نقل الإجماع على قبول الصحيحين ، فهل يقبل فيهما نقد في السند أو المتن .؟ - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
نقل الإجماع على قبول الصحيحين ، فهل يقبل فيهما نقد في السند أو المتن .؟
A-
A=
A+
السائل : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحيه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين فضيلة الشيخ جزاكم الله خيرا لدي بعض المسائل قد أشكلت عليّ وعلى غيري من أهل المدينة لو تفضلتم مشكورين وجزاكم الله خيرا بالإجابة عليها بتفصيل مظنون بكم منها الصحيحان نقل حكاية الإجماع على قبولهما من نفر من الأئمة وجاء بعد هذا النقل من يعترض على إسناد أو على متن فيهما وبعضهم من جمع ذلك كالدراقطني وكأبي مسعود الدمشقي و الغساني وغيرهما فهل هذا الجمع فهل هذا الانتقاد للمتون والأسانيد التي في الصحيحين بعد أن نقل هؤلاء الأئمة إجماع الأئمة من قبلهم على قبولهما فيه طعن على الأئمة الذين انتقدوا الصحيحين أو لا ؟
الشيخ : ليس هناك طعن لا في هؤلاء ولا في هؤلاء , لا في الذين نقلوا الاتفاق على صحة كل ما في الصحيحين ولا على الذين انتقدوا قليلا أو كثيرا مما في الصحيحين ولو كان الانتقاد بقسميه أي سندا ومتنا لا انتقاد على هؤلاء ولا على هؤلاء , لا فرق عندي بين انتقاد البخاري في كتابه أو مسلم في كتابه وبين انتقاد إمام من الأئمة الأربعة الفقهاء المشهود لهم بالعلم والفقه لأن كل هؤلاء وهؤلاء كل من أهل الحديث وعلى رأسهم البخاري ومسلم ومن أهل الفقه وعلى رأسهم الأئمة الأربعة بإجماع الأمة إجماعا يقينيا وليس كإجماعهم على أن ما في الصحيحين كله صحيح لإجماع الأمة كلها على أنه لا عصمة لأحد في الشرع وفي الدين وفي العلم لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
إذ الأمر كذلك فلا انتقاد لا على هؤلاء ولا على هؤلاء , وإنما الانتقاد يكون على من يتهجم على الانتقاد سواء لأئمة الحديث أو لأئمة الفقه بجهل أو بهوى أو قارنا بينهما هذا هو الذي ينتقد فإذا عرفت هذه القاعد اطمئننا إلى أنّ السؤال هل ينتقد الجواب لا انتقاد إذا كان الانتقاد لما في الصحيحين مقرونا بالعلم وبقصد بيان الحق هذا الجواب الإجمالي أما الجواب التفصيلي فالحقيقة أن من قرأ الصحيحين وكان من أهل العلم وكونه من أهل العلم يقتضيه أن لا يستغني عن أهل العلم القدامى الذين درسوا هذين الكتابين بل والكتب الأخرى دراسة علمية متجردة عن الهوى والجهل معا . فمن قرأ مثلا فتح الباري للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني الذي قال فيه بعضهم بحق إنه أمير المؤمنين بالحديث فسيجد هناك في الصحيحين روايات لا مناص من يعتقد أن فيها أوهاما وأخطاء كثيرة ومعلوم أن أحمد بن حجر العسقلاني هو من أئمة الحديث المتأخرين الذي سلم له علمه وتخصصه في هذا المجال ولا يدور في ذهن أحد بأنه حينما ينتقد رواية جاءت في الصحيحين أو في أحدهما بأنه ينتقد بجهل أو بهوى حاشاه كذلك يقال عن ابن قيم الجوزية وابن تيمية وعمن قبله كالمنذري والدارقطني وأمثالهم ثم الواقع يشهد ما ذكرته آنفا لا يمكن أن يقال كل ما في صحيح البخاري صحيح هذا مستحيل وقديما كنت قرأت مقالا في مجلة العرب التي كانت وأظنها لا تزال تصدر في الكويت نشر فيها كاتب مصري أنسيت اسمه عبد هو نسيت عبد إيش كتب بعنوان ضخم جدا وخطر ... .
السائل : ... .
