ذكر الشَّيخ لكلام شيخ الإسلام في الكتاب آنف الذِّكر حول ضابط البدعة وتعليقه عليه ، وذكر أمثلة ممَّا يحصل في العصر الحاضر .
A-
A=
A+
الشيخ : يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - في الكتاب السابق الذِّكر : إنما يحدث بعد وفاة الرسول - عليه الصلاة والسلام - يُنظر إليه ؛ فإن كان ما حدثَ له علاقة بالدين أو ليس له علاقة بالدين ؛ فهي من الأمور المُباحة التي يجوز للمسلم أن يعملَ بها بشرط واحد ؛ ألَّا يخالفَ نصًّا من كتاب أو سنة ؛ لأن شيخ الإسلام كجماهير العلماء الأعلام يذهبون إلى القاعدة المعروفة ؛ أَلَا وهي : " الأصل في الأشياء الإباحة " ، فكلُّ ما يحدث من المُحدثات ليس لها علاقة بالدين - أي : بالعبادة - ؛ أي : لا يفعلها المسلم يقصد بها زيادة التقرُّب إلى الله فهذه من الأمور المباحة إلا إذا خالفت نصًّا من كتاب أو سنة ، أما إذا كان هذا الذي حدثَ بعد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - له علاقة بالدين فيُنظر إن كان المقتضي للعمل بهذا المُحدَث قائمًا في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، ثم هو لم يعمَلْ به ولا حَضَّ الناس عليه فيكون العمل بهذا الأمر الحادث بدعة ضلالة ؛ إذا كان المقتضي لتشريع هذا الذي حدثَ بفعله - عليه السلام - أو بقوله ، ثم لم يشرَعْ ذلك لا بفعله ولا بقوله ؛ فالأخذ بهذا الأمر الحادث هو البدعة الضلالة ، وهو الذي تنصبُّ عليه الأحاديث التي تنهى عن الابتداع في الدين .
مثال هذا : الأذان لصلاة العيد ، والقول بـ " الصلاة جامعة " بالنسبة لغير صلاة العيد كصلاة الاستسقاء ونحو ذلك ، فالأذان لصلاة العيدين باتِّفاق علماء المسلمين لم يكن في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، فلو زُيِّن لعالمٍ ما أن يعلِنَ عن وقت العيد بالأذان فهذا ما حكمه في الإسلام على الرغم من أن الأذان ذكر لله - عز وجل - وشعيرة من شعائر الإسلام ؟
يقول شيخ الإسلام : الأذان لصلاة العيد يكون بدعة وضلالة ؛ لأنُّو كل بدعة ضلالة ؛ لأنَّ هذا الأذان ذكر وله صلة بصلاة العيد ، وهي من أكبر العبادات ؛ فإحداث هذا الأذان يكون بدعة ضلالة لا يجوز للمسلم أن يتقرَّبَ بها إلى الله - عز وجل - . السبب ؟ قال : لأن الرسول - عليه السلام - كان يصلي العيدين ، والمقتضي لإعلان الناس بهذا الأذان كان موجودًا في عهد الرسول - عليه السلام - ؛ لأن الناس بحاجة إلى الإعلان ؛ فما دام أنَّنا عرفنا أن الرسول - عليه السلام - مع وجود المقتضي لتبنِّي هذا الأذان لم يتبنَّه ولم يأمر به كان إحداثه والأخذ به بدعة ضلالة .
