ما معنى التدليس ؟ ومن هو المدلِّس ؟ وأشهر المدلِّسين ؟
A-
A=
A+
السائل : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، اللهم بارك في عمره وفي وقته ، ما معنى التدليس ؟ ومن هو المدلِّس ؟ وأنواع التدليس ؟ وأشهر المدلِّسين ؟
الشيخ : التدليس في علم الحديث أن يروِيَ الإنسان عن راوٍ في الظاهر هو شيخه ، ولكن يروي عنه ما لم يسمع منه ، إذا كان هناك راوٍ له شيخ معروف بالرواية عنه ، ولكن بعض الأحاديث لم يسمعها منه مباشرةً ، إنما سمعها بواسطة بينه وبين شيخه ، ثم يروي حديثًا من هذه الأحاديث عنه ، لا يقول في روايته عنه - كما هي عادته - حدَّثني شيخي فلان ، وإنما يقول : قال فلان ، أو رويتُ عن فلان ، يأتي بلفظة تُوهم السامع أنه تلقَّى الحديث عنه - كما هي عادته - بالسماع منه ، لكنه في الواقع لم يسمعه منه ، ولا يُريد أن يُعلم السامعين بأنَّ هذا الحديث ليس كالأحاديث التي أرويها عنه سماعًا ، وإنما رَوَيته بالواسطة ، لا يُريد أن يُبيِّن للناس هذه الحقيقة لسببٍ أو آخر ، سأحاول أن أذكر بعض هذه الأسباب .
فلهذه الغاية يتجنَّب التصريح بالتحديث ؛ لأنه لو صرَّح بالتحديث ولم يسمع منه يكون كاذبًا ، وهو يعلم أن الكذب حرام ، وأنه لو كذب في زمرة الكذَّابين ، فهو لا يكذب ، وهو يخشى الله ، ولكنه يأتي بعبارة تُوهم السَّامعين أنه سَمِع الحديث من شيخه ، والواقع أنه لم يسمع ذلك ؛ لذلك سمَّاه علماء الحديث تدليسًا ، ذلك لما فيه من إيهام السماع وهو لم يسمع ، وهذا التدليس نوع من أنواع التدليس ، ويسمَّى بتدليس الإسناد ، والذي يدفع بعض المدلِّسين على هذا النوع من التدليس أسباب كثيرة ؛ أن يكون شيخه مثلًا أصغر منه سنًّا ، فلا يروق له أن يروي عمَّن هو أصغر منه سنًّا ، أمر شكلي محض ؛ لكنه لا يقصد ما سيقصده الجنس الثاني من المدلِّسين ، أو لا يروي عن شخص لا يُصرِّح باسمه لأمور سياسية مثلًا ، قد يكون شيخُه من الأشخاص الذين تُراقبهم الدولة في ذلك الزمان ، وتُحاول القبض عليه ، وهو لا يُريد أن يقول : حدَّثني فلان ؛ لأن الدولة ربَّما تأتيه وتسأله أين لقيت فلان ؟ وأين اجتمعت بفلان ؟ فيقع في مشكلة سياسيَّة ؛ فهو يُريد أن يجتنبَها فلا يُسمِّي شيخه لهذا السبب . هذا بعض الأمثلة التي يلجأ إليها بعض المدلِّسين لإسقاط الواسطة بينه وبين شيخه الذي هو من عادته أن يرويَ عنه بالسماع .
أما النوع الثاني من أسباب التدليس فهو قبيح جدًّا ، ومن ثبت ذلك عنه تسقط عدالته ؛ كأن يُسقِطَ الشيخ لعلمه بأنه ضعيف لا يُحتجُّ بحديثه ، فهو يسقط الشيخ الضعيف بينه وبين شيخ شيخه ليُظهرَ الإسناد سالمًا من الضعف ، وهذا بلا شك كما ترون برؤية واضحة جدًّا أنه تدليس خبيث ؛ لأنه يُظهر السند الضعيف بمظهر السند الصحيح ، وفيه خيانة في أداء الأمانة العلمية لا يجوز للمسلم أن يقع في مثلها ، هذا النوع من التدليس يُسمَّى - كما قلنا - تدليس الإسناد .
