التحذير من البدع وبيان خطرها . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
التحذير من البدع وبيان خطرها .
A-
A=
A+
الشيخ : ومثال آخر له علاقة في واقع حياتنا القريبة اليوم ، لقد انقسم - مع الأسف الشديد - المسلمون انقسماتٍ جديدة ، وانقسموا إلى أفكار حديثة ، وكلٌّ يدَّعي بأنه ينصر الإسلام ، ويريد أن يقيم صرح الإسلام شامخًا عاليًا ؛ ومع ذلك إذا ما دُعوا إلى الله ورسوله قال كلُّ حزب من الأحزاب : نحن رأينا هكذا ! فأين تحقيق الاتباع للرسول - عليه السلام - إذا قيل لهم : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في الحديث الصحيح - وهذا معروف لدى الجميع - : ( تفرَّقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ) . قالوا : من هي يا رسول الله ؟ قال : ( هي الجماعة ) . وفي رواية مفسِّرة مبيِّنة : ( هي ما أنا عليه وأصحابي ) .

كلهم يعلمون الحديث ، فإذا دعوتهم إلى اتباع السلف الذين هم الميزان في ... الفرقة الناجية من الفرق الهالكة لقول الرسول - عليه السلام - حينما سُئل : من هي هذه الفرقة الناجية ؟ قال : ( هي ما أنا عليه وأصحابي ) . فإذًا حينما يُدعى المسلم إلى تحقيق الإتباع للرسول ... الانحراف عن الإخلاص في اتباع الرسول - عليه السلام - كان يقول لهم : " اتَّبعوا ولا تبتدعوا ؛ فقد كُفِيتم ، عليكم بالأمر العتيق " . أي : عليكم ما كان عليه الرسول - عليه الصلاة والسلام - دون زيادة أو نقصان ، وقد جاء في قصة صحيحة وفيها عبرة وبيان وشيء لهذه الترجمة : " اتبعوا ولا تبتدعوا ؛ فقد كفيتم ، عليكم بالأمر العتيق " . روى الإمام الدارمي في " سننه " بالسند الصحيح عنه : أن أبا موسى الأشعري جاء إلى داره صباحَ يوم ، فوجد الناس ينتظرونه ليخرجوا معه إلى المسجد ، فقال لهم : أَخَرَجَ أبو عبد الرحمن ؟ - أبو عبد الرحمن كنية عبد الله بن مسعود - . قالوا : لا . فجلس ينتظر حتى خرج ابن مسعود ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، لقد رأيتُ في المسجد آنفًا شيئًا أنكرتُه ومع ذلك - والحمد لله - لَمْ أَرَ إلا خيرًا . قال : ماذا رأيت ؟ قال : إن عشت فستراه ، رأيت أناسًا حلقًا حلقًا ، وفي وسط كلِّ حلقة منها رجل يقول لِمَن حوله : سبِّحوا كذا ، كبِّروا كذا ، احمدوا كذا ، وأمام كلِّ رجل منهم حصى يعدُّ به التسبيح والتكبير والتحميد . قال ابن مسعود : أَفَلَا أنكرت عليهم ؟! قال : لا ، انتظار أمرك - أو انتظار رأيك - . فعاد ابن مسعود إلى داره وخرج متقنِّعًا لا يُرى إلا عيناه ، ثم انطلق إلى المسجد ، فوقف على أصحاب الحلقات ؛ حتى رأى ما ذكر له أبو موسى ، فكَشَفَ عن وجهه اللِّثام ، وقال : أنا عبد الله بن مسعود صحابيُّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، ويحكم ؟! ما هذا الذي تصنعون ؟ قالوا : والله يا أبا عبد الرحمن حصى - يعني بالتعبير العامي : ما فيها شيء شغلة بسيطة - حصى نعدُّ به التسبيح والتكبير والتحميد . قال : عدُّوا سيِّئاتكم وأنا الضَّامن لكم أن لا يضيع من حسناتكم شيء ، ويحكم ! ما أسرع هلكتكم ! هذه ثيابه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم تَبْلَ ، وهذه آنيَتُه لم تُكسَرْ ، والذي نفسي بيده أئنَّكم أهدى من أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أو إنَّكم متمسِّكون بذَنَبِ ضلالة . فقالوا : والله يا أبا عبد الرحمن - يقولون معتذرين عمَّا فعلوا - ما أردنا إلا الخير . قال : وكم من مريدٍ للخير لا يصيبه ! إن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - حدَّثَنا : ( إنَّ أقوامًا يمرقون من الدِّين كما يمرقُ السَّهم من الرمية ) . قال شاهد القصة وراويها : فلقد رأينا أولئك الأقوام - أصحابين الحلقات - قال : رأيناهم يقاتلوننا يوم النهروان - أي : أصبحوا من الخوارج ضدَّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، فقاتَلَهم حتَّى استأصلَ شأفتَهم إلا قليلًا منهم .

