ما الفرق بين البدعة والمصلحة المرسلة ؟
A-
A=
A+
السائل : ... .
الشيخ : لقد فتحت لي - جزاك الله خيرًا بابًا من العلم جديدًا ؛ هناك فرق كبير بين البدعة الموصوفة في الشرع بأنها ضلالة ... لذا ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) ، وبين ما كان مصلحةً مرسلةً ؛ فالمصالح المرسلة لا تحشر في قاعدة كل بدعة ضلالة ، والضابط بين البدعة الضلالة وبين المصلحة المرسلة ؛ أن البدعة يُراد بها زيادة التقرُّب إلى الله - تبارك وتعالى - ، وهذا ينافي بعض ما ذكرناه في درسنا في هذه الليلة ، أما الشرع قد تم ، والرسول أحرص منَّا على العبادة ، ولذلك فلا بدعة للاستزادة بها من التقرب إلى الله - تبارك وتعالى - ، أما المصالح المرسلة فهي ليست من هذا الباب الكبير ، وإنما هي تحقِّق مصلحة اقتضتها الظروف الزمنية أو المكانية ، وإلى هذا يشير الشيخ الفاضل بأنُّو الآن الزمن تغيَّر ؛ كان هناك ورع وتقوى والآن لا شيء من ذلك ، فأنا ذكرت آنفًا أنه مما يؤيِّد قوله : أن النساء لم يَعُدْنَ يعتبرْنَ الحجاب الشرعي ، من أجل ذلك قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - " لو علم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما أحدث النساء بعده لمنعهنَّ المساجد " .
لكن أقول - وهنا الشاهد - : إن المصلحة المرسلة لا يجوز الأخذ بها بإطلاق ، وإنما لا بدَّ هناك من التفصيل ، وهذا التفصيل مما استفدته من ابن تيمية - رحمه الله - ، وبخاصَّة من كتابه " إقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " ، فقد ذكر هناك وهو في صدد تأكيد عموم الحديث السابق : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) ، ثمَّ تسلسل في البحث حتى وصل إلى موضوع المصالح المرسلة ، فذكر فائدة هامة جدًّا ، وهي أن المصلحة المرسلة يجب أن يُنظر إليها بالتفصيل التالي : إذا كان المقتضي للأخذ بها كان قائمًا في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم هو لم يُشرِّع ما تقتضيه تلك المصلحة ، وقد وُجد المقتضي لها في زمنه - عليه السلام - ؛ فهذه بدعة وليست مصلحة مرسلة ، ويضرب على ذلك مثلًا الأذان للعيدين ، الأذان للعيدين للإعلام ، قد يقول البعض : هذا مصلحة ، لكن هذه المصحلة كان المقتضي لها في زمن الرسول - عليه السلام - قائمًا ، ونحن نعلم من الروايات الصحيحة أنه لم يكن ثمَّت في عهد الرسول - عليه السلام - أذان لهذين العيدين ، فإذًا ادِّعاء أن المصلحة تقتضي إيجاد أذان لكلٍّ من الصلاتين المذكورتين المختلفين هذا ادِّعاء باطل ، ويدخل في باب الإحداث في الدين ؛ هذا إذا كان المقتضي قائمًا في عهد الرسول - عليه السلام - ثم لم يتمَّ ما يلزم من هذا المقتضي ، ثم يقول : فإذا كان المقتضي للأخذ بتلك المصلحة لم يكن قائمًا في عهد الرسول - عليه السلام - ، وإنما حدث هذا المقتضي بعد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فذلك لا يستلزم - أيضًا - شرعية أو ... إيجاد تلك الوسيلة التي تحقِّق الغاية اللازمة من وجود المقتضي الذي لم يكن موجودًا في عهد الرسول ، يقول : ليس هذا على إطلاقه ، فهذا جدًّا مهم جدًّا جدًّا ، فيقول : ينبغي أن ننظر هل هذا المقتضي ناشئ بسبب تأخر المسلمين تكاسل المسلمين بالقيام بأحكام دينهم أم ذلك فُرِضَ عليهم لظروف لا يملكون التصرف فيها ؟ فإن كان المقتضي للأخذ بتلك المصلحة هو عدم تطبيقهم لبعض الأحكام الشرعية ؛ فلا يجوز الأخذ بها ، وإن كان المقتضي ليس ناتجًا بسبب تقصيرهم لتطبيق الشريعة حينذاك يُقال المصلحة تقتضي ذلك ، فنحن ذكرنا آنفًا ما كان المقتضي قائمًا في عهد الرسول ؛ مثل أذانين قلنا لا ... .
