استدلالهم بحديث : ( من سنَّ في الاسلام سنَّة حسنة ) ، والرَّدُّ عليهم .
A-
A=
A+
الشيخ : من أشهر ما يستدلُّ به الجماهير اليوم في استحسانهم للابتداع في الدين الحديث المشهور وهو في " صحيح مسلم " : ( من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ؛ فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ؛ دون أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سنَّ في الإسلام سنَّة سيِّئة ؛ فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ؛ دون أن ينقص من أوزارهم شيء ) .
يستدلون بهذا الحديث على أنَّ في الإسلام بدعة حسنة وبدعة سيِّئة ، وكشف الخطأ في هذا الاستدلال يمكن أن يقوم على أمرين اثنين :
الأمر الأول : أن نستحضِرَ سبب ورود الحديث ؛ فإنَّ معرفتنا بسبب ورود الحديث سيكشف لنا مباشرةً خطأ الاستدلال بالحديث على أنَّ في الإسلام بدعة حسنة لم يأتِ بها الرسول - عليه السلام - ولا أمر بها ، وإنما يستحسنها المسلمون .
سبب هذا الحديث كما هو - أيضًا - مذكور مع الحديث في " صحيح مسلم " وغيره ؛ يقول جرير بن عبد الله البجلي : كنَّا جلوسًا عند مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فجاءه أعراب مجتابي النمار متقلِّدي السيوف ، عامَّتهم من مضر - بل كلهم من مضر - ، فلما رآهم رسول الله تمعَّرَ وجهه - أي : ظهرت عليه ملامح الحزن والأسى لِمَا رأى في هؤلاء المُضريِّين من فقرٍ مدقعٍ - ، فخطب - عليه الصلاة والسلام - في الناس ، ووعظهم وذكَّرهم ، وكان من جملة ذلك أن قال لهم : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... أَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ )) "" الشاكرين "" (( وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ )) .
نعم ؟
السائل : ... .
الشيخ : (( مِنَ الصَّالِحِينَ )) . قرأ هذه الآية يحضُّ فيها الصحابة الصدقة على هؤلاء ، وزاد في ذلك أن قال - عليه الصلاة والسلام - مفسِّرًا الآية : ( تصدَّق بدرهمه ، بديناره ، بصاع برِّه ، بصاع شعيره ) ، فكان أن قام رجلٌ منهم لينطلق إلى داره ويعود ومعه ما تيسَّر له من صدقة وضعها أمام الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ، فلما رآه سائر الصحابة قام كل منهم - أيضًا - وجاء بما تيسَّر له من صدقة ، فاجتمع أمام الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - كأمثال الجبال من الطعام والدراهم ، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صار وجهه كأنَّه مُذهَبَة ؛ تهلَّل وجهه كأنه مذهبة ؛ الفضَّة المطليَّة بالذهب ، تبرق أسارير وجهه - عليه السلام - فرحًا باستجابة أصحابه لموعظته - عليه السلام - ، وقال : ( من سنَّ في الإسلام سنة حسنة ) إلى آخر الحديث .
فالآن هم يفسِّرون من سنَّ بمعنى من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ، وهنا في الشطر الثاني : ( ومن سنَّ في الإسلام سنَّة سيِّئة ) ؛ أي : ابتدع في الإسلام بدعة سيِّئة ، يفسرون مَن سنَّ بمعنى من ابتدع في كلٍّ من الموضعين ، فالآن نعود إلى الشطر الأول من هذا الحديث الذي فيه : ( من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) ، وهم يفسرونها بقولهم : من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ؛ أين البدعة في هذه القصة حتى يصحَّ تفسير الحديث بما يذهبون إليه ؟! لا نجد في هذه القصة سوى الصدقة ، والصدقة مشروعة بنصِّ القرآن قبل هذه الحادثة ، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكَّرهم في الآية السابقة : (( أَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ )) ، فإذًا هذه الصدقة ليست بدعة ، وأكَّد لهم الرسول - عليه السلام - فحضَّهم أن يتصدَّق أحدهم ولو بدرهم ... .