أما إذا لم يكن المقتضي للأخذ بهذا الذي حدث في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال : حينئذٍ ننظر ؛ إذا كان المقتضي الذي حدث بعد الرسول - عليه السلام - واقتضى لإيجاد أمر جديد لم يكُنْ في عهد الرسول - عليه السلام - يُنظر إلى هذا المقتضي ؛ أَهُوَ أمرٌ سببه من المسلمين أنفسهم ؛ أي تقصيرهم في تطبيق شريعة ربِّهم هو الذي اقتضى لهم أن يُحدِثُوا شيئًا جديدًا ؛ لأنه يحقق لهم مصلحة شرعية ؟ يقول ابن تيمية : فإذا كان هذا المقتضي للأخذ بهذا المُحدَث سببه تقصير المسلمين فأيضًا لا يجوز الأخذ بهذا المحدَث ؛ لأن سبب حدوثه هو تقصير المسلمين . مثاله : ما ابتُلِيَ به المسلمون اليوم من وضع نُظُم وقوانين لجباية الأموال ، وتكثير مال بيت المسلمين ؛ هذا من حيث الهدف هدف جميل ومشروع ؛ لأنه يُقصد به إملاء بيت مال المسلمين ليتمكَّنَ الحاكم المسلم من القيام بما أوجَبَ الله عليه من الإصلاحات في البلاد المسلمة ، لكن الأخذ بهذا التَّشريع الجديد أو القانون الجديد إذا كان ناشئًا كما هو الغالب في كلِّ البلاد الإسلامية اليوم بنِسَب طبعًا متفاوتة ؛ لم يكن السبب إلا لأنهم لم يطبِّقوا نظام الإسلام نظام الزكاة والتَّركات التي بتطبيق هذا النظام الإسلامي يتحقَّق الغاية التي رَمَى إليها هؤلاء الذين وضعوا هذه التشاريع الجديدة ؛ فيقول شيخ الإسلام : إذا كان إذًا المقتضي للتشريع الجديد سببه تقصير المسلمين في تطبيق شريعة ربِّ العالمين ولو كان هذا التشريع يحقِّق مصلحة للمسلمين فلا يجوز الأخذ بهذا الذي حدث ؛ لأن الدافع له على ذلك هو تقصيرهم ، أما إذا كان هذا الذي حدث ليس له علاقة بتقصير المسلمين في القيام بواجبهم وبشريعة ربِّهم ؛ فحين ذاك ما دام هذا الحادث يحقِّق مصلحة إسلامية فلا بأس من الأخذ بها أو به ما دام أنه يحقِّق غرضًا مشروعًا .
والمثال الآن لهذا النوع الثالث بين أيديكم ؛ هو هذا المكبِّر للصوت الذي يُستعمل في الدروس والمواعظ وفي الأذان - أيضًا - ؛ هذا لا نشك لا يشك إنسان أبدًا إلا أنه أمر حادث لم يكن في عهد الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ؛ فهل نقول : إنه بدعة ونطبِّق عليه النَّصَّ المعروف : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) فنجتنب حينئذٍ استعمال هذه الوسيلة لأنها حدثت بعد الرسول - عليه الصلاة والسلام - أم لا ؟ إنما نقول : هذه وسيلة صحيح حدثت ، ولكن هي تساعد على تحقيق غرض شرعي ؛ ألا وهو تبليغ الناس وتسميع الناس دون أن نكون نحن مقصِّرين ؟
أضرب لكم مثلًا في التقصير قريب من هذا المثال المعاكس له ؛ بعض أئمة المساجد لو رفع صوته في المسجد وسط الساحة لَأسمَعَ كل أهل المسجد ، فهو لا يرفع صوته ؛ لماذا ؟ لأنه يعتمد على المبلِّغ المؤذِّن الذي خلفه ، تبليغ المؤذِّن خلف هذا الإمام بدعة ؛ علمًا أن أبا بكر الصديق كان يبلِّغ وراء الرسول - عليه السلام - في مرض موته - صلى الله عليه وسلم - ، لكن ذاك التبليغ كان لحاجة ، ولم يقصِّر الرسول - عليه السلام - ؛ لأنه كان مريضًا ، بينما قبل ذلك ما نعرف تبليغًا خلف الرسول - عليه السلام - ؛ لأنه هو كان يُسمِعُ الناس ، فإنما بلَّغ أبو بكر الصديق خلفَه لأن الرسول لم يستطع أن يبلغ الناس ويسمع الناس صوته ، كذلك لا يجوز استعمال مكبِّر الصوت حينَما ليس هناك حاجة لمكبِّر الصوت ؛ فلا المؤذِّن يستعمل مكبِّر الصوت في القرية الصغيرة التي سكَّانها - مثلًا - البيوت عشرة أو نحو ذلك ؛ لأن الصوت الطبيعي يسمعونه ، ولكن إذا كان جمع غفير خاصة في مواسم الحج ونحو ذلك ؛ فاستعمال هذه الآلة حينئذٍ هو أمر واجب ؛ لأنه ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب ، وليس من محدثات الأمور ؛ لأن هذا الذي حدث نحن لا نريد أن نتقرَّبَ به بذاته إلى الله - عز وجل - ، وإنما نريد أن نحقِّق هدفًا لا يمكننا أن نحقِّقَه بالأمور الطبيعة التي مكَّنَنا الله - عز وجل - بها منذ خلق البشر . فاستعمال مكبِّر الصوت هذا من الأمور المحدثات ، ولكن لا يشملها ( وإياكم ومحدثات الأمور ) ؛ لماذا ؟ يجب أن تعرفوا أوَّلًا : لأنه لا يُقصد به التقرُّب زيادة التقرُّب إلى الله . ثانيًا : لأن هذا السبب الذي حدث ليس بسبب تقصيرنا نحن كما ضربنا مثلًا بتقصير الإمام في تبليغه صوته للمقتدين يعتمد هو على مبلِّغ الصوت أو مكبِّر الصوت .