الآن لنضرب مثلَين أحدهما كلاهما يتعلق بالمقتضي الذي وُجِدَ بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن أحدهما من النوع الذي سببه تقاعس المسلمين وتكاسلهم عن القيام ببعض أحكام الدين ، ومثال آخر يتعلَّق بالقسم آخر ؛ وهو أنهم فُرِضَ عليهم فرضًا وليسوا مسؤولين عنه ، يذكر مثلًا فرض الضرائب وهي المكوس ، فرض الضرائب هي المكوس المحرَّمة في الشرع ، لكن يذكر هو وسبقه أو عاصره - ما عاد أذكر الآن - أبو إسحاق الشاطبي مؤلِّف الكتاب الذي لا مثيل له ؛ ألا وهو " الاعتصام " ، بحث بحثًا مستفيضًا هناك بنحو ما بحثَه ابن تيمية في سبيل إنكار هذه الضرائب ؛ لأنها تدخل في باب أكل أموال الناس بالباطل ، والأصل فيها التحريم كما قال - عليه الصلاة والسلام - : ( كلُّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) ، وقد قال في الحديث الآخر : ( لا يحلُّ مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه ) ، هذه الضرائب التي تُفرض هي من هذا الباب الذي لا يُشرع ، لكنهما يقولان كلاهما - ابن تيمية والشاطبي - : إذا طرأ على المسلمين غزوٌ من بعض الكفار ، وكان ما في خزينة الدولة من الأموال المشروعة لا تكفي ولا تنهض لتهيئة الجيش المسلم لدفع غائلة العدو ؛ فحينئذٍ يجوز للحاكم المسلم أن يفرض ضرائب بنِسَب تختلف باختلاف بين الأغنياء حتى يزولَ هذا العارض ويُدفع شرُّ العدو عن بلاد المسلمين ، هنا يُقال وجد المقتضي ليسوا هم مسؤولين عنه ؛ لأنه ... ، لكن ما الذي يشرِّع للناس أو يجرِّئ الحكام أن يفرضوا ضرائب على الناس وهي ليس هناك ضرورة أولًا ، وثانيًا قد عطَّلوا جمع الأموال المشروعة ، فخلا بيت مال المسلمين من الأموال ؛ لأنهم لم يعودوا يجمعون صدقات الأموال كما كان العهد الأول في عهد الرسول فيما بعد ؛ فخلت الخزائن من الأموال ، فهم يريدون أن يملؤوها ؛ بماذا ؟ بالوسائل التي هم ابتدعوها أو قلَّدوا الكفار فيها ، وأعرضوا عن الوسائل المشروعة التي شرعَها الله - عز وجل - لتكون خزائن الدولة دائمًا ملأى ومستعدة لنداء الطوارئ ، هذا نوع لا يجوز ؛ لأن المقتضي كان سببه تكاسل المسلمين وانصرافهم عن تحقيق أوامر الشريعة الإسلامية .
