كلمة لأحد المشايخ الفضلاء عن أهمية الأخذ بالسنة الصحيحة والرجوع إلى الحق ، وابتغاء الرحلة في طلب العلم .
A-
A=
A+
السائل : (( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )) ، والحياة هي الحياة العظيمة في الآخرة ،واللهم نعم أننا نحيا في الدنيا حياةً طيِّبة إذا استجبنا لله وللرسول إذا دعانا لما يحيينا ، فيا معشر المسلمين الاستجابة لله أن نسلِّم ونذعن وننقاد لكل ما جاء عن الله على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودوَّن فيه بين دفتي القرآن ، فهذا الدين الذي ارتضاه الله لكم نظامًا وارتضاه الله لكم صراطًا وارتضاه الله لكم سبيلًا ، فمن زاغَ عنه فلا يلومنَّ إلا نفسه ، وقال به - عليه الصلاة والسلام - بعد أن خطَّ خطًّا مستقيمًا وجعل على يمينه وعلى شماله خطوطٌ متعرِّجة وقال : ( هذا صراط الله ، وهذه سُبُل ، وعلى رأس كلِّ سبيل منها شيطان يدعو ؛ فمن أجابه قذفَه في النار ) ، أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - ، وتلا قوله - تعالى - : (( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )) .
فمعشر المسلمين ، استجيبوا لله ، والاستجابة لله أن تكون هذه الرحلة - مثلًا - ليست رحلة للتلذُّذ ولا رحلة للتمتُّع في الحياة الدنيا ولا الركون إليها ، ولا لكي نقوِّي أنفسنا وأولادنا ونسائنا وأن نأخذ من الدنيا دورًا في الملذَّات ، لا ، الاستجابة لله ما في مانع هذا لم يُحرَّم علينا ، ولكن شريطة أن يُقصد به وجه الله ، وأن يُقصد به طلب العلم ، وأن يُقصد به كالمؤتمر الإسلامي يتعارف بعضنا على بعض وتتآلف القلوب وأن يعرف أحدنا من أيِّ طرفٍ كان بمثل هذا المجتمع يتعارف على الطرف الآخر : ( والمؤمن للمؤمن كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ، ولو كان باكستاني أو عربي أو تركي أو أيّ ؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - يريد الأجسام المسلمة أن تكون جسمًا واحد وأن تداعى بعضها لبعض وركنًا للآخر وعضوًا للآخر ؛ لأنه - يا معشر المسلمين - إذا كنَّا مجيئنا خاصّ للسبح على البحر فظهر الفساد في البر والبحر ، ولا نرى والله إلا ما يقيظنا ويقيظ المسلمين عامة ، ويقيظ الملائكة في السماء ، ويقيظ الله - تبارك وتعالى - من فوق عرشه ، ولكن علينا أن نأمر بالمعروف وننهى عن الفحشاء والمنكر في المسير في السيارة على البحر في الرحلات ، وأن نتعارف ونتآلف وأن يوصي بعضنا بعض لأن ... .
... نقص كبير كثير ولو تفاوت هذا النقص ببعضنا أكثر من بعض وقلَّ بالبعض الآخر أقل من البعض ، فبارك الله فيكم ؛ المفروض فينا - معشر المسلمين - أن نستجيب لله ، والاستجابة لله بأن لانعمل إلا بما شرع الله ، ولا نستحل إلا ما حلَّل الله ، وأن نتقيَّد بما شرع الله وهناك اجتهادات ، وهناك أخطاء والبشرية كلها مبنيَّة على ذلك ، لكن على المسلم حينما يرى الحقَّ أن يُذعن وينقاد له ويكون مذهبه ، وإذا اجتهد فأخطأ ، إذا كان لا ... له إلا أن يتحرَّى الحقَّ فأخطأ فله أجر ، وهذا معلومٌ لديكم إنما للذكرى عرضناه ، فلا أحدنا يحمل على أخيه إذا كان سريعًا في الفتوى ، فإنه يجب على الإنسان أن لا يكون متوقِّفًا عن أيِّ حكمًا كان ، بل يهتم إلى أن يحلَّ أي حكم كان شريطًة أن لا يجزم به وشريطة أن يتتبَّعه ، فإذا وجد نفسه أنه مخطئ يرجع في ... ، هكذا فعل الأئمة ، وهكذا فعل السلف الصالح ، وهكذا حتى اجتهادات النبي - عليه الصلاة والسلام - إذا رأي غيرها رجع عنها ، ولا يمكن قول يثبت إلا قول الله وقول رسوله والقول الذي يوافق قول الله وقول رسوله ، فإنه ثابت بثبوت القولين الذي ركنَ إليهما أو استنبط الأحكام منهما ، فبارك الله فيكم ؛ قول الله وقوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُرسِلَ إلى هذه الأمة وهو حريصٌ عليها وبها رؤوفٌ رحيم ، وبلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح للأمة جزاه الله عنا خيرًا وحشرنا تحت لوائه ، فبارك الله فيكم ؛ هذا النبي ... نفسه وأثر نفسه على أن يُقدِّم لنا هذا الخير العظيم ففعل - عليه الصلاة والسلام - ، فلا تتركوا ما تَرَكَه النبي بين أيديكم ، نعم هناك سنة للخلفاء ، لكن هذه السنّة توافق سنة الله وتوافق فرائض الله ، فإن خالفتها فليس بسنة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهددين ) ، وفي رواية : ( بهديي ) زيادة ، ( المهديين بهديي ، تمسَّكوا بها ، وعضُّوا عليها بالنواجذ ) ، فالتمسك بالهدي فلا يُعتبر هدي على وجه الأرض إلا هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يُسمَّى أي اتجاه اسمه هدي إلا هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، فإن الهدى فيه ولا يتعدَّاه والحقَّ فيه ولا يتخطَّاه .