هناك نوع آخر وهو في مظهره أخبث من الأول ؛ لأنه أخفى منه ، ولكن - أيضًا - يرِد عليه الأسباب التي أشرنا إليها آنفًا ، وذكرنا بعضها ، فيعالَج هذا المدلِّس بنفس الأسباب إن كانت جائزة أو كانت مُحرَّمة ، هذا التدليس يسمَّى بتدليس التسوية ، وذلك بأن يأتي الراوي من رواة الحديث لا يُسقط الشيخ الذي بينه وبين شيخه ، فهو قد يقول حدَّثني فلان ، ولكنه يُسقط شيخ شيخه من فوق ، فيظهر للراوي أو للسامع لهذا الإسناد أن الإسناد سالم من أيِّ علة ؛ لأن هذا المدلِّس قد صرَّح بالتحديث عن شيخه ، ولكن لا يخطر في بال السامع أو الراوي للإسناد أن التدليس إنما هو من فوق شيخه .
وقد ذكر علماء المصطلح مثالًا في هذا ؛ أن الوليد بن مسلم كان راويةً عن الإمام الأوزاعي إمام أهل الشام في زمانه ، فكان الأوزاعي يروي من جُملة ما يروي عن بعض شيوخه المتروكين واسمه يوسف بن - نسيت ابن من الآن ! - ، فكان الوليد ين مسلم إذا روى عن الأوزاعي يُسقط شيخ الأوزاعي ، فيقول مثلًا حدَّثني الأوزاعي عن فلان ؛ أي : شيخ شيخ الأوزاعي الَّذي اسمه يوسف ، فانتبَهَ لذلك بعض المحدِّثين ، فسألوه عن ذلك ؛ كيف أنت تفعل هذا فتسقط هذا الرجل المُتَّهم المتروك ؟ فيقول - انظروا الآن كيف أن آراء الناس تختلف و تضطرب كل الاضطراب - فيقول : إني أجِلُّ الإمام الأوزاعي أن يروِيَ عن رجل متروك كمثل يوسف هذا ، فقال له الناقد البصير : أنت تُجِلُّ الإمام الأوزاعي عن شيء فعله روى عن هذا المتروك ، ثم لا تُبالي أن تظهر الحديث الضعيف ضعيف جدًّا في مظهر الحديث الصحيح من أجل أن ترفع من مقام الإمام الأوزاعي أنه يروي عن هذا المتروك وقد روى ؟ فهنا انتهت القصة ، وفيه بيان أن تدليس التسوية أخبث من تدليس الإسناد ؛ لأنه يُسقط من فوق حيث لا يخطر في البال عادة أن التدليس والإسقاط للرجل لا يكون إلا من بين الراوي وشيخه مباشرة ، بينما هناك هذا النوع من تدليس الشيوخ ؛ ولذلك فهذا النوع من التدليس إذا كان الراوي يروي حديثًا يشترط المحدِّثون أن يكون إسناده مسلسلًا بالسماع أو التحديث في كل الطبقات وفي كل الدرجات ، من عند الراوي المتهم بالتدليس إلى الصحابي الذي روى الحديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سماعًا منه ، هذا نوع ثانٍ من أنواع التدليس .
وهناك نوع ثالث ، وهو ما يُسمَّى بـ " تدليس الشيوخ " ، يكون الشيخ مشهورًا عند المحدِّثين باسمه ، فيأتي المدلِّس ويَكْنيه بكنيته ولا يُسمِّيه بتسميته ، تعميةً لحاله على الناس ، أو يكون مشهورًا بكنيته ، فيُسمِّيه باسمه الذي لم يُشتهر به ، كلُّ ذلك تعمية لحاله ، والأسباب التي ذكرناها فيما سبق - أيضًا - ترد ههنا ، فلا ينبغي أن نتصوَّر من مُجرَّد أن نسمع عن زيد من الناس أنه مدلِّس أن نقول : أعوذ بالله !! كيف هذا يُدلِّس ؟ لأن التدليس - قد ذكرنا - قد يكون لأمر لا تمسُّ عدالة المدلِّس .
من أشهر المدلِّسين من التابعين الحسن البصري ، وهو من كبار علماء التابعين وزهَّادهم ؛ فهل إذا رأينا في كتب الجرح والتعديل الحسن البصري مُدلِّس يُسقط تدليسُه عدالتَه ؟ الجواب : لا شيء من ذلك ، إلا لو ثبت - وحاشاه أن يثبت هذا عن الحسن البصري - أنه كان يروي عمَّن لقيه ما لم يسمع منه إظهارًا لصحة الإسناد ، والذي أسقطه هو ضعيف عنده ، والأقرب - كما يقول بعض المؤلفين المعاصرين - أن الحسن البصري عاشَ في زمن الخِلاف بين بعض الدُّول كالعباسيين مع الأمويين ؛ فكان هناك عداء عداوات سياسية فكان يروي عن بعض الأشخاص الثِّقات ممَّن لهم موقف خاص من بعض الحكَّام ، فيُسقطه لكيلا يُؤاخذ بالرواية عنه ، وليس يفعل ذلك سَترًا عن ضعف الذي أسقطه .
