تحقيق الشيخ للحديث الضعيف ( إن شئتم أنبأتكم ما أول ما يقول الله للمؤمنين يوم القيامة وأول ما يقولون له ... ) .
A-
A=
A+
الشيخ : أنا كنت بدي أسمعكم بعض الأوهام الّتي يقع فيها الشّباب و بعدين أتت المناسبة القول على هذا الحديث فالآن هذا الحديث الّلي اليوم حقّقته وجدت فيه بعض الملاحظات لبعض المتعلّقين بهذا العلم الحديث نصّه , هذا ضعيف خذوا انتباه الحديث ( إن شئتم أنبأتكم ما أوّل ما يقول الله للمؤمنين يوم القيامة و أوّل ما يقولون له , قلنا: نعم يا رسول الله , قال: فإنّ الله يقول للمؤمنين: هل أحببتم لقائي؟ فيقولون نعم يا ربّنا , فيقول: لم ؟ فيقولون: رجونا عفوك و مغفرتك. فيقول: قد وجبت لكم مغفرتي ) عم يكبّر لأنّه الحديث صحيح في ظنّه أنّ .
أبو ليلى : ضعيف شيخنا .
الشيخ : مع أنّه نبّهنا أنّ الحديث ضعيف , لا يقال حينئذ الله أكبر لأنّ معناه أنّك تقوّي الضّعيف قلت أنا ضعيف أخرجه عبد الله بن المبارك في الزّهد طبعا أجزاء و طبعات ما لكم فيها و من طريق أحمد و كذا الطّيالسي و بن أبي عاصم و ابن أبي الدّنيا و الطّبراني و أبو نعيم و البغويّ في شرح السّنّة كلّهم عن ابن المبارك قال أخبرنا يحيى بن أيّوب أنّ عبيد الله بن زحر حدّثه عن خالد بن أبي عمران عن أبي عيّاش قال: قال معاذ رضي الله عنه قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و قال أبو نعيم تفرّد به عبد الله يعني ابن المبارك قلت: و هو إمام حافظ ثقة لكن عبيد الله بن زحر قال الذّهبيّ في الكاشف: فيه اختلاف و له مناكير ضعّفه أحمد. قلت: و أمّا بن حبّان فضّعفه جدّا فقال في الضّعفاء: منكر الحديث جدّا يروي الموضوعات عن الأثبات. و أبو عيّاش و هو المعافري المصري ليس بالمشهور لم يذكره البخاريّ و لا ابن أبي حاتم , و لا ابن حبّان , و لا ابن عبد الحكم في الفتوح , و لا الفسويّ في المعرفة نعم ذكره في التّهذيب برواية ثلاثة عنه و لم يحك عن أحد توثيقه فهو مجهول الحال و لهذا قال في التّقريب: مقبول. يعني عند المتابعة و ما علمت له متابعا و من هنا يتبيّن جهل أو على الأقلّ وهم المعلّق على أوائل الطّبراني حيث قال: إسناده حسن رجاله إمّا ثقة و إمّا صدوق. هذا أحد المعلّقين على هذا الكتاب الأوائل للطّبراني و هذا أنا أعرفه سوريّ من الإخوان المسلمين تعلّق بهذا الحديث بالعلم يعني منذ بضع سنين فجاء و حسّن هذا السّند و قال: رجاله إمّا ثقة و إمّا صدوق. و فيه أبو عيّاش ما وثّقه أحد غير بن زحر هذا الّذي سمعتم ترجمته. و لا يقوّيه أنّ له طريقا أخرى يرويه قتادة بن الفضل هنا أرجو أن تنتبهوا قتادة بن الفضل سيصحّحه بعض الجهلة يقول الصّواب قتادة بن الفضيل فاحفظوا هذا , أنّ له طريقا أخرى يرويه قتادة بن الفضل بن قتادة الزهاوي قال سمعت ثور بن يزيد يحدّث عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل به نحوه أخرجه الطّبراني في المعجم الكبير جزء و صفحة و مسند للشّاميّين جزء و صفحة , و ذلك قلت أنا في الأوّل لا يقوّيه هذه الرّواية و ذلك لأنّ خالد بن معدان لم يسمع من معاذ كما قال أبو حاتم و ارتضاه العلائيّ في مراسيله و عليه فيحتمل أن يكون بينهما أبو عيّاش الّذي في الطّريق الأولى الّذي هو ما وثّقه أحد فيرجع الحديث إلى تابعيّ واحد و طريق واحدة و هي مجهولة كما تقدّم على أنّ قتادة بن الفضل و وقع جملة معترضة و وقع في التّهذيب و التّقريب الفضيل خطأ، لم يوثّقه غير بن حبّان و قال أبو حاتم: شيخ. و قال الحافظ: مقبول. قلت و قد عرفت اصطلاحه في هذا اللّفظ يعني مقبول عند المتابعة و لكنّي أرى أنّه ينبغي أن يفسّر هنا في قتادة هذا بمعناه اللّغوي أي مقبول مطلقا لأنّه روى عنه جمع من الثّقات منهم أحمد بن سليمان أبو الحسين الرّهاوي الحافظ الثّقة فهو مقبول الحديث إذا إلاّ إذا ثبت وهمه الله أعلم . و من هذا التّحقيق في هذين الإسنادين إلى معاذ يتبيّن خطأ الهيثمي أيضا في قوله جزء كذا صفحة كذا رواه الطّبراني بسندين أحدهما حسن فإنّه يعني هذا الإسناد الثّاني و كأنّه خفي عليه الإنقطاع الّذي بين خالد بن معدان و معاذ و لو لا