فإذًا ليس في هذه الحادثة بدعة حسنة حتَّى يُقال : إن الرسول قال بهذه المناسبة : من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة !! لا يتجاوب أبدًا لو حرَّفنا لفظَ الحديث إلى هذا اللفظ ؛ مَن ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ، لا يتجاوب هذا اللفظ مع الحادثة مطلقًا ؛ لأنَّ الحادثة ليس فيها بدعة مطلقًا ، فهذا يبيِّن خطأ هذا التفسير ، وأنا كما أقول بمثل هذه المناسبة : إنَّ تفسير هذا الحديث بهذا التفسير المتأخِّر ؛ مَن ابتدع في الإسلام بدعة حسنة لا يفعلها رجلٌ أعجمي ليس عربيًّا إذا كان عنده شيء من الفقه الإسلامي وشيء من المعرفة باللغة العربية ؛ لأنه ليس هناك تطابق ولا أيُّ موافقة بين الواقعة وبين قول مَن قد يقول : من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة في مثل هذه المناسبة !! فهذا يدل على خطأ هذا التفسير ، والتفسير الصحيح واضح جدًّا ، من تأمُّلنا تأمُّلًا قليلًا في الحادثة ، إذا عُدْنا إلى نظم الحديث : ( من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) ، نسأل الآن : الصدقة حسنة أم سيِّئة ؟ لا شك أنها حسنة . طيِّب ؛ كان قد شَرَعَها الله - عز وجل - بنص الآية السابقة وشرعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديثه أم لا ؟ كان قد شرعها بنصِّ الآية السابقة وبحديثه .
إذًا هذا المتصدق الأول لم يأتِ ببدعة حسنة ، لم يأتِ بشيء جديد لم يكن معروفًا من قبل ... بل الصدقة من فضائل الأعمال وجاء فيها أحاديث كثيرة .
إذًا ما معنى قول الرسول - عليه السلام - في هذا الحديث بالذَّات : ( من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) ؟ واضح جدًّا من الحادثة أنَّ الرجل الأول كان أوَّل من استجاب لموعظة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وأوَّل من انطلق إلى داره ليأتي بما تيسَّر له من الصدقة ، فاتَّبَعَه الصحابة على ذلك ، فكان هو بانطلاقه أول كل إنسان أنَّ لهؤلاء هذه السنة الحسنة ؛ فهو إذًا كي لا تكونون غافلين عن مشروع خيري فيُلهم الله - عز وجل - أحدهم فيقوم بهذا المشروع ، هذا المشروع مذكور الأمر به في الكتاب والسنة ، لو فرضنا جمع أموال لأيتام لمساكين لبناء مسجد لأيِّ عمل خيري لا يمكن لإنسان عنده ذرَّة من الفقه أن يقول : هذا العمل الخيري بدعة في الدين أبدًا ، لكن كان هذا الإنسان أول مَن تحرَّك لهذا المشروع الخيري فأعانه الناس على ذلك ؛ فهذا الإنسان الأول يُطلق عليه أنه سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ، لكن التحكيم ليس من عنده ، التحكيم ممَّن له التحكيم والتطبيق وهو الله - تبارك وتعالى - ، لكن هو كان أوَّل مَن تحرَّك لفتح باب هذا المشروع الحَسَن بنصِّ الشرع بنصِّ الكتاب والسنة .
إذًا مَن سنَّ بمعنى مَن فتح طريقًا إلى سنة حسنة بالنَّصِّ لا بالعقل والهوى كما يفسِّره جماهير الناس اليوم كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة .
كذلك تمام الحديث إذا ما قام به الإنسان ينطبق عليه : ( من سنَّ في الإسلام سنَّة سيِّئة ) ، ما هي السنَّة السيِّئة ؟ أمر مُنكر شرعًا معروف نكارته وضلالته بنصِّ الشرع يقوم إنسان فيفتح باب لهذا الشَّرِّ ، فيكون عليه وزره ومَن عمل بها إلى يوم القيامة ، يعني - مثلًا - التبرج ، رفع القبور والتَّفاخر ببنيانها ، بناء المساجد على القبور ؛ كلُّ هذه محرمات في الإسلام ، فأول واحد فتح هالسنَّة المنكرة عليه وزرها ووزر مَن عمل بها إلى يوم القيامة ، هو لم يأتِ بمنكر غير معروف شرعًا ، معروف أنه منكر بالشرع ، لكن الناس كانت في عافية من هذا المنكر ، فجاء زيد من الناس ففتح الباب لهذا المنكر ؛ فهو ما سنَّ سنة سيِّئة بمعنى ابتدع وأحدث شيء في الشرع ما نبَّه على مكانته ... وإنَّما هو فتح طريق المنكر أمام الناس ، فكان عليه وزرُه ووزر من عمل به إلى يوم القيامة . هذا هو الأمر الأول الذي يمكن أن نفهم الحديث فهمًا صحيحًا ونردَّ به التفسير الخاطئ الذي جاء في الأزمنة المتأخِّرة ؛ لأن معنى الحديث : ( من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) أي : من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ، هذا التفسير خطأ ، والتفسير الصحيح قد تبيَّن لكم .