فبارك الله فيكم ؛ المفروض علينا - معشر المسلمين - أن ننقاد ونذعن لما جاء عن الله ورسوله في الكتاب وفي السنة الصحيحة الذي تعبوا عليها أهل الجرح والتعديل وبيَّنوا لنا رتب الحديث حوالي اثنا عشر رتبة أو أكثر ، فيجب علينا أن نأخذ بما صحَّ ونعمل به ونعضَّ عليه بالنواجذ ، وأن لا نقلِّد حتى أبا بكرٍ الصديق إلا بأمر كان مستنبطه من الأحكام الشرعية ولم نجد له مخالف من الإجماع .
فبارك الله فيكم ؛ المفروض علينا قلنا أن رحلتنا تكون لوجه الله وهي طلب العلم ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة ) ، وأن لا توانوا وأن لا تتهاونون عن طلب العلم ؛ فإن طلب العلم فريضة وليس فرض كفاية ، فرض عين حتى على المرأة وحتى على الطفل وعلى جميع أفراد الناس ، فإنه لا ينجو من النار إلا عالمًا كما ورد في " سنن الترمذي " عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( الدنيا ملعونة ملعونٌ ما فيها إلا ذكر الله ) - يقصد كتاب الله - ( ومن ولاه ) ، أي : التفَّ حوله وحكم بما فيه وقضى بقضاه وأبعد عن نواهيه ، ( إلا ذكر الله ومن ولاه ، وعالمًا أو متعلِّم ) ، فالرجل الذي ليس من أصحاب ذكر الله ولا موالي له وليس عالم ولا مُجالس للعلماء يتعلم على أيديهم فهذا كما جاء عن النبي ملعونًا على لسان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، والملعون هنا هو المطرود من رحمة الله ، فإذا طُرِدَ أحدنا من رحمة الله لا فائدة في أن تكون له الأرض والدنيا كلها شرقًا مطلع الشمس ومغربها غربًا كلها باسمه كلها بسندات تمليك باسمه ، فإذا انغمس في النار والله أنه إنَّ هذا الشقاء وهذا هو الخسران المبين ، أجارنا الله وإياكم أن تستهوينا الشهوات والأنفس ، ونسأل الله أن يجعل محلَّ ذلك حب الله وحب رسوله وحب الشرع الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ويقول - عليه الصلاة والسلام - : ( تركت فيكم شيئين لن تضلُّوا ما تمسَّكتم بهما كتاب الله وسنتي ) ، ويقول : ( تركتكم على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ) .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - حريصٌ علينا حرصًا تامًّا صحيحًا ، الله شهد ... وأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - تحرَّكت ... ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - دعا إلى الهدى وبيَّن الله (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )) ، فالحياة الناس أموات إلا من حيِيَ تحت عنوان لا إله إلا الله ، من حُيِيَ هذه الحياة فهو حيًّا يقظًا فطنًا ، وهو حيًّا يتلذَّذ ويتمتَّع في حياة سامية عالية لا مثيل لها ؛ لأنه منتظم بنظامٍ أرادَه الله له وقضى أن يتَّبعه ، وأما الناس الذين يتَّبعون الشهوات والدنيا والدرهم والدينار ويحبون كل ما هبَّ ودبَّ ، ويسيرون وراء كلِّ زاعق وناعق ، ويصدِّقون كل ما قيل ، ويُحدِّثون بكل ما سمعوا ؛ فهؤلاء لا مثيل لهم إلا الحيوانات ولا مثيل لهم إلا البهائم ، ولا مثيل لهم إلا الأمم الذي لا بالت في الدين ولا خلَّصت أنفسها من النار ، فالسفيه من سفه نفسه ، فأجارنا الله وإيَّاكم أن تستهوينا النفس وأن تجتالنا الشياطين .
