الجواب عن الشبهة الأولى لِمَن يقسم البدع إلى بدعة حسنة وبدعة سيِّئة بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( مَن سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ؛ دون أن ينقصَ من أجورهم شيء ) .
A-
A=
A+
الشيخ : من هذه النصوص التي تُشكل على بعض الناس وبعضٌ آخر يركن إليها ويعتمد عليها في ضرب تلك القاعدة التي لا تقبل التخصيص والتقييد مطلقًا ( كل بدعة ضلالة ) ؛ قالوا : ليس كل بدعة ضلالة ، وإنما هناك بدعة حسنة ، واحتجُّوا بقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - : ( مَن سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ؛ دون أن ينقصَ من أجورهم شيء ، ومَن سنَّ في الإسلام سنَّة سيِّئة فعليه وزرُها ووزرُ مَن عمل بها إلى يوم القيامة ؛ دون أن ينقص من أوزارهم شيء ) . فسَّروا هذا الحديث بخلاف ما رمى إليه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - من المعنى الذي لا يختلف مطلقًا مع تلك القاعدة الإسلامية : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ؛ قالوا في تفسير هذا الحديث : معنى ( مَن سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) من ابتدعَ في الإسلام بدعة حسنة ؛ فهذا التفسير تفسير باطل لا نشكُّ في ذلك قدر أنملة ؛ ذلك لأنه يصطدم مع سبب ورود الحديث والمناسبة التي ذكره - عليه الصلاة والسلام - فيها ؛ بحيث أنه إذا سمعَ السامع للحديث والمناسبة تبيَّنَ له بطلان ذلك التفسير بطلانًا جليًّا ، تلك المناسبة هي جاءت مع الحديث في " صحيح الإمام مسلم " و " مسند الإمام أحمد " وغيرهما من حديث جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه - قال : " كنَّا جلوسًا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فجاءه أعراب مجتابو النِّمار ، متقلِّدو السيوف ، عامَّتهم من مضر ، بل كلُّهم من مضر ، فلما رآهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تمعَّرَ وجهه . أي : تغيَّرت ملامح وجهه حزنًا وأسفًا على فقر هؤلاء الأعراب . وقال - عليه الصلاة والسلام - فيما خَطَبَهم في ذلك المكان : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ )) ، ثم قال - عليه الصلاة والسلام - حضًّا وتأكيدًا لذلك الأمر القرآني قال - عليه السلام - : ( تصدَّق رجل بدرهمه ، بديناره ، بصاع برِّه ، بصاع شعيره ) . تصدَّق معناه هنا : لِيتصدَّقْ كلٌّ من منكم بما تيسَّر من هذه الأمور المذكورة في كلامه - عليه الصلاة والسلام - .
فانطلق رجلٌ من الذين كانوا في مجلس الرسول - عليه الصلاة والسلام - هذا ليعودَ إليه - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي طرف ثوبه ما تيسَّرَ له من طعام أو دراهم ودنانير ، فلما رأى ذلك سائرُ أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وكان فيهم أبو بكر وعمر كما في رواية للإمام الطبراني في " معجمه الكبير " قام كلٌّ من هؤلاء ليعودَ - أيضًا - بما تيسَّر لكلٍّ منهم من صدقة ، فاجتمع أمام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمثال الجبال من الطعام والدراهم والدنانير ، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تهلَّل وجهه كأنه مُذهَبَة ؛ أي : إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تنوَّرَ وجهه بعد أن استجابَ له أصحابه وجاء كلٌّ منهم بما تيسَّر من الصدقة فَرِحَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذه الاستجابة ، وكان فرحُه أكثر وأكثر بالنسبة للرجل الأول الذي فتح الطريق إلى هذه السنة ؛ أَلَا وهي الصدقة ، فقال - عليه الصلاة والسلام - بهذه المناسبة : ( مَن سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ؛ دون أن ينقص من أجورهم شيء ) إلى آخر الحديث .