الأمر الثاني : أن نقول : في هذا الحديث ذكر السنة الحسنة وذكر السنة السيئة ؛ فما هو المعيار للتمييز بين السنة الحسنة ولنقُلْ معهم الآن مجاراةً لهم على ألفاظهم : ما المعيار وما الميزان للتفريق بين البدعة الحسنة والبدعة السيئة إلا القرآن والسنة ؟ ليس عندنا سوى ذلك .
إذًا كل من يقول هذه بدعة حسنة أو يقول هذه بدعة سيئة ؛ فلا بد أن يأتِيَ على ما يقول بالدليل الذي يشهَدُ بما يقول من الكتاب أو السنة ، أما مجرَّد القول كما نسمع دائمًا وأبدًا حينما يقول أنصار السنة ... للناس أنَّ هذه يا أخي بدعة ، يكون الجواب : شو فيها يا أخي ؟ هيك الإسلام شو فيها يا أخي ؟ شو عرَّفك أنُّو هَيْ سنة حسنة ؟ لا بدَّ أن يأتي بهذا الذي يستحسن هذه البدعة بالدليل المحسِّن ، والذي ينكر البدعة ويسمِّيها بأنها بدعة سيئة ؛ فهو - أيضًا - أن يأتِيَ بالدليل على أنها بدعة سيئة .
وهنا لا بدَّ من التذكير بخطأ يقع فيه أولئك الناس ، حينما يُقال هذه بدعة يأتيك الجواب بـ : أنت كلك بدعة ، هكذا يبادرونها : كلك بدعة ، ليه ؟ هذا ليس من السنة ، وهذا ليس من السنة ، ... إلى آخره ، كل هذا لم يكن في عهد السلف الصالح ، هذه غفلة منهم عن الشعور بمنَّة الله وفضله على الناس في الآية السابقة ؛ هو قال : (( أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )) ما قال : أتممت عليكم دنياكم !! فهذه من أمور الدنيا ، ليس لها علاقة بالدين أبدًا ، كلُّ إنسان له أن يأكل وأن يشرب وأن يلبس ما يشاء ، لكن في حدود الشرع ، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - صرَّح من أجل هذا قال : ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) ، فيخلط هؤلاء الناس بين البدعة الدينية وبين البدعة الدنيوية ، فأول ما تُنكر عليه بدعة من بدع الدين رأسًا ينقلب بيحاججك ببدعة من بدع الدنيا ، يا أخي ، رسول الله ما جاء ليعلِّمَنا المهن و الاختراع والابتكار في أمور الدنيا ، وإنما قال - عليه السلام - : ( ما تركت شيئًا يقرِّبكم إلى الله إلا وأمرتكم به ) . أما وسائل الدنيا والتوسُّع بها فهذه ليس لها علاقة بالدين .
إذًا من يفسِّر الحديث بمَن ابتدع بدعةً حسنةً عليه أن يأتي بالدليل من الكتاب والسنة أنَّ هذه بدعة حسنة ، وحينَ ذاك نحن نسلِّم لهم تسليمًا إذا جاؤوا بالحديث يؤيِّد أن هذا الذي يسمُّونه بأنها بدعة في الدين لكنها بدعة حسنة جاؤوا بالدليل على أنَّها حسنة ، فيبقى حينَ ذاك الخلاف بيننا وبينهم كما يقول الفقهاء خلافًا لفظيًّا . نحن لا نوافقهم على تسمية ما قام الدليل الشرعي على حُسنِه ، لا نوافقهم على تسميته بدعة وهم يسمُّونها بدعة ، لا بأس ، بس المهم أنُّو يكون هناك دليل يؤيد ما وصفوا به البدعة من أنها حسنة ، وآتيكم بمثال ، وهذا نستنكره أشدَّ الاستنكار لمَّا يقسمون البدعة إلى خمسة أقسام .