ذلك لكنت معه في تحسينه لما شرحت من حال قتادة بن الفضل . تنبيه على وهمين , الأوّل : ذكرت آنفا الخطأ الّذي وقع في التّهذيب و التّقريب في اسم الفضل والد قتادة هذا فاغترّ بهما المعلّق على أوائل بن أبي عاصم فخطّأ الصّواب الّذي في رواية الطّبراني مع أنّه موافق لترجمة بن الفضل في المراجع الأصول مثل تاريخ البخاري و الجرح و التّعديل و ثّقات ابن حبّان هذه الثّلاث كتب عليها يعتمد كلّ الّذين ألّفوا في التّراجم مثل بن حجر و قتادة بن الفضل جاء بن الفضل ما جاء بن الفضيل في هذه الثّلاث كتب القديمة كذلك جاء في سند الحديث قتادة بن الفضل فجاء هذا المعلّق لأنّه ناشئ شاف الرّاوي مترجم في التّهذيب لابن حجر و التّقريب له سمّاه قتادة بن الفضيل قال و وقع في كتاب الطّبراني قتادة بن الفضل و هو خطأ . ليش خطّأ لأنّه لا يعرف أنّه التّهذيب و التّقريب هو الخطأ كيف يعرف أنّه هذا خطأ بالرّجوع إلى الأصول هم لا يعرفون يرجعوا لهذه الأصول لذلك جعل الصّواب خطأ و الخطأ صوابا . فقلت أنا بعد ما بيّنت هنا أنّ هذه الأصول مثل تاريخ البخاري و الجرح و التّعديل و الثّقات لابن حبّان و هكذا فليكن التّصويب من هؤلاء المعلّقين المتعلّقين بهذا العلم في هذا الزّمان الكثير فتنه و الله المستعان , هذا التّنبيه الأوّل و الآخر : أنّ المعلّق الآخر على أوائل الطّبراني في كتابين , هذا أوائل الطّبراني في أوائل بن أبي عاصم ليس عندي هذا , هذا المعلّق على أوائل الطّبراني قال بعد أن عزا الحديث التّرجمة لأحمد فقط , عزا الحديث التّرجمة لأحمد فقط أنا لمّا خرّجت الحديث قلت أخرجه عبد الله بن المبارك في الزّهد و من طريقه أحمد و الطّيالسي و ابن أبي عاصم و ابن أبي الدّنيا و الطّبراني في المعجم الكبير و في الأوائل و أبو نعيم في الحلية و البغويّ في شرح السّنّة هو قال: رواه أحمد. معليش في سبيل اختصار أن يذكر مصدر واحد لكن أحمد رواه من طريق ابن المبارك فليه ما يأخذ الحديث من منبعه لأنّه ما يعرفه مثل هؤلاءشو بيقدر بقى؟ أنّه يحط اسمه محقّق كتاب كذا و هي عبارة عن نقول فجّة ما هي يانعة و لا هي ثمار نافعة فقال بعد أن عزاه لأحمد فقط و أخرجه يعني أحمد من حديث أبي سعيد الخدري بنحو ذلك و عزا ذلك لكتاب الفتح الرّبّاني بالجزء و الصّفحة. و أنت أيّها القارئ إذا رجعت إلى الفتح المذكور وجدته قد عزا حديث أبي سعيد هذا إلى البخاري و مسلم و التّرمذيّ فعلى ماذا يدلّ عزو المعلّق للحديث لأحمد دون الشّيخين ؟ حديث موجود في الصّحيحين بيقول رواه أحمد ! هذا معناه أنّ الرّجل ما عنده علم لأنّه عزوه لأحمد لا يعطي الصّحّة عزوه للشّيخين يعطي الصّحّة هذا أوّلا ثمّ قلت أيضا و حديث أبي سعيد لا يصلح شاهدا لحديث التّرجمة لأنّه يختلف عنه كلّ الاختلاف إلاّ في الجملة الأخيرة منه مع المغايرة في اللّفظ و هاك لفظه لتكون على بيّنة من الأمر . أظنّ استوعبتم الحديث الضعيف ؟ ( إن شئتم نبّأتكم ما أوّل ما يقول الله للمؤمنين يوم القيامة و أوّل ما يقولون له ... ) شوف حديث أبي سعيد الّذي جعله شاهد لهذا الحديث الضّعيف ( إنّ الله يقول لأهل الجنّة: يا أهل الجّنة فيقولون: لبّيك ربّنا و سعديك , فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: و ما لنا لا نرضى و قد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك , فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك , قالوا: ياربّنا و أيّ شيء أفضل من ذلك ؟ قال: أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط بعده أبدا ) هذا الحديث جعله شاهدا للحديث الضّعيف . هذه مصيبة طلاّب العلم اليوم اللي متكالبين متهاجمين على علم الحديث لأنّهم ظنّوه سهل المنال فقعدوا يحطّوا الكتب هاي و ينقلون من هنا و من هنا و هاه ألّفنا كتابا ! و يضلّلوا النّاس من حيث لا يشعرون و لذلك نحن سواء في علم الحديث أو علم الفقه ننصح أيّها الطّالب للعلم إن كنت عالما فأفت بما تعلم و أجرك على الله و إن كنت لست عالما فاسأل أهل العلم هكذا ربن يأمرنا في القرآن الكريم .
أبو ليلى : جزاكم الله خيرا يا شيخ .
