كلمة ألقاها ابراهيم شقرة بين فيها خطورة الداعية عبد الرحيم الطحان .
A-
A=
A+
إبراهيم شقرة : إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمد عبده و رسوله أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله و خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه و سلم و شر الأمور محدثاتها و كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة في النار تعقيبا على كلام شيخنا الإمام الحافظ الشيخ ناصر الدين الألباني في كلامه حول حديث ( حياتي خير لكم و مماتي خير لكم ) و ما أعقبه من إثارات وقع بها أحد الذين يعملون في مجال الدعوة الإسلامية و هو الشيخ عبد الرحيم الطحان في دروسه و مواعظه التي يلقيها في قطر و الردود العلمية الجميلة القوية التي أفاض بها عقل شيخنا حفظه الله الردود العلمية الدقيقة التي تنبئ عن سخاء في العلم و إحاطة في مسائله و قدرة على استجلاب مادها و قريبها و الجمع و التأليف بينها و إن كان ليس لي من تعقيب إلا بشيء مما يقتضيه المقام لا من حيث الاستبانات العلمية و الدقائق التي ينبغي أن يلتفت إليها في ما قدم شيخنا جزاه الله خيرا و إنما يكون تعقيبي لأمور و مسائل أسأل الله عز و جل أن تكون متقبلة عنده في الدفاع عن شيخين عظيمين و إمامين كبيرين و عمودين من أعمدة الدعوة في هذا العصر لا أحسب أن الزمان في وقتنا هذا أو أن الله عز و جل في وقتنا هذا قد منّ الله عن الأمة بأحسن و لا بأفضل منهما ألا و هما شيخنا الفقيه الزاهد العالم المجتهد الشيخ عبد العزيز بن باز و شيخنا المحدث الحافظ الفقيه و الداعية المخبت الشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظهما الله و أمتع المسلمين بحياتيهما و جعل أخراهما خيرا من دنياهما إن شاء الله ، أقول إن كان لي كلام أقوله بعد هذه المقدمة الجميلة الرائعة التي أفاض بها عقل الشيخ ناصر الدين الألباني فإنما هو تعقيب أتبين به خطى من كان قبلنا في الدفاع عن العلماء الأعلام و تبيين ما يجب عليهما من حق على الأمة و بخاصة على طلاب العلم و كم كنت أود أن يكون الشيخ عبد الرحيم الطحان واحد من هؤلاء الذين يقومون بهذا الحق و الواجب لا أن يكون سهما يرمى به في ظهر هذين الشيخين و هما بعيدان عنه و لو كانا منه قريبين لكان منه غير الذي كان ولكن هكذا قضى الله و أسأل الله أن يوفقني لقول الحق و بيانه لأنه حق أوجبه الله على كل طالب علم يستطيع أن يقول كلمة الحق و يقف معها مدافعا عنها مبينا ما قد يكون خفي من المسائل و السبل و الأسباب التي تؤدي إليها و على الله قصد السبيل و الله يهدي إلى صراطه الأقوم و يؤيد الحق و أهله بما هم أحق به إن شاء الله .
أقول بعد ذلك ثلاث لازمات لهذه الأمة لا تكاد تنفك عنها و تأبى إلا أن تكون مضاجعتها أفرادا و جماعات توسس لها آناء الليل و أطراف النهار و ... في أذانها أن تضل مفتحة لتنقص عنها كل ما تمليه عليها شياطينها من سوء و نكر فتعيها وعيا لا يغيب معه شيء منه البتة صغيرا كان أم كبيرا آفات نفسية كريهة و مناكر بغيضة محمولة على ... شياطين تجول بها الآفاق و تجري بها في الطرقات و تحدث الناس أنهم بسواه ليسوا على شيء ألا و هي الظن و الطيرة و الحسد و أسوء ما تكون هذه الآفات إذا حطت برحالها في صدور العلماء و طلاب العلم تبني فيهم العداوات و تقطع في قلوبهم المودات و تحجز عن نفوسهم التقوى فإذا هم على شفا هاوية يمسكون بتلابيب من يجلسون إليهم في حلق العلم ويلقون السمع إليهم و هم يزلقون بألسنتهم معسول الحديث و فصيح الكلام و مسائل العلم ليردوهم معهم في هذه الهاوية و في كل يوم يطلع علينا رجل يضع لسانه في أعراض السابقين الأولين من صالح هذه الأمة من أهل العلم ينقصوا من أقدارهم و ينسبوا إليهم الجهل أو ينسبوا الجهل إليهم و لا يرى حق لهم عليه إذْ علموه و أسبغوا عليه شيء من فضل أنالهم الله إياه و بسطوا