ما المراد بقول ابن عباس - رضي الله عنهما - : " كفر دون كفر " ؟
A-
A=
A+
السائل : تعليقًا على كلامكم البارحة لما سُئلت عن مسألة الحكم ، وذكرت الفرق بأن الكفر الاعتقادي هو كفر العقيدة .
سائل آخر : نرجو التوضيح .
الشيخ : الكفر الاعتقادي والكفر العملي ، نعم .
السائل : وذكرت قول ابن عباس : " كفر دون كفر " ، ومثله أعتقد ... والشنقيطي - أيضًا - ... يرى بعض الإخوة ... مثل ما ذكر الشَّيخ " عمر الأشقر " في كتابه " العقيدة " وغيره أن هذا الكلام كان ابن عباس وغيره " كفر دون كفر " ... إنما ينطبق على مَن حَكَمَ بقضية واحدة بغير ما أنزل الله ، ولا ... من أحكام موجودة إلى أحكام ... ... أو كما قال بعضهم ... فما وجه الصواب ... هذَين القولَين ؟
الشيخ : الصَّواب الذي نقطع به هو ما سمعتَ أمس ! أما هذه الشبهة فهي نسمعها من جماعة التكفير مرارًا ، وأنا أقمتُ الحجَّة عليهم بنحو الصورة الآتية : إذا كان هناك قاضي يحكم بالشرع ، يحكم بالشرع مش بالقانون ، ولما رجعت إليه قضية من القضايا حَكَمَ بخلاف الشرع ، يأتي السؤال : كَفَرَ هذا ؟ جماعة التكفير لم يسَعْهم رغم أنوفهم إلا أن يقولوا بعد شيء من التفكير : لا ، ما كفر . قلنا لهم : لِيه ؟ أليس يصدق فيه أنه حكم بغير ما أنزل الله ؟ قال : هذا عادةً يحكم بالشرع ، وهذه المرَّة حكم بغير الشرع . قلنا له : طيب ، في قضية أخرى - أيضًا - اتَّبع هواه وحكم بغير الشرع ؛ أَكَفَرَ ؟ قال : مثل الأول لكن بشيء من الضَّعف . قلت له : ثالث مرَّة وخامس مرَّة وخمسين مرَّة ؛ كفر ؟ قال : إي ، لما كثَّرت له العدد قال : كفر . قلَّلنا له العدد ... وتارةً يقدِّم رجلًا ويؤخِّر أخرى ، قل لي : ما الضابط عندك في أنُّو في المرة الأولى والثانية والثالثة ربما ما كفر ؟ وفي الخامسة والخمسين كفر ؛ ما هو الضابط ؟ ألسْتَ نظرت إلى أنه المرة الأولى والثانية والثالثة نظرت إلى أنه صحيح أنه خالف الشرع ، لكن يعتقد أنه في مخالفته للشرع مخالف للشرع ، مش يعني معاند للشرع وأنُّو هذا الشرع ما عاد يصلح في هذا الزمان وما شابه ذلك .
فهذا الرجل مهما تكرَّرت حكوماته بغير ما أنزل الله فلا يزال هو هو من حيث العقيدة ، فما الذي جَدَّ عندكم بالنسبة لهذا الإنسان لما صوَّرناه لكم أنُّو خمسين مرَّة حكم بغير ما أنزل الله ، ولو سألته : هل ترى هذا الحكم حقًّا ؟ يقول لك : لا . طيب ، ليه حكمت بغير ما أنزل الله ؟ الله يلعن الشيطان !! مثل الذي ... الخمر ، مثل اللي ... السرقة و و إلى آخره ، إيش الفرق بين هذا الذي لا يحكم بما أنزل الله وبين هؤلاء الذين - أيضًا - لا يطبِّقون أحكام الله في ذوات أنفسهم ؟ فهل تكرار الشيء له علاقة بالعقيدة ؟ لا ، لكن له علاقة بازدياد إيش ؟ الإثم .