الشيخ : و إيّاكم . أمّا الحديث الّذي سبقت الإشارة إليه فأظنّ أنّني أحصّله إن شاء الله قريبا و تسمع يا أبو فارس أنّه العبارة الّتي تشبّث بها أبو جعفر الطّحاوي أنّ كلّ مشرك كافر و ليس كلّ كافر مشرك خطأ . الحديث السّابق ذكره ( إنّا جئناكم بخير ) يعني اليهود ( إنّا أهل الكتاب و أنتم أهل كتاب و إنّ لأهل الكتاب على أهل الكتاب النّصر و إنّه بلغنا أنّ أبا سفيان قد أقبل إلينا بجمع من النّاس فإمّا قاتلتم معنا و إمّا أعرتمونا سلاحا ) ذكرنا الحديث هذا الحضرمي اسمه الحارث بن يزيد عن ثابت بن الحارث الأنصاري عن بعض من كان مع رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قلت: وهذا إسناد ضعيف إلى آخره رجاله كلّهم ثقات غير ثابت بن الحارث الأنصاري فإنّه غير معروف بعدالة أو جرح و لم يورده أحد من أئمّة الجرح و التّعديل غير بن أبي حاتم برواية الحارث بن يزيد هذا فقط و بيّض له يعني ما قال فيه لا ثقة و لا شيء و قد ذكر ابن هشام في السّيرة عن محمّد بن إسحاق عن الزّهري أنّ الأنصار يوم أحد قالوا لرسول الله صلّى الله عليه و سلّم: يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من اليهود ؟ فقال: ( لا حاجة لنا فيهم ) وذكر نحوه ابن كثير في البداية و من قبله بن القيّم في زاد المعاد و هو الموافق للحديث الصّحيح عن عائشة: ( إنّا لا نستعين بمشرك ) أو ( بالمشركين ) و هو مخرّج في الصّحيحة برقم كذا و عليه فإنّي أقول إذا تبيّن لك ضعف حديث التّرجمة و ما فيه من عرضه صلّى الله عليه و سلّم على اليهود أن يقاتلوا معه فلا حاجة حينئذ إلى التّوفيق بينه و بين حديث عائشة الصّحيح كما فعل الطّحاوي حين قال: " لأنّ اليهود الذين دعاهم النّبيّ إلى قتال أبي سفيان معه ليسوا من المشركين أولئك عبدة الأوثان و هؤلاء أهل كتاب الّذين قد ذكرنا مباينة ما هم عليه ممّا عبدة الأوثان عليه في الباب الّذي تقدّم قبل هذا ". قلت: يشير إلى بعض الأحكام الّتي خصّ بها أهل الكتاب دون المشركين كحلّ ذبائحهم و نكاح نسائهم و غيرها ممّا بعضه موضع نظر و بنى على ذلك قوله فكان كلّ مشرك بالله كفرا و ليس كلّ كفر بالله شركا فأقول لو سلّمنا جدلا بقوله هذا فلا حاجة للتأويل المذكور لأمرين اثنين الاوّل : أنّ التّأويل فرع التّصحيح كما هو معلوم و ما دام أنّ الحديث غير صحيح كما بيّنّا فلا مسوّغ لتأويل الحديث الصّحيح من أجله كما هو ظاهر لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى , و الآخر : كيف يصحّ أن يقال في اليهود و النّصارى إنّهم ليسوا من المشركين و الله عزّ و جلّ قال بعد آية: (( إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا )) (( قاتلوا الّذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرّمون ما حرّم الله و رسوله و لا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون و قالت اليهود عزير ابن الله و قالت النّصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهؤون قول الّذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنّى يؤفكون )) فمن جعل لله ابنا كيف لا يكون من المشركين؟ هذه زلّة عجيبة من مثل الإمام الطّحاوي ولا ينافي ذلك من أنّ لهم تلك الأحكام الّتي لا يشاركهم فيها غير أهل الكتاب من المشركين فإنّهم يشتركون معهم في أحكام أخرى كما لا يخفى على أولي النّهى بمعنى إذا كان أهل الكتاب يشتركون مع المشركون في أحكام و يختلفون عنهم في أحكام فما الّذي يسوّغ كونهم يختلفون عنهم في أحكام أن لا نحكم عليهم بأنّهم مشركون و قد اشتركوا معهم في أحكام و اشتركوا معهم في الشّرك فإذا هم مشركون لكنّهم أهل كتاب و لههم أحكام خاصّة بهم. ثمّ قلت: و قد لا يعدم الباحث الفقيه الّذي نجّاه الله من التّقليد في الكتاب و السّنّة ما يؤكّد ما تقدّم و يبطل قول الطّحاوي السّابق: " ليس كلّ كفر بالله شرك " من ذلك هنا الانتباه تلك المحاورة بين المؤمن و الكافر الّذي افتخر بماله و جنّتيه كما قال عزّ و جلّ في سورة الكهف: (( و دخل جنّته و هو ظالم لنفسه قال ما أظنّ أن تبيد هذه أبدا و ما أظنّ السّاعة قائمة و لئن رددت إلى ربّي لأجدنّ خيرا منها منقلبا )) فهذا كفر و لم يشرك في رأي الطّحاوي و