أيديهم به عليه و على الألوف المؤلفة من أبناء هذه الأمة شبابا و شيوخا صغارا و كبارا نساء و رجالا و لو أنه يكتفي بهذا لقلنا الخطب سهل و الأمر يسير لكنه باسم السنة الصحيحة و الكتاب المبين و العقيدة السليمة يأتي لظواهر المسائل يسوقها مفردة تراة و مجموعة أخرى بضرابة لسان و قوة عارضة و حسن منطق يقربها إلى العامة و يبسطها مفصلة عليهم و يكررها بحرص و دقة ربط تكرارا يخفي من وراءه أمرا لا تدريه إلا بعد أن يأذن الله لمن يشاء و يرضى أن يدريه و عهدي بالأخ الشيخ عبد الرحيم الطحان أنه من المنافحين عن السنة الذابين عن عقيدة السلف الحاملين لواء الدعوة و لا أدري بما أفسر مواقفه الجديدة من مسائل علمية و عقدية و دعوية بثها في الناس بأسلوب تهكومي جارح نال فيه من رؤوس الدعوة السلفية في زماننا الشيخ عبد العزيز بن باز و الشيخ ناصر الدين الألباني و سخر فيه من طلاب العلم الحرصين على العمل بالكتاب و السنة و الدعوة بهما و إليهما سخريتا لا يشك من يسمعه في أنه على مفارقة و منازعة و نأي شديد منهم وكان في وسعه أن يعرض تلك الوسائل العلمية عرضا موضوعيا نزيها بريئا من التهكم و السخرية واللمز و يخطئ الشيخين كبيرين إن شاء تخطئة علمية محض و يثبت خطئهما فيما ذهب إليه بالبرهان و الحجة و أن يوجه كلماته و محاضراته التي نعتها بالمواعظ إلى الناس يعمق في صدورهم الحب في الله و يزيد من تألفهم و يخفف من غلاوء حماستهم و يبين لهم فيها ما يجب أن يكون عليه من أدب رفيع و خلق قويم و استقامة على الأمر و ثبات عليه و يعلمهم دينهم الذي ارتضاه له ربهم سبحانه بلا غمز و لا لمز و لا نيل من سادة أهل العلم في هذا الزمان و هل يرى أدبا يعلمه الناشئة و الشباب بما يطعن فيه و يقدح في مشايخهم الذين يحبونهم و يحترمونهم و يوقرونهم في حين أنه لا يرضى من أحد ممن يعلمهم هو و يجلسون إليه في حلقته أن يرفع صوته عليه أو يذمه في مسألة يعرضها يراها الذام له خطأ مه أولم يبق يا عبد الرحيم ممن يذم في ... الناس الهالكة إلا الشيخا الأمة في زماننا و عمود الدعوة أفما كان يصرفك عن ذمهما و الطعن عليهما و يكفيك شغلا عنهما الألوف من الظلمة و أهل البغي و الفساق و العصاة و عباد الدرهم و الدينار أحسب الشيطان يا عبد الرحيم قد سوّل لك هذه المواقعة في عرض الشيخين و أحسب أنك لو ألقيت أحدهما أو كلاهما لوسع إلا الصمت و هذا حال الكثرين غيرك الواقعين في عرضهما معهما و هو و الله شيء حسن يحمد فاعله عليه إن كان يفعله من أدب و لعلك توفقك إلى توبة من ما وقعت فيه فيكون حسنا منك تحمد عليه إن شاء الله ، ماذا تقول لربك يوم تقف بين يده ليقتص للشيخين منك إن لم تتب إذ هو يسألك هل عبد العزيز بن باز الفقيه الزاهد العابد الجواد الصابر كلن يطوي جناحه على رجس و إفساد حين وصفته في كلام من كلمك بتلويث العلم و الدين و هل كان ناصر الدين و هو بحق ناصره سفيها إذ تحكم عليه بوجوب الحجر عليه بالله عليك هل كنت ستقول ما قلت في غيبتهما لو أنك لقيتهما أنا أقسم بالله العظيم غير حال أنك ما كنت تقوله أفهذا شيء يحمد فيك أو يذم و هل ما قلت فيهما هو حق تتقرب به إلى الله و هل ترى أن ستنجوا من تبيعته و مسؤوليته يوم القيامة و إثمه الذي واقعته بلسانك إن الشجاعة في الحق يا هذا إذا لم تجملها تقوى الله و الحرص على صيانة أعراض المسلمين و كف الأذى عنهم فهي ذاهبة تعود على صاحبها بالأذى و بخاصة إذا كان الأمر من مثلك يجلس لبعض الناس وترويغهم وترهيبهم إفلا ترى يا شيخ عبد الرحيم أنه ما تصنعه من الصانعة على مثل الشيخين في غيبتهما و تجهيلهما و الحكم عليهم بأحكام جائرة لا أثم به وحده بل ما يكون من جرأة من جرأة ممن تعظهم عاى التخوض في أعراض المسلمين لأدنى سببا أيضا فأنظر بماذا تلقى الله بآثام ثقال و ما أنت صانع بوعظك في الناس و هل يكون ملوثا للدين من قضى حياته جاهلا في تنقية عقيدة