فإذًا الآن نحن نعود إلى صلب الموضوع ؛ لم يعد المسلمون أتقياء كما كانوا وورعين كسلفنا الصالح ، فهذا تقصير منهم لا يسوِّغ لهم أن يتخذوا أسبابًا خلاف الأسباب السابقة المشروعة لدرء مفسدة ما يمكن بسبب إيش ؟ تركهم للتقوى ذهاب الورع في الدين ، هذا بالنسبة للرجال الذين قد ينظرون ، وبالنسبة للنساء اللاتي قد يتساهلْنَ في ألبستهنَّ فلا هذا ولا هذا بالذي يسوِّغ للمسلمين أن يبتدعوا وسائل جديدة .
وأقرب مثال أخيرًا ما ابتُليت به مساجد المسلمين اليوم كافة ؛ ألا وهو مدُّ الخطوط لتسوية الصفوف ، هذه الخطوط بلا شك من مُحدثات الأمور ، لكننا من المحتمل أن ننظر إليها من زاوية المصالح المرسلة ، لكن لننظر لأيِّ قسم من هذه الأقسام الثلاثة التي فصلنا آنفًا فيها القول تفصيلًا يمكن إدراج هذا الأمر الحادث ؟
لا يمكن إدراجه في قاعدة أنُّو وُجِدَ المقتضي بعد أن لم يكن ، لقد كان الرسول - عليه السلام - دائمًا يحضُّ أصحابه على تسوية الصفوف ، وينذرهم بعاقبة التهاون في ذلك كما تعلمون ؛ ( لتسوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم ) ، أعرض ولاة الأمور ومباشرةً أقول أئمة المساجد ، أكثرهم أعرضوا عن هذه السنة ، وتهاونوا بتسوية الصفوف إلا بكلمة هي : " استووا " ، وإذا إلتفت يسارًا جزاه الله خيرًا ، وكرَّرها مرة ثانية ، وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان .
الحضور : ... .
الشيخ : هو هذا ، فهذا يؤدِّي إلى هذا تقاعس وتكاسل عن تطبيق سنة الأمر بتسوية الصفوف ، انظروا الآن كيف المسألة تختلف ؛ في زمن عثمان بن عفان كان قد وكَّل رجلًا يأمرهم بتسوية الصفوف ؛ لماذا ؟ لأن المسجد ضاق بالمصلين ، ولم يعد للإمام مهما كان حريصًا على تطبيق السنة أن يتمكَّن من تسوية كل هذه الصفوف ؛ لذلك أناب عنه شخصًا ، فإذا أخبره هذا الشخص بأن الصفوف تمَّت هو يقول : الله أكبر ، هذا من المصالح المرسلة ، أما مدُّ الصفوف فهي من المفاسد التي تُوجد في هذا الزمن في الحقيقة ؛ لأنها تحمل الناس على الإعراض عن السنة والاتكال على البدعة باسم إيش ؟ هذه مصلحة مرسلة ، ومن عواقب هذه المصلحة المرسلة أنه يأتي في عيد الفطر وعيد الأضحى والسنة الخروج بهما إلى المصلى ، بعضهم ... لا يجيد الصفوف في المصليات ... ولهذا ستجد الصفوف فيها اعوجاج ؛ شيء صاعد شيء طالع ؛ لأنهم ما تمرَّنوا كل يوم في خمس صلوات ، ما أظن أنُّو في النظم العسكرية يوجد أنُّو الجند يمرَّنون بتسوية الصَّفِّ كل يوم خمس مرات ، لا يوجد هذا النظام إلا في الإسلام ، لكن ما فائدة هذا النظام في الإسلام إذا كان المسلمون لا يتبنَّونه إلا ذهنًا وفكرًا ليس عملًا ؟ قلنا : ما فائدة هذا النظام إذا صدق فينا قول ربِّ الأنام : (( أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير )) ؟ هذا هو الاستبدال ، فلذلك فعلينا دائمًا وأبدًا - كما قلنا في المحاضرة - أن نعرف السنة علمًا وأن نطبِّقها عملًا ، وهناك تكون السعادة في الدنيا والآخرة .
نسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا من هؤلاء السعداء .