ولذلك فالعقيدة - أخي - لها علاقة بالقلب ، مثل الإيمان ، الإيمان وين تعلُّقه الأول ؟ هو القلب ، كذلك اللي هو ضد الإيمان الكفر ، كمان علاقته بالقلب ؛ فالقضية ما لها علاقة إذًا بكثرة وقوع الإنسان المؤمن بكثرة وقوعه في المخالفة للشرع أو القلة ، الحكم واحد ماشي ، لكن طبعًا الحكم واحد من حيث أنُّو كفر أو ما كفر ، لكن ليس الحكم واحد اللي يخطئ مع ربِّه مرَّة مثل الذي يخطئ معه خمسين مرة ؛ هذا بلا شك أشدُّ إثمًا وعدوانًا ، لكن البحث بالنسبة لقضية التكفير أو وقوع الإنسان في الكفر ؛ هذا له علاقة بالقلب ، فإذا عبَّرَ هذا الإنسان بلسانه عمَّا وَقَرَ بقلبه ، أو قام هناك دليل قاطع على أنه رجل كافر في قلبه حَكَمْنا بكفره ، أما كما هو شأن كثير من حكَّامنا اليوم فيه دلالات متناقضة ، فهُم من ناحية بعضهم على الأقل يصومون ويصلون ويقوموا بشعائر الإسلام ... على كلِّ حال هذا هو ... عنِّي أنُّو ما فيه فرق بين مرَّة أو مرَّتين أو خمسة أو عشرة ، المهم بعبارة أخرى ألفت نظركم القضية لها علاقة تارةً بالإسلام ، وتارةً لها علاقة بالإيمان ، فإذا كان البحث في تكفير الذين لا يحكمون بما أنزل الله ؛ يعني نعطي حكم بنسبة لعاقبة أمرهم عند الله ؛ فهذا له علاقة بإيه ؟ بالإيمان ، وإذا كان الأمر متعلِّق بما يبدو لنا فهذا له علاقة بالإسلام ، يعني الأحكام الظاهرة ، فأيُّ إنسان ظهر منه ما يكفِّر حَكَمْنا عليه بالكفر ، وأمره إلى الله - عز وجل - ؛ علمًا أن حكمنا هذا قد يكون خطأ وقد يكون صواب ؛ واضح ولَّا لا ؟
السائل : واضح .
الشيخ : ها ؟
السائل : يحكم على أساس الكفر ؟
الشيخ : أقول : هناك شيئان ، شيء اسمه إيمان وشيء اسمه إسلام ، الإيمان علاقته في القلب ، الإسلام علاقته بالجوارح بالأعمال التي تظهر للناس ، فإذا ظهر لنا عمل من إنسان يشعرنا بأنه كافر في قرارة قلبه إشعارًا قويًّا لا نرتاب فيه حَكَمْنا حين ذاك بكفره وحسابه عند الله ، عرفت شلون ؟ لكن إذا ظهر عندنا أنُّو رجل مسلم ويصلِّي ويصوم إلى آخره ، لكن في هناك دلالات ضعيفة على أنه ليس مسلمًا ، فنحن ما نغلِّب هذه الدلالات الضعيفة على تلك الدلالات القوية ، فإذا الجماعة هدول لما يقولوا على الإطلاق : (( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )) عند الله ؛ فمعنى هذا حكم على ما وَقَرَ في قلوبهم ؛ فهل يدل عدم العمل بحكم من أحكام الله أو بأكثر يدل على أن هذا انعقد الكفر في قلبه وجحد ما أنزل الله من شرعه ؟
هذا لا يجوز ، وإلا لَكان كلُّ مَن يخالف حكم من الأحكام الشرعية كافرًا ، وذكرنا أمس نحن أمثلة : ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) ، فكلَّما رأينا إنسان يقاتل إنسانًا أو جماعة تقاتل جماعة ، وكلٌّ من الطائفتين مسلمون ؛ نقول : هذه الطائفة التي بَغَتْ تكون كافرة ؛ لأن الرسول قال : ( كَفَر ) أو ( كُفْر ) ؟ لا ، وإنما ندرس المسألة بقى بشيء من التأنِّي ؛ هل هذا المسلم الذي يقتل أو يقاتل أخاه المسلم يرى ذلك أمرًا جائزًا حلالًا خلاف ما شرعَ الله - عز وجل - من تحريم دم المسلم ؟ فإن كان أفصح في كلامه عن عقيدة باطلة فهو كافر حين ذاك ، أما مجرَّد أن نستند لعلامة ظاهرة منه فهذا خلاف أحكام الشرع .