الأمة و تصفيتها و بذل طاقته في تربية الأجيال و توجيههم و هل يكون سفيها من نشر أعلام السنة في الأرض واسغرق نصف قرن في إظهار صحيحها و التحذير من سقيمها و دعوة الناس إليها و لعل من مسلمات العلم عندك أن لحوم العلماء مسمومة فهل لاقيت لسانك من هذا السم الدعاء و لا أحسب إلا أنكم تدري أن شيوع الدعوة في هذا الزمان يعود الفضل فيه بعد الله لهذين الشيخين أحدهما عندك ملوث و الآخر يجب الحجر عليه ألا إتقيت الله يا هذا و هل أنت يا شيخ عبد الرحيم و أنت لازلت في أوائل العقد الخامس من عمرك في ما أظن إلا ثمرة من ثمرهما و هل جزاء الإحسان إلا الإحسان و هل إن أنت إلا حسنة من حسناتهما و هل يكون من حسن الأدب مع الأشياخ أن يسيء من أحسن إليه لمن أحسن إليه و دعنى الآن نناقش المسائل التي تقال فيها نفسك على هدى و أن الشيخين و من ورائهم و ممن وارئهم على غير هدى لنرى معا أي الفرقين أهدى سبيلا و أقوم قيلا و قبل أن نعرض لتلك المسائل أحب أن أذكر الشيخ عبد الرحيم و من هم على شاكلته ممن يستسهلون الطعن على شيوخ العلم و سادته بأمور ثلاثة أما الأول فإنه لو اجتمع الألوف من مثلك لينالوا منهم ما زادوا الناس بهم إلا حبا و تعلقا و ما ازدادوا فيكم إلا بصيرة أما الثاني فإن من أدب العلم التواد فيه و بخاصة من الأصغار مع الأكابر و هل يقتضي و هذا يقتضي أن يتكاتبوا ويعرض الصغير على الكبير قوله في المسألة التي يخالف فيها قبل أن يشيعها في الناس فتشيع بشيوعها الفرقة في أهل العلم فبعض كان يشينك هذا أو يسيئك أو يحقرك و أنت ربما تكون في الطبقة الرابعة أو الخامسة من تلاميذ الشيخين لو أنك اتصلت بهما أو كتبت إليهما بما وقع في نفسك من مخالفتهما في هذه المسائل بدلا من أن تنال بالطعن و المثلبة منهما و أحسبك ما نلت بذلك والله إلا من نفسك فيرحمك الله ماكان أحسن ما فعلت لو أنك عرفت قدر نفسك إذ عرفت فضل الأشياخ الكبار عليك و أما الثالث و أما الثالث فهو أنك أطلقت على مجالسك اسم المواعظ و الموعظة أساسها الترغيب و الترهيب و الإكثار بالتذكير بالموت و ما بعده من الأمور الوعيدية و استجماع الفكر في الأحوال المتعلقة بها بأسلوب عطفي يثير سواكن النفس و يحرك رواكدها و يستجيش العبرات من ... بما يرود الواعظ من أمثال و قصص و أحداث و تشويقا للجنة و نعيمها و التخويف من النار و أليم عذابها إلى غير ذلك مما كان يسمع واعظ الوعاظ بن الجوزي رحمه الله أما سرد الأحاديث و الآثار بأسانيدها و طرقها و ذكر الرواة و أعمارهم و عدد مروياتهم وسن ولادتهم و وفاتهم و وصف أحوالهم ومساكنهم و تسمية أشياخهم و عدد المسائل العلمية إلى مضانها و ذكر الصفحات الموجودة فيها إلى غير ذلك مما لا يحتاجه إلا الباحث المحقق و الكاتب المؤلف المنقب فلا أدري و الله ما علاقة ذلك كله بالوعظ و المواعظ إلا أن يكون شيئا تعرفه أو لا يعرفه إلا أنت و ذلك لما تعلم من أن الكلام ينسي بعضه بعضا و المواعظ لا يكون تأثيرها إلا بمادتها الصحيحة و أسلوبها الحسن ومعذرة يا شيخ عبد الرحيم إن قلت هنا أنني لا أتهم و لكن هل ترى من فائدة يدركها المستمعون إليك و أنت تلقي عليهم ما تسميه بالموعظة على هذا النحو الذي جريت عليه في مواعظك فإن كنت ترى ذلك فأرجوا أن تجعل لها مجلسا خاصا تفسر فيه ما أغلق فهمه علينا من هذا الأسلوب الوعظي الجديد و إلا كان ما يحول الظن حوله منها و أرجوا أن تنفي الظن قبل أن يصبح يقينا و أحسبني إني لا أكذب إن قلت إن الأسلوب الوعظي الذي يذكره الشيخ أبو بكر الجزائري أطال الله في عمره هو الأسلوب الأمثل الذي يحسن لكل واعظ أن يفيد منه فقد برع فيه و إن كان لك بعض الملاحظات عليه لكن المؤمنين بعضهم نصحة لبعض و من تواضع لله رفع الله فكان أولى بك أن تنصحه أن يعود عن بعض الأمور الخطأ التي تراها فيه لا أن تجعل منه شيئا أن تسخر منه و أنت تعرف جزاء من يسخر من أخيه المسلم .