هذه أمثلة حسَّاسة ودقيقة تحفظ المسلم من أن يميل يمينًا أو يسارًا من أن ينكر وسيلةً حدثت ليس لها علاقة بزيادة التقرُّب إلى الله - عز وجل - أوَّلًا ، ثم هي ليس حدوثُها تقصيرنا نحن في القيام بما شرع الله - عز وجل - لنا ، لكن في كثير من الأحيان لِاستعمال هذا المكبِّر ولتحقيق الغرض الشرعي وهو التسميع كثيرًا ما نضيِّع أمورًا مشروعة ، ففي هذه الحالة لا يجوز اتخاذ هذه الوسيلة ، وهذا مما حدث اليوم وعمَّ وطمَّ جميع المساجد إلا ما شاء الله .
من المتفق عليه في علمي عند العلماء أن الأذان في المسجد داخل المسجد - أيضًا - من البدع غير المشروعة ؛ لأن الأذان في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام - لم يكن حتى يوم الجمعة إلا على ظهر المسجد وفوق باب المسجد من فوق ؛ ذلك لأن الله - عز وجل - فارَقَ بين الغاية من الأذان والغاية من الإقامة ، فالمقصود بالأذان تبليغ الناس الذين هم خارج المسجد ، والمقصود بالإقامة تبليغ مَن كان في المسجد ليقومَ إلى الصلاة ويصطفّ مع إخوانه المسلمين ؛ فحينما نؤذِّن في المسجد عَكَسْنا السنة وعَكَسْنا في الوقت نفسه الغاية من الأذان ، فالمقصود من الأذان هو تبليغ مَن كان خارج المسجد .
قد يقول قائل : هذا المقصود حصل الآن بمكبِّر الصوت ، وهذا هو السبب حتى تتابعَ المسلمون في استعمال مكبِّر الصوت وترك الشعيرة الإسلامية وهو الأذان على ظهر المسجد ، أو ما يشبه ذلك من منارة متواضعة ؛ لأنهم ظنُّوا أن الغرض فقط من الأذان هو التبليغ ، وهذا التبليغ حصل بمكبِّر الصوت بصورة أوسع بكثير ؟
لكننا نقول : إن الأذان عبادة وشعيرة إسلامية عظيمة ؛ فلا بد من أن يظهر المؤذِّن على ظهر المسجد بشخصه ، أوَّلًا : يجب أن يظهر بشخصه ، وثانيًا : أن يتعاطى السنن المتعلقة بالأذان من الالتفات ... .
مثال هذا : الأذان لصلاة العيد ، والقول بـ " الصلاة جامعة " بالنسبة لغير صلاة العيد كصلاة الاستسقاء ونحو ذلك ، فالأذان لصلاة العيدين باتِّفاق علماء المسلمين لم يكن في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، فلو زُيِّن لعالمٍ ما أن يعلِنَ عن وقت العيد بالأذان فهذا ما حكمه في الإسلام على الرغم من أن الأذان ذكر لله - عز وجل - وشعيرة من شعائر الإسلام ؟
يقول شيخ الإسلام : الأذان لصلاة العيد يكون بدعة وضلالة ؛ لأنُّو كل بدعة ضلالة ؛ لأنَّ هذا الأذان ذكر وله صلة بصلاة العيد ، وهي من أكبر العبادات ؛ فإحداث هذا الأذان يكون بدعة ضلالة لا يجوز للمسلم أن يتقرَّبَ بها إلى الله - عز وجل - . السبب ؟ قال : لأن الرسول - عليه السلام - كان يصلي العيدين ، والمقتضي لإعلان الناس بهذا الأذان كان موجودًا في عهد الرسول - عليه السلام - ؛ لأن الناس بحاجة إلى الإعلان ؛ فما دام أنَّنا عرفنا أن الرسول - عليه السلام - مع وجود المقتضي لتبنِّي هذا الأذان لم يتبنَّه ولم يأمر به كان إحداثه والأخذ به بدعة ضلالة .