يستدلون بهذا الحديث على أنَّ في الإسلام بدعة حسنة وبدعة سيِّئة ، وكشف الخطأ في هذا الاستدلال يمكن أن يقوم على أمرين اثنين :
الأمر الأول : أن نستحضِرَ سبب ورود الحديث ؛ فإنَّ معرفتنا بسبب ورود الحديث سيكشف لنا مباشرةً خطأ الاستدلال بالحديث على أنَّ في الإسلام بدعة حسنة لم يأتِ بها الرسول - عليه السلام - ولا أمر بها ، وإنما يستحسنها المسلمون .
سبب هذا الحديث كما هو - أيضًا - مذكور مع الحديث في " صحيح مسلم " وغيره ؛ يقول جرير بن عبد الله البجلي : كنَّا جلوسًا عند مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فجاءه أعراب مجتابي النمار متقلِّدي السيوف ، عامَّتهم من مضر - بل كلهم من مضر - ، فلما رآهم رسول الله تمعَّرَ وجهه - أي : ظهرت عليه ملامح الحزن والأسى لِمَا رأى في هؤلاء المُضريِّين من فقرٍ مدقعٍ - ، فخطب - عليه الصلاة والسلام - في الناس ، ووعظهم وذكَّرهم ، وكان من جملة ذلك أن قال لهم : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ... أَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ )) "" الشاكرين "" (( وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ )) .
نعم ؟
السائل : ... .
الشيخ : (( مِنَ الصَّالِحِينَ )) . قرأ هذه الآية يحضُّ فيها الصحابة الصدقة على هؤلاء ، وزاد في ذلك أن قال - عليه الصلاة والسلام - مفسِّرًا الآية : ( تصدَّق بدرهمه ، بديناره ، بصاع برِّه ، بصاع شعيره ) ، فكان أن قام رجلٌ منهم لينطلق إلى داره ويعود ومعه ما تيسَّر له من صدقة وضعها أمام الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - ، فلما رآه سائر الصحابة قام كل منهم - أيضًا - وجاء بما تيسَّر له من صدقة ، فاجتمع أمام الرسول - صلوات الله وسلامه عليه - كأمثال الجبال من الطعام والدراهم ، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - صار وجهه كأنَّه مُذهَبَة ؛ تهلَّل وجهه كأنه مذهبة ؛ الفضَّة المطليَّة بالذهب ، تبرق أسارير وجهه - عليه السلام - فرحًا باستجابة أصحابه لموعظته - عليه السلام - ، وقال : ( من سنَّ في الإسلام سنة حسنة ) إلى آخر الحديث .
فالآن هم يفسِّرون من سنَّ بمعنى من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ، وهنا في الشطر الثاني : ( ومن سنَّ في الإسلام سنَّة سيِّئة ) ؛ أي : ابتدع في الإسلام بدعة سيِّئة ، يفسرون مَن سنَّ بمعنى من ابتدع في كلٍّ من الموضعين ، فالآن نعود إلى الشطر الأول من هذا الحديث الذي فيه : ( من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) ، وهم يفسرونها بقولهم : من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ؛ أين البدعة في هذه القصة حتى يصحَّ تفسير الحديث بما يذهبون إليه ؟! لا نجد في هذه القصة سوى الصدقة ، والصدقة مشروعة بنصِّ القرآن قبل هذه الحادثة ، رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكَّرهم في الآية السابقة : (( أَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ )) ، فإذًا هذه الصدقة ليست بدعة ، وأكَّد لهم الرسول - عليه السلام - فحضَّهم أن يتصدَّق أحدهم ولو بدرهم ... .