هذه القصة وقعت لعبد الله بن مسعود الآمر بقوله : " اتَّبعوا ولا تبتدعوا ؛ فقد كُفِيتُم ، عليكم بالأمر العتيق " ؛ يعني أن الرسول - عليه السلام - قد جاءَكَم بشريعة كاملة تامَّة ، فما معنى إحداث عبادات من بعدِه إلا الاستدراك عليه ونسبة الرسول - عليه الصلاة والسلام - إلى أنه لم يؤدِّ الأمانة ولم يبلِّغ الرسالة ؟ وإلا فَمَن كان مؤمنًا بأن هذه الشريعة كاملة تامَّة فكيف يلتقي مع إيمان هذا أن يُحدِثَ بدعًا وأمورًا وعبادات لم تكُنْ في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام - ؟ هذه أمور متناقضة متنافرة أن يؤمن الإنسان بأن الشريعة كاملة ، ثم هو يأتي بزيادات يلحقها بها ، فهذه الزيادات بلا شك ليست منها ؛ لذلك كان أصحاب الرسول - عليه السلام - ينكرون أشدَّ الإنكار الإحداث في الدين ؛ لأنهم يجزمون ويقطعون بأنَّ هذا الإحداث في الدين ينافي قول ربِّ العالمين : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )) .

فالزيادة على هذا الإسلام ينافي هذه الآية الكريمة ؛ حيث امتنَّ الله - عز وجل - بأنه أكمل علينا النعمة بإتمام الدين .

ومن عجائب الأمور والجحد لأهمية هذه النعمة من ربِّ العالمين من المؤمنين بشريعته يغفلون عن هذا ، بينما ينتبه الكافرون بالشريعة الإسلامية فيعرفون قدر تمام هذه الشريعة وفضل وأهمية امتنان الله - عز وجل - على عباده بهذه الآية الكريمة ؛ ذلك أن رجلًا من اليهود جاء إلى عمر بن الخطاب في خلافته ، فقال : يا أمير المؤمنين ، آية في كتاب الله - يعني في القرآن - لو علينا معشر يهود نزلت لَاتَّخذنا ذلك اليوم عيدًا .

آية عندكم يا معشر المسلمين ، آية في كتاب الله - في القرآن الكريم - يقول الرجل اليهودي : لو علينا معشر يهود نزلت لَاتَّخذنا يوم نزولها عيدًا . قال عمر : ما هي ؟ قال : قوله - تعالى - : (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا )) . قال عمر : إنها نزلت في يوم عيد ، نزلت يوم جمعة وفي عرفات .