و الواعظ يا عبد الرحيم لا يكون واعظا إلا إن كان وعظه نافعه في نفسه أولا فيرى فيه الموعظون أثر وعظه و أدناه أن لا يذكر أهل العلم و الصلاح و الدعاة الأخيار إلا بخير و أن يذب عنهم إن ذكروا عنده بسوء و أعلاه أن يجانب أسلوب القصاصين الذين كانوا يصرفون وجوه الناس إليهم بأساليب جذابة يظن بها فيهم أنهم علماء متمكنون من ناصية العلوم كلها و يوهمون الدهماء العامة على أنهم قادرون على تصريف وجوه الكلام حيث شاءوا و كيف شاءوا و أنى شاءوا و لا يشك عاقل بل و يجزم أن القصاصين بذكائهم الجم و ببراعتهم الواهبة في قديم و حديث استطاعوا إحراز حب العامة و الاستحواذ على قلوبهم و استجلاب إعجابهم حتى صار لهم ذكر دائم عل ألسنتهم و حضور دائم لا ينقطع في قلوبهم مناقبهم عندهم موفورة و فضائلهم لديهم غزيرة ... من هذه و تلك ما ليس عند علماء الأمة لو اجتمعوا إلا اليسير و رحم الله أحمد بن حنبل و بن معين إذ لزما الصمت من دهشت عقدة لسانيهما و ذلك القصاص ينسب إليهما ما لم يعلما و ما لم يقولا و أنا لم يسبق لي أن استمعت إلى كلام الأخ الشيخ عبد الرحيم و ما رأيته و لا أدري من أمره إلا ما كنت أسمعه من ثناء الناس عليه و منهم شيخنا الشيخ المحدث العلامة الشيخ ناصر أمتع الله بعمره و بعلمه الأمة إي و الله إنه كان يثني عليك يا شيخ عبد الرحيم في الوقت الذي كان لسانك يستطيل في عرضه و أوجبت الحجر عليه بظلمك و بقبيح قولك يا الله ما أبشع الظلم و أسوء الظالم فانظر يا عبد الرحيم ما يقول الذي أوجبت عليه الحجر فيك و ما تقول فيه أنت فأيكما أتقى لله أنصحك يا عبد الرحيم أن تبادر بالاتصال بالشيخين الملوث عبد العزيز بن بار و الذي يجب الحجر عليه الشيخ ناصر الدين الألباني بعد أن تستغفر ربك من شنيع ذنبك و ... نفسك من وثاق سوء ما أرديت نفسك فيه من ذمهما ثم تبادر إلى توبة تعلنها في الناس كما أعلنت ذمهما تبرأ فيها مما وقعت في عرض الشيخين العظيمين ، أقول لم يسبق لي أن إستمعت إلى كلامك فلما استمعت إلى الأشرطة التي عادوة فيها على الشيخين أعجبني جدا فيها أسلوبك و طريقة عرضك و استطرادك و براعة إرادك و سرعة حضورك و إخالك تعلم يا شيخ عبد الرحيم أن العلم أمانة و أن العالم و القارئ أول ما يسألون يوم القيامة عن علمهم فيقال له ما يقال فأعد لذلك اليوم عدته و إنيي لأعظك أن تبقى غامسا لسانك فيما يغمسه الجاهلون الطاعنون الذين لا يتقون الله فلا تثني لسانك عن سبهما و قبيح قولك فيهما و لا تنفي عن قلبك ... الذي أهاج لسانك عليهما من غير ما ... أو سوء أتاه أحدهما اللهم إلا أن يكون لما لهما من فضل عليك و على الألوف من أمثالك إن كنت منصفا مع نفسك فعليك أن تقول فيا أكثر مما قلت في الشيخين و أن سلط لسانك عليها بالنيل و الطعن و أن تظهر للناس منها ما قد تخفيه عنهم و السامع ما تقول في أشرطتك المسجلة يستيقن أن نفسك مدهوقة لا على الشيخين فقط بل عل كل من يحبوهما من الألوف المؤلفة المبسوطة في الأرض و أحسب أنك كنت يوما من هؤلاء الألوف فما الذي بدا حتى عدا و غدا و الآن يا شيخ عبد الرحيم مع المسائل التي أطلعت بها على الناس بإسم السنة و الكتاب و الحكمة و فصل الخطاب داخلا عليهم من كل باب ظانا أنك قد بلغت فيها الصواب متقربا بها إلى العزيز الوهاب المسألة الأولى و هي التي انتزعتها من قوله عليه الصلاة و السلام ( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا فيه من الصلاة علي ) فإلى أن يقول الرسول عليه الصلاة و السلام ( إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء ) و ملخص هذه المسألة إحسان الله إلى نبيه بعد موته كإحسانه إليه حال حياته و هو إحسان ممتد إلى أمته ، لا يخال أحد في ظمن المسلمين ينازعك في هذه الدعوة فهي مسلمة عند كل عقلاء المسلمين و حتى على مجانينهم ولكن على أن نفهم معا أن كلامك هذا على إطلاقه موهم أشد الإيهام و الإيهام ناشئ من التشبيه الذي لا يفرق فيه بين المشبه و المشبه به إلا من يعرف علم البلاغة فعلماء البلاغة يقولون إن التشبيه لا يقتضي أن يتماثلا طرفا التشبيه المشبه و المشبه به تماثلا تاما في وجه الشبه الجامع بينهما و عليه فإن كان مرادك أن إحسان الله لنبيه في قبره كإحسانه له قبل موته متطابقان تمام التطابق متماثلان تمام التماثل فإن إحسان الله عز و جل لنبيه بعد موته إحسان غيبي و لا يعرف على حقيقته و إن ادعيت خلافه فادّعائك يعوزه الدليل و لا دليل فنفوض إلى الله سبحانه ونقف عند حدود ما نعلم في دنيانا و ما انتهى إليه إلينا من خبر نبينا عليه الصلاة و السلام من حاله صلوات الله و سلامه عليه و هو ما نعرف من إكرام الله له سبحانه في حياته الذي تسامى على كل إكرام و تخاطر عنه كل إكرام و كيف لا و هو الذي حاز و إخوانه الأنبياء كرامة حفظ أجسادهم أن يأكلها التراب و لابد و أن يكون صلى الله عليه و سلم قد فاق إخوانه النبيين بوجه من وجوه الإكرام بتفوقه في المنزلة على سائر إخوانه الأنبياء عليهم الصلاة و السلام جميعا و قد انتهى إلينا ما نعلم من إكرام الله و إحسانه إليه ... بما أوحى الله إليه سبحانه من كتابه وسنته عليه الصلاة و السلام و مما لا شك فيه أن إحسان الله سبحانه إليه بحفظ جسده إنما هو أثر من أثار إحسانه إليه في حياته باتخاذه نبيا و اصطفائه خليلا و هذا الإحسان و أثره قدر مشترك بين الأنبياء جميعا و لو كان هذا الإحسان و أثره فضلا زائدا لرسول الله صلى الله عليه و سلم على الأنبياء لاستحقه بفضل غير فضل النبوة و الرسالة و الاصطفاء فيكون سبقا لفضله و تقدمه بفضل خاص بنبوته وحده على الأنبياء كلهم صلوات الله و سلامه عليهم و هو الذي أحال الله به سبحانه أن يقول في نفسه بأمر من ربه ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة و لا فخر ) و إن كان مراد أن إحسان الله إلى نبيه بعد موته كإحسانه إليه في حياته مما أجرى على يديه من الخير لأمته فأصاب من الثواب و الفضل ما لو أصاب أدناه العديد من الأنبياء لوسعه فنحن نسلم لك هذا و لا ريب و لا يستطيع واحد من العقلاء أن ينفيه و الله سبحانه يجزي على الإحسان بإحسان مثله و فضله واسع و خيره عظيم و قد أوحى إلى نبيه أن يقول لأمته ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجره و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) .