السائل : جزاك الله خير .
الشيخ : لقد فتحت لي - جزاك الله خيرًا بابًا من العلم جديدًا ؛ هناك فرق كبير بين البدعة الموصوفة في الشرع بأنها ضلالة ... لذا ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) ، وبين ما كان مصلحةً مرسلةً ؛ فالمصالح المرسلة لا تحشر في قاعدة كل بدعة ضلالة ، والضابط بين البدعة الضلالة وبين المصلحة المرسلة ؛ أن البدعة يُراد بها زيادة التقرُّب إلى الله - تبارك وتعالى - ، وهذا ينافي بعض ما ذكرناه في درسنا في هذه الليلة ، أما الشرع قد تم ، والرسول أحرص منَّا على العبادة ، ولذلك فلا بدعة للاستزادة بها من التقرب إلى الله - تبارك وتعالى - ، أما المصالح المرسلة فهي ليست من هذا الباب الكبير ، وإنما هي تحقِّق مصلحة اقتضتها الظروف الزمنية أو المكانية ، وإلى هذا يشير الشيخ الفاضل بأنُّو الآن الزمن تغيَّر ؛ كان هناك ورع وتقوى والآن لا شيء من ذلك ، فأنا ذكرت آنفًا أنه مما يؤيِّد قوله : أن النساء لم يَعُدْنَ يعتبرْنَ الحجاب الشرعي ، من أجل ذلك قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - " لو علم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما أحدث النساء بعده لمنعهنَّ المساجد " .
لكن أقول - وهنا الشاهد - : إن المصلحة المرسلة لا يجوز الأخذ بها بإطلاق ، وإنما لا بدَّ هناك من التفصيل ، وهذا التفصيل مما استفدته من ابن تيمية - رحمه الله - ، وبخاصَّة من كتابه " إقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " ، فقد ذكر هناك وهو في صدد تأكيد عموم الحديث السابق : ( كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ) ، ثمَّ تسلسل في البحث حتى وصل إلى موضوع المصالح المرسلة ، فذكر فائدة هامة جدًّا ، وهي أن المصلحة المرسلة يجب أن يُنظر إليها بالتفصيل التالي : إذا كان المقتضي للأخذ بها كان قائمًا في عهد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم هو لم يُشرِّع ما تقتضيه تلك المصلحة ، وقد وُجد المقتضي لها في زمنه - عليه السلام - ؛ فهذه بدعة وليست مصلحة مرسلة ، ويضرب على ذلك مثلًا الأذان للعيدين ، الأذان للعيدين للإعلام ، قد يقول البعض : هذا مصلحة ، لكن هذه المصحلة كان المقتضي لها في زمن الرسول - عليه السلام - قائمًا ، ونحن نعلم من الروايات الصحيحة أنه لم يكن ثمَّت في عهد الرسول - عليه السلام - أذان لهذين العيدين ، فإذًا ادِّعاء أن المصلحة تقتضي إيجاد أذان لكلٍّ من الصلاتين المذكورتين المختلفين هذا ادِّعاء باطل ، ويدخل في باب الإحداث في الدين ؛ هذا إذا كان المقتضي قائمًا في عهد الرسول - عليه السلام - ثم لم يتمَّ ما يلزم من هذا المقتضي ، ثم يقول : فإذا كان المقتضي للأخذ بتلك المصلحة لم يكن قائمًا في عهد الرسول - عليه السلام - ، وإنما حدث هذا المقتضي بعد الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - فذلك لا يستلزم - أيضًا - شرعية أو ... إيجاد تلك الوسيلة التي تحقِّق الغاية اللازمة من وجود المقتضي الذي لم يكن موجودًا في عهد الرسول ، يقول : ليس هذا على إطلاقه ، فهذا جدًّا مهم جدًّا جدًّا ، فيقول : ينبغي أن ننظر هل هذا المقتضي ناشئ بسبب تأخر المسلمين تكاسل المسلمين بالقيام بأحكام دينهم أم ذلك فُرِضَ عليهم لظروف لا يملكون التصرف فيها ؟ فإن كان المقتضي للأخذ بتلك المصلحة هو عدم تطبيقهم لبعض الأحكام الشرعية ؛ فلا يجوز الأخذ بها ، وإن كان المقتضي ليس ناتجًا بسبب تقصيرهم لتطبيق الشريعة حينذاك يُقال المصلحة تقتضي ذلك ، فنحن ذكرنا آنفًا ما كان المقتضي قائمًا في عهد الرسول ؛ مثل أذانين قلنا لا ... .