الغاية أن هذا اليهودي عرف أهمية هذه الآية الكريمة ؛ لأن الله يمتنُّ فيها على عباده بأنه أتمَّ الدين على المسلمين ، فهذه نعمة كبرى لازم تتخذوا يوم نزولها عيدًا ، فأجاب عمر : قد فعلنا . لأنها نزلت في يوم جمعة ، وهو العيد الأسبوعي للمسلمين ، وزيادة على ذلك : ورسول الله في عرفة في حجة الوداع . فهذا اليوم يوم العيد الأسبوعي الذي نزلت فيه هذه الآية الكريمة أين المسلمون اليوم الذين يقدِّرون هذه الآية وما فيها من المنَّة من ربِّ العالمين على المسلمين ، فيقفون عند تمام الإسلام ولا يزيدون عليه من هذه الزيادات التي شوَّهت جمال الإسلام وضيَّعت صورته الحقيقية عن أعين الناس وبصائرهم ؛ ولذلك بدؤوا ينصرفون عنه ؛ لأنه ليس هو هذا الإسلام بصورته الكاملة الحقيقية التي أنزَلَها ربُّنا - تبارك وتعالى - على نبيِّه - عليه الصلاة والسلام - .

ولقد أكَّدَ الرسول - عليه السلام - معنى هذه الآية الكريمة حين قال : ( ما تركت شيئًا يقرِّبكم إلى الله إلا وأمَرْتُكم به ، وما تركتُ شيئًا يبعِّدكم عن الله ويقرِّبكم إلى النار إلا ونهَيْتُكم عنه ) . لهذه المعاني التي أدرَكَها أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كانوا ينهون أشدَّ النهي عن الابتداع في الدين لمنافاة الابتداع لكمال الدين ، ولمنافاة الابتداع لكون المشرِّع رب العالمين ، ولمنافاة الابتداع لكون المتبوع هو محمد رسول الله فقط ليس إلا كما يُقال .

من تلك الآثار التي وردت عن الصحابة الكبار - رضي الله عنهم - قولُ حذيفة بن اليمان : " كلُّ عبادةٍ لم يتعبَّدْها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا تتعبَّدوها " . ومن ذلك - وهو أوضح في إنكار الزيادة في الدين - قول عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - : " كلُّ بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة " . فأين نحن اليوم من هذه الأقوال السلفية ؟ لقد ابتعدنا جدًّا ، وخالفنا هذا الخطَّ إلى خطٍّ آخر ، فبينما أصحاب الرسول ينهون عن الزيادة بالدين إذا بنا نحن نقرِّر بكلِّ جرأة أن الزيادة في الدين لا بأس فيه ؛ لأنُّو فيه بدعة حسنة يقولون ، وهذا ابن عمر يصرِّح فيقول . أوَّلًا يروي قول الرسول : ( كلُّ بدعة ضلالة ) هذا حديث مشهور معروف ، ويفسِّر هذه الجملة من حديث الرسول فيزيد بيانًا فيقول : " وإن رآها الناس حسنة " ، " كلُّ بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة " ؛ لِمَ ؟ لأن الاستحسان كما قال الإمام الشافعي : " من استحسن فقد شرع " ؛ لأن الإستحسان لا يجوز أن يكون من إنسان لا يدري الغيب ، والشرع غيب ، ولولا ذلك ما كان هناك من حاجة أن يبعثَ الله - عز وجل - الرسل وينزل الكتب إذا كان كلُّ إنسان يستحسن بعقله . عرف هذه الحقيقة أصحاب الرسول - عليه الصلاة والسلام - فأمروا مَن جاء بعدهم بأن يخلصوا للرسول - عليه الصلاة والسلام - في الاتباع ولا يزيدوا على ما جاء به - عليه الصلاة والسلام - .

هذه كلمة ، وهي تحتمل البسط والزيادة أكثر وأكثر ، ولكني أخشى أن يتسرَّبَ إليكم الملل ؛ فأكتفي بهذا القدر منتظرًا الأسئلة بعد أن نقيم صلاة العشاء ، وبهذا نكتفي في هذه الآونة .

...

هو الرسول يقول : ( فإن الله هو الدَّهر ) ، تطلق وتعني المتصرِّف بالدَّهر . بيجوز أنُّو لا ؛ لأنُّو إذا كان المقصود هو المتصرِّف بالدهر ما بيكون من أسماء الله .

...

مواضيع متعلقة