فإذًا ليس في هذه الحادثة بدعة حسنة حتَّى يُقال : إن الرسول قال بهذه المناسبة : من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة !! لا يتجاوب أبدًا لو حرَّفنا لفظَ الحديث إلى هذا اللفظ ؛ مَن ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ، لا يتجاوب هذا اللفظ مع الحادثة مطلقًا ؛ لأنَّ الحادثة ليس فيها بدعة مطلقًا ، فهذا يبيِّن خطأ هذا التفسير ، وأنا كما أقول بمثل هذه المناسبة : إنَّ تفسير هذا الحديث بهذا التفسير المتأخِّر ؛ مَن ابتدع في الإسلام بدعة حسنة لا يفعلها رجلٌ أعجمي ليس عربيًّا إذا كان عنده شيء من الفقه الإسلامي وشيء من المعرفة باللغة العربية ؛ لأنه ليس هناك تطابق ولا أيُّ موافقة بين الواقعة وبين قول مَن قد يقول : من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة في مثل هذه المناسبة !! فهذا يدل على خطأ هذا التفسير ، والتفسير الصحيح واضح جدًّا ، من تأمُّلنا تأمُّلًا قليلًا في الحادثة ، إذا عُدْنا إلى نظم الحديث : ( من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) ، نسأل الآن : الصدقة حسنة أم سيِّئة ؟ لا شك أنها حسنة . طيِّب ؛ كان قد شَرَعَها الله - عز وجل - بنص الآية السابقة وشرعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديثه أم لا ؟ كان قد شرعها بنصِّ الآية السابقة وبحديثه .
إذًا هذا المتصدق الأول لم يأتِ ببدعة حسنة ، لم يأتِ بشيء جديد لم يكن معروفًا من قبل ... بل الصدقة من فضائل الأعمال وجاء فيها أحاديث كثيرة .
إذًا ما معنى قول الرسول - عليه السلام - في هذا الحديث بالذَّات : ( من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) ؟ واضح جدًّا من الحادثة أنَّ الرجل الأول كان أوَّل من استجاب لموعظة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وأوَّل من انطلق إلى داره ليأتي بما تيسَّر له من الصدقة ، فاتَّبَعَه الصحابة على ذلك ، فكان هو بانطلاقه أول كل إنسان أنَّ لهؤلاء هذه السنة الحسنة ؛ فهو إذًا كي لا تكونون غافلين عن مشروع خيري فيُلهم الله - عز وجل - أحدهم فيقوم بهذا المشروع ، هذا المشروع مذكور الأمر به في الكتاب والسنة ، لو فرضنا جمع أموال لأيتام لمساكين لبناء مسجد لأيِّ عمل خيري لا يمكن لإنسان عنده ذرَّة من الفقه أن يقول : هذا العمل الخيري بدعة في الدين أبدًا ، لكن كان هذا الإنسان أول مَن تحرَّك لهذا المشروع الخيري فأعانه الناس على ذلك ؛ فهذا الإنسان الأول يُطلق عليه أنه سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ، لكن التحكيم ليس من عنده ، التحكيم ممَّن له التحكيم والتطبيق وهو الله - تبارك وتعالى - ، لكن هو كان أوَّل مَن تحرَّك لفتح باب هذا المشروع الحَسَن بنصِّ الشرع بنصِّ الكتاب والسنة .
إذًا مَن سنَّ بمعنى مَن فتح طريقًا إلى سنة حسنة بالنَّصِّ لا بالعقل والهوى كما يفسِّره جماهير الناس اليوم كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة .
كذلك تمام الحديث إذا ما قام به الإنسان ينطبق عليه : ( من سنَّ في الإسلام سنَّة سيِّئة ) ، ما هي السنَّة السيِّئة ؟ أمر مُنكر شرعًا معروف نكارته وضلالته بنصِّ الشرع يقوم إنسان فيفتح باب لهذا الشَّرِّ ، فيكون عليه وزره ومَن عمل بها إلى يوم القيامة ، يعني - مثلًا - التبرج ، رفع القبور والتَّفاخر ببنيانها ، بناء المساجد على القبور ؛ كلُّ هذه محرمات في الإسلام ، فأول واحد فتح هالسنَّة المنكرة عليه وزرها ووزر مَن عمل بها إلى يوم القيامة ، هو لم يأتِ بمنكر غير معروف شرعًا ، معروف أنه منكر بالشرع ، لكن الناس كانت في عافية من هذا المنكر ، فجاء زيد من الناس ففتح الباب لهذا المنكر ؛ فهو ما سنَّ سنة سيِّئة بمعنى ابتدع وأحدث شيء في الشرع ما نبَّه على مكانته ... وإنَّما هو فتح طريق المنكر أمام الناس ، فكان عليه وزرُه ووزر من عمل به إلى يوم القيامة . هذا هو الأمر الأول الذي يمكن أن نفهم الحديث فهمًا صحيحًا ونردَّ به التفسير الخاطئ الذي جاء في الأزمنة المتأخِّرة ؛ لأن معنى الحديث : ( من سنَّ في الإسلام سنَّة حسنة ) أي : من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة ، هذا التفسير خطأ ، والتفسير الصحيح قد تبيَّن لكم .
