ما حكم مَن يجحد حكمًا من أحكام الشريعة ؟
A-
A=
A+
السائل : الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
توصَّلنا - شيخ - إلى أنَّ إذا حكم الحاكم أكثر من مرَّة بغير ما أنزل الله غيرَ معتقدٍ بهذا الحكم ، وإنما لشهوة أو لهوى ؛ فإنَّ هذا يُعتبر كفر دون كفر ، وإطلاق قول ابن عباس وعدم تحديده بمرَّة أو مرَّتين ... على ذلك ذكرتم شيئًا ؟
الشيخ : كيف ؟
السائل : ذكرتم أن إذا جحد الحاكم بلسانه يمكن أن يُطلق عليه هذا الكفر ، وذكرتم شيئًا عن موضوع الجهل ، وما نريد أن نسأل عنه الآن أن نحدِّد في النهاية ، إذا سمعنا مَن يجحد شيء في الحكم بالنسبة للحكم بالشريعة الإسلامية ؛ فهل نتأكَّد أنه ليس بجاهل قبل أن نحكم عليه ، أو نقول أن هذا كافر ، أو أن حكمنا عليه بالكفر لا يقتضي أنه كافر عند الله - سبحانه وتعالى - ؛ فهل هناك فرق بين الاثنين ؟
الشيخ : أنت تقول بأنه نطقَ بجحد شيء معروف من الشرع ، فمجرَّد أن يجحد حَكَمْنا نحن عليه بالكفر ؛ لأننا مكلَّفون شرعًا بأن نحكم بالظاهر والله يتولَّى السرائر ، أما افتراض أنه قد يكون معذورًا عند الله بسبب جهله فهذا أمرٌ وارد بلا شك ، لكن هل ظهرَ لنا جهله أو علمه ؟ أو على الأقل هل غلب على ظنِّنا أنه جَحَدَ ما يعلمه من الإسلام ؟ أم غلب على ظنِّنا أنه أنكر أو جحد ما لا يعلمه ؟ فإنما نحكم بما يغلب على الظَّنِّ ، ثم أمرُه إلى الله - تبارك وتعالى - .
وقد قلتُ في أثناء كلامي على هذه المسألة فيما تقدَّم أن هناك قضيَّتين ؛ قضية إيمان وقضية إسلام ، الإيمان يتعلَّق بالقلب ، والإسلام يتعلَّق بالجوارح وما يظهر للإنسان ، فالإيمان أمره إلى الله ؛ فهو يعلم السرائر ، يعلم السِّرَّ وأخفى ، الإسلام هو الذي نحن كُلِّفنا به ؛ فما دام أن الصورة الآن المعروضة هي أنَّ حاكمًا جحد شيئًا من الإسلام قلنا : " من فمك أدينُك " ، ونؤاخِذُه بجحده ، فإذا كان جاهلًا فله عذر عند الله - عز وجل - ، ونحن جهلنا هذا الجهل ولم نعلم به ، وإذا علمنا جهله وأن إنكاره وجحده إنما كان بعذر الجهل علَّمْناه ، وأقَمْنا عليه الحجة إن كان لدينا مجال في ذلك ، وإلا فهذا التأخُّر أمرُه إلى الله - عز وجل - ؛ فإذًا نحن ندور مع ما يظهر لنا وباطنه أمره إلى الله ، أما الذي يخفى عنَّا فنحن لَسْنا مكلَّفين به .