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ )) ، (( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ )) أي : لكتاب الله ، استجيبوا لرسول الله ، أي : أن نستجيب للسنّة الصحيحة التي وردت عن رسول الله بسندٍ صحيح .
(( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )) ، فالحياة إخواني هي في الدنيا فعلًا أن نحيا حياة طيِّبة ، والحياة الطَّيِّبة قلنا أن يستقيم الإنسان على الشريعة السمحاء ، وأن يستقيم على الأوامر يرتاح ضميره من جهة ، ثم أنه لا يُغضب الله من جهةٍ أخرى ، ثم أنه لا يتعدّى على المجتمع والآخرين ، ثم أن كل شيءٍ بين يديه بقدرٍ معلوم وبحدودٍ معقولة ، ويكون فعلًا أنه محمودًا في الدنيا ومرغوبًا فيه ولو أعداؤه يحبُّونه ، فنبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - لا أعلم يبغضه إلا رجلٌ زاحَمَه على المنصب أو رجلٌ كما جاء (( وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ )) ، إلا رجل حاسد كأبي جهل وغيره وهو يعلم إذا استشهد يشهد أنه على حقٍّ ، كما جاء أثر عنه اللعين أنه يقول : والله إنه على حقٍّ ، والله إنه نبيٌّ ، ولكن نحن وبنو هاشم فرسي رهان ، أطعموا فأطعمنا وأسقوا فسقينا ، والآن يقولون : منا نبيٌّ !! فمن أين نأتي بنبيٍّ ؟ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - تملَّك القلوب حبًّا ، ويشهد به العالم أنه طيِّب الجناح طيِّب الجانب طيِّب ما بين يديه عمله خيرًا ، ما فعل إلا خير ، فنحن دعاة ، ونحن لنا في رسول الله أسوة حسنة ، ونحن نسير على هذا الأثر ونسير على هذا المنهج ، فيجب علينا أن نُمثِّل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وممكن أن أحدنا يُطيق ما طاق رسول الله إلا الأمور المعلقة برسول الله الذي يمكن أن لا يطيقها إلا هو وهي قليلة جدًّا ، أما الأمور التعبدية فكلنا نستطيع أن نطيق ذلك ، ما عدا التهجد من الليل يمكن أن يصعب علينا .
فبارك الله فيكم ؛ يجب أن نكون أسوة حسنة لرسول الله ، وأن نمثِّل رسول الله وأن نعرض الصورة التي كان عليها رسول الله للناس والمسلم داعية وهو صامت ، داعية للجيران وهو لا يُكلِّمهم ، داعية في مشيه ، داعية في نظره ، داعية في تحرُّكاته عاقلًا أديبًا مؤمنًا ، إذا رأى نفسه أنه مخطئ رجع وأعلن ذلك لا يستحي ولا يخشى في الله لومة لائم كما فعل هكذا سلفنا الصالح ، كانوا إذا صح لهم أمرًا خلاف ما هم عليه رجعوا عنه وأعلنوا ذلك ، لا يستحون ولا يخافون إلا من الله - تبارك وتعالى - ، وإن الرغبة والرهبة عبادة فيجب أن نرغب في هذا الدين ونرهب من جميع ما يوقعنا فيما يغضب الله فـ (( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ )) ، هذا دليلٌ أن الإنسان يُحاسب يوم القيامة على ما أخفى وعلى ما أعلن ، والله يحاسبنا على الباطن ولو أن الشريعة لا تحاسبنا إلا على الظاهر ، وهذا حدُّ الشريعة في الناس ، ولكن الله - سبحانه وتعالى - أعظم حكمًا وأجلُّ وأقدر وهو أخبر في عباده (( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ )) بلى (( وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )) ، فالله يحاسبنا على السرائر وعلى ما يخطر في البال ، فاتقوا الله حقَّ تقواه ، وراقبوه مراقبة كأنك تراه .