الأمر الثاني : أن نقول : في هذا الحديث ذكر السنة الحسنة وذكر السنة السيئة ؛ فما هو المعيار للتمييز بين السنة الحسنة ولنقُلْ معهم الآن مجاراةً لهم على ألفاظهم : ما المعيار وما الميزان للتفريق بين البدعة الحسنة والبدعة السيئة إلا القرآن والسنة ؟ ليس عندنا سوى ذلك .
إذًا كل من يقول هذه بدعة حسنة أو يقول هذه بدعة سيئة ؛ فلا بد أن يأتِيَ على ما يقول بالدليل الذي يشهَدُ بما يقول من الكتاب أو السنة ، أما مجرَّد القول كما نسمع دائمًا وأبدًا حينما يقول أنصار السنة ... للناس أنَّ هذه يا أخي بدعة ، يكون الجواب : شو فيها يا أخي ؟ هيك الإسلام شو فيها يا أخي ؟ شو عرَّفك أنُّو هَيْ سنة حسنة ؟ لا بدَّ أن يأتي بهذا الذي يستحسن هذه البدعة بالدليل المحسِّن ، والذي ينكر البدعة ويسمِّيها بأنها بدعة سيئة ؛ فهو - أيضًا - أن يأتِيَ بالدليل على أنها بدعة سيئة .
وهنا لا بدَّ من التذكير بخطأ يقع فيه أولئك الناس ، حينما يُقال هذه بدعة يأتيك الجواب بـ : أنت كلك بدعة ، هكذا يبادرونها : كلك بدعة ، ليه ؟ هذا ليس من السنة ، وهذا ليس من السنة ، ... إلى آخره ، كل هذا لم يكن في عهد السلف الصالح ، هذه غفلة منهم عن الشعور بمنَّة الله وفضله على الناس في الآية السابقة ؛ هو قال : (( أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )) ما قال : أتممت عليكم دنياكم !! فهذه من أمور الدنيا ، ليس لها علاقة بالدين أبدًا ، كلُّ إنسان له أن يأكل وأن يشرب وأن يلبس ما يشاء ، لكن في حدود الشرع ، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - صرَّح من أجل هذا قال : ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) ، فيخلط هؤلاء الناس بين البدعة الدينية وبين البدعة الدنيوية ، فأول ما تُنكر عليه بدعة من بدع الدين رأسًا ينقلب بيحاججك ببدعة من بدع الدنيا ، يا أخي ، رسول الله ما جاء ليعلِّمَنا المهن و الاختراع والابتكار في أمور الدنيا ، وإنما قال - عليه السلام - : ( ما تركت شيئًا يقرِّبكم إلى الله إلا وأمرتكم به ) . أما وسائل الدنيا والتوسُّع بها فهذه ليس لها علاقة بالدين .
إذًا من يفسِّر الحديث بمَن ابتدع بدعةً حسنةً عليه أن يأتي بالدليل من الكتاب والسنة أنَّ هذه بدعة حسنة ، وحينَ ذاك نحن نسلِّم لهم تسليمًا إذا جاؤوا بالحديث يؤيِّد أن هذا الذي يسمُّونه بأنها بدعة في الدين لكنها بدعة حسنة جاؤوا بالدليل على أنَّها حسنة ، فيبقى حينَ ذاك الخلاف بيننا وبينهم كما يقول الفقهاء خلافًا لفظيًّا . نحن لا نوافقهم على تسمية ما قام الدليل الشرعي على حُسنِه ، لا نوافقهم على تسميته بدعة وهم يسمُّونها بدعة ، لا بأس ، بس المهم أنُّو يكون هناك دليل يؤيد ما وصفوا به البدعة من أنها حسنة ، وآتيكم بمثال ، وهذا نستنكره أشدَّ الاستنكار لمَّا يقسمون البدعة إلى خمسة أقسام .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 28
- توقيت الفهرسة : 00:37:55
- نسخة مدققة إملائيًّا