هذا ما يمكن ذكره جوابًا عن السؤال عن التدليس وأنواعه .
تفضل .
الشيخ : التدليس في علم الحديث أن يروِيَ الإنسان عن راوٍ في الظاهر هو شيخه ، ولكن يروي عنه ما لم يسمع منه ، إذا كان هناك راوٍ له شيخ معروف بالرواية عنه ، ولكن بعض الأحاديث لم يسمعها منه مباشرةً ، إنما سمعها بواسطة بينه وبين شيخه ، ثم يروي حديثًا من هذه الأحاديث عنه ، لا يقول في روايته عنه - كما هي عادته - حدَّثني شيخي فلان ، وإنما يقول : قال فلان ، أو رويتُ عن فلان ، يأتي بلفظة تُوهم السامع أنه تلقَّى الحديث عنه - كما هي عادته - بالسماع منه ، لكنه في الواقع لم يسمعه منه ، ولا يُريد أن يُعلم السامعين بأنَّ هذا الحديث ليس كالأحاديث التي أرويها عنه سماعًا ، وإنما رَوَيته بالواسطة ، لا يُريد أن يُبيِّن للناس هذه الحقيقة لسببٍ أو آخر ، سأحاول أن أذكر بعض هذه الأسباب .
فلهذه الغاية يتجنَّب التصريح بالتحديث ؛ لأنه لو صرَّح بالتحديث ولم يسمع منه يكون كاذبًا ، وهو يعلم أن الكذب حرام ، وأنه لو كذب في زمرة الكذَّابين ، فهو لا يكذب ، وهو يخشى الله ، ولكنه يأتي بعبارة تُوهم السَّامعين أنه سَمِع الحديث من شيخه ، والواقع أنه لم يسمع ذلك ؛ لذلك سمَّاه علماء الحديث تدليسًا ، ذلك لما فيه من إيهام السماع وهو لم يسمع ، وهذا التدليس نوع من أنواع التدليس ، ويسمَّى بتدليس الإسناد ، والذي يدفع بعض المدلِّسين على هذا النوع من التدليس أسباب كثيرة ؛ أن يكون شيخه مثلًا أصغر منه سنًّا ، فلا يروق له أن يروي عمَّن هو أصغر منه سنًّا ، أمر شكلي محض ؛ لكنه لا يقصد ما سيقصده الجنس الثاني من المدلِّسين ، أو لا يروي عن شخص لا يُصرِّح باسمه لأمور سياسية مثلًا ، قد يكون شيخُه من الأشخاص الذين تُراقبهم الدولة في ذلك الزمان ، وتُحاول القبض عليه ، وهو لا يُريد أن يقول : حدَّثني فلان ؛ لأن الدولة ربَّما تأتيه وتسأله أين لقيت فلان ؟ وأين اجتمعت بفلان ؟ فيقع في مشكلة سياسيَّة ؛ فهو يُريد أن يجتنبَها فلا يُسمِّي شيخه لهذا السبب . هذا بعض الأمثلة التي يلجأ إليها بعض المدلِّسين لإسقاط الواسطة بينه وبين شيخه الذي هو من عادته أن يرويَ عنه بالسماع .
أما النوع الثاني من أسباب التدليس فهو قبيح جدًّا ، ومن ثبت ذلك عنه تسقط عدالته ؛ كأن يُسقِطَ الشيخ لعلمه بأنه ضعيف لا يُحتجُّ بحديثه ، فهو يسقط الشيخ الضعيف بينه وبين شيخ شيخه ليُظهرَ الإسناد سالمًا من الضعف ، وهذا بلا شك كما ترون برؤية واضحة جدًّا أنه تدليس خبيث ؛ لأنه يُظهر السند الضعيف بمظهر السند الصحيح ، وفيه خيانة في أداء الأمانة العلمية لا يجوز للمسلم أن يقع في مثلها ، هذا النوع من التدليس يُسمَّى - كما قلنا - تدليس الإسناد .
هناك نوع آخر وهو في مظهره أخبث من الأول ؛ لأنه أخفى منه ، ولكن - أيضًا - يرِد عليه الأسباب التي أشرنا إليها آنفًا ، وذكرنا بعضها ، فيعالَج هذا المدلِّس بنفس الأسباب إن كانت جائزة أو كانت مُحرَّمة ، هذا التدليس يسمَّى بتدليس التسوية ، وذلك بأن يأتي الراوي من رواة الحديث لا يُسقط الشيخ الذي بينه وبين شيخه ، فهو قد يقول حدَّثني فلان ، ولكنه يُسقط شيخ شيخه من فوق ، فيظهر للراوي أو للسامع لهذا الإسناد أن الإسناد سالم من أيِّ علة ؛ لأن هذا المدلِّس قد صرَّح بالتحديث عن شيخه ، ولكن لا يخطر في بال السامع أو الراوي للإسناد أن التدليس إنما هو من فوق شيخه .