فأخي المسلم ، يمكن أحدنا تُحدِّثه نفسه أن يزني ، فما رأيك لو أبا المرأة أو أخاها حاضرًا ؛ أيزني ؟ لا لم ؟ لأن عليه رقابة ، أحدنا يمكن تحدِّثه نفسه أن يسرق فيمكن ألا يسرق لمَ ؟ إذا أصحاب المال عيونهم منصبَّة على المحل لا يمكن أن يسرق ، السبب في ذلك أن يحول بينه وبين ذلك الرغبة التي يريدها هو الرَّقابة ، فالرقابة من الله حاصلة في كلِّ حالٍ وحين وفي كل زمانٍ ومكان ، ويراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين فاتَّق الله عبد الله ، عبد الله خاف الله ، الله يراك حين تهمُّ حتى لو هممت بشيء لا يعلمه الناظرين والذين يراقبون على عرضهم ومالهم لا يرون ما خطر في بالك ، نعم يرون ما فعلت فلا تتحرَّك ؛ لكن ما خطر في بالك لا يرونه ، أما الله - تبارك وتعالى - أشد رقابةً منهم يراك في حركاتك وسكناتك ويرى ما خطر في بالك فاتَّق الله ، خاف الله يا عبد الله .
ويا أيها العبد ، ما خلقك الله لتتمتَّع في هذه الدنيا وتأخذ ستين أو سبعين أو ثمانين أو تسعين من العمر مستلذًّا في هذه الدنيا تصلي وتؤيد هذا الدين وتعلِّم أولادك على بعضه ، لكن إذا أُوذيت في الله أبعدت عمَّا يؤذيك ، وتجنَّبت ما تتعرَّض له ، تتجنَّب بعض التعبُّد حتى لا تتعرَّض لبعض من المهلكات أو الأذى ؛ لا ، ما عليك - أخي المسلم ، يا عبد الله - إلا أن تؤدِّي دورك الذي خُلقت لأجله ، وأن تؤدِّي ما فرض الله عليك ، وأن تأخذ دورك في هذه الدنيا ، وأن تتأسَّى برسول الله والجنة ... هذه من يجي يدخلها ؟ الجنة عرضها السموات والأرض ، وأقل ملَّاك فيها يملك بقدر الدنيا عشر مرات لا تُعطى هذه لأيِّ رجلٍ منكم ، لا تُعطى إلا لرجلٍ صدق ظاهرًا وباطنًا وعمِل لما يرضي الله ظاهرًا وباطنًا ، وفعل الخير وأمر به وتآمر بالمعروف وتناهى عن المنكر ، ويجب عليه أن يُطبِّق هذا على نفسه وذويه وأهله وبنيه وجيرانه وممَّن أطاعه وممَّن قبل منه النصيحة والدعوة ، فالمفروض عليك لا أن تتحرَّك بقدر ما ترى نفسك تعبَّدت ، أن تتحرَّك بقدر ما تُطيق ، يجب على المسلم أن يتحرَّك للدعوة بقدر ما يطيق ، نعم ، (( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )) ، لكن إذا وسعت نفسك أن تجتهد ليلًا ونهارًا وأن تكتب وأن تتحدَّث وأن تعمل الخير وأن تنشر في الأرض وأن تصلح وأن تُعمِّر في هذه الدنيا أي العقيدة تعمِّر القلوب الذي مهدومة وخربة من عدم وجود القرآن فيها وعدم وجود خوف الله وخوف معاصاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فالمفروض على كلِّ مسلم منَّا أن يخشى الله ويراقبه وأن يحسب حساب الوقفة بين يدي الله يوم تقوم الناس لربِّ العالمين ، ولا بد ما تموتون كما تنامون وتُحشرون كما تستيقظون ، وهذا قريبٌ جدًّا ولو رأيناه بعيدًا ، فأن الله - سبحانه وتعالى - سيطوي السماوات كطيِّ السجل للكتب ، والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة ويقول : أنا الجبار ، ولا بد من انتهاء هذه الدنيا ، ولا بد من ارتحالنا من هذا البرزخ إلى برزخ الآخرة والوقوف بين يدي الله ، فيجب أن نخاف الله ونخشاه ، ونراقبه ولا نعصاه ، فالمفروض علينا - معشر المسلمين - أن نعمل بقدر ما نطيق ولا بقدر ما نرى أننا أدينا خمس صلوات وأدينا فرض رمضان وحجينا وهذا انتهى ... نعلم أولادنا ، لا ، مفروض عليك يسألك الله يوم القيامة على قدر ما تُطيق ، فإن صرفت من بعض هذه الطاقة كلها لامرأتك ، نعم لها حقٌّ ، ولكن هذا الحق لا يزيد على الثلث ، فإن صرفت أغلب الأوقات إلى الملذَّات والمُلهيات والنساء والمكيفات فأنت مسؤول عن ذلك يوم القيامة ، هذا الجسم صنعَه الله ليستخدمه وصنعه الله لغرض يريده يقول : (( مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ )) ، فالله يريد منك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر ، وأن تتأسَّى بما سبق من قبلك من الرسل وخاصَّة رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي يجب علينا أن نطيعه ، ويجب علينا أن نأخذه مذهبًا لنا ونأخذ طريقه مسلكًا لنا ، ولا نحيد عنه قيد شبر ، فمن زاغ عنه كما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( وعلى يمين الصراط سبل متعرِّجة ، فمن أجاب داعيها سقط في النار ) ، معنى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو قذفوه فيها .