أقول بعد ذلك ثلاث لازمات لهذه الأمة لا تكاد تنفك عنها و تأبى إلا أن تكون مضاجعتها أفرادا و جماعات توسس لها آناء الليل و أطراف النهار و ... في أذانها أن تضل مفتحة لتنقص عنها كل ما تمليه عليها شياطينها من سوء و نكر فتعيها وعيا لا يغيب معه شيء منه البتة صغيرا كان أم كبيرا آفات نفسية كريهة و مناكر بغيضة محمولة على ... شياطين تجول بها الآفاق و تجري بها في الطرقات و تحدث الناس أنهم بسواه ليسوا على شيء ألا و هي الظن و الطيرة و الحسد و أسوء ما تكون هذه الآفات إذا حطت برحالها في صدور العلماء و طلاب العلم تبني فيهم العداوات و تقطع في قلوبهم المودات و تحجز عن نفوسهم التقوى فإذا هم على شفا هاوية يمسكون بتلابيب من يجلسون إليهم في حلق العلم ويلقون السمع إليهم و هم يزلقون بألسنتهم معسول الحديث و فصيح الكلام و مسائل العلم ليردوهم معهم في هذه الهاوية و في كل يوم يطلع علينا رجل يضع لسانه في أعراض السابقين الأولين من صالح هذه الأمة من أهل العلم ينقصوا من أقدارهم و ينسبوا إليهم الجهل أو ينسبوا الجهل إليهم و لا يرى حق لهم عليه إذْ علموه و أسبغوا عليه شيء من فضل أنالهم الله إياه و بسطوا أيديهم به عليه و على الألوف المؤلفة من أبناء هذه الأمة شبابا و شيوخا صغارا و كبارا نساء و رجالا و لو أنه يكتفي بهذا لقلنا الخطب سهل و الأمر يسير لكنه باسم السنة الصحيحة و الكتاب المبين و العقيدة السليمة يأتي لظواهر المسائل يسوقها مفردة تراة و مجموعة أخرى بضرابة لسان و قوة عارضة و حسن منطق يقربها إلى العامة و يبسطها مفصلة عليهم و يكررها بحرص و دقة ربط تكرارا يخفي من وراءه أمرا لا تدريه إلا بعد أن يأذن الله لمن يشاء و يرضى أن يدريه و عهدي بالأخ الشيخ عبد الرحيم الطحان أنه من المنافحين عن السنة الذابين عن عقيدة السلف الحاملين لواء الدعوة و لا أدري بما أفسر مواقفه الجديدة من مسائل علمية و عقدية و دعوية بثها في الناس بأسلوب تهكومي جارح نال فيه من رؤوس الدعوة السلفية في زماننا الشيخ عبد العزيز بن باز و الشيخ ناصر الدين الألباني و سخر فيه من طلاب العلم الحرصين على العمل بالكتاب و السنة و الدعوة بهما و إليهما سخريتا لا يشك من يسمعه في أنه على مفارقة و منازعة و نأي شديد منهم وكان في وسعه أن يعرض تلك الوسائل العلمية عرضا موضوعيا نزيها بريئا من التهكم و السخرية واللمز و يخطئ الشيخين كبيرين إن شاء تخطئة علمية محض و يثبت خطئهما فيما ذهب إليه بالبرهان و الحجة و أن يوجه كلماته و محاضراته التي نعتها بالمواعظ إلى الناس يعمق في صدورهم الحب في الله و يزيد من تألفهم و يخفف من غلاوء حماستهم و يبين لهم فيها ما يجب أن يكون عليه من أدب رفيع و خلق قويم و استقامة على الأمر و ثبات عليه و يعلمهم دينهم الذي ارتضاه له ربهم سبحانه بلا غمز و لا لمز و لا نيل من سادة أهل العلم في هذا الزمان و هل يرى أدبا يعلمه الناشئة و الشباب بما يطعن فيه و يقدح في مشايخهم الذين يحبونهم و يحترمونهم و يوقرونهم في حين أنه لا يرضى من أحد ممن يعلمهم هو و يجلسون إليه في حلقته أن يرفع صوته عليه أو يذمه في مسألة يعرضها يراها الذام له خطأ مه أولم يبق يا عبد الرحيم ممن يذم في ... الناس الهالكة إلا الشيخا الأمة في زماننا و عمود الدعوة أفما كان يصرفك عن ذمهما و الطعن عليهما و يكفيك شغلا عنهما الألوف من الظلمة و أهل البغي و الفساق و العصاة و عباد الدرهم و الدينار أحسب الشيطان يا عبد الرحيم قد سوّل لك هذه المواقعة في عرض الشيخين و أحسب أنك لو ألقيت أحدهما أو كلاهما لوسع إلا الصمت و هذا حال الكثرين غيرك الواقعين في عرضهما معهما و هو و الله شيء حسن يحمد فاعله عليه إن كان يفعله من أدب و لعلك توفقك إلى توبة من ما وقعت فيه فيكون حسنا منك تحمد عليه إن شاء الله ، ماذا تقول لربك يوم تقف بين يده ليقتص للشيخين