لكنّ السّياق يردّه فتابع معي قوله تعالى: (( قال له صاحبه و هو يحاوره أكفرت بالّذي خلقك من تراب ثمّ من نطفة ثمّ سوّاك رجلا لكنّه الله ربّي و لا أشرك بربّي أحدا )) فتأمّل كيف وصف صاحبه الكافر بالكفر ثمّ نزّه نفسه منه معبّرا عنه بمرادفه و هو الشّرك فقال: (( و لا أشرك بربّي أحدا )) و هذا الشّرك ممّا وصف به الكافر نفسه فيما يأتي فتابع معي قوله تعالى بعدما وعظه به صاحبه المؤمن: (( و أحيط بثمره فأصبح يقلّب كفّيه على ما أنفق فيها و هي خاوية على عروشها و يقول يا ليتني لم أشرك بربّي أحدا )) قلت: فهذا القول منه مع سباق القصّة صريح جدّا في أنّ شركه إنّما كان هو شكّه في الآخرة و هذا كفر و ليس بشرك في رأي الطّحاوي فهو باطل ظاهر البطلان و إنّما ممّا يؤكّد ذلك من السّنّة قوله صلّى الله عليه و آله و سلّم: ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) رواه الشّيخان و غيرهما عن ابن عبّاس و هو مخرّج في الصّحيح برقم كذا فإنّما المراد بهم اليهود و النّصارى كما دلّت على ذلك أحاديث أخر منها قوله صلّى الله عليه و سلّم: ( لئن عشت لأخرجنّ اليهود و النّصارى من جزيرة العرب حتّى لا أترك فيها إلاّ مسلما ) رواه مسلم و غيره و هو مخرّج هناك في الصّحيحة و لمّا كان حديث ابن عبّاس الّذي هو رواه الشّيخان و لمّا كان حديث بن عبّاس حجّة قاطعة في الموضوع غمز من صحّته الطّحاويّ تعصّبا لمذهبه مع الأسف و زعم أنّه وهم من ابن عيينة قال: " لأنّه كان يحدّث من حفظه " فيحتمل أن يكون جعل مكان اليهود و النّصارى المشركين و لم يكن معه من الفقه ما يميّز به بين ذلك سفيان بن عيينة من كبار شيوخ الإمام أحمد و ثقات الحفّاظ أوّلا ينسبه إلى الوهم و بحجّة يحتمل و لم يكن من الفقه و الفهم يميّز بين المشركين و بين اليهود و النّصارى. كذا قال سامحه الله فإنّه يعلم أنّ تحديث الحافظ الثّقة كابن عيينة من حفظه ليس بعلّة بل هو فخر له و أنّ تخطئة الثّقة بمجرّد الاحتمال ليس من شأن العلماء المنصفين و لكنّها العصبيّة المذهبيّة نسأل السّلامة و على مذهب الطّحاوي انتبه يا أبا فارس ومن حولك و على مذهب الطّحاوي هذا يمكن أن يغفر الله الكفر لقوله تعالى: (( إنّ الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) و بهذه الآية احتجّ بن حزم رحمه الله على أبي حنيفة الّذي هو متبوع الإمام الطّحاوي في التّفريق المزعوم فقال عقبها قال ابن حزم:" فلو كان ههنا كفر ليس شركا لكان مغفورا لمن شاء الله تعالى بخلاف الشّرك و هذا لا يقوله مسلم " ثمّ أتبع ذلك بأدلّة أخرى قويّة ثمّ قال " فصحّ أنّ كلّ كفر شرك و كلّ شرك كفر و أنّهم اسمان شرعيّان أوقعهما الله تعالى على معنى واحد " و لولا خشية الإطالة لنقلت كلامه كلّه لنفاسته و عزّته فليراجعه من شاء المزيد و الفقه , و الخلاصة أنّ الحديث ضعيف الإسناد منكر المتن و أنّ الاستعانة بأهل الكتاب في جهاد الكفّار يشملها قوله صلّى الله عليه و سلّم: ( إنّا لا نستعين بمشرك ) و لفظ مسلم ( فارجع فلن أستعين بمشرك ) . تنبيه : كان قد جرى بيني و بين بعض الإخوة كلام حول هذا الحديث و أنّه ضعيف الإسناد فسأل عن العلّة فذكرت له الجهالة و بعد أيّام اتّصل بي هاتفيّا و قرأ عليّ كلام الحافظ في الإصابة في ترجمة ثابت بن الحارث الأنصاري و أنّه صحابيّ و رجا النّظر فيه فرأيته قد أورده في القسم الأوّل منه , ابن حجر و ساق له حديثين رواهما عن النّبيّ صلى الله عليه و سلّم و ليس فيهما ما يدلّ على صحبته و أشار إلى هذا الحديث أيضا و هو كما ترى يرويه عن بعض الصّحابة الّذين شهدوا وقعة أحد و وقفت له على حديث آخر يرويه بواسطة أبي هريرة هو يرويه عن أبي هريرة عن النّبيّ صلىّ الله عليه و سلّم فترجّح عندي أنّه عدم صحبته و أنّه تابعيّ مجهول كما ذكرت في مطلع هذا الكلام و لذلك فأنّني رأيت أن أسجّل تفصيل ما أجملته هنا تحت أحد الحديثين المشار إليهما و سيأتيان إن شاء الله تعالى برقمي 6116 و 6117 و الله وليّ التّوفيق .
أبو ليلى : الله يقوّيك يا شيخنا .
الشيخ : اللهمّ آمين . الآن بدّنا نسمع تبع المواصلات .
السائل : و الله يا شيخ بعد ما سمعت الّلي قلته انتهى لا يوجد تعقيب .
الشيخ : خلص؟
السائل : نعم .