نحن نعلم أن الرسول - عليه السلام - أنكر على الصحابي لمَّا قتل الكافر بعد أن قال : لا إله إلا الله ، أنكر عليه ، وقال لمَّا اعتذر بأنُّو ما قالها إلا تقيَّة أو خوفًا من القتل أو نحو ذلك ؛ قال : ( هلَّا ) ، أيوا ، قال : ( هلَّا شقَقْتَ عن قلبه ! ) ، مع أننا لو درسنا الموضوع الآن بشيء من الرويَّة والتُّؤدة والتفكير لَوجدنا هذا الصحابي خاصَّة على منطق جماعة التكفير لَرأيناه محقًّا ؛ ليه ؟ لأنُّو قبل أن يمسَّه حدُّ السيف كان يقاتل المسلم والمسلمين ؛ كان كافرًا ، فلما كاد أن يمسَّه السيف قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، فهون الظاهر يدلُّ على أنُّو هذا الرجل فعلًا ما قال هذه الكلمة الطيبة إلا تعوُّذًا من القتل ، مع ذلك فالرسول - عليه السلام - بماذا تمسَّك حينما اعترض على هذا الصحابي وأنكر عليه ؟ قال : لا إله إلا الله ، أما قالها تعوُّذًا ، قالها إيمانًا ؛ هذا بينه وبين ربه ، المهم أنُّو هذه الكلمة عصمة ، نحن هدول الحكام على الأقل بعضهم نجدهم ليس فقط يشهدون ، بل يصلون ويصومون إلى آخره ، لكن من جانب ثاني لا يحكمون بما أنزل الله ، ما نبرِّر لهم حكمهم هذا ، لكنَّنا نقول أنُّو لا يجوز أن نكفِّر مسلمًا سواء كان حاكمًا من هؤلاء الحكَّام أو قاضيًا من قضاة المسلمين ، وكثيرًا ما يحكم هؤلاء بغير ما أنزل الله ، فما نكفِّرهم ، وإنما حسبنا أن نقول : هؤلاء يخالفون الشريعة ، وفعلًا لا يحكمون بما أنزل الله ، فإن استطعنا أنُّو نقنعهم نحملهم على أن يحكموا بما أنزل الله ، فَبِهَا ونعمت ، ما استطعنا فنتم ماشيين نحن في طريقنا حتى نتمكَّن من إقامة الدولة المسلمة .
... ما الفائدة الآن من إعلام لو فرضنا أنُّو هذه حقيقة ؛ جدلًا أنُّو كل هؤلاء الحكام كفار ، شو الفائدة ؟ نثور ثورة ، أنا لا أعتقد أنُّو في الإسلام فيه ثورة ، وإنما بدنا نمشي على الطريقة التي سَلَكَها الرسول - عليه السلام - حتى كتَّل الجماعة ، وأقام على أساس هالجماعة هدول الدولة المسلمة ، والتاريخ يعيد نفسه ، ويجب أن نحن نجعل التاريخ يعيد نفسه ، فنمشي بنفس الطريق الذي سلكه الرسول - عليه السلام - ؛ يعني لا بد من تأسيس القاعدة ، وإلا هذه الثورات وهذه الطَّفرات عم تضرُّنا ما عم تفيدنا أبدًا ، عم ترجِّعنا القهقرى ، هذا لوكان في الدعوة في نفسها صحيحة ، فكيف وهي باطلة ؟ لا ، ليس عندنا دليل أبدًا يحمِلُنا على أن نكفِّر مَن نرى منه إسلامًا ، ولا نرى منه من جهة أخرى إعراض عن العمل بالإسلام ، هَيْ قضية عمل مقصِّرون مؤاخذون ؛ كلُّ هذا نقول به ، أما أنهم كفار وهم يصلون ؛ هذا ما ينفع !