منك إن لم تتب إذ هو يسألك هل عبد العزيز بن باز الفقيه الزاهد العابد الجواد الصابر كلن يطوي جناحه على رجس و إفساد حين وصفته في كلام من كلمك بتلويث العلم و الدين و هل كان ناصر الدين و هو بحق ناصره سفيها إذ تحكم عليه بوجوب الحجر عليه بالله عليك هل كنت ستقول ما قلت في غيبتهما لو أنك لقيتهما أنا أقسم بالله العظيم غير حال أنك ما كنت تقوله أفهذا شيء يحمد فيك أو يذم و هل ما قلت فيهما هو حق تتقرب به إلى الله و هل ترى أن ستنجوا من تبيعته و مسؤوليته يوم القيامة و إثمه الذي واقعته بلسانك إن الشجاعة في الحق يا هذا إذا لم تجملها تقوى الله و الحرص على صيانة أعراض المسلمين و كف الأذى عنهم فهي ذاهبة تعود على صاحبها بالأذى و بخاصة إذا كان الأمر من مثلك يجلس لبعض الناس وترويغهم وترهيبهم إفلا ترى يا شيخ عبد الرحيم أنه ما تصنعه من الصانعة على مثل الشيخين في غيبتهما و تجهيلهما و الحكم عليهم بأحكام جائرة لا أثم به وحده بل ما يكون من جرأة من جرأة ممن تعظهم عاى التخوض في أعراض المسلمين لأدنى سببا أيضا فأنظر بماذا تلقى الله بآثام ثقال و ما أنت صانع بوعظك في الناس و هل يكون ملوثا للدين من قضى حياته جاهلا في تنقية عقيدة الأمة و تصفيتها و بذل طاقته في تربية الأجيال و توجيههم و هل يكون سفيها من نشر أعلام السنة في الأرض واسغرق نصف قرن في إظهار صحيحها و التحذير من سقيمها و دعوة الناس إليها و لعل من مسلمات العلم عندك أن لحوم العلماء مسمومة فهل لاقيت لسانك من هذا السم الدعاء و لا أحسب إلا أنكم تدري أن شيوع الدعوة في هذا الزمان يعود الفضل فيه بعد الله لهذين الشيخين أحدهما عندك ملوث و الآخر يجب الحجر عليه ألا إتقيت الله يا هذا و هل أنت يا شيخ عبد الرحيم و أنت لازلت في أوائل العقد الخامس من عمرك في ما أظن إلا ثمرة من ثمرهما و هل جزاء الإحسان إلا الإحسان و هل إن أنت إلا حسنة من حسناتهما و هل يكون من حسن الأدب مع الأشياخ أن يسيء من أحسن إليه لمن أحسن إليه و دعنى الآن نناقش المسائل التي تقال فيها نفسك على هدى و أن الشيخين و من ورائهم و ممن وارئهم على غير هدى لنرى معا أي الفرقين أهدى سبيلا و أقوم قيلا و قبل أن نعرض لتلك المسائل أحب أن أذكر الشيخ عبد الرحيم و من هم على شاكلته ممن يستسهلون الطعن على شيوخ العلم و سادته بأمور ثلاثة أما الأول فإنه لو اجتمع الألوف من مثلك لينالوا منهم ما زادوا الناس بهم إلا حبا و تعلقا و ما ازدادوا فيكم إلا بصيرة أما الثاني فإن من أدب العلم التواد فيه و بخاصة من الأصغار مع الأكابر و هل يقتضي و هذا يقتضي أن يتكاتبوا ويعرض الصغير على الكبير قوله في المسألة التي يخالف فيها قبل أن يشيعها في الناس فتشيع بشيوعها الفرقة في أهل العلم فبعض كان يشينك هذا أو يسيئك أو يحقرك و أنت ربما تكون في الطبقة الرابعة أو الخامسة من تلاميذ الشيخين لو أنك اتصلت بهما أو كتبت إليهما بما وقع في نفسك من مخالفتهما في هذه المسائل بدلا من أن تنال بالطعن و المثلبة منهما و أحسبك ما نلت بذلك والله إلا من نفسك فيرحمك الله ماكان أحسن ما فعلت لو أنك عرفت قدر نفسك إذ عرفت فضل الأشياخ الكبار عليك و أما الثالث و أما الثالث فهو أنك أطلقت على مجالسك اسم المواعظ و الموعظة أساسها الترغيب و الترهيب و الإكثار بالتذكير بالموت و ما بعده من الأمور الوعيدية و استجماع الفكر في الأحوال المتعلقة بها بأسلوب عطفي يثير سواكن النفس و يحرك رواكدها و يستجيش العبرات من ... بما يرود الواعظ من أمثال و قصص و أحداث و تشويقا للجنة و نعيمها و التخويف من النار و أليم عذابها إلى غير ذلك مما كان يسمع واعظ الوعاظ بن الجوزي رحمه الله أما سرد الأحاديث و الآثار بأسانيدها و طرقها و ذكر الرواة و أعمارهم و عدد مروياتهم وسن ولادتهم و وفاتهم و وصف أحوالهم ومساكنهم و تسمية أشياخهم و عدد