الشيخ : الحمد لله لكن أنا أزيدك شيء , الحقيقة شأن كلّ طالب مبتدئ في العلم و أنا كنت كذلك و ربّما لا أزال كذلك كنت أقرأ هذا الحديث و يصيبني إشكال لأنّه في بعض الرّوايات ( ليس بين الكفر و الرّجل إلاّ ترك الصّلاة فمن ترك الصّلاة فقد كفر ) في بعض الرّوايات ( فقد أشرك ) أتساءل كيف فقد أشرك ؟ يا أخي هذا تارك الصّلاة خاصّة الّذي يتركها كسلا شلون يعني أشرك؟ كنت أظنّ إيش لعلّه يوجد وهم من الرّاوي , أنا طالب علم و بعدين ربّنا فتح و لو على سنّ و الحمد لله فعرفت أنّه شرعا
أبو ليلى : ضعيف شيخنا .
الشيخ : مع أنّه نبّهنا أنّ الحديث ضعيف , لا يقال حينئذ الله أكبر لأنّ معناه أنّك تقوّي الضّعيف قلت أنا ضعيف أخرجه عبد الله بن المبارك في الزّهد طبعا أجزاء و طبعات ما لكم فيها و من طريق أحمد و كذا الطّيالسي و بن أبي عاصم و ابن أبي الدّنيا و الطّبراني و أبو نعيم و البغويّ في شرح السّنّة كلّهم عن ابن المبارك قال أخبرنا يحيى بن أيّوب أنّ عبيد الله بن زحر حدّثه عن خالد بن أبي عمران عن أبي عيّاش قال: قال معاذ رضي الله عنه قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و قال أبو نعيم تفرّد به عبد الله يعني ابن المبارك قلت: و هو إمام حافظ ثقة لكن عبيد الله بن زحر قال الذّهبيّ في الكاشف: فيه اختلاف و له مناكير ضعّفه أحمد. قلت: و أمّا بن حبّان فضّعفه جدّا فقال في الضّعفاء: منكر الحديث جدّا يروي الموضوعات عن الأثبات. و أبو عيّاش و هو المعافري المصري ليس بالمشهور لم يذكره البخاريّ و لا ابن أبي حاتم , و لا ابن حبّان , و لا ابن عبد الحكم في الفتوح , و لا الفسويّ في المعرفة نعم ذكره في التّهذيب برواية ثلاثة عنه و لم يحك عن أحد توثيقه فهو مجهول الحال و لهذا قال في التّقريب: مقبول. يعني عند المتابعة و ما علمت له متابعا و من هنا يتبيّن جهل أو على الأقلّ وهم المعلّق على أوائل الطّبراني حيث قال: إسناده حسن رجاله إمّا ثقة و إمّا صدوق. هذا أحد المعلّقين على هذا الكتاب الأوائل للطّبراني و هذا أنا أعرفه سوريّ من الإخوان المسلمين تعلّق بهذا الحديث بالعلم يعني منذ بضع سنين فجاء و حسّن هذا السّند و قال: رجاله إمّا ثقة و إمّا صدوق. و فيه أبو عيّاش ما وثّقه أحد غير بن زحر هذا الّذي سمعتم ترجمته. و لا يقوّيه أنّ له طريقا أخرى يرويه قتادة بن الفضل هنا أرجو أن تنتبهوا قتادة بن الفضل سيصحّحه بعض الجهلة يقول الصّواب قتادة بن الفضيل فاحفظوا هذا , أنّ له طريقا أخرى يرويه قتادة بن الفضل بن قتادة الزهاوي قال سمعت ثور بن يزيد يحدّث عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل به نحوه أخرجه الطّبراني في المعجم الكبير جزء و صفحة و مسند للشّاميّين جزء و صفحة , و ذلك قلت أنا في الأوّل لا يقوّيه هذه الرّواية و ذلك لأنّ خالد بن معدان لم يسمع من معاذ كما قال أبو حاتم و ارتضاه العلائيّ في مراسيله و عليه فيحتمل أن يكون بينهما أبو عيّاش الّذي في الطّريق الأولى الّذي هو ما وثّقه أحد فيرجع الحديث إلى تابعيّ واحد و طريق واحدة و هي مجهولة كما تقدّم على أنّ قتادة بن الفضل و وقع جملة معترضة و وقع في التّهذيب و التّقريب الفضيل خطأ، لم يوثّقه غير بن حبّان و قال أبو حاتم: شيخ. و قال الحافظ: مقبول. قلت و قد عرفت اصطلاحه في هذا اللّفظ يعني مقبول عند المتابعة و لكنّي أرى أنّه ينبغي أن يفسّر هنا في قتادة هذا بمعناه اللّغوي أي مقبول مطلقا لأنّه روى عنه جمع من الثّقات منهم أحمد بن سليمان أبو الحسين الرّهاوي الحافظ الثّقة فهو مقبول الحديث إذا إلاّ إذا ثبت وهمه الله أعلم . و من هذا التّحقيق في هذين الإسنادين إلى معاذ يتبيّن خطأ الهيثمي أيضا في قوله جزء كذا صفحة كذا رواه الطّبراني بسندين أحدهما حسن فإنّه يعني هذا الإسناد الثّاني و كأنّه خفي عليه الإنقطاع الّذي بين خالد بن معدان و معاذ و لو لا ذلك لكنت معه في تحسينه لما شرحت من حال قتادة بن الفضل . تنبيه على وهمين , الأوّل : ذكرت