سائل آخر : نرجو التوضيح .
الشيخ : الكفر الاعتقادي والكفر العملي ، نعم .
السائل : وذكرت قول ابن عباس : " كفر دون كفر " ، ومثله أعتقد ... والشنقيطي - أيضًا - ... يرى بعض الإخوة ... مثل ما ذكر الشَّيخ " عمر الأشقر " في كتابه " العقيدة " وغيره أن هذا الكلام كان ابن عباس وغيره " كفر دون كفر " ... إنما ينطبق على مَن حَكَمَ بقضية واحدة بغير ما أنزل الله ، ولا ... من أحكام موجودة إلى أحكام ... ... أو كما قال بعضهم ... فما وجه الصواب ... هذَين القولَين ؟
الشيخ : الصَّواب الذي نقطع به هو ما سمعتَ أمس ! أما هذه الشبهة فهي نسمعها من جماعة التكفير مرارًا ، وأنا أقمتُ الحجَّة عليهم بنحو الصورة الآتية : إذا كان هناك قاضي يحكم بالشرع ، يحكم بالشرع مش بالقانون ، ولما رجعت إليه قضية من القضايا حَكَمَ بخلاف الشرع ، يأتي السؤال : كَفَرَ هذا ؟ جماعة التكفير لم يسَعْهم رغم أنوفهم إلا أن يقولوا بعد شيء من التفكير : لا ، ما كفر . قلنا لهم : لِيه ؟ أليس يصدق فيه أنه حكم بغير ما أنزل الله ؟ قال : هذا عادةً يحكم بالشرع ، وهذه المرَّة حكم بغير الشرع . قلنا له : طيب ، في قضية أخرى - أيضًا - اتَّبع هواه وحكم بغير الشرع ؛ أَكَفَرَ ؟ قال : مثل الأول لكن بشيء من الضَّعف . قلت له : ثالث مرَّة وخامس مرَّة وخمسين مرَّة ؛ كفر ؟ قال : إي ، لما كثَّرت له العدد قال : كفر . قلَّلنا له العدد ... وتارةً يقدِّم رجلًا ويؤخِّر أخرى ، قل لي : ما الضابط عندك في أنُّو في المرة الأولى والثانية والثالثة ربما ما كفر ؟ وفي الخامسة والخمسين كفر ؛ ما هو الضابط ؟ ألسْتَ نظرت إلى أنه المرة الأولى والثانية والثالثة نظرت إلى أنه صحيح أنه خالف الشرع ، لكن يعتقد أنه في مخالفته للشرع مخالف للشرع ، مش يعني معاند للشرع وأنُّو هذا الشرع ما عاد يصلح في هذا الزمان وما شابه ذلك .
فهذا الرجل مهما تكرَّرت حكوماته بغير ما أنزل الله فلا يزال هو هو من حيث العقيدة ، فما الذي جَدَّ عندكم بالنسبة لهذا الإنسان لما صوَّرناه لكم أنُّو خمسين مرَّة حكم بغير ما أنزل الله ، ولو سألته : هل ترى هذا الحكم حقًّا ؟ يقول لك : لا . طيب ، ليه حكمت بغير ما أنزل الله ؟ الله يلعن الشيطان !! مثل الذي ... الخمر ، مثل اللي ... السرقة و و إلى آخره ، إيش الفرق بين هذا الذي لا يحكم بما أنزل الله وبين هؤلاء الذين - أيضًا - لا يطبِّقون أحكام الله في ذوات أنفسهم ؟ فهل تكرار الشيء له علاقة بالعقيدة ؟ لا ، لكن له علاقة بازدياد إيش ؟ الإثم .