المسائل العلمية إلى مضانها و ذكر الصفحات الموجودة فيها إلى غير ذلك مما لا يحتاجه إلا الباحث المحقق و الكاتب المؤلف المنقب فلا أدري و الله ما علاقة ذلك كله بالوعظ و المواعظ إلا أن يكون شيئا تعرفه أو لا يعرفه إلا أنت و ذلك لما تعلم من أن الكلام ينسي بعضه بعضا و المواعظ لا يكون تأثيرها إلا بمادتها الصحيحة و أسلوبها الحسن ومعذرة يا شيخ عبد الرحيم إن قلت هنا أنني لا أتهم و لكن هل ترى من فائدة يدركها المستمعون إليك و أنت تلقي عليهم ما تسميه بالموعظة على هذا النحو الذي جريت عليه في مواعظك فإن كنت ترى ذلك فأرجوا أن تجعل لها مجلسا خاصا تفسر فيه ما أغلق فهمه علينا من هذا الأسلوب الوعظي الجديد و إلا كان ما يحول الظن حوله منها و أرجوا أن تنفي الظن قبل أن يصبح يقينا و أحسبني إني لا أكذب إن قلت إن الأسلوب الوعظي الذي يذكره الشيخ أبو بكر الجزائري أطال الله في عمره هو الأسلوب الأمثل الذي يحسن لكل واعظ أن يفيد منه فقد برع فيه و إن كان لك بعض الملاحظات عليه لكن المؤمنين بعضهم نصحة لبعض و من تواضع لله رفع الله فكان أولى بك أن تنصحه أن يعود عن بعض الأمور الخطأ التي تراها فيه لا أن تجعل منه شيئا أن تسخر منه و أنت تعرف جزاء من يسخر من أخيه المسلم .
و الواعظ يا عبد الرحيم لا يكون واعظا إلا إن كان وعظه نافعه في نفسه أولا فيرى فيه الموعظون أثر وعظه و أدناه أن لا يذكر أهل العلم و الصلاح و الدعاة الأخيار إلا بخير و أن يذب عنهم إن ذكروا عنده بسوء و أعلاه أن يجانب أسلوب القصاصين الذين كانوا يصرفون وجوه الناس إليهم بأساليب جذابة يظن بها فيهم أنهم علماء متمكنون من ناصية العلوم كلها و يوهمون الدهماء العامة على أنهم قادرون على تصريف وجوه الكلام حيث شاءوا و كيف شاءوا و أنى شاءوا و لا يشك عاقل بل و يجزم أن القصاصين بذكائهم الجم و ببراعتهم الواهبة في قديم و حديث استطاعوا إحراز حب العامة و الاستحواذ على قلوبهم و استجلاب إعجابهم حتى صار لهم ذكر دائم عل ألسنتهم و حضور دائم لا ينقطع في قلوبهم مناقبهم عندهم موفورة و فضائلهم لديهم غزيرة ... من هذه و تلك ما ليس عند علماء الأمة لو اجتمعوا إلا اليسير و رحم الله أحمد بن حنبل و بن معين إذ لزما الصمت من دهشت عقدة لسانيهما و ذلك القصاص ينسب إليهما ما لم يعلما و ما لم يقولا و أنا لم يسبق لي أن استمعت إلى كلام الأخ الشيخ عبد الرحيم و ما رأيته و لا أدري من أمره إلا ما كنت أسمعه من ثناء الناس عليه و منهم شيخنا الشيخ المحدث العلامة الشيخ ناصر أمتع الله بعمره و بعلمه الأمة إي و الله إنه كان يثني عليك يا شيخ عبد الرحيم في الوقت الذي كان لسانك يستطيل في عرضه و أوجبت الحجر عليه بظلمك و بقبيح قولك يا الله ما أبشع الظلم و أسوء الظالم فانظر يا عبد الرحيم ما يقول الذي أوجبت عليه الحجر فيك و ما تقول فيه أنت فأيكما أتقى لله أنصحك يا عبد الرحيم أن تبادر بالاتصال بالشيخين الملوث عبد العزيز بن بار و الذي يجب الحجر عليه الشيخ ناصر الدين الألباني بعد أن تستغفر ربك من شنيع ذنبك و ... نفسك من وثاق سوء ما أرديت نفسك فيه من ذمهما ثم تبادر إلى توبة تعلنها في الناس كما أعلنت ذمهما تبرأ فيها مما وقعت في عرض الشيخين العظيمين ، أقول لم يسبق لي أن إستمعت إلى كلامك فلما استمعت إلى الأشرطة التي عادوة فيها على الشيخين أعجبني جدا فيها أسلوبك و طريقة عرضك و استطرادك و براعة إرادك و سرعة حضورك و إخالك تعلم يا شيخ عبد الرحيم أن العلم أمانة و أن العالم و القارئ أول ما يسألون يوم القيامة عن علمهم فيقال له ما يقال فأعد لذلك اليوم عدته و إنيي لأعظك أن تبقى غامسا لسانك فيما يغمسه الجاهلون الطاعنون الذين لا يتقون الله فلا تثني لسانك عن سبهما و قبيح قولك فيهما و لا تنفي عن قلبك ... الذي أهاج لسانك عليهما من غير ما ... أو سوء أتاه أحدهما