فمعشر المسلمين ، استجيبوا لله ، والاستجابة لله أن تكون هذه الرحلة - مثلًا - ليست رحلة للتلذُّذ ولا رحلة للتمتُّع في الحياة الدنيا ولا الركون إليها ، ولا لكي نقوِّي أنفسنا وأولادنا ونسائنا وأن نأخذ من الدنيا دورًا في الملذَّات ، لا ، الاستجابة لله ما في مانع هذا لم يُحرَّم علينا ، ولكن شريطة أن يُقصد به وجه الله ، وأن يُقصد به طلب العلم ، وأن يُقصد به كالمؤتمر الإسلامي يتعارف بعضنا على بعض وتتآلف القلوب وأن يعرف أحدنا من أيِّ طرفٍ كان بمثل هذا المجتمع يتعارف على الطرف الآخر : ( والمؤمن للمؤمن كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ، ولو كان باكستاني أو عربي أو تركي أو أيّ ؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - يريد الأجسام المسلمة أن تكون جسمًا واحد وأن تداعى بعضها لبعض وركنًا للآخر وعضوًا للآخر ؛ لأنه - يا معشر المسلمين - إذا كنَّا مجيئنا خاصّ للسبح على البحر فظهر الفساد في البر والبحر ، ولا نرى والله إلا ما يقيظنا ويقيظ المسلمين عامة ، ويقيظ الملائكة في السماء ، ويقيظ الله - تبارك وتعالى - من فوق عرشه ، ولكن علينا أن نأمر بالمعروف وننهى عن الفحشاء والمنكر في المسير في السيارة على البحر في الرحلات ، وأن نتعارف ونتآلف وأن يوصي بعضنا بعض لأن ... .
... نقص كبير كثير ولو تفاوت هذا النقص ببعضنا أكثر من بعض وقلَّ بالبعض الآخر أقل من البعض ، فبارك الله فيكم ؛ المفروض فينا - معشر المسلمين - أن نستجيب لله ، والاستجابة لله بأن لانعمل إلا بما شرع الله ، ولا نستحل إلا ما حلَّل الله ، وأن نتقيَّد بما شرع الله وهناك اجتهادات ، وهناك أخطاء والبشرية كلها مبنيَّة على ذلك ، لكن على المسلم حينما يرى الحقَّ أن يُذعن وينقاد له ويكون مذهبه ، وإذا اجتهد فأخطأ ، إذا كان لا ... له إلا أن يتحرَّى الحقَّ فأخطأ فله أجر ، وهذا معلومٌ لديكم إنما للذكرى عرضناه ، فلا أحدنا يحمل على أخيه إذا كان سريعًا في الفتوى ، فإنه يجب على الإنسان أن لا يكون متوقِّفًا عن أيِّ حكمًا كان ، بل يهتم إلى أن يحلَّ أي حكم كان شريطًة أن لا يجزم به وشريطة أن يتتبَّعه ، فإذا وجد نفسه أنه مخطئ يرجع في ... ، هكذا فعل الأئمة ، وهكذا فعل السلف الصالح ، وهكذا حتى اجتهادات النبي - عليه الصلاة والسلام - إذا رأي غيرها رجع عنها ، ولا يمكن قول يثبت إلا قول الله وقول رسوله والقول الذي يوافق قول الله وقول رسوله ، فإنه ثابت بثبوت القولين الذي ركنَ إليهما أو استنبط الأحكام منهما ، فبارك الله فيكم ؛ قول الله وقوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُرسِلَ إلى هذه الأمة وهو حريصٌ عليها وبها رؤوفٌ رحيم ، وبلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح للأمة جزاه الله عنا خيرًا وحشرنا تحت لوائه ، فبارك الله فيكم ؛ هذا النبي ... نفسه وأثر نفسه على أن يُقدِّم لنا هذا الخير العظيم ففعل - عليه الصلاة والسلام - ، فلا تتركوا ما تَرَكَه النبي بين أيديكم ، نعم هناك سنة للخلفاء ، لكن هذه السنّة توافق سنة الله وتوافق فرائض الله ، فإن خالفتها فليس بسنة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهددين ) ، وفي رواية : ( بهديي ) زيادة ، ( المهديين بهديي ، تمسَّكوا بها ، وعضُّوا عليها بالنواجذ ) ، فالتمسك بالهدي فلا يُعتبر هدي على وجه الأرض إلا هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، ولا يُسمَّى أي اتجاه اسمه هدي إلا هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، فإن الهدى فيه ولا يتعدَّاه والحقَّ فيه ولا يتخطَّاه .