الآن لنضرب مثلَين أحدهما كلاهما يتعلق بالمقتضي الذي وُجِدَ بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن أحدهما من النوع الذي سببه تقاعس المسلمين وتكاسلهم عن القيام ببعض أحكام الدين ، ومثال آخر يتعلَّق بالقسم آخر ؛ وهو أنهم فُرِضَ عليهم فرضًا وليسوا مسؤولين عنه ، يذكر مثلًا فرض الضرائب وهي المكوس ، فرض الضرائب هي المكوس المحرَّمة في الشرع ، لكن يذكر هو وسبقه أو عاصره - ما عاد أذكر الآن - أبو إسحاق الشاطبي مؤلِّف الكتاب الذي لا مثيل له ؛ ألا وهو " الاعتصام " ، بحث بحثًا مستفيضًا هناك بنحو ما بحثَه ابن تيمية في سبيل إنكار هذه الضرائب ؛ لأنها تدخل في باب أكل أموال الناس بالباطل ، والأصل فيها التحريم كما قال - عليه الصلاة والسلام - : ( كلُّ المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) ، وقد قال في الحديث الآخر : ( لا يحلُّ مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه ) ، هذه الضرائب التي تُفرض هي من هذا الباب الذي لا يُشرع ، لكنهما يقولان كلاهما - ابن تيمية والشاطبي - : إذا طرأ على المسلمين غزوٌ من بعض الكفار ، وكان ما في خزينة الدولة من الأموال المشروعة لا تكفي ولا تنهض لتهيئة الجيش المسلم لدفع غائلة العدو ؛ فحينئذٍ يجوز للحاكم المسلم أن يفرض ضرائب بنِسَب تختلف باختلاف بين الأغنياء حتى يزولَ هذا العارض ويُدفع شرُّ العدو عن بلاد المسلمين ، هنا يُقال وجد المقتضي ليسوا هم مسؤولين عنه ؛ لأنه ... ، لكن ما الذي يشرِّع للناس أو يجرِّئ الحكام أن يفرضوا ضرائب على الناس وهي ليس هناك ضرورة أولًا ، وثانيًا قد عطَّلوا جمع الأموال المشروعة ، فخلا بيت مال المسلمين من الأموال ؛ لأنهم لم يعودوا يجمعون صدقات الأموال كما كان العهد الأول في عهد الرسول فيما بعد ؛ فخلت الخزائن من الأموال ، فهم يريدون أن يملؤوها ؛ بماذا ؟ بالوسائل التي هم ابتدعوها أو قلَّدوا الكفار فيها ، وأعرضوا عن الوسائل المشروعة التي شرعَها الله - عز وجل - لتكون خزائن الدولة دائمًا ملأى ومستعدة لنداء الطوارئ ، هذا نوع لا يجوز ؛ لأن المقتضي كان سببه تكاسل المسلمين وانصرافهم عن تحقيق أوامر الشريعة الإسلامية .