اللهم إلا أن يكون لما لهما من فضل عليك و على الألوف من أمثالك إن كنت منصفا مع نفسك فعليك أن تقول فيا أكثر مما قلت في الشيخين و أن سلط لسانك عليها بالنيل و الطعن و أن تظهر للناس منها ما قد تخفيه عنهم و السامع ما تقول في أشرطتك المسجلة يستيقن أن نفسك مدهوقة لا على الشيخين فقط بل عل كل من يحبوهما من الألوف المؤلفة المبسوطة في الأرض و أحسب أنك كنت يوما من هؤلاء الألوف فما الذي بدا حتى عدا و غدا و الآن يا شيخ عبد الرحيم مع المسائل التي أطلعت بها على الناس بإسم السنة و الكتاب و الحكمة و فصل الخطاب داخلا عليهم من كل باب ظانا أنك قد بلغت فيها الصواب متقربا بها إلى العزيز الوهاب المسألة الأولى و هي التي انتزعتها من قوله عليه الصلاة و السلام ( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا فيه من الصلاة علي ) فإلى أن يقول الرسول عليه الصلاة و السلام ( إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء ) و ملخص هذه المسألة إحسان الله إلى نبيه بعد موته كإحسانه إليه حال حياته و هو إحسان ممتد إلى أمته ، لا يخال أحد في ظمن المسلمين ينازعك في هذه الدعوة فهي مسلمة عند كل عقلاء المسلمين و حتى على مجانينهم ولكن على أن نفهم معا أن كلامك هذا على إطلاقه موهم أشد الإيهام و الإيهام ناشئ من التشبيه الذي لا يفرق فيه بين المشبه و المشبه به إلا من يعرف علم البلاغة فعلماء البلاغة يقولون إن التشبيه لا يقتضي أن يتماثلا طرفا التشبيه المشبه و المشبه به تماثلا تاما في وجه الشبه الجامع بينهما و عليه فإن كان مرادك أن إحسان الله لنبيه في قبره كإحسانه له قبل موته متطابقان تمام التطابق متماثلان تمام التماثل فإن إحسان الله عز و جل لنبيه بعد موته إحسان غيبي و لا يعرف على حقيقته و إن ادعيت خلافه فادّعائك يعوزه الدليل و لا دليل فنفوض إلى الله سبحانه ونقف عند حدود ما نعلم في دنيانا و ما انتهى إليه إلينا من خبر نبينا عليه الصلاة و السلام من حاله صلوات الله و سلامه عليه و هو ما نعرف من إكرام الله له سبحانه في حياته الذي تسامى على كل إكرام و تخاطر عنه كل إكرام و كيف لا و هو الذي حاز و إخوانه الأنبياء كرامة حفظ أجسادهم أن يأكلها التراب و لابد و أن يكون صلى الله عليه و سلم قد فاق إخوانه النبيين بوجه من وجوه الإكرام بتفوقه في المنزلة على سائر إخوانه الأنبياء عليهم الصلاة و السلام جميعا و قد انتهى إلينا ما نعلم من إكرام الله و إحسانه إليه ... بما أوحى الله إليه سبحانه من كتابه وسنته عليه الصلاة و السلام و مما لا شك فيه أن إحسان الله سبحانه إليه بحفظ جسده إنما هو أثر من أثار إحسانه إليه في حياته باتخاذه نبيا و اصطفائه خليلا و هذا الإحسان و أثره قدر مشترك بين الأنبياء جميعا و لو كان هذا الإحسان و أثره فضلا زائدا لرسول الله صلى الله عليه و سلم على الأنبياء لاستحقه بفضل غير فضل النبوة و الرسالة و الاصطفاء فيكون سبقا لفضله و تقدمه بفضل خاص بنبوته وحده على الأنبياء كلهم صلوات الله و سلامه عليهم و هو الذي أحال الله به سبحانه أن يقول في نفسه بأمر من ربه ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة و لا فخر ) و إن كان مراد أن إحسان الله إلى نبيه بعد موته كإحسانه إليه في حياته مما أجرى على يديه من الخير لأمته فأصاب من الثواب و الفضل ما لو أصاب أدناه العديد من الأنبياء لوسعه فنحن نسلم لك هذا و لا ريب و لا يستطيع واحد من العقلاء أن ينفيه و الله سبحانه يجزي على الإحسان بإحسان مثله و فضله واسع و خيره عظيم و قد أوحى إلى نبيه أن يقول لأمته ( من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجره و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة ) .
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 801
- توقيت الفهرسة : 00:29:11