فبارك الله فيكم ؛ المفروض علينا - معشر المسلمين - أن ننقاد ونذعن لما جاء عن الله ورسوله في الكتاب وفي السنة الصحيحة الذي تعبوا عليها أهل الجرح والتعديل وبيَّنوا لنا رتب الحديث حوالي اثنا عشر رتبة أو أكثر ، فيجب علينا أن نأخذ بما صحَّ ونعمل به ونعضَّ عليه بالنواجذ ، وأن لا نقلِّد حتى أبا بكرٍ الصديق إلا بأمر كان مستنبطه من الأحكام الشرعية ولم نجد له مخالف من الإجماع .
فبارك الله فيكم ؛ المفروض علينا قلنا أن رحلتنا تكون لوجه الله وهي طلب العلم ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة ) ، وأن لا توانوا وأن لا تتهاونون عن طلب العلم ؛ فإن طلب العلم فريضة وليس فرض كفاية ، فرض عين حتى على المرأة وحتى على الطفل وعلى جميع أفراد الناس ، فإنه لا ينجو من النار إلا عالمًا كما ورد في " سنن الترمذي " عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( الدنيا ملعونة ملعونٌ ما فيها إلا ذكر الله ) - يقصد كتاب الله - ( ومن ولاه ) ، أي : التفَّ حوله وحكم بما فيه وقضى بقضاه وأبعد عن نواهيه ، ( إلا ذكر الله ومن ولاه ، وعالمًا أو متعلِّم ) ، فالرجل الذي ليس من أصحاب ذكر الله ولا موالي له وليس عالم ولا مُجالس للعلماء يتعلم على أيديهم فهذا كما جاء عن النبي ملعونًا على لسان المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ، والملعون هنا هو المطرود من رحمة الله ، فإذا طُرِدَ أحدنا من رحمة الله لا فائدة في أن تكون له الأرض والدنيا كلها شرقًا مطلع الشمس ومغربها غربًا كلها باسمه كلها بسندات تمليك باسمه ، فإذا انغمس في النار والله أنه إنَّ هذا الشقاء وهذا هو الخسران المبين ، أجارنا الله وإياكم أن تستهوينا الشهوات والأنفس ، ونسأل الله أن يجعل محلَّ ذلك حب الله وحب رسوله وحب الشرع الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ويقول - عليه الصلاة والسلام - : ( تركت فيكم شيئين لن تضلُّوا ما تمسَّكتم بهما كتاب الله وسنتي ) ، ويقول : ( تركتكم على المحجَّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ) .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - حريصٌ علينا حرصًا تامًّا صحيحًا ، الله شهد ... وأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - تحرَّكت ... ، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - دعا إلى الهدى وبيَّن الله (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )) ، فالحياة الناس أموات إلا من حيِيَ تحت عنوان لا إله إلا الله ، من حُيِيَ هذه الحياة فهو حيًّا يقظًا فطنًا ، وهو حيًّا يتلذَّذ ويتمتَّع في حياة سامية عالية لا مثيل لها ؛ لأنه منتظم بنظامٍ أرادَه الله له وقضى أن يتَّبعه ، وأما الناس الذين يتَّبعون الشهوات والدنيا والدرهم والدينار ويحبون كل ما هبَّ ودبَّ ، ويسيرون وراء كلِّ زاعق وناعق ، ويصدِّقون كل ما قيل ، ويُحدِّثون بكل ما سمعوا ؛ فهؤلاء لا مثيل لهم إلا الحيوانات ولا مثيل لهم إلا البهائم ، ولا مثيل لهم إلا الأمم الذي لا بالت في الدين ولا خلَّصت أنفسها من النار ، فالسفيه من سفه نفسه ، فأجارنا الله وإيَّاكم أن تستهوينا النفس وأن تجتالنا الشياطين .
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ )) ، (( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ )) أي : لكتاب الله ، استجيبوا لرسول الله ، أي : أن نستجيب للسنّة الصحيحة التي وردت عن رسول الله بسندٍ صحيح .
(( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )) ، فالحياة إخواني هي في الدنيا فعلًا أن نحيا حياة طيِّبة ، والحياة الطَّيِّبة قلنا أن يستقيم الإنسان على الشريعة السمحاء ، وأن يستقيم على الأوامر يرتاح ضميره من جهة ، ثم أنه لا يُغضب الله من جهةٍ أخرى ، ثم أنه لا يتعدّى على المجتمع والآخرين ، ثم أن كل شيءٍ بين يديه بقدرٍ معلوم وبحدودٍ معقولة ، ويكون فعلًا أنه محمودًا في الدنيا ومرغوبًا فيه ولو أعداؤه يحبُّونه ، فنبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - لا أعلم يبغضه إلا رجلٌ زاحَمَه على المنصب أو رجلٌ كما جاء (( وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ )) ، إلا رجل حاسد كأبي جهل وغيره وهو يعلم إذا استشهد يشهد أنه على حقٍّ ، كما جاء أثر عنه اللعين أنه يقول : والله إنه على حقٍّ ، والله إنه نبيٌّ ، ولكن نحن وبنو هاشم فرسي رهان ، أطعموا فأطعمنا وأسقوا فسقينا ، والآن يقولون : منا نبيٌّ !! فمن أين نأتي بنبيٍّ ؟ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - تملَّك القلوب حبًّا ، ويشهد به العالم أنه طيِّب الجناح طيِّب الجانب طيِّب ما بين يديه عمله خيرًا ، ما فعل إلا خير ، فنحن دعاة ، ونحن لنا في رسول الله أسوة حسنة ، ونحن نسير على هذا الأثر ونسير على هذا المنهج ، فيجب علينا أن نُمثِّل الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وممكن أن أحدنا يُطيق ما طاق رسول الله إلا الأمور المعلقة برسول الله الذي يمكن أن لا يطيقها إلا هو وهي قليلة جدًّا ، أما الأمور التعبدية فكلنا نستطيع أن نطيق ذلك ، ما عدا التهجد من الليل يمكن أن يصعب علينا .
فبارك الله فيكم ؛ يجب أن نكون أسوة حسنة لرسول الله ، وأن نمثِّل رسول الله وأن نعرض الصورة التي كان عليها رسول الله للناس والمسلم داعية وهو صامت ، داعية للجيران وهو لا يُكلِّمهم ، داعية في مشيه ، داعية في نظره ، داعية في تحرُّكاته عاقلًا أديبًا مؤمنًا ، إذا رأى نفسه أنه مخطئ رجع وأعلن ذلك لا يستحي ولا يخشى في الله لومة لائم كما فعل هكذا سلفنا الصالح ، كانوا إذا صح لهم أمرًا خلاف ما هم عليه رجعوا عنه وأعلنوا ذلك ، لا يستحون ولا يخافون إلا من الله - تبارك وتعالى - ، وإن الرغبة والرهبة عبادة فيجب أن نرغب في هذا الدين ونرهب من جميع ما يوقعنا فيما يغضب الله فـ (( اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ )) ، هذا دليلٌ أن الإنسان يُحاسب يوم القيامة على ما أخفى وعلى ما أعلن ، والله يحاسبنا على الباطن ولو أن الشريعة لا تحاسبنا إلا على الظاهر ، وهذا حدُّ الشريعة في الناس ، ولكن الله - سبحانه وتعالى - أعظم حكمًا وأجلُّ وأقدر وهو أخبر في عباده (( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ )) بلى (( وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ )) ، فالله يحاسبنا على السرائر وعلى ما يخطر في البال ، فاتقوا الله حقَّ تقواه ، وراقبوه مراقبة كأنك تراه .
فأخي المسلم ، يمكن أحدنا تُحدِّثه نفسه أن يزني ، فما رأيك لو أبا المرأة أو أخاها حاضرًا ؛ أيزني ؟ لا لم ؟ لأن عليه رقابة ، أحدنا يمكن تحدِّثه نفسه أن يسرق فيمكن ألا يسرق لمَ ؟ إذا أصحاب المال عيونهم منصبَّة على المحل لا يمكن أن يسرق ، السبب في ذلك أن يحول بينه وبين ذلك الرغبة التي يريدها هو الرَّقابة ، فالرقابة من الله حاصلة في كلِّ حالٍ وحين وفي كل زمانٍ ومكان ، ويراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين فاتَّق الله عبد الله ، عبد الله خاف الله ، الله يراك حين تهمُّ حتى لو هممت بشيء لا يعلمه الناظرين والذين يراقبون على عرضهم ومالهم لا يرون ما خطر في بالك ، نعم يرون ما فعلت فلا تتحرَّك ؛ لكن ما خطر في بالك لا يرونه ، أما الله - تبارك وتعالى - أشد رقابةً منهم يراك في حركاتك وسكناتك ويرى ما خطر في بالك فاتَّق الله ، خاف الله يا عبد الله .