آنفا الخطأ الّذي وقع في التّهذيب و التّقريب في اسم الفضل والد قتادة هذا فاغترّ بهما المعلّق على أوائل بن أبي عاصم فخطّأ الصّواب الّذي في رواية الطّبراني مع أنّه موافق لترجمة بن الفضل في المراجع الأصول مثل تاريخ البخاري و الجرح و التّعديل و ثّقات ابن حبّان هذه الثّلاث كتب عليها يعتمد كلّ الّذين ألّفوا في التّراجم مثل بن حجر و قتادة بن الفضل جاء بن الفضل ما جاء بن الفضيل في هذه الثّلاث كتب القديمة كذلك جاء في سند الحديث قتادة بن الفضل فجاء هذا المعلّق لأنّه ناشئ شاف الرّاوي مترجم في التّهذيب لابن حجر و التّقريب له سمّاه قتادة بن الفضيل قال و وقع في كتاب الطّبراني قتادة بن الفضل و هو خطأ . ليش خطّأ لأنّه لا يعرف أنّه التّهذيب و التّقريب هو الخطأ كيف يعرف أنّه هذا خطأ بالرّجوع إلى الأصول هم لا يعرفون يرجعوا لهذه الأصول لذلك جعل الصّواب خطأ و الخطأ صوابا . فقلت أنا بعد ما بيّنت هنا أنّ هذه الأصول مثل تاريخ البخاري و الجرح و التّعديل و الثّقات لابن حبّان و هكذا فليكن التّصويب من هؤلاء المعلّقين المتعلّقين بهذا العلم في هذا الزّمان الكثير فتنه و الله المستعان , هذا التّنبيه الأوّل و الآخر : أنّ المعلّق الآخر على أوائل الطّبراني في كتابين , هذا أوائل الطّبراني في أوائل بن أبي عاصم ليس عندي هذا , هذا المعلّق على أوائل الطّبراني قال بعد أن عزا الحديث التّرجمة لأحمد فقط , عزا الحديث التّرجمة لأحمد فقط أنا لمّا خرّجت الحديث قلت أخرجه عبد الله بن المبارك في الزّهد و من طريقه أحمد و الطّيالسي و ابن أبي عاصم و ابن أبي الدّنيا و الطّبراني في المعجم الكبير و في الأوائل و أبو نعيم في الحلية و البغويّ في شرح السّنّة هو قال: رواه أحمد. معليش في سبيل اختصار أن يذكر مصدر واحد لكن أحمد رواه من طريق ابن المبارك فليه ما يأخذ الحديث من منبعه لأنّه ما يعرفه مثل هؤلاءشو بيقدر بقى؟ أنّه يحط اسمه محقّق كتاب كذا و هي عبارة عن نقول فجّة ما هي يانعة و لا هي ثمار نافعة فقال بعد أن عزاه لأحمد فقط و أخرجه يعني أحمد من حديث أبي سعيد الخدري بنحو ذلك و عزا ذلك لكتاب الفتح الرّبّاني بالجزء و الصّفحة. و أنت أيّها القارئ إذا رجعت إلى الفتح المذكور وجدته قد عزا حديث أبي سعيد هذا إلى البخاري و مسلم و التّرمذيّ فعلى ماذا يدلّ عزو المعلّق للحديث لأحمد دون الشّيخين ؟ حديث موجود في الصّحيحين بيقول رواه أحمد ! هذا معناه أنّ الرّجل ما عنده علم لأنّه عزوه لأحمد لا يعطي الصّحّة عزوه للشّيخين يعطي الصّحّة هذا أوّلا ثمّ قلت أيضا و حديث أبي سعيد لا يصلح شاهدا لحديث التّرجمة لأنّه يختلف عنه كلّ الاختلاف إلاّ في الجملة الأخيرة منه مع المغايرة في اللّفظ و هاك لفظه لتكون على بيّنة من الأمر . أظنّ استوعبتم الحديث الضعيف ؟ ( إن شئتم نبّأتكم ما أوّل ما يقول الله للمؤمنين يوم القيامة و أوّل ما يقولون له ... ) شوف حديث أبي سعيد الّذي جعله شاهد لهذا الحديث الضّعيف ( إنّ الله يقول لأهل الجنّة: يا أهل الجّنة فيقولون: لبّيك ربّنا و سعديك , فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: و ما لنا لا نرضى و قد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك , فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك , قالوا: ياربّنا و أيّ شيء أفضل من ذلك ؟ قال: أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط بعده أبدا ) هذا الحديث جعله شاهدا للحديث الضّعيف . هذه مصيبة طلاّب العلم اليوم اللي متكالبين متهاجمين على علم الحديث لأنّهم ظنّوه سهل المنال فقعدوا يحطّوا الكتب هاي و ينقلون من هنا و من هنا و هاه ألّفنا كتابا ! و يضلّلوا النّاس من حيث لا يشعرون و لذلك نحن سواء في علم الحديث أو علم الفقه ننصح أيّها الطّالب للعلم إن كنت عالما فأفت بما تعلم و أجرك على الله و إن كنت لست عالما فاسأل أهل العلم هكذا ربن يأمرنا في القرآن الكريم .
أبو ليلى : جزاكم الله خيرا يا شيخ .