ولذلك فالعقيدة - أخي - لها علاقة بالقلب ، مثل الإيمان ، الإيمان وين تعلُّقه الأول ؟ هو القلب ، كذلك اللي هو ضد الإيمان الكفر ، كمان علاقته بالقلب ؛ فالقضية ما لها علاقة إذًا بكثرة وقوع الإنسان المؤمن بكثرة وقوعه في المخالفة للشرع أو القلة ، الحكم واحد ماشي ، لكن طبعًا الحكم واحد من حيث أنُّو كفر أو ما كفر ، لكن ليس الحكم واحد اللي يخطئ مع ربِّه مرَّة مثل الذي يخطئ معه خمسين مرة ؛ هذا بلا شك أشدُّ إثمًا وعدوانًا ، لكن البحث بالنسبة لقضية التكفير أو وقوع الإنسان في الكفر ؛ هذا له علاقة بالقلب ، فإذا عبَّرَ هذا الإنسان بلسانه عمَّا وَقَرَ بقلبه ، أو قام هناك دليل قاطع على أنه رجل كافر في قلبه حَكَمْنا بكفره ، أما كما هو شأن كثير من حكَّامنا اليوم فيه دلالات متناقضة ، فهُم من ناحية بعضهم على الأقل يصومون ويصلون ويقوموا بشعائر الإسلام ... على كلِّ حال هذا هو ... عنِّي أنُّو ما فيه فرق بين مرَّة أو مرَّتين أو خمسة أو عشرة ، المهم بعبارة أخرى ألفت نظركم القضية لها علاقة تارةً بالإسلام ، وتارةً لها علاقة بالإيمان ، فإذا كان البحث في تكفير الذين لا يحكمون بما أنزل الله ؛ يعني نعطي حكم بنسبة لعاقبة أمرهم عند الله ؛ فهذا له علاقة بإيه ؟ بالإيمان ، وإذا كان الأمر متعلِّق بما يبدو لنا فهذا له علاقة بالإسلام ، يعني الأحكام الظاهرة ، فأيُّ إنسان ظهر منه ما يكفِّر حَكَمْنا عليه بالكفر ، وأمره إلى الله - عز وجل - ؛ علمًا أن حكمنا هذا قد يكون خطأ وقد يكون صواب ؛ واضح ولَّا لا ؟
السائل : واضح .
الشيخ : ها ؟
السائل : يحكم على أساس الكفر ؟
الشيخ : أقول : هناك شيئان ، شيء اسمه إيمان وشيء اسمه إسلام ، الإيمان علاقته في القلب ، الإسلام علاقته بالجوارح بالأعمال التي تظهر للناس ، فإذا ظهر لنا عمل من إنسان يشعرنا بأنه كافر في قرارة قلبه إشعارًا قويًّا لا نرتاب فيه حَكَمْنا حين ذاك بكفره وحسابه عند الله ، عرفت شلون ؟ لكن إذا ظهر عندنا أنُّو رجل مسلم ويصلِّي ويصوم إلى آخره ، لكن في هناك دلالات ضعيفة على أنه ليس مسلمًا ، فنحن ما نغلِّب هذه الدلالات الضعيفة على تلك الدلالات القوية ، فإذا الجماعة هدول لما يقولوا على الإطلاق : (( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )) عند الله ؛ فمعنى هذا حكم على ما وَقَرَ في قلوبهم ؛ فهل يدل عدم العمل بحكم من أحكام الله أو بأكثر يدل على أن هذا انعقد الكفر في قلبه وجحد ما أنزل الله من شرعه ؟
هذا لا يجوز ، وإلا لَكان كلُّ مَن يخالف حكم من الأحكام الشرعية كافرًا ، وذكرنا أمس نحن أمثلة : ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) ، فكلَّما رأينا إنسان يقاتل إنسانًا أو جماعة تقاتل جماعة ، وكلٌّ من الطائفتين مسلمون ؛ نقول : هذه الطائفة التي بَغَتْ تكون كافرة ؛ لأن الرسول قال : ( كَفَر ) أو ( كُفْر ) ؟ لا ، وإنما ندرس المسألة بقى بشيء من التأنِّي ؛ هل هذا المسلم الذي يقتل أو يقاتل أخاه المسلم يرى ذلك أمرًا جائزًا حلالًا خلاف ما شرعَ الله - عز وجل - من تحريم دم المسلم ؟ فإن كان أفصح في كلامه عن عقيدة باطلة فهو كافر حين ذاك ، أما مجرَّد أن نستند لعلامة ظاهرة منه فهذا خلاف أحكام الشرع .