والذي يؤكد لنا هذا بل يزيده قوَّة أننا نعلم أن في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فضلًا عن العهود الأخرى كان فيهم طائفة من الناس يُظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ، وهم الذين عُرفوا شرعًا بالمنافقين ، ووَصَفَهم ربُّ العالمين بأنهم في الدرك الأسفل من النار ، عرف الرسول - عليه السلام - بعضَ هؤلاء المنافقين ، وأعطى أسماءهم لصاحب سرِّه حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - ، ومع ذلك لم يُعامِلْهم معاملة الجاحدين المُعلنين للكفر ، وإنما أجرى عليهم حكم الإسلام الظاهر ؛ فما دام أنهم كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، ويقيمون الصلاة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويصومون ، و و إلى آخر ما هنالك من أحكام ؛ فما دام أنهم كانوا يجرون على هذه الأحكام الشرعية فاعتَبَرَهم الرسول - عليه السلام - مسلمين ، وعامَلَهم معاملة المسلمين ، ولم يستأصِلْ شأفتهم ؛ لأنه قد يظهر أحيانًا من فلتات لسانهم ما يُنبئ عن باطن كفرهم كما أشار إلى ذلك ربُّنا - عز وجل - في قوله : (( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ )) ؛ فإذًا هذا قوَّة لنا بأنُّو ما دام الرجل أيَّ رجل كان يظهر منه ما يدل على إسلامه ، فإذا اقترن مع ذلك شيء قد يدلُّ على جحده وكفره ، ولكنه ليس بصريح ، فنحن لا نتمسَّك بهذا الذي يظهر منه أو قد يظهر منه ممَّا يُكفَّر به ما دام أنه ليس صريحًا ، وإنما على العكس من ذلك ؛ نغلِّب على هذا ما هو ظاهر منه من الاعتراف بالشهادتين ولوازمهما ، بل ومن محافظته على بعض الشعائر الإسلامية كالصلاة والصوم ونحو ذلك .
فإذًا الحكم إنما هو بما يظهر من الإنسان ظهورًا واضحًا ، فنحن نُدينُه به ، فإن كان عن علم - أي : جَحَدَ عن علمٍ - أطلقنا عليه حكم الكفر ، وإن كان عن جهل أقَمْنا عليه الحجة ، فإن رجع فَبِهَا ، وإلا فنظلُّ عندما حكمنا عليه من الكفر .
وهناك مثال مشهور بين العلماء ؛ تارك الصلاة - مثلًا - ، فمكانة الصلاة شعيرة من شعائر الإسلام ، والمفروض أنه لا يمكن لمسلم أن يجهل فرضيَّة الصلوات الخمس ، فإذا ما جِيْء بتارك الصلاة إلى الحاكم المسلم أُمِرَ بالصلاة ، وأن يحافظ عليها ، ويُستتاب مِن تركه إياها ، فإن تاب رجع وأناب ، وذلك هو المطلوب ، وإن أصَرَّ على تركه للصلاة فحينئذٍ يُقتل .
وقد اختلف العلماء أنهم في هذه الحالة يُقتل حدًّا أم كفرًا ؟
على قولين مشهورين ، والصواب أنه يُقتل كفرًا ؛ ذلك لأن هناك ظاهرة قوية جدًّا في هذا الذي خُيِّر بين أن يصلي يتوب إلى الله ويصلي ، وإلا فالموت أمامه ، فإذا آثَرَ الموت على الصلاة فذلك أكبر دليل على أنه ، أو على أنَّ تركه للصلاة كان عن عقيدة ولم يكُنْ عن إهمال أو عن كسل ؛ لأنه لو كان عن إهمال أو كسل فسيعود إلى الصلاة ، ويُؤثر الصلاة ولو كسلًا على الموت الذي صار أقرب إليه من شراك نعله ، فحينما نراه في مثل هذا الإنسان يُؤثر القتل على أن يصلي فدليل على أنه جاحد للصلاة ؛ ولذلك كان الأرجح من قولي العلماء في هذا الشخص أنه يُقتل كفرًا وليس حدًّا . وهكذا العلماء يجرون على اعتبار ما يظهر من الإنسان ، فإذا ظهر منه العناد والإصرار على الكفر فهو الكافر ، وإلا فيُعامل معاملة المسلمين ، ولو أنُّو ممكن يكون هناك أشياء قد تدلُّ على خلاف ما يظهر من إسلامه كما ذكرنا من شأن المنافقين ... .