الشيخ : و إيّاكم . أمّا الحديث الّذي سبقت الإشارة إليه فأظنّ أنّني أحصّله إن شاء الله قريبا و تسمع يا أبو فارس أنّه العبارة الّتي تشبّث بها أبو جعفر الطّحاوي أنّ كلّ مشرك كافر و ليس كلّ كافر مشرك خطأ . الحديث السّابق ذكره ( إنّا جئناكم بخير ) يعني اليهود ( إنّا أهل الكتاب و أنتم أهل كتاب و إنّ لأهل الكتاب على أهل الكتاب النّصر و إنّه بلغنا أنّ أبا سفيان قد أقبل إلينا بجمع من النّاس فإمّا قاتلتم معنا و إمّا أعرتمونا سلاحا ) ذكرنا الحديث هذا الحضرمي اسمه الحارث بن يزيد عن ثابت بن الحارث الأنصاري عن بعض من كان مع رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قلت: وهذا إسناد ضعيف إلى آخره رجاله كلّهم ثقات غير ثابت بن الحارث الأنصاري فإنّه غير معروف بعدالة أو جرح و لم يورده أحد من أئمّة الجرح و التّعديل غير بن أبي حاتم برواية الحارث بن يزيد هذا فقط و بيّض له يعني ما قال فيه لا ثقة و لا شيء و قد ذكر ابن هشام في السّيرة عن محمّد بن إسحاق عن الزّهري أنّ الأنصار يوم أحد قالوا لرسول الله صلّى الله عليه و سلّم: يا رسول الله ألا نستعين بحلفائنا من اليهود ؟ فقال: ( لا حاجة لنا فيهم ) وذكر نحوه ابن كثير في البداية و من قبله بن القيّم في زاد المعاد و هو الموافق للحديث الصّحيح عن عائشة: ( إنّا لا نستعين بمشرك ) أو ( بالمشركين ) و هو مخرّج في الصّحيحة برقم كذا و عليه فإنّي أقول إذا تبيّن لك ضعف حديث التّرجمة و ما فيه من عرضه صلّى الله عليه و سلّم على اليهود أن يقاتلوا معه فلا حاجة حينئذ إلى التّوفيق بينه و بين حديث عائشة الصّحيح كما فعل الطّحاوي حين قال: " لأنّ اليهود الذين دعاهم النّبيّ إلى قتال أبي سفيان معه ليسوا من المشركين أولئك عبدة الأوثان و هؤلاء أهل كتاب الّذين قد ذكرنا مباينة ما هم عليه ممّا عبدة الأوثان عليه في الباب الّذي تقدّم قبل هذا ". قلت: يشير إلى بعض الأحكام الّتي خصّ بها أهل الكتاب دون المشركين كحلّ ذبائحهم و نكاح نسائهم و غيرها ممّا بعضه موضع نظر و بنى على ذلك قوله فكان كلّ مشرك بالله كفرا و ليس كلّ كفر بالله شركا فأقول لو سلّمنا جدلا بقوله هذا فلا حاجة للتأويل المذكور لأمرين اثنين الاوّل : أنّ التّأويل فرع التّصحيح كما هو معلوم و ما دام أنّ الحديث غير صحيح كما بيّنّا فلا مسوّغ لتأويل الحديث الصّحيح من أجله كما هو ظاهر لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى , و الآخر : كيف يصحّ أن يقال في اليهود و النّصارى إنّهم ليسوا من المشركين و الله عزّ و جلّ قال بعد آية: (( إنّما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا )) (( قاتلوا الّذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم الآخر و لا يحرّمون ما حرّم الله و رسوله و لا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون و قالت اليهود عزير ابن الله و قالت النّصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهؤون قول الّذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنّى يؤفكون )) فمن جعل لله ابنا كيف لا يكون من المشركين؟ هذه زلّة عجيبة من مثل الإمام الطّحاوي ولا ينافي ذلك من أنّ لهم تلك الأحكام الّتي لا يشاركهم فيها غير أهل الكتاب من المشركين فإنّهم يشتركون معهم في أحكام أخرى كما لا يخفى على أولي النّهى بمعنى إذا كان أهل الكتاب يشتركون مع المشركون في أحكام و يختلفون عنهم في أحكام فما الّذي يسوّغ كونهم يختلفون عنهم في أحكام أن لا نحكم عليهم بأنّهم مشركون و قد اشتركوا معهم في أحكام و اشتركوا معهم في الشّرك فإذا هم مشركون لكنّهم أهل كتاب و لههم أحكام خاصّة بهم. ثمّ قلت: و قد لا يعدم الباحث الفقيه الّذي نجّاه الله من التّقليد في الكتاب و السّنّة ما يؤكّد ما تقدّم و يبطل قول الطّحاوي السّابق: " ليس كلّ كفر بالله شرك " من ذلك هنا الانتباه تلك المحاورة بين المؤمن و الكافر الّذي افتخر بماله و جنّتيه كما قال عزّ و جلّ في سورة الكهف: (( و دخل جنّته و هو ظالم لنفسه قال ما أظنّ أن تبيد هذه أبدا و ما أظنّ السّاعة قائمة و لئن رددت إلى ربّي لأجدنّ خيرا منها منقلبا )) فهذا كفر و لم يشرك في رأي الطّحاوي و لكنّ السّياق يردّه فتابع معي قوله تعالى: (( قال له صاحبه و هو يحاوره أكفرت بالّذي خلقك من تراب ثمّ من نطفة ثمّ سوّاك رجلا لكنّه الله ربّي و لا أشرك بربّي أحدا )) فتأمّل كيف وصف صاحبه الكافر بالكفر ثمّ نزّه نفسه منه معبّرا عنه بمرادفه و هو الشّرك فقال: (( و لا أشرك بربّي أحدا )) و هذا الشّرك