنسنَّ بآرائنا وعقولنا وأهوائنا وعاداتنا شيئًا لم يسنَّه لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بل هو على العكس من ذلك يُفسح لنا المجال أن نذكر الله كيفما اتَّفق لنا دون أن نتَّخذ كيفية وصورة معينة ، وإنما حسبما يتيسَّر كما قال في هذا الحديث : ( واذكر الله عند كلِّ حجر وعند كلِّ شجر ) ... .
فالسائل أشكلَ عليه هذا الأمر ، أشكلت عليه القصة ، وذكر بعض الأحاديث الصحيحة التي فيها أنَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أثنى خيرًا على حلقات الذِّكر ، وفي بعض الأحاديث : ( ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون القرآن ويتدارسونه بينهم إلَّا نزلت عليهم الملائكة ، وحفَّتْهم الرحمة ، وذَكَرَهم الله فيمَن عنده ) أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - ، وكذلك حديث آخر طويل في " صحيح مسلم " أن الملائكة تنزل من السماء تتطلَّب وتتفقَّد مجالس الذكر ، فيشاركون أهل مجالس الذكر على الذكر . أشكل من أجل هذه الأحاديث قصَّة عبد الله بن مسعود التي أشرت إليها آنفًا .
وجه آخر أن ذكر الله - عز وجل - المأمور في السنة ومنها هذا الحديث أن تذكُرَ الله عند كلِّ حجر وكلِّ شجر ؛ معنى هذا أن ذكر العبد لربِّه لا يحتاج إلى مراسيم وإلى طقوس وإلى مجالس وحلقات ذكر تُسمَّى ، ونحو ذلك ؛ أيضًا مما أُحدث في الإسلام ؛ لأنه يقول لك : ( اذكروا الله عند كلِّ حجر وشجر ) ، يعني اذكروا الله يعني يعنون مجلس ذكر وصلاة على الرسول عند كلِّ حجر وشجر ؟ لا ، هو يعني لا تتقيَّد بجلوس معيَّن ؛ حتى ولو أن تستقبلَ القبلة ، قد يبدو لبعض الناس أنَّ ذكر الله كالصلاة لازم نتَّخذ له الآداب بل الواجبات التي يقوم بها الذي يريد الصلاة ؟ الجواب : لا ، لم يأتِ في السنة فضلًا عن القرآن أيُّ شرط للذِّكر ، كيف وربُّنا - عز وجل - يقول في وصف نوعٍ من عباده المصطفين الأخيار يصفهم بقوله : (( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ )) ، فإذا جلست أنت جلسةً تأخذ بها راحة لجسمك فذكرت الله في هذه الحالة ؛ فلا ضير عليك شرعًا إطلاقًا ؛ وإن كان لا يروقُ مثل هذا لبعض الذينَ يستحسنون أحكامًا في الدِّين بدون إذن من ربِّ العالمين ؛ (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ )) ، فالله - عز وجل - يصف - كما قلت - نخبة من عباده المصطفين الأخيار مش عامة الناس : (( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ )) ؛ أي : يذكرون الله حين يكونون قائمين ، ويذكرون الله حين يكونون قاعدين ، ويذكرون الله حين يكونون مضطجعين ، فلا يُلزِمُنا ربُّنا - عز وجل - أن نتمسَّك بصفة من هذه الصفات الثلاث ، وإنما كما يتيسَّر لك ، وكأن هذه الحديث أو هذه الفقرة من هذا الحديث مقتبسة من هذه الآية : ( اذكروا الله عند كلِّ حجر وعند كلِّ شجر ) ، لسْتَ مكلَّفًا أن تتَّخذ هيئات وصفات واستعدادات ، ومن ذلك إعلان خاص كأنَّما يجتمع المسلمون لصلاة الاستسقاء أو لصلاة الكسوف ، هذه العبادات التي شَرَعَها الإسلام على لسان الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، ثم - مع الأسف الشديد - أصبحت نسيًا منسيًّا ، ومن أسباب ذلك أن الناس أحلُّوا محلَّها وأقاموا مقامها عبادات اخترعوها من أنفسهم ، فهلَّا سمعتم أحدًا منهم أعلَنَ في بضع سنين صلاة الاستسقاء ؟ صلاة خسوف أو كسوف ؟ أبدًا .