ويا أيها العبد ، ما خلقك الله لتتمتَّع في هذه الدنيا وتأخذ ستين أو سبعين أو ثمانين أو تسعين من العمر مستلذًّا في هذه الدنيا تصلي وتؤيد هذا الدين وتعلِّم أولادك على بعضه ، لكن إذا أُوذيت في الله أبعدت عمَّا يؤذيك ، وتجنَّبت ما تتعرَّض له ، تتجنَّب بعض التعبُّد حتى لا تتعرَّض لبعض من المهلكات أو الأذى ؛ لا ، ما عليك - أخي المسلم ، يا عبد الله - إلا أن تؤدِّي دورك الذي خُلقت لأجله ، وأن تؤدِّي ما فرض الله عليك ، وأن تأخذ دورك في هذه الدنيا ، وأن تتأسَّى برسول الله والجنة ... هذه من يجي يدخلها ؟ الجنة عرضها السموات والأرض ، وأقل ملَّاك فيها يملك بقدر الدنيا عشر مرات لا تُعطى هذه لأيِّ رجلٍ منكم ، لا تُعطى إلا لرجلٍ صدق ظاهرًا وباطنًا وعمِل لما يرضي الله ظاهرًا وباطنًا ، وفعل الخير وأمر به وتآمر بالمعروف وتناهى عن المنكر ، ويجب عليه أن يُطبِّق هذا على نفسه وذويه وأهله وبنيه وجيرانه وممَّن أطاعه وممَّن قبل منه النصيحة والدعوة ، فالمفروض عليك لا أن تتحرَّك بقدر ما ترى نفسك تعبَّدت ، أن تتحرَّك بقدر ما تُطيق ، يجب على المسلم أن يتحرَّك للدعوة بقدر ما يطيق ، نعم ، (( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )) ، لكن إذا وسعت نفسك أن تجتهد ليلًا ونهارًا وأن تكتب وأن تتحدَّث وأن تعمل الخير وأن تنشر في الأرض وأن تصلح وأن تُعمِّر في هذه الدنيا أي العقيدة تعمِّر القلوب الذي مهدومة وخربة من عدم وجود القرآن فيها وعدم وجود خوف الله وخوف معاصاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فالمفروض على كلِّ مسلم منَّا أن يخشى الله ويراقبه وأن يحسب حساب الوقفة بين يدي الله يوم تقوم الناس لربِّ العالمين ، ولا بد ما تموتون كما تنامون وتُحشرون كما تستيقظون ، وهذا قريبٌ جدًّا ولو رأيناه بعيدًا ، فأن الله - سبحانه وتعالى - سيطوي السماوات كطيِّ السجل للكتب ، والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة ويقول : أنا الجبار ، ولا بد من انتهاء هذه الدنيا ، ولا بد من ارتحالنا من هذا البرزخ إلى برزخ الآخرة والوقوف بين يدي الله ، فيجب أن نخاف الله ونخشاه ، ونراقبه ولا نعصاه ، فالمفروض علينا - معشر المسلمين - أن نعمل بقدر ما نطيق ولا بقدر ما نرى أننا أدينا خمس صلوات وأدينا فرض رمضان وحجينا وهذا انتهى ... نعلم أولادنا ، لا ، مفروض عليك يسألك الله يوم القيامة على قدر ما تُطيق ، فإن صرفت من بعض هذه الطاقة كلها لامرأتك ، نعم لها حقٌّ ، ولكن هذا الحق لا يزيد على الثلث ، فإن صرفت أغلب الأوقات إلى الملذَّات والمُلهيات والنساء والمكيفات فأنت مسؤول عن ذلك يوم القيامة ، هذا الجسم صنعَه الله ليستخدمه وصنعه الله لغرض يريده يقول : (( مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ )) ، فالله يريد منك أن تأمر بالمعروف وتنهى عن الفحشاء والمنكر ، وأن تتأسَّى بما سبق من قبلك من الرسل وخاصَّة رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي يجب علينا أن نطيعه ، ويجب علينا أن نأخذه مذهبًا لنا ونأخذ طريقه مسلكًا لنا ، ولا نحيد عنه قيد شبر ، فمن زاغ عنه كما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( وعلى يمين الصراط سبل متعرِّجة ، فمن أجاب داعيها سقط في النار ) ، معنى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو قذفوه فيها .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 58
- توقيت الفهرسة : 00:45:04
- نسخة مدققة إملائيًّا