أما إذا لم يكن المقتضي للأخذ بهذا الذي حدث في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال : حينئذٍ ننظر ؛ إذا كان المقتضي الذي حدث بعد الرسول - عليه السلام - واقتضى لإيجاد أمر جديد لم يكُنْ في عهد الرسول - عليه السلام - يُنظر إلى هذا المقتضي ؛ أَهُوَ أمرٌ سببه من المسلمين أنفسهم ؛ أي تقصيرهم في تطبيق شريعة ربِّهم هو الذي اقتضى لهم أن يُحدِثُوا شيئًا جديدًا ؛ لأنه يحقق لهم مصلحة شرعية ؟ يقول ابن تيمية : فإذا كان هذا المقتضي للأخذ بهذا المُحدَث سببه تقصير المسلمين فأيضًا لا يجوز الأخذ بهذا المحدَث ؛ لأن سبب حدوثه هو تقصير المسلمين . مثاله : ما ابتُلِيَ به المسلمون اليوم من وضع نُظُم وقوانين لجباية الأموال ، وتكثير مال بيت المسلمين ؛ هذا من حيث الهدف هدف جميل ومشروع ؛ لأنه يُقصد به إملاء بيت مال المسلمين ليتمكَّنَ الحاكم المسلم من القيام بما أوجَبَ الله عليه من الإصلاحات في البلاد المسلمة ، لكن الأخذ بهذا التَّشريع الجديد أو القانون الجديد إذا كان ناشئًا كما هو الغالب في كلِّ البلاد الإسلامية اليوم بنِسَب طبعًا متفاوتة ؛ لم يكن السبب إلا لأنهم لم يطبِّقوا نظام الإسلام نظام الزكاة والتَّركات التي بتطبيق هذا النظام الإسلامي يتحقَّق الغاية التي رَمَى إليها هؤلاء الذين وضعوا هذه التشاريع الجديدة ؛ فيقول شيخ الإسلام : إذا كان إذًا المقتضي للتشريع الجديد سببه تقصير المسلمين في تطبيق شريعة ربِّ العالمين ولو كان هذا التشريع يحقِّق مصلحة للمسلمين فلا يجوز الأخذ بهذا الذي حدث ؛ لأن الدافع له على ذلك هو تقصيرهم ، أما إذا كان هذا الذي حدث ليس له علاقة بتقصير المسلمين في القيام بواجبهم وبشريعة ربِّهم ؛ فحين ذاك ما دام هذا الحادث يحقِّق مصلحة إسلامية فلا بأس من الأخذ بها أو به ما دام أنه يحقِّق غرضًا مشروعًا .
والمثال الآن لهذا النوع الثالث بين أيديكم ؛ هو هذا المكبِّر للصوت الذي يُستعمل في الدروس والمواعظ وفي الأذان - أيضًا - ؛ هذا لا نشك لا يشك إنسان أبدًا إلا أنه أمر حادث لم يكن في عهد الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ؛ فهل نقول : إنه بدعة ونطبِّق عليه النَّصَّ المعروف : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) فنجتنب حينئذٍ استعمال هذه الوسيلة لأنها حدثت بعد الرسول - عليه الصلاة والسلام - أم لا ؟ إنما نقول : هذه وسيلة صحيح حدثت ، ولكن هي تساعد على تحقيق غرض شرعي ؛ ألا وهو تبليغ الناس وتسميع الناس دون أن نكون نحن مقصِّرين ؟
أضرب لكم مثلًا في التقصير قريب من هذا المثال المعاكس له ؛ بعض أئمة المساجد لو رفع صوته في المسجد وسط الساحة لَأسمَعَ كل أهل المسجد ، فهو لا يرفع صوته ؛ لماذا ؟ لأنه يعتمد على المبلِّغ المؤذِّن الذي خلفه ، تبليغ المؤذِّن خلف هذا الإمام بدعة ؛ علمًا أن أبا بكر الصديق كان يبلِّغ وراء الرسول - عليه السلام - في مرض موته - صلى الله عليه وسلم - ، لكن ذاك التبليغ كان لحاجة ، ولم يقصِّر الرسول - عليه السلام - ؛ لأنه كان مريضًا ، بينما قبل ذلك ما نعرف تبليغًا خلف الرسول - عليه السلام - ؛ لأنه هو كان يُسمِعُ الناس ، فإنما بلَّغ أبو بكر الصديق خلفَه لأن الرسول لم يستطع أن يبلغ الناس ويسمع الناس صوته ، كذلك لا يجوز استعمال مكبِّر الصوت حينَما ليس هناك حاجة لمكبِّر الصوت ؛ فلا المؤذِّن يستعمل مكبِّر الصوت في القرية الصغيرة التي سكَّانها - مثلًا - البيوت عشرة أو نحو ذلك ؛ لأن الصوت الطبيعي يسمعونه ، ولكن إذا كان جمع غفير خاصة في مواسم الحج ونحو ذلك ؛ فاستعمال هذه الآلة حينئذٍ هو أمر واجب ؛ لأنه ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب ، وليس من محدثات الأمور ؛ لأن هذا الذي حدث نحن لا نريد أن نتقرَّبَ به بذاته إلى الله - عز وجل - ، وإنما نريد أن نحقِّق هدفًا لا يمكننا أن نحقِّقَه بالأمور الطبيعة التي مكَّنَنا الله - عز وجل - بها منذ خلق البشر . فاستعمال مكبِّر الصوت هذا من الأمور المحدثات ، ولكن لا يشملها ( وإياكم ومحدثات الأمور ) ؛ لماذا ؟ يجب أن تعرفوا أوَّلًا : لأنه لا يُقصد به التقرُّب زيادة التقرُّب إلى الله . ثانيًا : لأن هذا السبب الذي حدث ليس بسبب تقصيرنا نحن كما ضربنا مثلًا بتقصير الإمام في تبليغه صوته للمقتدين يعتمد هو على مبلِّغ الصوت أو مكبِّر الصوت .
هذه أمثلة حسَّاسة ودقيقة تحفظ المسلم من أن يميل يمينًا أو يسارًا من أن ينكر وسيلةً حدثت ليس لها علاقة بزيادة التقرُّب إلى الله - عز وجل - أوَّلًا ، ثم هي ليس حدوثُها تقصيرنا نحن في القيام بما شرع الله - عز وجل - لنا ، لكن في كثير من الأحيان لِاستعمال هذا المكبِّر ولتحقيق الغرض الشرعي وهو التسميع كثيرًا ما نضيِّع أمورًا مشروعة ، ففي هذه الحالة لا يجوز اتخاذ هذه الوسيلة ، وهذا مما حدث اليوم وعمَّ وطمَّ جميع المساجد إلا ما شاء الله .
من المتفق عليه في علمي عند العلماء أن الأذان في المسجد داخل المسجد - أيضًا - من البدع غير المشروعة ؛ لأن الأذان في عهد الرسول - عليه الصلاة والسلام - لم يكن حتى يوم الجمعة إلا على ظهر المسجد وفوق باب المسجد من فوق ؛ ذلك لأن الله - عز وجل - فارَقَ بين الغاية من الأذان والغاية من الإقامة ، فالمقصود بالأذان تبليغ الناس الذين هم خارج المسجد ، والمقصود بالإقامة تبليغ مَن كان في المسجد ليقومَ إلى الصلاة ويصطفّ مع إخوانه المسلمين ؛ فحينما نؤذِّن في المسجد عَكَسْنا السنة وعَكَسْنا في الوقت نفسه الغاية من الأذان ، فالمقصود من الأذان هو تبليغ مَن كان خارج المسجد .
قد يقول قائل : هذا المقصود حصل الآن بمكبِّر الصوت ، وهذا هو السبب حتى تتابعَ المسلمون في استعمال مكبِّر الصوت وترك الشعيرة الإسلامية وهو الأذان على ظهر المسجد ، أو ما يشبه ذلك من منارة متواضعة ؛ لأنهم ظنُّوا أن الغرض فقط من الأذان هو التبليغ ، وهذا التبليغ حصل بمكبِّر الصوت بصورة أوسع بكثير ؟
لكننا نقول : إن الأذان عبادة وشعيرة إسلامية عظيمة ؛ فلا بد من أن يظهر المؤذِّن على ظهر المسجد بشخصه ، أوَّلًا : يجب أن يظهر بشخصه ، وثانيًا : أن يتعاطى السنن المتعلقة بالأذان من الالتفات ... .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 137
- توقيت الفهرسة : 00:13:41
- نسخة مدققة إملائيًّا