أما الصلاة التي يستطيعها المسلم بينَه وبين ربِّه في أيِّ وقتٍ بدا له أو تيسَّر له أو بدا له هذه تعقد لها مجالس خاصة ، وذلك ليس من السنة في شيء ، وأنا حين أقول هذا أعرف أنَّ ناسًا سينقمون ويستنكرون فنجابِهُهم سَلَفًا بسنَّة أصحاب الرسول - عليه السلام - وقصَّتهم في إنكارهم لمُحدثات الأمور ، ولو كانت هذه المُحدثات حسنة في زعم الجمهور كما يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - : " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة " ، نجابِهُهم بقصة ابن مسعود مع أصحاب مجالس الذكر المجالس الخاصَّة ؛ فقد جاء في " سنن الدارمي " بإسناد صحيح أنَّ أبا موسى الأشعري - رضي الله عنه - أتى صباح يوم دارَ عبد الله بن مسعود ، فوجد طائفةً من الناس في انتظاره ، فقال لهم : أَخَرَجَ أبو عبد الرحمن - يعني ابن مسعود - ؟ قالوا : لا . فجلس ينتظره ، فلما خرج قال : يا أبا عبد الرحمن ، لقد دخلت المسجد آنفًا ؛ فرأيت فيه ناسًا حلقًا حلقًا ، وأمام كلِّ رجل منهم حصى يعدُّ به التسبيح والتكبير والتحميد ، وفي وسط كلِّ حلقة رجل يقول لِمَن حوله : سبِّحوا كذا ، احمدوا كذا ، كبِّروا كذا . قال ابن مسعود : أَفَلَا أنكرتَ عليهم ؟ قال : لا ، انتظار أمرك أو انتظار رأيك . قال : أَفَلَا أمرتهم أن يعدُّوا سيئاتهم وضَمِنْتَ لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء ؟ ثم عاد إلى داره وخرج متلثِّمًا لا يعرف ؛ حتى دخل المسجد ورأى ما وُصِفَ له من التحلُّق والذكر المعدود بعدد لم يُشرع ، لما تبيَّن الأمر كشف عن وجهه اللثام وقال : ويحكم ؟! ما هذا الذي تصنعون ؟ أنا عبد الله بن مسعود صحابي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ، حصى نعدُّ به التسبيح والتكبير والتحميد . قال : عدُّوا سيِّئاتكم ، وأنا الضامن لكم ألَّا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم ما أسرع هَلَكَتَكم ! هذه ثيابه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم تبْلَ ، وهذه آنيته لم تُكسَرْ ، والذي نفس محمد بيده ؛ أإنَّكم لَأهدى من أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أو متمسِّكون بذَنَبِ ضلالة ، ما قال : متمسكون بضلالة فحسب ، وإنما بذَنَبِ ضلالة ! قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير .
وهذا جواب جماهير المبتدعة ؛ خاصَّة التابعين منهم ، أما المتبوعون فالغالب عليهم أنهم يعرفون وينحرفون لمآرب كثيرة الله أعلم بما في نفوسهم ، أما التابعون فجمهورهم يتَّبعون رؤساءهم بنوايا حسنة ، يصوِّرون لهم أن هذا ذكر ، وأنَّه ذكر مشروع فيتَّبعونهم على ذلك تمامًا كما قال القوم لابن مسعود : والله ما أردنا إلا الخير ، لكن الجواب القاطع للظُّهور قولُ ابن مسعود : وكم من مريد للخير لا يُصيبه !! أي : لا يكفي أن يكون قصد أحدكم الخير ، وإنما يجب أن يقترنَ مع هذا القصد الخَيِّر أن يكون الطريق - أيضًا - الذي يسلُكُه في طلب الخير خيرًا في نفسه ، ولا يكون كذلك أبدًا إلَّا إذا كان هو طريق الرسول - عليه الصلاة والسلام - ؛ كما قال الله - عز وجل - : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) ، فهذا الطريق إذا سَلَكَه القاصد للخير فهو في خير يقينًا ، أما إذا سلك طريقًا آخر وهو يقصد الخير فلن يفيد هذا شيئًا إطلاقًا ، وهذا من معاني قول الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ، ومن مقاصد قوله الآخر : ( مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ) ؛ لذلك قال ابن مسعود : وكم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! لأنكم تقصدون الخير بخلاف طريق محمد - عليه السلام - ؛ إذًا لن تصيبوا هذا الخير ، ثم ضرب لهم على ذلك مثلًا حديثًا سَمِعَه من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( إن أقوامًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرَهم ) أي : لا يصل إلى قلوبهم ، إنما لقلقة لسان ، وتجارة بالقرآن كما هو الواقع في آخر الزمان . ( لا يجاوز حناجرَهم ؛ يمرقون من الدين كما يمرق السَّهم من الرميَّة ) . إلى هنا تنتهي قصة ابن مسعود مع أصحاب المجالس المبتدعة ، لكن العبرة بتمام القصة التي يرويها مشاهِدُها قال : فلقد رأينا أولئك الأقوام - أي : أصحاب حلقات الذكر غير المشروع - رأيناهم يقاتلوننا يوم النهروان .
أي : إنَّ أصحاب حلقات الذِّكر صاروا من الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فقاتلهم عليٌّ - رضي الله عنه - واستأصل شأفتهم إلَّا أفرادًا قليلين منهم ، فلم تُفِدْهم مجالسُهم شيئًا ، وذلك لأنَّهم خالفوا في ذلك السنة ، و هذا شاهد لقول العلماء : " الصغائر بريد الكبائر " ، وأنا أقتبس من قولهم هذا فأقول : " البدعة الصغيرة بريد البدعة الكبيرة " . هذا هو شاهد يُطابق ما أقول تمامًا ، حلقات مُبتدعة يذكرون الله بصورة غير مشروعة أوصَلَتْهم إلى البدعة الكبرى ، وهي الخروج على أمير وقتالهم إياه ؛ لذلك يجب أن نقف عند حدود الله ، وألَّا نتألَّى على الله فنسنَّ بآرائنا وعقولنا وأهوائنا وعاداتنا شيئًا لم يسنَّه لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بل هو على العكس من ذلك يُفسح لنا المجال أن نذكر الله كيفما اتَّفق لنا دون أن نتَّخذ كيفية وصورة معينة ، وإنما حسبما يتيسَّر كما قال في هذا الحديث : ( واذكر الله عند كلِّ حجر وعند كلِّ شجر ) ... .
فالسائل أشكلَ عليه هذا الأمر ، أشكلت عليه القصة ، وذكر بعض الأحاديث الصحيحة التي فيها أنَّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أثنى خيرًا على حلقات الذِّكر ، وفي بعض الأحاديث : ( ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون القرآن ويتدارسونه بينهم إلَّا نزلت عليهم الملائكة ، وحفَّتْهم الرحمة ، وذَكَرَهم الله فيمَن عنده ) أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - ، وكذلك حديث آخر طويل في " صحيح مسلم " أن الملائكة تنزل من السماء تتطلَّب وتتفقَّد مجالس الذكر ، فيشاركون أهل مجالس الذكر على الذكر . أشكل من أجل هذه الأحاديث قصَّة عبد الله بن مسعود التي أشرت إليها آنفًا .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 29
- توقيت الفهرسة : 00:11:34
- نسخة مدققة إملائيًّا