توصَّلنا - شيخ - إلى أنَّ إذا حكم الحاكم أكثر من مرَّة بغير ما أنزل الله غيرَ معتقدٍ بهذا الحكم ، وإنما لشهوة أو لهوى ؛ فإنَّ هذا يُعتبر كفر دون كفر ، وإطلاق قول ابن عباس وعدم تحديده بمرَّة أو مرَّتين ... على ذلك ذكرتم شيئًا ؟
الشيخ : كيف ؟
السائل : ذكرتم أن إذا جحد الحاكم بلسانه يمكن أن يُطلق عليه هذا الكفر ، وذكرتم شيئًا عن موضوع الجهل ، وما نريد أن نسأل عنه الآن أن نحدِّد في النهاية ، إذا سمعنا مَن يجحد شيء في الحكم بالنسبة للحكم بالشريعة الإسلامية ؛ فهل نتأكَّد أنه ليس بجاهل قبل أن نحكم عليه ، أو نقول أن هذا كافر ، أو أن حكمنا عليه بالكفر لا يقتضي أنه كافر عند الله - سبحانه وتعالى - ؛ فهل هناك فرق بين الاثنين ؟
الشيخ : أنت تقول بأنه نطقَ بجحد شيء معروف من الشرع ، فمجرَّد أن يجحد حَكَمْنا نحن عليه بالكفر ؛ لأننا مكلَّفون شرعًا بأن نحكم بالظاهر والله يتولَّى السرائر ، أما افتراض أنه قد يكون معذورًا عند الله بسبب جهله فهذا أمرٌ وارد بلا شك ، لكن هل ظهرَ لنا جهله أو علمه ؟ أو على الأقل هل غلب على ظنِّنا أنه جَحَدَ ما يعلمه من الإسلام ؟ أم غلب على ظنِّنا أنه أنكر أو جحد ما لا يعلمه ؟ فإنما نحكم بما يغلب على الظَّنِّ ، ثم أمرُه إلى الله - تبارك وتعالى - .
وقد قلتُ في أثناء كلامي على هذه المسألة فيما تقدَّم أن هناك قضيَّتين ؛ قضية إيمان وقضية إسلام ، الإيمان يتعلَّق بالقلب ، والإسلام يتعلَّق بالجوارح وما يظهر للإنسان ، فالإيمان أمره إلى الله ؛ فهو يعلم السرائر ، يعلم السِّرَّ وأخفى ، الإسلام هو الذي نحن كُلِّفنا به ؛ فما دام أن الصورة الآن المعروضة هي أنَّ حاكمًا جحد شيئًا من الإسلام قلنا : " من فمك أدينُك " ، ونؤاخِذُه بجحده ، فإذا كان جاهلًا فله عذر عند الله - عز وجل - ، ونحن جهلنا هذا الجهل ولم نعلم به ، وإذا علمنا جهله وأن إنكاره وجحده إنما كان بعذر الجهل علَّمْناه ، وأقَمْنا عليه الحجة إن كان لدينا مجال في ذلك ، وإلا فهذا التأخُّر أمرُه إلى الله - عز وجل - ؛ فإذًا نحن ندور مع ما يظهر لنا وباطنه أمره إلى الله ، أما الذي يخفى عنَّا فنحن لَسْنا مكلَّفين به .