نحن نعلم أن الرسول - عليه السلام - أنكر على الصحابي لمَّا قتل الكافر بعد أن قال : لا إله إلا الله ، أنكر عليه ، وقال لمَّا اعتذر بأنُّو ما قالها إلا تقيَّة أو خوفًا من القتل أو نحو ذلك ؛ قال : ( هلَّا ) ، أيوا ، قال : ( هلَّا شقَقْتَ عن قلبه ! ) ، مع أننا لو درسنا الموضوع الآن بشيء من الرويَّة والتُّؤدة والتفكير لَوجدنا هذا الصحابي خاصَّة على منطق جماعة التكفير لَرأيناه محقًّا ؛ ليه ؟ لأنُّو قبل أن يمسَّه حدُّ السيف كان يقاتل المسلم والمسلمين ؛ كان كافرًا ، فلما كاد أن يمسَّه السيف قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، فهون الظاهر يدلُّ على أنُّو هذا الرجل فعلًا ما قال هذه الكلمة الطيبة إلا تعوُّذًا من القتل ، مع ذلك فالرسول - عليه السلام - بماذا تمسَّك حينما اعترض على هذا الصحابي وأنكر عليه ؟ قال : لا إله إلا الله ، أما قالها تعوُّذًا ، قالها إيمانًا ؛ هذا بينه وبين ربه ، المهم أنُّو هذه الكلمة عصمة ، نحن هدول الحكام على الأقل بعضهم نجدهم ليس فقط يشهدون ، بل يصلون ويصومون إلى آخره ، لكن من جانب ثاني لا يحكمون بما أنزل الله ، ما نبرِّر لهم حكمهم هذا ، لكنَّنا نقول أنُّو لا يجوز أن نكفِّر مسلمًا سواء كان حاكمًا من هؤلاء الحكَّام أو قاضيًا من قضاة المسلمين ، وكثيرًا ما يحكم هؤلاء بغير ما أنزل الله ، فما نكفِّرهم ، وإنما حسبنا أن نقول : هؤلاء يخالفون الشريعة ، وفعلًا لا يحكمون بما أنزل الله ، فإن استطعنا أنُّو نقنعهم نحملهم على أن يحكموا بما أنزل الله ، فَبِهَا ونعمت ، ما استطعنا فنتم ماشيين نحن في طريقنا حتى نتمكَّن من إقامة الدولة المسلمة .
... ما الفائدة الآن من إعلام لو فرضنا أنُّو هذه حقيقة ؛ جدلًا أنُّو كل هؤلاء الحكام كفار ، شو الفائدة ؟ نثور ثورة ، أنا لا أعتقد أنُّو في الإسلام فيه ثورة ، وإنما بدنا نمشي على الطريقة التي سَلَكَها الرسول - عليه السلام - حتى كتَّل الجماعة ، وأقام على أساس هالجماعة هدول الدولة المسلمة ، والتاريخ يعيد نفسه ، ويجب أن نحن نجعل التاريخ يعيد نفسه ، فنمشي بنفس الطريق الذي سلكه الرسول - عليه السلام - ؛ يعني لا بد من تأسيس القاعدة ، وإلا هذه الثورات وهذه الطَّفرات عم تضرُّنا ما عم تفيدنا أبدًا ، عم ترجِّعنا القهقرى ، هذا لوكان في الدعوة في نفسها صحيحة ، فكيف وهي باطلة ؟ لا ، ليس عندنا دليل أبدًا يحمِلُنا على أن نكفِّر مَن نرى منه إسلامًا ، ولا نرى منه من جهة أخرى إعراض عن العمل بالإسلام ، هَيْ قضية عمل مقصِّرون مؤاخذون ؛ كلُّ هذا نقول به ، أما أنهم كفار وهم يصلون ؛ هذا ما ينفع !
- تسجيلات متفرقة - شريط : 214
- توقيت الفهرسة : 00:58:40
- نسخة مدققة إملائيًّا