فإذًا الآن نحن نعود إلى صلب الموضوع ؛ لم يعد المسلمون أتقياء كما كانوا وورعين كسلفنا الصالح ، فهذا تقصير منهم لا يسوِّغ لهم أن يتخذوا أسبابًا خلاف الأسباب السابقة المشروعة لدرء مفسدة ما يمكن بسبب إيش ؟ تركهم للتقوى ذهاب الورع في الدين ، هذا بالنسبة للرجال الذين قد ينظرون ، وبالنسبة للنساء اللاتي قد يتساهلْنَ في ألبستهنَّ فلا هذا ولا هذا بالذي يسوِّغ للمسلمين أن يبتدعوا وسائل جديدة .
وأقرب مثال أخيرًا ما ابتُليت به مساجد المسلمين اليوم كافة ؛ ألا وهو مدُّ الخطوط لتسوية الصفوف ، هذه الخطوط بلا شك من مُحدثات الأمور ، لكننا من المحتمل أن ننظر إليها من زاوية المصالح المرسلة ، لكن لننظر لأيِّ قسم من هذه الأقسام الثلاثة التي فصلنا آنفًا فيها القول تفصيلًا يمكن إدراج هذا الأمر الحادث ؟
لا يمكن إدراجه في قاعدة أنُّو وُجِدَ المقتضي بعد أن لم يكن ، لقد كان الرسول - عليه السلام - دائمًا يحضُّ أصحابه على تسوية الصفوف ، وينذرهم بعاقبة التهاون في ذلك كما تعلمون ؛ ( لتسوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفنَّ الله بين وجوهكم ) ، أعرض ولاة الأمور ومباشرةً أقول أئمة المساجد ، أكثرهم أعرضوا عن هذه السنة ، وتهاونوا بتسوية الصفوف إلا بكلمة هي : " استووا " ، وإذا إلتفت يسارًا جزاه الله خيرًا ، وكرَّرها مرة ثانية ، وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان .
الحضور : ... .
الشيخ : هو هذا ، فهذا يؤدِّي إلى هذا تقاعس وتكاسل عن تطبيق سنة الأمر بتسوية الصفوف ، انظروا الآن كيف المسألة تختلف ؛ في زمن عثمان بن عفان كان قد وكَّل رجلًا يأمرهم بتسوية الصفوف ؛ لماذا ؟ لأن المسجد ضاق بالمصلين ، ولم يعد للإمام مهما كان حريصًا على تطبيق السنة أن يتمكَّن من تسوية كل هذه الصفوف ؛ لذلك أناب عنه شخصًا ، فإذا أخبره هذا الشخص بأن الصفوف تمَّت هو يقول : الله أكبر ، هذا من المصالح المرسلة ، أما مدُّ الصفوف فهي من المفاسد التي تُوجد في هذا الزمن في الحقيقة ؛ لأنها تحمل الناس على الإعراض عن السنة والاتكال على البدعة باسم إيش ؟ هذه مصلحة مرسلة ، ومن عواقب هذه المصلحة المرسلة أنه يأتي في عيد الفطر وعيد الأضحى والسنة الخروج بهما إلى المصلى ، بعضهم ... لا يجيد الصفوف في المصليات ... ولهذا ستجد الصفوف فيها اعوجاج ؛ شيء صاعد شيء طالع ؛ لأنهم ما تمرَّنوا كل يوم في خمس صلوات ، ما أظن أنُّو في النظم العسكرية يوجد أنُّو الجند يمرَّنون بتسوية الصَّفِّ كل يوم خمس مرات ، لا يوجد هذا النظام إلا في الإسلام ، لكن ما فائدة هذا النظام في الإسلام إذا كان المسلمون لا يتبنَّونه إلا ذهنًا وفكرًا ليس عملًا ؟ قلنا : ما فائدة هذا النظام إذا صدق فينا قول ربِّ الأنام : (( أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير )) ؟ هذا هو الاستبدال ، فلذلك فعلينا دائمًا وأبدًا - كما قلنا في المحاضرة - أن نعرف السنة علمًا وأن نطبِّقها عملًا ، وهناك تكون السعادة في الدنيا والآخرة .
نسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا من هؤلاء السعداء .
السائل : جزاك الله خير .