والذي يؤكد لنا هذا بل يزيده قوَّة أننا نعلم أن في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فضلًا عن العهود الأخرى كان فيهم طائفة من الناس يُظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ، وهم الذين عُرفوا شرعًا بالمنافقين ، ووَصَفَهم ربُّ العالمين بأنهم في الدرك الأسفل من النار ، عرف الرسول - عليه السلام - بعضَ هؤلاء المنافقين ، وأعطى أسماءهم لصاحب سرِّه حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - ، ومع ذلك لم يُعامِلْهم معاملة الجاحدين المُعلنين للكفر ، وإنما أجرى عليهم حكم الإسلام الظاهر ؛ فما دام أنهم كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ، ويقيمون الصلاة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويصومون ، و و إلى آخر ما هنالك من أحكام ؛ فما دام أنهم كانوا يجرون على هذه الأحكام الشرعية فاعتَبَرَهم الرسول - عليه السلام - مسلمين ، وعامَلَهم معاملة المسلمين ، ولم يستأصِلْ شأفتهم ؛ لأنه قد يظهر أحيانًا من فلتات لسانهم ما يُنبئ عن باطن كفرهم كما أشار إلى ذلك ربُّنا - عز وجل - في قوله : (( وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ )) ؛ فإذًا هذا قوَّة لنا بأنُّو ما دام الرجل أيَّ رجل كان يظهر منه ما يدل على إسلامه ، فإذا اقترن مع ذلك شيء قد يدلُّ على جحده وكفره ، ولكنه ليس بصريح ، فنحن لا نتمسَّك بهذا الذي يظهر منه أو قد يظهر منه ممَّا يُكفَّر به ما دام أنه ليس صريحًا ، وإنما على العكس من ذلك ؛ نغلِّب على هذا ما هو ظاهر منه من الاعتراف بالشهادتين ولوازمهما ، بل ومن محافظته على بعض الشعائر الإسلامية كالصلاة والصوم ونحو ذلك .
فإذًا الحكم إنما هو بما يظهر من الإنسان ظهورًا واضحًا ، فنحن نُدينُه به ، فإن كان عن علم - أي : جَحَدَ عن علمٍ - أطلقنا عليه حكم الكفر ، وإن كان عن جهل أقَمْنا عليه الحجة ، فإن رجع فَبِهَا ، وإلا فنظلُّ عندما حكمنا عليه من الكفر .
وهناك مثال مشهور بين العلماء ؛ تارك الصلاة - مثلًا - ، فمكانة الصلاة شعيرة من شعائر الإسلام ، والمفروض أنه لا يمكن لمسلم أن يجهل فرضيَّة الصلوات الخمس ، فإذا ما جِيْء بتارك الصلاة إلى الحاكم المسلم أُمِرَ بالصلاة ، وأن يحافظ عليها ، ويُستتاب مِن تركه إياها ، فإن تاب رجع وأناب ، وذلك هو المطلوب ، وإن أصَرَّ على تركه للصلاة فحينئذٍ يُقتل .
وقد اختلف العلماء أنهم في هذه الحالة يُقتل حدًّا أم كفرًا ؟
على قولين مشهورين ، والصواب أنه يُقتل كفرًا ؛ ذلك لأن هناك ظاهرة قوية جدًّا في هذا الذي خُيِّر بين أن يصلي يتوب إلى الله ويصلي ، وإلا فالموت أمامه ، فإذا آثَرَ الموت على الصلاة فذلك أكبر دليل على أنه ، أو على أنَّ تركه للصلاة كان عن عقيدة ولم يكُنْ عن إهمال أو عن كسل ؛ لأنه لو كان عن إهمال أو كسل فسيعود إلى الصلاة ، ويُؤثر الصلاة ولو كسلًا على الموت الذي صار أقرب إليه من شراك نعله ، فحينما نراه في مثل هذا الإنسان يُؤثر القتل على أن يصلي فدليل على أنه جاحد للصلاة ؛ ولذلك كان الأرجح من قولي العلماء في هذا الشخص أنه يُقتل كفرًا وليس حدًّا . وهكذا العلماء يجرون على اعتبار ما يظهر من الإنسان ، فإذا ظهر منه العناد والإصرار على الكفر فهو الكافر ، وإلا فيُعامل معاملة المسلمين ، ولو أنُّو ممكن يكون هناك أشياء قد تدلُّ على خلاف ما يظهر من إسلامه كما ذكرنا من شأن المنافقين ... .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 214
- توقيت الفهرسة : 01:24:36
- نسخة مدققة إملائيًّا