ممّا وصف به الكافر نفسه فيما يأتي فتابع معي قوله تعالى بعدما وعظه به صاحبه المؤمن: (( و أحيط بثمره فأصبح يقلّب كفّيه على ما أنفق فيها و هي خاوية على عروشها و يقول يا ليتني لم أشرك بربّي أحدا )) قلت: فهذا القول منه مع سباق القصّة صريح جدّا في أنّ شركه إنّما كان هو شكّه في الآخرة و هذا كفر و ليس بشرك في رأي الطّحاوي فهو باطل ظاهر البطلان و إنّما ممّا يؤكّد ذلك من السّنّة قوله صلّى الله عليه و آله و سلّم: ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) رواه الشّيخان و غيرهما عن ابن عبّاس و هو مخرّج في الصّحيح برقم كذا فإنّما المراد بهم اليهود و النّصارى كما دلّت على ذلك أحاديث أخر منها قوله صلّى الله عليه و سلّم: ( لئن عشت لأخرجنّ اليهود و النّصارى من جزيرة العرب حتّى لا أترك فيها إلاّ مسلما ) رواه مسلم و غيره و هو مخرّج هناك في الصّحيحة و لمّا كان حديث ابن عبّاس الّذي هو رواه الشّيخان و لمّا كان حديث بن عبّاس حجّة قاطعة في الموضوع غمز من صحّته الطّحاويّ تعصّبا لمذهبه مع الأسف و زعم أنّه وهم من ابن عيينة قال: " لأنّه كان يحدّث من حفظه " فيحتمل أن يكون جعل مكان اليهود و النّصارى المشركين و لم يكن معه من الفقه ما يميّز به بين ذلك سفيان بن عيينة من كبار شيوخ الإمام أحمد و ثقات الحفّاظ أوّلا ينسبه إلى الوهم و بحجّة يحتمل و لم يكن من الفقه و الفهم يميّز بين المشركين و بين اليهود و النّصارى. كذا قال سامحه الله فإنّه يعلم أنّ تحديث الحافظ الثّقة كابن عيينة من حفظه ليس بعلّة بل هو فخر له و أنّ تخطئة الثّقة بمجرّد الاحتمال ليس من شأن العلماء المنصفين و لكنّها العصبيّة المذهبيّة نسأل السّلامة و على مذهب الطّحاوي انتبه يا أبا فارس ومن حولك و على مذهب الطّحاوي هذا يمكن أن يغفر الله الكفر لقوله تعالى: (( إنّ الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء )) و بهذه الآية احتجّ بن حزم رحمه الله على أبي حنيفة الّذي هو متبوع الإمام الطّحاوي في التّفريق المزعوم فقال عقبها قال ابن حزم:" فلو كان ههنا كفر ليس شركا لكان مغفورا لمن شاء الله تعالى بخلاف الشّرك و هذا لا يقوله مسلم " ثمّ أتبع ذلك بأدلّة أخرى قويّة ثمّ قال " فصحّ أنّ كلّ كفر شرك و كلّ شرك كفر و أنّهم اسمان شرعيّان أوقعهما الله تعالى على معنى واحد " و لولا خشية الإطالة لنقلت كلامه كلّه لنفاسته و عزّته فليراجعه من شاء المزيد و الفقه , و الخلاصة أنّ الحديث ضعيف الإسناد منكر المتن و أنّ الاستعانة بأهل الكتاب في جهاد الكفّار يشملها قوله صلّى الله عليه و سلّم: ( إنّا لا نستعين بمشرك ) و لفظ مسلم ( فارجع فلن أستعين بمشرك ) . تنبيه : كان قد جرى بيني و بين بعض الإخوة كلام حول هذا الحديث و أنّه ضعيف الإسناد فسأل عن العلّة فذكرت له الجهالة و بعد أيّام اتّصل بي هاتفيّا و قرأ عليّ كلام الحافظ في الإصابة في ترجمة ثابت بن الحارث الأنصاري و أنّه صحابيّ و رجا النّظر فيه فرأيته قد أورده في القسم الأوّل منه , ابن حجر و ساق له حديثين رواهما عن النّبيّ صلى الله عليه و سلّم و ليس فيهما ما يدلّ على صحبته و أشار إلى هذا الحديث أيضا و هو كما ترى يرويه عن بعض الصّحابة الّذين شهدوا وقعة أحد و وقفت له على حديث آخر يرويه بواسطة أبي هريرة هو يرويه عن أبي هريرة عن النّبيّ صلىّ الله عليه و سلّم فترجّح عندي أنّه عدم صحبته و أنّه تابعيّ مجهول كما ذكرت في مطلع هذا الكلام و لذلك فأنّني رأيت أن أسجّل تفصيل ما أجملته هنا تحت أحد الحديثين المشار إليهما و سيأتيان إن شاء الله تعالى برقمي 6116 و 6117 و الله وليّ التّوفيق .
أبو ليلى : الله يقوّيك يا شيخنا .
الشيخ : اللهمّ آمين . الآن بدّنا نسمع تبع المواصلات .
السائل : و الله يا شيخ بعد ما سمعت الّلي قلته انتهى لا يوجد تعقيب .
الشيخ : خلص؟
السائل : نعم .
الشيخ : الحمد لله لكن أنا أزيدك شيء , الحقيقة شأن كلّ طالب مبتدئ في العلم و أنا كنت كذلك و ربّما لا أزال كذلك كنت أقرأ هذا الحديث و يصيبني إشكال لأنّه في بعض الرّوايات ( ليس بين الكفر و الرّجل إلاّ ترك الصّلاة فمن ترك الصّلاة فقد كفر ) في بعض الرّوايات ( فقد أشرك ) أتساءل كيف فقد أشرك ؟ يا أخي هذا تارك الصّلاة خاصّة الّذي يتركها كسلا شلون يعني أشرك؟ كنت أظنّ إيش لعلّه يوجد وهم من الرّاوي , أنا طالب علم و بعدين ربّنا فتح و لو على سنّ و الحمد لله فعرفت أنّه شرعا
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 458
- توقيت الفهرسة : 00:28:25
- نسخة مدققة إملائيًّا