فإذا ما عُدْنا إلى تفسير الخَلَف لهذا النَّصِّ النبوي ( من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) بقولهم : أي : مَن ابتدع في الإسلام بدعةً حسنة ظَهَرَ كما قلنا آنفًا جليًّا تنافر وتباين هذا التفسير مع هذه الواقعة وهذه المناسبة ، وهذا فيما أظن لا يخفى على أحدٍ من الحاضرين مهما كانت سويَّته وثقافته ؛ لأنه لا يشكُّ أحدٌ أن الحادثة لم يكن فيها شيء من البدع المحدثات لم يكن معروفًا قبل هذه الحادثة ؛ لأنه لم يقع فيها إلا الصدقة ؛ فكيف يصحُّ أن يُقال لمناسبة هذه الصدقة في تفسير قول الرسول - عليه السلام - : ( مَن سنَّ في الإسلام سنَّةً حسنة ) أنه يعني من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ؟! أين هذه البدعة في هذا المجلس النبوي وهو قد قام فيه يخطب الصحابة ويذكِّرهم بكلام الله وبكلامه هو - عليه الصلاة والسلام - يذكِّرهم بالصدقة على هؤلاء الأقوام بالآية السابقة ، وبقوله حضًّا لهم : ( تصدَّق رجل بدرهمه ) ، فاجتمع الناس على الصدقة ، كلُّ ما في الأمر أن الرجل الأول هو الذي ذكَّرَ الحاضرين بهذه الصدقة بعمله حينما انطلق قبل غيره ، فجاء بما تيسَّر له كما سمعتم ، ثم تتابعَ أصحاب الرسول - عليه السلام - على هذه الصدقة ؛ فمن البدهيِّ بمكان أن لم يقع في هذا المجلس شيءٌ من المحدثات ، وَلْيكُنْ محدثًا لغةً لم يقع شيء من ذلك ؛ فإذًا تفسير أولئك الناس لهذا الحديث بما يدعمون به انحرافهم عن تلك القاعدة ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) هو خطأ آخر ، الخطأ الأول الانحراف عن هذه القاعدة ، والخطأ الآخر تأويلهم للحديث تأويلًا ينقض القاعدة ، وهذا التأويل هو خطأ وافتراء ، ولو أن هذا الافتراء غير مقصود فهذا شيء آخر ، إنما هو افتراء على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما يقول قائلهم : ( من سنَّ في الإسلام ) أي : من ابتدع في الإسلام ؛ فأروني بربِّكم أين هذه البدعة في هذه الحادثة المباركة ولم يقع فيها إلا الصدقة التي حضَّهم الرسول - عليه السلام - عليها كما قلنا بالكتاب وبالسنة ؟!
وأنا أقول : لو أن رجلًا أعجميًّا - ولا أذهب بعيدًا - ؛ لو أن رجلًا مثلي ألباني الأصل أعجمي تعرَّب وتعرَّف على اللغة العربية ؛ لو أن مثل هذا فسَّر الحديث السابق بما يفسِّره هؤلاء العرب سُلالةً وجبلَّةً ؛ أي : ( مَن سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) ؛ أي : مَن ابتدع إلى آخر قولهم ؛ لَكان من أجهل الناس بهذه الواقعة ؛ لأنه لا يجد في الحادثة - كما ذكرنا - بدعةً بالمعنى الذي هم يفسِّرون الحديث به ؛ فكيف يُنسب مثل هذا التفسير إذا كانت نسبَتُه إلى رجل أعجمي مثلي - مثلًا - ؟ كيف يُنسب مثل هذا التأويل والتفسير إلى أفصح مَن نطق بالضَّاد إلى من نزل عليه القرآن الكريم بلغة العرب ؟ لا شك أن هذه زلَّة لو أنها وقفت عند اللغة العربية لَهانَ الأمر بعض الشيء ، ولكن هذه الزلَّة أودَتْ بصاحبها إلى تأويل قاعدة مطلقة أكَّدَها الرسول - عليه السلام - بمناسبات شتَّى ؛ تلك قوله - عليه السلام - : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) هذا أوَّلًا .
فانطلق رجلٌ من الذين كانوا في مجلس الرسول - عليه الصلاة والسلام - هذا ليعودَ إليه - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي طرف ثوبه ما تيسَّرَ له من طعام أو دراهم ودنانير ، فلما رأى ذلك سائرُ أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وكان فيهم أبو بكر وعمر كما في رواية للإمام الطبراني في " معجمه الكبير " قام كلٌّ من هؤلاء ليعودَ - أيضًا - بما تيسَّر لكلٍّ منهم من صدقة ، فاجتمع أمام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمثال الجبال من الطعام والدراهم والدنانير ، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تهلَّل وجهه كأنه مُذهَبَة ؛ أي : إن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - تنوَّرَ وجهه بعد أن استجابَ له أصحابه وجاء كلٌّ منهم بما تيسَّر من الصدقة فَرِحَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذه الاستجابة ، وكان فرحُه أكثر وأكثر بالنسبة للرجل الأول الذي فتح الطريق إلى هذه السنة ؛ أَلَا وهي الصدقة ، فقال - عليه الصلاة والسلام - بهذه المناسبة : ( مَن سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ؛ دون أن ينقص من أجورهم شيء ) إلى آخر الحديث .