الشيخ : لا هذا غير هذا حديث عهد ذاك قديم العنوان " ليس كل ما في صحيح البخاري صحيح " ، عنوان خطير وخاصة في مجلة ليست مجلة شرعية علمية فجاء في هذا المقال بعجائب من الجهل الذي يدل على أن الكاتب لا يعرف علم الحديث إطلاقا بل ولا يعرف اللغة ، أذكر مما جاء في هذا المقال وعهدي به بعيد جدا أنكر حديث السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يباشر زوجته وهو صائم فضرب الحديث بقوله تعالى (( ولا تباشروهن )) وأنه فهم المباشرة المذكورة في الحديث بمعنى المباشرة المذكورة في الآية وهو الجماع يقول هذا حديث مخالف لإجماع الأمة وتعلمون جميعا إن شاء الله أن المقصود في الحديث هو المخالطة دون الجماع هذا مثال مما يحضرني مما أنكره بجهل بالغ , مثال آخر زوّره على البخاري وليس هو في صحيح البخاري والحديث ليس في نفسه صحيحا وهو حديث أبي طلحة الأنصاري الذي رواه أبو يعلي في مسنده أنه رؤي في رمضان وقد نزل البرد من السماء وهو يلتهمه يأكله فأنكروا عليه قالوا كيف هذا وأنت صائم قال إنه بركة من السماء وليس بطعام الحديث جاء مرفوعا وجاء موقوفا المرفوع وأنا من أعرف الناس به كنت خرجته في أول سلسلة الأحاديث الضعيفة فعزا هذا الرجل الجاهل هذا الحديث للبخاري والبخاري ما عنده خبر به ثم نقده وهو منتقد سندا ومتنا هذه مقدمة وتوطئة لما يأتي فرد عليه أحد الكتاب المسلمين الكويتيين برسالة و هي مطبوعة " كل ما في صحيح البخاري صحيح " كأنه المقصود المغالبة والمصارعة هذا الذي كتب العنوان الثاني هو كالأول تماما كلاهما يتكلم بغير علم أما الأول فشأنه واضح جدا ليته جاء ببعض الأمثلة التي يعترف بأنها لا تصح مما ذكره العلماء مثلا , رجعت إلى الأول مثلا حديث ابن عباس في الصحيحين قال " تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم " هذا الحديث أنكره كثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين ابن عبد البر مثلا ابن تيمية , ابن القيم الجوزية , وأمثالهم وقالوا هذا حديث أخطأ فيه بعض رواته لأنه صح عن ميمونة نفسها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوجها وهما حلال ، لو جاء بمثل هذا المثال كان معذورا لكن سبحان الله لجهله لم يحسن التمثيل بما يصح وجاء بحديث عائشة أنه كان يباشر زوجه أو أهله وهو صائم كذلك نحو هذا الحديث أيضا في صحيح البخاري يقول الرسول عليه السلام ( إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل ) ، قال " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " قال هؤلاء الأئمة الذين ذكرتهم آنفا مثل ابن قيم الجوزية وابن تيمية وأذكر الآن معهم المنذري في كتابه الترغيب والترهيب وغيرهم كثير بأن هذه الزيادة " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " هي ليست من الحديث وإنما هي مدرجة في الحديث وهذا في صحيح البخاري لذلك لا مجال للقول بأن كل ما في صحيح البخاري صحيح أعود إلى صاحب الرسالة الذي جعل عنوانها " كل ما في صحيح البخاري صحيح " الذين درسوا صحيح البخاري يعلمون أن أحاديثه تنقسم إلى قسمين مسندة ومعلقة وأنت على ذكر بهذا , و اتفق عنوان الحديث قاطبة أن ما كان من الأحاديث المعلقة ففيها أشياء ضعيفة كثيرة فكيف يقال كل ما صحيح البخاري صحيح هذا أمر الواضح جدا أن الذي يقول هذا الكلام بجهل وبعاطفة إسلامية لا ينبغي أن يقع في مثلها المسلم إلا مع العلم الصحيح لكن المهم القسم الأول الأحاديث المسندة هذه الأحاديث المسندة قد مثلت لك ببعض الأمثلة هذا لا يستوي مع هذا الآن وأنا في الحقيقة انتقدت غير ما حديث واحد من أحاديث الصحيحين وكنت موضعا للنقد من بعض الجهلة المتعصبين لتلك المقالة أنه اتفق العلماء على تلقي ما في الصحيحين بالقبول هذا كلام مسلّم إجمالا وليس تفصيلا لأن التفصيل لا يمكن لعالم أن يقول به إطلاقا فيه أشياء أخطاء كثيرة جدا لو تفرد أو تخصص عالم لجمع كتابا في بيان ما فيه من أوهام وأخطاء في كل من الصحيحين لكن الذي يدرس فتح الباري يكفيه عن التوجه لمثل هذا العمل لاسيما وهناك ما هو أهم أن يقوم به طالب العلم , و ابن تيمية رحمه الله له لفتات نظر مهمة عرضا يتعرض لبعض الأشياء ينتقدها مما في الصحيحين .
وبالمناسبة أذكر أنني لما كنت أدرس مادة الحديث في الجامعة الإسلامية جاء دور الحديث الشاذ كنا ندرس للطلاب من كتاب الباعث الحثيث وكنت أقدم لهم نماذج من الأحاديث على اللوح ليكون متركزا المعنى في أذهان الطلبة فقدمت لهم مثالا للحديث الشاذ أرمي به كما يقال عصفورين بحجر واحد .

مواضيع متعلقة