وقد ذكر علماء المصطلح مثالًا في هذا ؛ أن الوليد بن مسلم كان راويةً عن الإمام الأوزاعي إمام أهل الشام في زمانه ، فكان الأوزاعي يروي من جُملة ما يروي عن بعض شيوخه المتروكين واسمه يوسف بن - نسيت ابن من الآن ! - ، فكان الوليد ين مسلم إذا روى عن الأوزاعي يُسقط شيخ الأوزاعي ، فيقول مثلًا حدَّثني الأوزاعي عن فلان ؛ أي : شيخ شيخ الأوزاعي الَّذي اسمه يوسف ، فانتبَهَ لذلك بعض المحدِّثين ، فسألوه عن ذلك ؛ كيف أنت تفعل هذا فتسقط هذا الرجل المُتَّهم المتروك ؟ فيقول - انظروا الآن كيف أن آراء الناس تختلف و تضطرب كل الاضطراب - فيقول : إني أجِلُّ الإمام الأوزاعي أن يروِيَ عن رجل متروك كمثل يوسف هذا ، فقال له الناقد البصير : أنت تُجِلُّ الإمام الأوزاعي عن شيء فعله روى عن هذا المتروك ، ثم لا تُبالي أن تظهر الحديث الضعيف ضعيف جدًّا في مظهر الحديث الصحيح من أجل أن ترفع من مقام الإمام الأوزاعي أنه يروي عن هذا المتروك وقد روى ؟ فهنا انتهت القصة ، وفيه بيان أن تدليس التسوية أخبث من تدليس الإسناد ؛ لأنه يُسقط من فوق حيث لا يخطر في البال عادة أن التدليس والإسقاط للرجل لا يكون إلا من بين الراوي وشيخه مباشرة ، بينما هناك هذا النوع من تدليس الشيوخ ؛ ولذلك فهذا النوع من التدليس إذا كان الراوي يروي حديثًا يشترط المحدِّثون أن يكون إسناده مسلسلًا بالسماع أو التحديث في كل الطبقات وفي كل الدرجات ، من عند الراوي المتهم بالتدليس إلى الصحابي الذي روى الحديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - سماعًا منه ، هذا نوع ثانٍ من أنواع التدليس .
وهناك نوع ثالث ، وهو ما يُسمَّى بـ " تدليس الشيوخ " ، يكون الشيخ مشهورًا عند المحدِّثين باسمه ، فيأتي المدلِّس ويَكْنيه بكنيته ولا يُسمِّيه بتسميته ، تعميةً لحاله على الناس ، أو يكون مشهورًا بكنيته ، فيُسمِّيه باسمه الذي لم يُشتهر به ، كلُّ ذلك تعمية لحاله ، والأسباب التي ذكرناها فيما سبق - أيضًا - ترد ههنا ، فلا ينبغي أن نتصوَّر من مُجرَّد أن نسمع عن زيد من الناس أنه مدلِّس أن نقول : أعوذ بالله !! كيف هذا يُدلِّس ؟ لأن التدليس - قد ذكرنا - قد يكون لأمر لا تمسُّ عدالة المدلِّس .
من أشهر المدلِّسين من التابعين الحسن البصري ، وهو من كبار علماء التابعين وزهَّادهم ؛ فهل إذا رأينا في كتب الجرح والتعديل الحسن البصري مُدلِّس يُسقط تدليسُه عدالتَه ؟ الجواب : لا شيء من ذلك ، إلا لو ثبت - وحاشاه أن يثبت هذا عن الحسن البصري - أنه كان يروي عمَّن لقيه ما لم يسمع منه إظهارًا لصحة الإسناد ، والذي أسقطه هو ضعيف عنده ، والأقرب - كما يقول بعض المؤلفين المعاصرين - أن الحسن البصري عاشَ في زمن الخِلاف بين بعض الدُّول كالعباسيين مع الأمويين ؛ فكان هناك عداء عداوات سياسية فكان يروي عن بعض الأشخاص الثِّقات ممَّن لهم موقف خاص من بعض الحكَّام ، فيُسقطه لكيلا يُؤاخذ بالرواية عنه ، وليس يفعل ذلك سَترًا عن ضعف الذي أسقطه .
هذا ما يمكن ذكره جوابًا عن السؤال عن التدليس وأنواعه .
تفضل .