فإذا ما عُدْنا إلى تفسير الخَلَف لهذا النَّصِّ النبوي ( من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) بقولهم : أي : مَن ابتدع في الإسلام بدعةً حسنة ظَهَرَ كما قلنا آنفًا جليًّا تنافر وتباين هذا التفسير مع هذه الواقعة وهذه المناسبة ، وهذا فيما أظن لا يخفى على أحدٍ من الحاضرين مهما كانت سويَّته وثقافته ؛ لأنه لا يشكُّ أحدٌ أن الحادثة لم يكن فيها شيء من البدع المحدثات لم يكن معروفًا قبل هذه الحادثة ؛ لأنه لم يقع فيها إلا الصدقة ؛ فكيف يصحُّ أن يُقال لمناسبة هذه الصدقة في تفسير قول الرسول - عليه السلام - : ( مَن سنَّ في الإسلام سنَّةً حسنة ) أنه يعني من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ؟! أين هذه البدعة في هذا المجلس النبوي وهو قد قام فيه يخطب الصحابة ويذكِّرهم بكلام الله وبكلامه هو - عليه الصلاة والسلام - يذكِّرهم بالصدقة على هؤلاء الأقوام بالآية السابقة ، وبقوله حضًّا لهم : ( تصدَّق رجل بدرهمه ) ، فاجتمع الناس على الصدقة ، كلُّ ما في الأمر أن الرجل الأول هو الذي ذكَّرَ الحاضرين بهذه الصدقة بعمله حينما انطلق قبل غيره ، فجاء بما تيسَّر له كما سمعتم ، ثم تتابعَ أصحاب الرسول - عليه السلام - على هذه الصدقة ؛ فمن البدهيِّ بمكان أن لم يقع في هذا المجلس شيءٌ من المحدثات ، وَلْيكُنْ محدثًا لغةً لم يقع شيء من ذلك ؛ فإذًا تفسير أولئك الناس لهذا الحديث بما يدعمون به انحرافهم عن تلك القاعدة ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) هو خطأ آخر ، الخطأ الأول الانحراف عن هذه القاعدة ، والخطأ الآخر تأويلهم للحديث تأويلًا ينقض القاعدة ، وهذا التأويل هو خطأ وافتراء ، ولو أن هذا الافتراء غير مقصود فهذا شيء آخر ، إنما هو افتراء على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حينما يقول قائلهم : ( من سنَّ في الإسلام ) أي : من ابتدع في الإسلام ؛ فأروني بربِّكم أين هذه البدعة في هذه الحادثة المباركة ولم يقع فيها إلا الصدقة التي حضَّهم الرسول - عليه السلام - عليها كما قلنا بالكتاب وبالسنة ؟!
وأنا أقول : لو أن رجلًا أعجميًّا - ولا أذهب بعيدًا - ؛ لو أن رجلًا مثلي ألباني الأصل أعجمي تعرَّب وتعرَّف على اللغة العربية ؛ لو أن مثل هذا فسَّر الحديث السابق بما يفسِّره هؤلاء العرب سُلالةً وجبلَّةً ؛ أي : ( مَن سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) ؛ أي : مَن ابتدع إلى آخر قولهم ؛ لَكان من أجهل الناس بهذه الواقعة ؛ لأنه لا يجد في الحادثة - كما ذكرنا - بدعةً بالمعنى الذي هم يفسِّرون الحديث به ؛ فكيف يُنسب مثل هذا التفسير إذا كانت نسبَتُه إلى رجل أعجمي مثلي - مثلًا - ؟ كيف يُنسب مثل هذا التأويل والتفسير إلى أفصح مَن نطق بالضَّاد إلى من نزل عليه القرآن الكريم بلغة العرب ؟ لا شك أن هذه زلَّة لو أنها وقفت عند اللغة العربية لَهانَ الأمر بعض الشيء ، ولكن هذه الزلَّة أودَتْ بصاحبها إلى تأويل قاعدة مطلقة أكَّدَها الرسول - عليه السلام - بمناسبات شتَّى ؛ تلك قوله - عليه السلام - : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) هذا أوَّلًا .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 136
- توقيت الفهرسة : 00:09:26
- نسخة مدققة إملائيًّا